عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-2008
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي بديع الزَّمان سعيد النَّوْرسي

معلم أنقذ الإيمان والحرية بالحوار وبالرجولة


بديع الزَّمان سعيد النَّوْرسي
محمد الصاوي
لخص دبلوماسيٌ عربي سيرةَ الدولة التركية خلال القرن العشرين بالقول: «جاء أتاتورك ورحل، وبقي الإسلام في تركيا» وبين المجيء والرحيل قصة لابد أن تروى، قصة الرجال الذين بهم بقي الإسلام في تركيا، من هؤلاء الرجال فتى يقال له النورسي. أنقذه الله من عدوه الذين حاولوا دس السم له سبع عشرة مرة، وحكموا عليه بالإعدام أربع مرات، فأنقذه الله منهم، لينقذ به إيمان أمة بأسرها.
بين رحيل الراحل وبقاء الإسلام هناك قصة لابد من معرفتها. إنها قصة القرآن ورجل القرآن. الرجل الذي نما إلى سمعه كلمة جلادستون:
«ما دام القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به». هذه الكلمات التي تفوه بها وزير المستعمرات البريطاني زلزلت كيان سعيد النورسي، فأعلن لمن حوله: «لأبرهنن للعالم أن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها».
في 1293هـ(1876 م) مع غروب قرن هجري ومطلع قرن جديد، وفي قرية نورس الواقعة في جنوب شرقي تركيا الحالية، ولد سعيد النورسي، فبدأت ملحمة حياته في خدمة القرآن العظيم، وإعادة الحياة والفعل للأمة المسلمة.
سئلت والدته: «ما طريقتك في تربيـة أولادك حتى حازوا هذا الذكاء النادر؟ أجابت: لم أفارق صلاة التهجد طوال حياتي إلا في الأيام المعذورة شرعًا. ولم أرضع أولادي إلا على طهر ووضوء». أما أبوه فكان يعود من حقله البعيد ببقرتين وثورين، وقد كمم أفواهها. ولما سئل أجاب: «أخشى أن تأكل من حقول الناس، فيطعم أولادي حرامًا». فأين حقوق الطفل يا سماسرة العصر؟
طالب العلوم عندما بلغ الخامسة عشرة أكمل قراءة ما يقرب من ثمانين كتابًا، وقد استوعبها وأُجيز عليها وتسلم الشهادة بإكمالها. كان يقرأ يوميًا ما يقارب مئتي صفحة أو يزيد من متون أمهات الكتب أمثال: جمع الجوامع في أصول الفقه: لتاج الدين عبدالوهاب السبكي(727 ـ 771 هـ). وشرح المواقف في علم الكلام، للعلامة عضد الدين الأيجي المتوفى (756 هـ). وكتاب «تحفـة المحتـاج في شرح المنهاج» لابن حجر الهيتمي المكي، وهـو شرح (منهاج الطالبين) للإمام النووي الشافعي. وكتاب الإظهار في النحو ( شرح على الكافية لابن الحاجب).
ولما أن ذهب إلى مدرسة الملا فتح الله أفندي في سعرد، وامتحن الشيخ مقدرته على القراءة والحفظ، قال: إن اجتماع الذكاء الخارق مع القابلية الخارقة للحفظ في شخص واحد من أندر الأمور.
وكان الملا فتح الله أول من أطلق على الملا سعيد لقب «بديع الزمان»، وصار النورسي منذئذ يلبس زي علماء الدين. ثم شرع فيما بعد في طلب العلوم الحديثة. ثم اجتهد في إجادة اللغة التركية، إذ كانت العربية هي لغته الأم.
في سنة 1314هـ (1897م) ذهب إلى مدينة «وان» وانكب فيها بعمق على دراسة كتب الرياضيات، والفلك، والكيمياء، والفيزياء، والجيولوجيا، والفلسفة والتاريخ، حتى تعمَق فيها إلى درجة التأليف في بعضها.
لقد حصل النورسي من العلوم ما زاده من القرآن قربًا، يقول: «خصص الوالي طاهر باشا غرفة لي في الطابق العلوي من مضيفة بعض قصور الأمراء تشع بالحكمة، فكنت أبيت هناك. وقد حفظت آنذاك ما يقرب من تسعين كتابًا في الحقائق. وكنت أعيد ما حفظته في ذاكرتي ثلاث ساعات يوميًا، فأكمله كل ثلاثة أشهر. فيا إخواني إني أشكر الله كثيرًا على تكراري لتلك المحفوظات، حيث أصبحت وسيلة للعروج إلى حقائق القرآن الكريم. ثم بلغت القرآن الكريم وشاهدت أن كل آية كريمة منه تحيط بالكون إحاطة تامة، وبعد ذلك أغناني القرآن عن غيره».
الخطبة الشامية في عام 1325هـ (1907م) قدم مشروعًا إلى السلطان عبدالحميد الثاني، لإنشاء جامعة إسلامية في شرق الأناضول، أطلق عليها اسم «مدرسة الزهراء» ـ على غرار الأزهر الشريف ـ تنهض بمهمة نشر حقائق الإسلام وتدمج فيها الدراسة الدينية مع العلوم الكونية الحديثة. لكن جماعة من الحاشية أوغروا صدر السلطان على النورسي.
لما لم يجد عند السلطان مأموله، قصد إلى الشام في عام 1329هـ ( 1911 م)، والتقى رجالاتها وعلماءها. وبسبب ما لمسوا فيه من علم ونجابة، استمعوا إليه في الجامع الأموي الشهير وهو يخطب في الآلاف من المصلين خطبة حفظها لنا الزمن، واشتهرت في تراثه بـ«الخطبة الشامية». لقد كانت تلك الخطبة برنامجًا سياسيًا واجتماعيًا متكاملاً، شخّص فيها أمراض الأمة الإسلامية المادية منها والمعنوية:
أولاً: اليأس الذي يجد فينا أسبابه وبعثه.
ثانيًا: موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.
ثالثًا: حب العداوة.
رابعًا: الجهل بالروابط النورانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.
خامسًا: سريان الاستبداد، سريان الأمراض المعدية المتنوعة.
سادسًا: حصر الهمة في المنفعة الشخصية.
العالم والفارس لم يؤيد النورسي دخول الدولة الحرب العالمية الأولى، ولكن باندلاع الحرب كان طبيعيًا أن يهب بديع الزمان في طليعة المجاهدين، فشكل فرقًا فدائية من طلابه، واستمات معهم في الدفاع عن حمى الوطن في جبهة القفقاس، وجرح في المعارك ضد الروس، وأُسر (1334 هـ) واقتيد شبه ميت إلى «قوصتورما» من مناطق سيبيريا في روسيا حيث قضى سنتين وأربعة أشهر. ثم هيأ له الله أثناء «الثورة البلشفية» الإفلات، فعاد إلى بلاده (19 رمضان 1336/8 يوليو 1918) واستقبل استقبالاً رائعًا من قبل الخليفة وشيخ الإسلام والقائد العام وطلبة العلوم الشرعية، ومنح وسام الحرب. وكلَفته الدولة بتسلم بعض الوظـائف، رفضها جميعًا إلا ما عينته له القيادة العسكرية من عضوية في «دار الحكمة الإسلامية»، التي كانت لا توجه إلا لكبار العلماء، فنشر في هذه الفترة أغلب مؤلفاته باللغة العربية منها: تفسيره القيم «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز»، الذي ألفه في خِضَم المعارك، و«المثنوي العربي النوري».
وبعد دخول الغزاة إلى استانبول (13/11/1919) ـ استانبول هي القسطنطينية التي فتحت ببشرى النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ـ أحس النورسي أن طعنة كبيرة وجهت إلى العالم الإسلامي، فكان حتمًا أن يقف في طليعة من يتصدى للقهر والهزيمة، فسارع إلى تحرير كتيب«الخطوات الست» حرك به همة مواطنيه، ووضع تصوره لرفع المهانة وإزالة عوامل القنوط. ست خطوات يتبعها أولياء الشيطان الغزاة للقضاء على العالم الإسلامي:
اقبلوا الهزيمة، لأنها قضاء الله العادل عليكم بما ظلمتم.
لقد تحالفتم من قبل مع الألمان، فلم ترفضون التحالف مع أمثالهم؟
أنتم متخلفون بالطبع المتأصل، فاتركونا ننهض بكم ونعلمكم وندير شؤونكم.
من يقاومنا مغرض منافق يسعى لمصلحته، ويلعب بالدين لأغراض سياسية، فلا تطيعوه ولا تثقوا به.
إن ولاة أموركم يؤيدوننا، فعليكم بطاعتهم في ذلك.
مقاومتكم لا فائدة فيها ولا جدوى منها، إنكم تلقون أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، فاتركونا نركب ظهوركم
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس