عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

استانبول المحتلة: كتب النورسي رسالة «الخطوات الست» ضد الإنجليز وأذنابهم، مما ساعد على إبطال مفعول الخطة الجهنمية للإنجليز. وما إن دخل القائد الإنجليزي استانبول حتى سُلمت له رسالة الخطوات الست، التي تـهاجمهم بعنف وتفند أباطيلهم وتشد من عزائم المسلمين، وعُرض عليه نشاط بديع الزمان الدائب في فضح سياسة المحتلين وتأليب الناس عليهم، فقرر القائد الإنجليزي إعدام النورسي،(الحكم الثالث بإعدامه) ولكن عندما أُعلم أن هذا القرار سيثيـر غضب الأمة كلها ويزيد سخطها، وسيدفعهم إلى القيام بأعمال عدائية مهما كلفهم ذلك، تخلى عن قرار الإعدام، لكن سلطات الاحتلال لم تفتر عن ملاحقة النورسي.
حينما احتل الإنجليز استانبول، ودمروا المدافع في المضيق (في استانبول) ورد في تلك الأيام ستة أسئلة من رئيس أساقفة الكنيسة الإنجليزية إلى المشيخة الإسلامية، وكان النورسي حينئذٍ عضوًا في دار الحكمة الإسلامية فقالوا له: أجب عن أسئلتهم بست مئة كلمة كما يريدون. فقال: «إن جواب هذه الأسئلة ليس ست مئة كلمة ولا ست كلمات ولا كلمة واحدة، بل بصقة واحدة»، وكان النورسي يقصد أنه لا يجيب أسئلة المكر والدس والشماتة، لكنه مستعد لأن يضع الجواب لمن ينشد الحق.
السيف والذهب: أرسل مصطفى كمال برقيتين يستدعي النورسي إلى أنقرة لكي يكافئه على نشر رسالة الخطوات الست، فذهب إليها سنة 1922م، وشاهد فرح المؤمنين وابتهاجهم باندحار اليونان أمام الجيش الإسلامي، إلا أنه أبصرـ خلال موجة الفرح هذه ـ زندقة رهيبة تدب بخبث ومكر، وتتسلل بمفاهيمها الفاسدة إلى عقائد أهل الإيمان الراسخة بغية إفسادها وتسميمها.
كان النورسي يأمل في حكومة أتاتورك خيرًا، ولكنه عندما وصل أنقرة واستقبل استقبالاً حافلاً من قبل المسؤولين والأهلين، شاهد ما لم يأمله، حيث لمس عدم الاهتمام بالدين في البرلمان وعدم اكتراثهم بشعائر الإسلام. فدعاهم ببيان إلى ضرورة العبادة؛ ولاسيما الصلاة، ووزع البيان على أعضاء المجلس وقرأه على مصطفى كمال الجنرال كاظم قره بكر، كان من تأثير هذا البيان أن استقام على إقامة الصلاة ستون نائبًا، حتى إن الغرفة التي كانوا يؤدون فيها الصلاة لم تعد تسعهم فاتخذوا غرفة أوسع منها لإقامة الصلاة.
أعوذ بالله من الشيطان ومن السياسة: حاول الزعيم التركي أن يستميل النورسي، كما حكى: «عرض عليّ ـ مصطفى كمال ـ تعييني في وظيفة الواعظ العام في الولايات الشرقية براتب قدره ثلاث مئة ليرة في محل الشيخ السنوسي، وذلك لعدم معرفة الشيخ اللغة الكردية، وكذلك تعييني نائبًا في مجلس المبعوثان (المجلس النيابي)، وفي رئاسة الشؤون الدينية مع عضوية في دار الحكمة الإسلامية، وكان يريد بذلك إرضائي وتعويضي عن وظيفتي السابقة».
لكن الأمور لم تهدأ فقبض على النورسي، وفي المحكمة قال عن أتاتورك: «إننا لسنا مع زعيم أصدر بحسب هواه أوامر باسم القانون ونفذها بقوة لتحويل جامع آيا صوفيا إلى دار للأصنام، وجعل مقر المشيخة الإسلامية العامة ثانوية للبنات، لسنا معه فكرًا ولا موضوعًا، ولا من حيث الدافع ولا من حيث النتيجة والغاية، ولا نجد أنفسنا ملزمين بقبول أمر كهذا».
بعدما وافق المجلس على إلغاء الخلافة، ما كان من النورسي إلى أن غادر أنقرة في 25/ 4/ 1923م. نعم رد جميع عروض مصطفى كمال وغادر أنقرة، بعد أن بيّن وجهة نظره في الحكومة الجديدة للنواب الذين حضروا لتوديعه وألحوا عليه بالبقاء في أنقرة.
هجر النورسي أنقرة والسياسة معًا، وتفرغ لدروس القرآن في مدينته القديمة (وان)، وحرص على صيانة الدماء، فهل سلم؟ لا، لقد نفي إلى بلدة بعيدة غريبة، إلى (بوردور).
عندما ترعى الذئاب: أفصح أتاتورك عن هويته فقال : «إن الإمبراطورية العثمانية قامت على أسس الإسلام، وإن الإسلام بطبيعته ووضعه عربي، وتصوراته عربية، وهو ينظم الحياة من ولادة الإنسان إلى وفاته ويصوغها صياغة خاصة، ويخنق الطموح في نفوس أبنائه، ويقيد فيهم روح المغامرة والاقتحام، والدولة لا تزال في خطر ما دام الإسلام دينها الرسمي» كما أعلن عن برنامجه: «إنه من الأفضل لتركيا أن تكون في مؤخرة أوروبا على أن تكون في مقدمة الدول الإسلامية». وضع الرجل برنامجه موضع التنفيذ، فأُلغيت السلطنة العثمانية في (1/11/1922م) وأعقبه إلغاء الخلافة في (3/3/1924م). وفي 3/2 / 1928م كانت أول خطبة للجمعة بالتركية، وفي 1/11/ 1928م إقرار الحروف اللاتينية بدلاً من العربية المستعملة (بقانون رقم 1353)، وبموجبه بيعت أطنان من الوثائق والكتب القيمة بأزهد الأثمان وأطنان منها أرسلت إلى مصانع الورق، وفي 30/12 غلق (90) مسجدًا في استانبول. وفي 1/ 9/1929م رفعت الدروس العربية والفارسية من المدارس، ووضع الحظر على قراءة القرآن وكذا الكتب الدينية وتنفيذ القرار بشدة، وفي عام 1932م وحده حدث في 22/1 قراءة القرآن المترجم إلى التركية وفي 6/2 خطبة الجمعة بالتركية في جامع السليمانية باستانبول، وفي 18/7 فرض الأذان والإقامة بالتركية رسميًا وحظرهما بالعربية، وطبع المصحف بالتركية، وفي عام 1933م ثار الناس احتجاجًا على الأذان بالتركية، فرد على الشعب بجعل الأذان بالتركية في جميع المساجد. وكان صريحًا عندما قال في مجلس الأمة التركي: «إن تركيا لم تعد تأخذ مثالها من الغيبيات ولم تعد تأخذ قوانينها مما يظن أنه كتب جاءت من السماء». وهكذا اقترب من غايته في عام 1935م فجعل يوم الأحد عطلة الأسبوع بدلاً من الجمعة، ونفذ تحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف، بعد إغلاقه مدة من الزمن وتحويل جامع الفاتح إلى مستودع، كما صدر قراره بفرش المسـاجد بالكراسي واستخدام (الأورج) فيها، حيث تتم تلاوة القرآن بمصاحبة الموسيقا، لكنه لم ينفذ، فقد عاجلته المنية في 1938م. مات بعد أن أدى دوره باقتدار، فوقعت البلاد على وثيقة الاستسلام التي سميت معاهدة لوزان.
وحدة الأمة: بسبب ما وُضع من قوانين وما اُتخذ من قرارات لقلع الإسلام من جذوره، قام الشيخ سعيد بيران (البالوي) النقشبندي (13/2/1925م) بالثورة ضد السلطة آنذاك، وطلب قائد الثورة من بديع الزمان استغلال نفوذه، لإمداد الثورة لكنه رفض المشاركة وكتب رسالة إليه جاء فيها:
«إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة، فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام، وضحت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء، فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء، لذا لا يُستل السيف على أحفاد الأمة البطلة المضحية للإسلام، الأمة التركية، وأنا أيضًا لا أستلُه عليهم». وكثيرًا ما تمثل بقول الحق: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، ثم يعلق: «إن ثلاث ألفات إذا كتبت منفردة متفرقة فقيمتها ثلاث، ولكن إذا اجتمعت بالتساند العددي فقيمتها مئة وأحد عشر» وكان يردد مقالة السلطان سليم: «إن مغبة الاختلاف والتفرقة يقلقاني حتى في قبري، فسلاحنا في دفع صولة الأعداء إنما هو الاتحاد».
كثيرًا ما أشاروا إلى النورسي باسم (سعيد الكردي)، وما ذاك إلا لغرض غير مبرأ، فالأكراد ليسوا أقلية في تركيا ولم يعتبرهم أحد في البلد أقلية، حتى الأكراد أنفسهم، لأنهم مسلمون ملتزمون بشعائرهم الدينية. وبرغم هذا فإن دول الاتحاد الأوروبي تعتبر المواطنين الأكراد ضمن الأقليات.
الثورة التي قادها الشيخ سعيد بيران في شرقي الأناضول في الثلاثينيات في عهد رئاسة مصطفى كمال أتاتورك لم تستند إلى مشاعر عرقية، إنما ثار الأكراد آنذاك بعواطف دينية رافعين شعار «ضاع الدين». وبالفعل حكمت الدولة عليهم بالإعدام بذريعة أنهم يريدون إقامة دولة دينية.
ومن الخطأ الاعتقاد أن جميع المواطنين الأكراد قد خرجوا على الحكومات التركية وشاركوا في العمليات الإرهابية أو أيدوها أو أرادوا إقامة دولة كردية مستقلة في شرقي الأناضول. فأهل المنطقة قد سئموا الحرب والدمار والهجرة ولا يريدون الآن سوى الاستقرار والحرية والاستثمار وتحسن الأوضاع الاقتصادية
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس