عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-2008
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

معلم في مستشفى المجاذيب
ذهب سعيد إلى استانبول ليطلب من السلطان عبدالحميد إنقاذ المناطق الشرقية من الجهل والافتقار إلى المدارس، وهناك أرسلوه إلى مستشفى المجانين، فكتب يقول: «كنت سابقًا أحسب أن فساد الشرق نابع من تعرض عضو منه للمرض، ولكن لما شـاهدت استانبول المريضة وجسستُ نبضها، وشرحتها، أدركت أن المرض هو في القلب، وسرى منه إلى جميع الجهات، فحاولت علاجه، ولكن أُكرمت بإلصاق صفة الجنون بي! حيث إن وشاية الحاسدين والخصماء، أدت بي أن أساق إلى مستشفى المجاذيب بأمر السلطان عبدالحميد رحمه الله رحمة واسعة».
وفي المستشفى تحدث طويلاً إلى الطبيب المكلف بفحص قواه العقلية، فكان من جملة الحديث من آرائه في تنظيم طلب العلم أن قال للطبيب: «لما قدمت استانبول شاهدت المدارس الدينية لم تتقدم كالمرافق الأخرى في البلاد، وأعزو سبب ذلك إلى إقامة الاستعداد ـ الذي هو القدرة على الاستنباط من الكتاب ـ موضع الملكة، ونشوء حالات التعطل، وفقدان الشوق، وضعف الملكة لدى الطلاب الناشئة من عدم إجراء المناظرات العلمية.
ثم إن العلوم الإلهية لا تُكسب كسائر العلوم، حيث إنها علوم مقصودة بالذات، تنتج لذة حقيقية. فلا هي كالعلوم الكونية المثيرة للحيرة والإعجاب، ولا هي كعلوم اللهو التي يقضى بها الوقت. لذا يلزم لكسب العلوم الإلهية، همة عالية، أو توغل تام، أو مسابقة بدافع مشوق، أو تنفيذ قاعدة تقسيم الأعمال. أي يتوغل كل طالب في علوم معينة بحسب استعداده، حتى يتخصص فيها ولا يظل سطحيًا عابرًا. حيث إن لكل علم من العلوم صورة حقيقية، إن فقدت الملكة يغدو بعض أجزائه ناقصة كالصورة الناقصة. أي على الطالب المسـتعد أن يتخذ علمًا من العلوم أساسًا له، ويأخذ خلاصة من كل علم من العلوم المتعلقة به، لإتمام صورة ذلك العلم. لأن كل خلاصة يمكن عدها مكملة للصورة الأساس من دون أن تشكل صورة مستقلة.
فيا طلاب العلوم الدينية الذين يسمعون صوتي! لنكن خير خلف لسلفنا الذين بلغوا أوج الكمال، ولنسع في سبيل ذلك كطلاب المدارس الحديثة الذين أصبحوا خير خلف لسلفهم الناقصين» ثم أردف: «إن الإسلام الذي يمثل الحضارة الحقة في عصر الرقي والتقدم هذا، لم يترق كالحضارة الحاضرة. وأرى أن أهم سبب في ذلك هو: تباين الأفكار وتخالف المشارب بين أهل المدارس الدينية والمدارس الحديثة والزوايا. فأهل المدرسة الدينية يتهمون أهل المدرسة الحديثة بضعف العقيدة لتأويلهم ظواهر بعض الآيات والأحاديث تأويلاً يفضي إلى غير المراد منها. وهؤلاء يعدون أولئك غير موثوق بهم لعدم إقبالهم على العلوم الحديثة، في حين ينظر أهل المدارس الحديثة إلى التكايا والزوايا كأنـهم أهل بدعة حيث يبنون رأيهم هذا على ظن باطـل لدى العوام وبعض الجهلاء الذين يعدون أعمالاً وحركات في الذكر ـ الذي هو عبادة ـ أنها من الذكر نفسه، في حين أنها موضوعة للحث وتزييد الشوق، ولا تجوز إلا إذا كانت مباحة. وقد فتح باب التساهل بتفريط هؤلاء وإفراط أولئك اختلاط بعض البدع مع الذكر.
فهذا التباين في الأفكار والتخالف في المشارب قد هز الأخلاق الإسلامية هزًا وأخرها عن ركب المدنية.
وعلاج هذا: تدريس العلوم الدينية في المدارس الحديثة تدريسًا حقيقيًا، وتحصيل بعض العلوم الحديثة في المدارس الدينية في موضع الحكمة القديمة التي أصبحت لا ضرورة لها.. وكذا وجود علماء متبحرين في التكايا..»
وعرج النورسي نزيل مستشفى المجانين على تحديث الخطاب الديني، فقال عن الوعاظ: «إنني استمعت إلى الوعاظ. فلم تؤثر في نصائحهم ووعظهم. فتأملت في السبب، فرأيت أنه فضلاً عن قساوة قلبي هناك ثلاثة أسباب:
أنهم يتناسون الفرق بين الحاضر والماضي فيبالغون كثيرًا في تصوير دعاواهم محاولين تزويقها دون إيراد الأدلة الكافية التي لابد منها للتأثير وإقناع الباحث عن الحقيقة، فالزمن الحاضر ـ كان ذلك سنة 1907م ـ أكثر حاجة إلى إيراد الأدلة.
أنهم عند ترغيبهم بأمر ما وترهيبهم منه يُسقطون قيمة ما هو أهم منه، فيفقدون بذلك المحافظة على الموازنة الدقيقة الموجودة في الشريعة، أي لا يميزون بين المهم والأهم. (التمييز بين الضرورات والحاجيات والتحسينات).
أن مطابقة الكلام لمقتضى الحال هي أرقى أنواع البلاغة، فلا بد أن يكون الكلام موافقًا لحاجات العصر.لكنهم لا يتكلمون بما يناسب تشخيص علة هذا العصر، وكأنهم يسحبون الناس إلى الزمان الغابر، فيحدثونهم بلسان ذلك الزمان.
فعلى الوعاظ والمرشدين المحترمين أن يكونوا محققين ليتمكنوا من الإثبات والإقناع. وأن يكونوا أيضًا مدققين لئلا يفسدوا توازن الشريعة. وأن يكونوا بلغاء مقنعين كي يوافق كلامهم حاجات العصر. وعليهم أيضًا أن يَزنوا الأمور بموازين الشريعة»
كتب عنه الطبيب في تقريره: «لا يوجد بين القادمين إلى استانبول من يملك ذكاء وفطنة مثله. إنه نادرة العالم!» فصُرف من المستشفى، وأبعد من استانبول.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس