عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-2008
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

المعلم الأسير: أصابتني أربع قذائف دفعة واحدة، وجُرحت وانكسرت ساقي، فبقيت في الماء والطين أربعًا وثلاثين ساعة منتظرًا الموت، ومحاصرًا من قبل العدو. فهذا الوقت يعد أحلك أوقاتي اليائسة وأشدها رهبة. والبرد الشديد يهلكنا فالثلوج تغطى كل مكان والجوع يفتك بنا ـ منذ ثلاثة أيام ـ فضلاً عن الأرق الشديد والخوف يلفنا من كل جانب.
وأُخذ البطل أسيرًا إلى سيبريا، وما أدراك ما سيبريا. وظل في الأسر سنتين ونصف السنة تقريبًا حتى تمكن من الفرار وعاد إلى إستانبول سنة 1336هـ. وكان في الأسر معلمًا لتسعين ضابطًا في الأسر معه، يقول: «وكنت أُلقي عليهم أحيانًا الدرس. وذات يوم حضـر القائد الروسي وشاهد الموقف وقال: إن هذا الكردي قائد المتطوعين قد ذبح كثيرًا من جنودنا، ويأتي الآن ويلقي دروسًا سياسية هنا، لا يمكن هذا، امنعه قطعًا، ومنعني مرة واحدة فقط ولكنه سمح لي بعد ذلك».
وفي معسكر الأسرى لا تنتهي المواقف التربوية ـ تذكرنا بأسد برقة عمر المختار ـ ففي يوم من الأيام عندما يزور نيقولا نيقولافيج المعسكر للتفتيش ـ يقوم له الأسرى احترامًا ـ وعندما يمر من أمام بديع الزمان لا يحرك ساكنًا ولا يهتم به، مما يلفت نظر القائد العام، فيرجع ويمر من أمامه بحجة أخرى، فلا يكترث به أيضًا. وفي المرة الثالثة يقف أمامه، وتجري بينهما المحاورة الآتية بوساطة مترجم:
ـ أما عرفته؟
ـ نعم أعرفه إنه نيقولا نيقولافيج، خال القيصر والقائد العام لجبهة القفقاس.
ـ فِلمَ إذًا قصد الإهانة؟
ـ كلا! معذرة. إنني لم أستهن به. وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي.
ـ وماذا تأمر العقيدة؟
ـ إنني عالم مسلم أحمل في قلبي الإيمان، فالذي يحمل الإيمان في قلبه أفضل ممن لا يحمله، فلو أنني قد قمت له احترامًا لكنت إذًا قليل الاحترام لعقيدتي، ولهذا لم أقم له.
ـ إذًا فهو بإطلاقه صفة عدم الإيمان عليّ يكون قد أهانني وأهان جيشي وأهان أمتي والقيصر فليشكل حالاً محكمة عسكرية للنظر في استجوابه.
وتتشكل محكمة عسكرية بناء على هذا الأمر، ويأتي الضباط الأتراك والألمان والنمساويون للإلحاح على بديع الزمان بالاعتذار من القائد الروسي وطلب العفو منه، إلا أنه أجابـهم بالآتي: إنني راغب في الرحيل إلى دار الآخرة والمثول بين يدي الرسـول الكريم (صلى الله عليه وسلم). فأنا بحاجة إلى جواز سفر فحسب للآخرة. ولا أستطيع أن أعمل بما يخالف إيماني، وتجاه هذا الكلام يؤثر الجميع الصمت منتظرين النتيجة.
وتنهي المحكمة أعمالها بإصدار قرار الإعدام بموجب مادة إهانة القيصر والجيش الروسي.لم تكن تلك المرة الأولى التي يقضى عليه بالإعدام .وتحضر مفرزة يقودها ضابط روسي لأخذه إلى ساحة الإعدام. ويقوم بديع الزمان إلى الضابط الروسي قائلاً له بابتهاج: اسمحوا لي بخمس عشرة دقيقة فقط لأؤدي واجبي، فعلها قبله غير واحد من الصحابة والتابعين.
فيقوم إلى الوضوء وفي أثناء أدائه الصلاة، يحضر نيقولا نيقولافيج ويخاطبه:
أرجو منك المعذرة. كنت أظن أنكم قمتم بعملكم هذا قصد إهانتي، فاتخذت الإجراءات القانونية بحقكم، ولكن الآن أدركت أنكم تستلهمون هذا العمل من إيمانكم، وتنفذون ما تأمركم به عقيدتكم. لذا أبطلت قرار الحكم بحقكم. إنكم تستحقون كل تقدير وإعجاب لصلاحكم وتقواكم. أرجو المعذرة فقد أزعجتكم. وأكرر رجائي مرارًا: أرجو المعذرة.
جرائم باسم الحرية: إن لم ترب الحرية بالتربية الإسلامية فستموت، ويولد مكانها الاستبداد المطلق. يا أبناء الوطن! لا تفسروا الحرية تفسيرًا سيئًا كي لا تفلت من أيديكم، ولا تخنقونا بسقي الاستعباد السابق الفاسد في إناء آخر، ذلك لأن الحرية إنما تزدهر بمراعاة الأحكام الشرعية وآدابها والتخلق بالأخلاق الفاضلة. وقد كان ما كان يخشاه فاستشرى الاستبداد في دار الخلافة عقودًا تحت دعوى التحديث والتجديد.
دحض النورسي الافتراءات، فقال: «إن أوروبا تظن الشريعة هي التي تمد الاستبداد بالقوة وتعينه. حاشا وكلا.. إن الجهل والتعصب المتفشـيين فينا قد ساعدا أوروبا لتحمل ظنًا خاطئًا من أن الشريعة تعين الاستبداد. لذا تألمت كثيرًا من أعماق قلبي على ظنهم السيئ هذا بالشريعة، فكما أنني أكذب ظنهم فقد رحبت بالمشروطية باسم الشريعة قبل أي شخص. ولكني خشـيت من أن يقوم استبداد آخر لتصديق هذا الظن، لذا صرخت من أعماقي، وبكل ما أوتيت من قوة في خطاب أمام المبعوثيـن (النواب).. في جامع آيا صوفيا وقلت: افهموا المشروطية في ضوء المشروعية وتلقوها على أساسها، ولقنوها الآخرين على هذه الصورة، كي لا تلوثها اليد القذرة لاستبداد جديد متستر وملحد باتخاذ ذلك الشيء الطيب المبارك ترسًا لأغراضه الشخصية، قيدوا الحرية بآداب الشرع لأن عوام الناس والجاهليـن يصبحون سفهاء وعصاة وقطاع طرق، فلا يطيعون بعد أن ظلوا أحرارًا سائبين بلا قيد وشرط».
منافقون في علمانيتهم: قال في المحكمة: إن حافظوا على حيادهم إزاء اللادينيين باسم الجمهورية العلمانية ومبادئها ولم يمسوهم بسوء، فلا ينبغي بداهة أن يتذرعوا بذرائع ليمسوا المتدينين بسوء.
إن الحكومة الجمهورية التي قبلت فصل الدين عن الدولة لا ينبغي لها أن تتعرض للمتدينين بسبب دينهم كما لا تتعرض للملحدين بسبب إلحادهم.
واعلموا أن وزير المستعمرات البريطاني قال قبل ما يقرب من ثلاثين عامًا : إننا لن نستطيع أن نحكم المسلمين حقًا ما دام هذا القرآن في أيديهم، فينبغي أن نسعى لرفعه وتضييعه. إن كلام هذا الكافر العنيد حول نظري منذ ثلاثين سنة إلى فلاسفة أوروبا، فأنا أجاهدهم بعد جهاد نفسي، ولا ألتفت إلى ما في الداخل، إذ أرى النقص والتقصير في الداخل هو نتيجة ضلال أوروبا وإفسادها، لذا أحتد على فلاسفة أوروبا وألطمهم لطمات تأديب، فلله الحمد، أن رسائل النور خيبت آمال أولئك الكفار العنيدين، مثلما أسكتت تمامًا الفلاسفة الماديين والطبيعيين، ولا توجد حكومة في الدنيا، مهما كان شكلها، تمنع محصولاً مباركًا لوطنها ومنجمًا عظيمًا لقوتها المعنوية مثل هذه الرسائل، أو تحكم على ناشرها.
منافقون في تقليدهم لأوروبا: إن الحرية التي يتمتع بها الرهبان في أوروبا ترينا أن أي قانون كان لا يتابع تاركي الدنيا والعاملين بقواهم الذاتية للآخرة والإيمان.
أجزم أنه لا قانون في الدنيا يقول بمنع، أو يقدر أن يمنع، كتابة الخواطر العلمية بشأن الإيمان الذي هو مفتاح السعادة الأبدية لرجل عجوز، محكوم عليه بالتغريب مدة عشر سنوات، وممنوع عن الاختلاط بالناس والمراسلة.
ولقد كتبت مرات عديدة في رسائلي إن هذا الزمان ليس زمان الطريقة، بل زمان إنقاذ الإيمان. وكثيرون جدًا يدخلون الجنة بغير طريقة، ولكن لا أحد يدخلها بغير إيمان. لذلك ينبغي العمل للإيمان.
فيم يناقض الإسلام القيم الغربية؟: سأله سائل: لِمَ ترفض الشريعة هذه المدنية؟ فأجاب: لأنها تأسست على خمسة أسس سلبية: فنقطة استنادها هي: القوة، وهذه شأنها: الاعتداء. وهدفها وقصدها: المنفعة، وهذه شأنها: التزاحم. ودستورها في الحياة: الجدال والصراع، وهذا شأنه: التنازع. والرابطة التي تربط المجموعات البشـرية هي: العنصرية والقومية السلبية التي تنمو على حساب الآخرين، وهذه شأنها: التصادم، كما نراه.وخدمتها للبشرية خدمة فاتنة جذابة هي: تشجيع هوى المنفعة، وإثارة النفس الأمارة، وتطميـن رغباتها وتسهيل مطالبها. وهذا الهوى شأنه: إسقاط الإنسان من درجة الملائكية إلى درك الحيوانية الكلبية. وبهذا يكون سببًا لمسخ الإنسان معنويًا. ولأجل هذا فقد دفعت هذه المدنية الحاضرة ثمانين بالمئة من البشرية إلى أحضان الشقاء وأخرجت عشرة بالمئة منها إلى سعادة مموهة زائفة. وظلت العشرة الباقية بين هؤلاء وأولئك، علمًا أن السعادة تكون سعادة عندما تصبح عامة للكل أو للأكثرية، بيد أن سعادة هذه المدنية هي لأقل القليل من الناس. لأجل كل هذا لا يرضى القرآن الكريم بمدنية لا تضمن سعادة الجميع أو لا تعم الغالبية العظمى.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس