عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #76
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

"وأعلى رتبة في ذلك الأنبياء [ ] ، ثم ورثتهم [ ] ، فإذا رأيت رجلاً عنده شيء عزيز غير الله فاعلم أنه لم يتجمَّل بأنوار "العزيز" تعالى.


ولما كانت العزَّة هي صفة الله"العزيز" قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } (1) .

ولله [ ] : تحقيقاً.

ولرسوله [ ] : فضلاً، لأنه محبوب له أزلاً.

وللمؤمنين [ ] : ببركة إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عظيم الجاه (2) .


واعلم أن حضرة "العزيز" لا يمكنك الوصول إليها، ولكن ابحث عن أهل العزَّة في عصرك وهم المقبلون على الله تعالى، الشاربون الحُمَيّا فمتى وصلت إليهم فقد ظفرت بأنوار العزة.


ولقد كان الإمام الشاذلي رضي الله عنه، وغيره من الأفراد يسيحـون في الأرض، ويسألون عن الرجال ليصلوا إلى أهل العزة، وقد فازوا والحمد لله (3) .


وإنني - والحمد لله - قد أكرمني الله بالرجل المتحقِّق بأنوار العزة وهو الإمام أبو العزائم - رضي الله تعالى عنه - فتخلَّص قلبي على يديه من عقبات وظلمات، وتخلَّصت نفسي من رذائل ودسائس وخفيات، فشكرت الله على تلك السعادة، وأنا أعترف بتقصيري ، وأسأل الله الزيادة.


وقد رأيت رجلاً من أهل الإخلاص سائحاً مهاجراً، فقلت له: ما السبب في السياحة؟ (4) ، فقال لي: إني أطلب الرجل الواصل إلى الحقيقة فإنه عزيز بين الخليقة، وقد سافرت إلى الشام، ثم إلى الحجاز، ثم إلى اليمن، ثم إلى السودان، ثم إلى مصر!!. فأسمعته سرّاً من أسرار الإمام أبي العزائم رضي الله تعالى عنه؛ فاهتزَّ وتمايل وقال:" واشوقاه إلى أهل هذا الكلام!، يا ليتنا وجدنا في عصرهم لنحظى بالمرام". فقلت له: صاحب هذا الكلام في هذا الزمان، وهو يقيم بمصر يرشد الإخوان؛ فتوجَّه الرجل في الحال، ونال من الإمام حلَّةَ الوصال، وصار من العارفين ببركة اتِّصاله بالوارث الأمين.


الدُّعــــــاءُ


" إلهي.... أنت العزيز الذي تسند إليك حاجات العباد، وأنت العظيم الذي يصعب الوصول إلى عزَّتك، وأنت للقلوب مراد، وأنت الجليل الواحد الأحد الذي لا نظير لك، وتنـزهت عن المثل والأمثال، والأنداد. صفِّ قلبي من الأغيار (5) حتى لا يرى عزيزاً سواك، وأشهدني معنى العزة في نفسي لتكون روحي فداك، واجمعني على العارفين الذين منحتهم العزة فكانت قلوبهم بعزتك عامرة. وأفض عليَّ من أسرار عزتك حتى تصير نفسي إليك طائرة، واجعلني وإخواني داخلين تحت قولك سبحانك : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } (6) ، وانفحني وإخواني في كل وقت وحين، إنك على كل شيء قدير. وصلِّ اللهمَّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".


اقتباس:==================== الحاشية ==================

(1) : سورة المناقون - الآية 8.
قال سيدي ابن عطاء الله في الحكم: "إن أردت أن يكون لك عز لا يفنى، فلا تستعزّنّ بعزّ يفنى. وقالوا: من تعزّز بمخلوق مات عزّه. وأنشدوا :-

ليكن بربك عـــزّك *** تســـتقرّ وتثبـت
فإن اعتززت بمن يمو *** ت فإن عزّك ميتُ

(2) : حكي أن رجلاً أمر بالمعروف على هارون الرشيد رضي الله عنه، فغضب عليه هارون، وكان له بغلة سيئة الخلق فقال: اربطوه معها حتى تقتله، ففعلوا ذلك، فلم تضره ! فقال: اطرحوه في بيت وطينوا عليه الباب، ففعلوا فرأوه في البستان مع أن باب البيت كان مسدوداً كما كان! فقال: من الذي أدخلك هذا البستان؟ قال: الذي أخرجني من البيت. فقال هارون: أركبوه دابة وطوفوا به في البلد، وقولوا : إن هارون أراد أن يذل عبداً أعزه الله، فعجز عنه.

(3) : لذلك لا عجب إن سمعنا أن كثيراً من الصالحين والعارفين والعلماء العاملين من سلف هذه الأمة المباركة قد ساحوا من شرق البلاد إلى غربها وبالعكس بحثاً عن شيخ لهم يأخذ بيدهم ويوصلهم إلى ربهم ، يخليهم من كل خلق ذميم، ويحليهم بكل خلق كريم، ويرقيهم في معارج الكمال ومدارج اليقين، اسمع معي يا أخي إلى مقالة سيدي القطب أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه وهو يحكي لنا قصة لقائه مع شيخه قطب العارفين سيدي ومولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه ، يقول إمامنا الشاذلي: " لما دخـلت العراق اجـتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الموصلي، فما رأيت بالعراق مثله وكان مطلبي على القطب، فقال لي بعض الأولياء: أنـت تطلب القطب وهو ببلادك ؟!! ، ارجـع إلى بلادك تجده!!". فرجـع إلى بلاده إلى أن اجتمع بسيدي عبد السلام بن مشيش وتربى على يديه، وكان يقول له في تربيته له: " الزم الطهارة من الشرك، كلما أحدثت تطهر من دنس حب الدنيا، وكلَّما ملت إلى شهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهوى أو كدت، وعليك بمحبة الله على التوقير والنـزاهة، وأدمن الشرب بكأسها مع السكر والصحو، كلَّما أفقت أو تيقظت شربت، حيث يكون سكرك وصحوك به، وحيث تغيب بجماله عن المحبة والشراب، والشرب والكأس، بما يبدو لك من نور جماله، وقدس جلاله".

(4) : وليس المقصود من السياحة ما تعورف عليه اليوم من تضييع الوقت وتزجيته في التفرج على شواطيء البحار وفيها المعاصي من كل جنس ولون، ولا التفرج في بلاد الكفر والمعاصي على الملاهي ونوادي العراة، ومنتديات القمار فهذه ليست سياحة إنما هي بالتعبير الدارج: " صِياعَة، وتحلُّلٌ، وإباحية، " حيث يذهب أحدهم إلى تلك الأماكن المحرَّمة فبدلاً أن يعود بعبرة يعود بغبرة، ويزداد هذا "السائح - أو الصَّايع - " إثماً على إثمه، ويرجع إلى بلده بذنوب لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم! - إلا أن يتغمدهم الله برحمته ويتداركهم بلطفه -، هذه هي "الصِّياعَة أو السياحة" كما تعارف عليها أهل زماننا الأغبر، وأيامنا النحسات.

أما السياحة الحقيقية والسياح المقصودون كما اصطلح عليه ساداتنا الصوفية رضي الله عنهم فهم: المنقطعون بالجبال والشعاب والسواحل وبطون الأودية، ويسمون "السياح"، ومنهم من يلازم بيته وصلاة الجماعات، ويشتغل بنفسه، ومنهم صاحب سبب ومنهم تارك السبب، وهم صلحاء الظاهر والباطن، وقد عصموا من الغل والحسد والحرص، والطمع والشره المذموم، وصرفوا كل هذه الأوصاف إلى الجهات المحمودة، ولا رائحة عندهم من المعارف الإلهية والأسرار ومطالعة الملكوت والفهم عن الله تعالى في آياته حين تتلى غير أن الثواب لهم مشهود، والقيامة وأهوالها ، والجنة والنار لهم مشهودتان، دموعهم في محاريبهم: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}، و {تضرُّعاً وخفية} : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}،{ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}، {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}، شغلهم هول المعاد عن الرقاد، وضمروا بطونهم بالصيام للسباق في حلبة النجاة، إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما، ليسوا من أهل الإثم والباطل في شيء، عمَّالٌ وأي عمَّال؟! عاملوا الحق بالتعظيم والإجلال، فشتان شتان ما بين ما كانوا عليه وما صار حالنا إليه، يا حسرة على العباد!!!.

(5) : الأغيار: كل ما سوى الله عز وجل.

(6) : سورة المنافقون - الآية 8." اهـ 4/318



(يتبع إن شاء الله تعالى مع الإسم الشريف الجليل: الْجَبَّارُ جَلَّ جَلالُهُ................... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس