عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #79
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

"فالذنوب الجبروتية: هي أن يدَّعي العبد أنَّ له صفةً من صفات الربِّ سبحانه مثل العزة، والعظمة، والكبرياء، والقدرة النافذة، والملك ؛ فمن ادَّعى ذلك فقد شارك الربَّ سبحانه وتعالى في صفاته.


وخير علاجٍ للمتكبِّر أن يشهد في نفسه أن أصله نطفة قذرة، وأنه يجري من مجرى البول مرتين، وأنه يحمل الجيفة في بطنه ونهايته يرقد في التراب، وترتع فيه الديدان، وتأكله الأرض، وينفضح يوم العرض، ويكفينا أنه إذا حبس فيه البول ذَلّ، وإذا تحرَّك عليه عرق الصداع استغاث!!.


قال الإمام علي كرم الله وجهه:" عجباً لابن آدم تقتله شرقة، وتؤلمه بقة، وتنته عرقة، فكيف يتكبَّر؟!.


أما الذنوب الإبليسية: فأساسها الحسد، وحب الرئاسة، وحب الذات. وهذه الأمراض يعسر علاجها في أصحابها إلا من سبقت لهم العناية (1) ، فإن الحسد مرض في النفس، وليس للمحسود جناية صدرت منه للحاسد، ولكنه مرضٌ خبيثٌ علاجه صعب، ولم يصدر من سيدنا آدم أي أذى لإبليس حتى صدر منه ذلك، وهكذا حب الرئاسة.


وبقية الأمراض والذنوب الحيوانية هي ما تكون بدافع الشهوة، وقاهر الطبع، والفطرة، وذلك مثل السرقة والزنا، وكل داعٍ لها شهوة في الإنسان؛ مثلاً: إذا جاع الإنسان طلب الأكل، وإذا ثارت شهوته طلب النكاح، فيحكم داعي الشهوة بتسليط الحظ على نور عقله، فيقع في الذنب، فإذا تاب تاب الله عليه وقبله، لأنه أعلم بالعوامل الدافعة في العبد.


ومن أراد أن يشهد نور " المتكبِّر " يتجلَّى له في نفسه حتى يتخلَّق بهذا الاسم، ويكون له النصيب الأوفر، والحظ الأكبر، فعليه أن يزهد في الدنيا والآخرة (2) ، وفي كل مقام ومرتبة، وتصريف وتشريف، ويقبل على الله بالكلية معرضاً عن كل البريَّة، فيتكبر على كل شيء في الكون يريد ان يغرَّه أو يحجبه عن المكوِّن، ولا يرى التواضع إلا لله تعالى (3) ؛ فيحتقر كل شيء بالنسبة لعزِّ مولاه، حتى لو التفت إلى الجنة لا يذوق سر "المتكبر".


والزاهد في الدنيا لأجل الآخرة إنما هو تاجر، يبيع العاجل بالآجل، فما هي إلا معاملة ومعاوضة، ولكن العارف الزاهد: هو الذي لا يلتفت إلى الآخرة لأنه رأى في مولاه الكمالات الباهرة.


ومن استعبدته شهوة المأكل والمشرب ولو كان ذلك العبد دائم الأذكار فهو حقير الهمة لا يعرف سر المتكبر.


ورد في الحديث :" الدنيا حرامٌ على أهل الآخرة، والآخرة حرامٌ على أهل الدنيا، والدنيا والآخرة حرام على أهل الله تعالى (4) " .


فإذا ظفرت بزاهد في الأكوان، عارفٍ بأسرار الجنان، فاتَّبع نهجه، واعمل بنصحه. وقد أشار لذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:




غيري يميل إلى الجنان ويرغب=وأنا الذي أفرُّ منها وأرهبُ
الكلُّ طمعاً في الجنان تعبّدوا=وأنا القتيل بحبه لا تعجبوا
نار الجحيم مع الرضا هي جنتي=أما النعيم بغيره لا أرغب

1
2
3غيري يميل إلى الجنان iiويرغب وأنـا الـذي أفــرُّ منـهـا iiوأرهــبُ
الكـلُّ طمعـاً فـي الجنـان iiتعبّـدوا وأنــا القتـيـل بحـبـه لا iiتعجـبـوا
نار الجحيم مع الرضا هي جنتي أمــا النعـيـم بـغـيـره لا iiأرغـــب




الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... أنت المتكبر، وكل شيء سواك ذليلٌ حقير. تجلَّ لي حتى تخضع قواي وتتواضع حقائقي فأكون لك عبداً وأنت لي سيداً، وهذا هو الشرف الأعلى، حتى أزهد في كل شيء سواك، فلا أرى عظيماً ولا كبيراً غيرك، فأفرَّ من نفسي، وأفرَّ من آفاقي كلها، حتى من الجنة والمراتب والمقامات، فأتكبَّر على نفسي، وعلى إبليس، وعلى الكفار والعصاة، وعلى كل ما يحجبني عنك حتى أصل إليك فأفهم سرَّ المتكبر ويكون لي منه النصيب الأكبر، إنك على كل شيء قدير وصلى لله تعالىعلى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". " اهـ


اقتباس:==================== الحاشية ===================

(1) : أي الذين سبقت لهم من الله العناية والتوفيق فجمعهم بالعارفين به سبحانه، والمربين المخلصين من شيوخ التربية ، ليهذِّبوا نفسه، ويطهِّروا قلبه ، ويرقوا بروحه إلى معارج الكمال، عند ذلك يشفى من تلك الأمراض والآفات المهلكة للقلب والروح والبدن في الحال والمال والمآل إن لم يتدارك الله العبد برحمته، فعليك يا أخي الكريم بلقاء أحباب الله ، ومجالستهم، ومحبتهم، والأخذ عنهم، ومدارسة العلم والعمل معهم، وإلا فلا تطمع أن تخلص نفسك، وتنجو من آفات قلبك، وأمراض روحك، وفقنا الله وإياك للقاء أحبابه، وأمدنا بإمداداتهم، ونفعنا بهم وببركاتهم، ونظراتهم، ونفحنا من نفحاتهم بجاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نحن ومن قال: آمين.


(2) : وقد أمرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نزهد في الدنيا بقلوبنا ونرضى منها بالقليل اقتداء بجمهور الأنبياء والأولياء، ونرغب جميع إخواننا في ذلك، روى الترمذي مرفوعا: ( ليست الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا هو أن لا تكون بما في يدك أوثق مما في يد الله تعالى وأن تكون في ثواب المصيبة إذ أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك). وخرج بقولنا بالقلب الزهد فيها باليد مع تعلق القلب بها، فليس ذلك هو الزهد المشروع. ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ عظيم ما فوقه شيخ في عصره يسلك به حتى يخرجه من ظلمة حب الدنيا إلى نور حب الآخرة ويريها له كأنها رأى عين، وهناك يزهد في الدنيا وجميع شهواتها المكروهة حين يرى حجابها له عن ربه مع فنائها وانقطاعها وعدم نظر ربه لها، كما ورد: "إن الله تعالى منذ خلق الدنيا لم ينظر إليها هوانا بها" ومن التخلق باسمه تعالى المتكبر: أن تتكبر على كلِّ متكبر جبار، فإن التكبر عليهم تواضع، وأن ترفع همتك عن كل مخلوق، ولا يتم لك هذا التخلق حتى تتواضع لكبريائه، وتخضع لحكمه وقضائه، حتى يظهر تواضعك بين أبناء جنسك، فمن تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره، ومن رفع نفسه وضعه الله، ومن تكبر قصمه الله.


(3) : والتعلق بهذا الاسم: يكون بالتواضع لكبريائه، والخضوع تحت مجاري أقداره، وهو مقابلةُ ذلِّ العبودية وخضوعها لكبرياء الربوبية وعلوّها، فينادي من كوة الذل والخضوع: يا متكبر!! اجعلني من المتواضعين لكبريائك، الخاضعين لحكمك وقضائك. والتحقق به: أن يكون أمرك كله بالله، وتتحقق بالفهم عن الله، فإن تجلى فيك باسمه (المتكبر) تهت على الوجود، وإن ردّك إلى وصفك عطّل ذلّك ذلّ اليهود.


(4) : قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" الدنيا حرام على أهل الآخرة، والآخرة حرام على أهل الدنيا، والدنيا والآخرة حرام على أهل الله " رواه الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس ، ورمز السيوطي لحسنه. انظر: الجامع الصغير – الحديث رقم 4269." اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الخَالِقُ جَلَّ جَلاَلُهُ ..... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس