عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #80
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

الخَالِقُ جَلَّ جَلاَلُهُ


"هو الذي قدَّر الأشياء، وهي في طوايا العدم، وكمَّلها بمحض الجود والكرم، وأبرزها وفق المشيئة، ورتَّبها على الحكمة الإلهية.


واعلم أن من أسماء الله تعالى ما تكون لله تعالى حقيقة، وللعبد من طريق المجاز، وهي أكثر معاني الأسماء والصفات. ومنها ما تكون للعبد حقيقة، وللحق من باب التجوُّز والتأويل.


فالذي لله تعالى: اسمه"الخالق" فإنه الذي قدِّر الأشياء على وفق العلم، وأبرزها على نظام الحكمة.
ومن الأسماء التي هي للعبد حقيقة، وللحقِّ من باب المجاز ؛ مثل اسمه"الصبور، الشكور، الوكيل"؛ فالصبر صفة للعبد ثابتة، والشكر جمالٌ للعبد مؤكد لأنه يشكر المنعم المعطي، وأما "الوكيل" فهو من توكِّلُُ على شيء لك فينوب عنك في مباشرته كأنك مالك أصلي، وهو نائبٌ عنك، وليس ذلك إلا للعبد.


فأما اسمه تعالى "الخالق" فهو من الأسماء التي لا قدم فيها للمخلوق إلا من باب التجوُّز والتأويل (1) ، فإنه مهما كان للعبد آثار في الوجود ومعارف في الشهود فما هي إلا من مولاه بمحض الجود، قال تعالى: { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } (2) .


يعني: أن كل عمل من أي مخلوق من الملائكة أو الإنس أو الجن، أو العناصر، فالكلُّ مخلوق لله ومن اعتقد أن أحداً يخلق غير الله، فقد كفر...!. (3)


وقد زلَّ المعتزلة في هذا الموطن حيث أثبتوا للعبد أنه يخلق أفعال نفسه الاختيارية، وهذا شركٌ خفي - غفر الله لهم - (4) .


وقد قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:" إن أهل السنة خافوا من الله فسلموا، والمعتزلة خافوا على الله حيث لم ينسبوا إليه ظلماً للعباد، فقالوا: إن العبد يخلق أفعال نفسه؛ فيحاسبه الله عليها، ولكن العبد ليس له مع الله شيء، وليس له ملك اغتصبه منه ربه، حتى يدَّعي أنه مظلوم، فالعبد وما ملكت يداه لسيده، وهو الحكيم البصير، الذي لا يُسأل عما يفعل".


فإن كل حقيقة في الوجود أفاض عليها الحق كمالها اللائق بها، والوجود مثل شجرة، ففي الشجرة ثمار محترمة للادِّخار والحفظ، وفيها خشب للنار والوقود، فلا يليق للخشب أن يعترض ويقول: خلقتني خشباً؟ وخلقت غيري ثمرا؟.


وقد يمنح الله أنوار اسمه:"الخالق" لعبد من عباده المخلصين فيعطيه كلمة "كن" فيبرز على يديه شؤوناً تدلُّه على الخلاَّق العظيم، وذلك يكون للعبد المطيع الأمين، السميع، الواقف على الحدود، المستمدّ من خزانة الجود .


وقد أعطى الحقّ لسيدنا عيسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – هذا السر، حيث قال: { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} (5) .


وقد يكون هذا العطاء للأولياء من باب الوراثة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( العلماء ورثة الأنبياء) (6) ).


واعلم أن المخلوقات أقسام؛ منها: ما لا يدخل تحت تصرُّف العبد مثل الكواكب والأفلاك.


ومنها: ما يدخل تحت تصرفه وهي سياسة نفسه وجهادها، حتى يتجلَّى له حقائق عليّة تبرز على يديه، لم يكن لها مثال سبق من فتوحات ومعارف، وتصرفات؛ فيكون على يديه أمور لم يسبقه بها أحدٌ فيفهم من معنى نور اسمه"الخالق" ما لم يفهمه غيره.


وخير من تجلَّى له هذا الإسم على أكمل مثال هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه أتى في الوجود بما لم يسبقه إليه أحد من أخلاق عالية، ومعارف غالية، ورحمة واسعة، وأنوار لامعة، فالمتابع لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يشرق له نور اسمه"الخلاَّق" فيتجمَّل بالأخلاق.


الدُّعـــــــاءُ


" إلهي.... أنت الخالق، الذي قدَّرت الأمور ، ودبَّرت الأشياء وهي في ظلام العدم لأنك النور، خلقت العباد، وخلقت فيهم الأسباب وهي العقل والجوارح، فما يبرز منهم فعل إلا بمشيئتك، ولا يصدر عنهم أمرٌ إلا بإرادتك وقدرتك. فامنحنا عيون التوحيد حتى نشهد الخلاَّق متجلياً منفذ المراد في النفس والآفاق، وامنحنا قوةً نسوس بها أنفسنا حتى تطهّرنا من رجس الأغيار، وتتجلَّى من اسمك "الخالق" الأنوار، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ".


اقتباس:====================== الحاشية =====================


(1) : قال العلامة المرحوم الشيخ محمد بن كمال الخطيب رحمه الله تعالى رحمة الأبرار: إتقان عمله، وحسن صنيعه، وأن يصلح في الأرض مستعمراً، ويقاوم الفساد والمفسدين مجاهداً مضحياً، وأن يقيم الحق في أرض الله، ويفعل الخير ما يرضي الله، فيزداد بذلك قربى من رفيع الدرجات جلَّ سبحانه، وهو الغني عن عباده، وله المنة والفضل فيما أعطى ومنع، أما الخالق فقد رجع حاصله إلى العلم، وأما البارىء فقد رجع حاصله إلى القدرة، فحظ العبد من الخالق: تكوين القوة النظرية بمعرفة الحقائق، واكتساب العلم، وحظُّه من البارىء : تكميل القوة العملية بمحاسن الأخلاق، وأرى أن الخلق بتكوينه أشمل دلالة لما يلازمه من ضرورة العلم، والقدرة، والإرادة جميعاً، وبهذا استخلف الخلاق الإنسان في أرضه من بين خلائقه، واستعمركم فيها، قائلاً: { لننظر كيف تعملون}، فإن قوام العمل علم وقدرة وإرادة، وعلى أساس ذلك الجزاء، وحياة الخلود يوم القيامة، فالله تعالى خلاَّق، والإنسان عامل كادح، { والله خلقكم وما تعملون} ، أعدَّ لكم مؤهلاته وأسبابه، ومنحكم له الحرية، وحمَّلكم التبعة، قائلاً: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، وبهذا فإن من عرف نفسه عرف ربه خالقه، ومن عرف الخلاق عرف قدره، ووقف موقف العبودية لله وحده، وإن معرفة الإنسان المخلوق بخالقه توجب عليه شكره، وأداء حقه، والإخلاص بعبادته وحده، وقد أقام له من دلائل آياته فيما خلق ما يجعل عبادة الله غاية الكمال، وسبيل التسامي إلى رفيع الدرجات، واستحقاق الخلود والإنعام من قدرة وإرادة، وعلم ، يمكنه من العمل وإتقان الصنع، وحظ العبد منه أن يعرف منة الخالق بما أنعم عليه من الخلق، وما أعطاه وما آتاه من فضله، وأن يديم شكره، ويستزيد بذلك من فضله، وما قدر عليه ونقصه منه، وابتلاه بمصائبه، فإن عليه مع الصبر الرضا، وأن يأخذ من الأسباب ما فيه المنة فضلاً من الله تعالى كالدواء وهو يتكل على ربه ، وما أعجزه لم ييأس منه { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}، فإن لله تعالى خوارق العادات، مع حكمته، وما يهيؤه من الأسباب، على مثل قوله تعالى: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} .

(2) : سورة الصافات – الآية 96.

(3) : والعجب بل والأعجب من هذا أن كثيراً من الناس في أيامنا هذه يتبعون المعتزلة في قولهم من باب "خالف تعرف" بل يحتجون أن الإسلام دين العقل، وكأنه لم يتبع العقل إلا فرقة المعتزلة !!، فدسَّ هؤلاء في مناهجهم الدراسية خاصة منهاج التربية الدينية الإسلامية الكثير من آراء المعتزلة ليسمِّموا بها عقول الأبناء، غير آبهين بخطورة تلك الآراء، وهذا بدون شك إحياء غير معلن لهذا المذهب الذي تصدى له الأئمة في وقت كان له صولة ودولة... ولكن ما ذا نقول ومن نحذِّر ؟، وقد اختلطت الأمور وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وعاد الدين غريباً كما بدأ وتولَّى الأمر من ليس له بأهل، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(4) : وذلك مصداقاً للحديث الشريف الذي رواه البخاري بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَه".

(5) : سورة آل عمران – الآية 49.

(6) : قطعة من حديث: رواه أبو داود واللفظ له بسنده عن دَاوُدَ بنِ جَمِيلٍ عن كَثِيرِ بنِ قَيْسٍ قالَ: "كُنْتُ جَالِساً مَعَ أبي الدّرْدَاءِ في مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فقالَ: يَا أبَا الدّرْدَاءِ إنّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أنّكَ تُحَدّثُهُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَا جَئْتُ لِحَاجَةٍ. قالَ: فإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَك الله بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الْجَنّةِ، وَإِنّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا رِضاً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْحِيَتَانِ في جَوفِ الْمَاءِ، وَإنّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ علَى سَائِرِ الْكَواكِبِ، وَإِنّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً، وَرّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أخَذَهُ أخَذَ بِحَظّ وَافِرٍ".

قال العلامة العجلوني: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء). رواه الإمام أحمد في المسند، والأربعة وآخرون عن أبي الدرداء مرفوعا بزيادة: " إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم" – الحديث. وصححه ابن حبان، والحاكم، وغيرهما. وحسَّنه حمزة الكتاني، وضعَّفه غيرهم لاضطراب سنده، لكن له شواهد، ولذا قال الحافظ: له طرق يعرف بها أن للحديث أصلاً.

ورواه الديلمي عن البراء بن عازب بلفظ الترجمة وبزيادة: " يحبهم أهل السماء وتستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا". ورواه أيضا بلا سند عن أنس بلفظها، وبزيادة: " وإنما العالم من عمل بعلمه"، وقال النجم وروى أبو يعلى عن علي: "العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء وورثتي وورثة الأنبياء". انظر: العجلوني - كشف الخفاء - الحديث رقم 1745." اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع الإسم الشريف: البَارِىءُ جَلَّ جَلالُهُ..... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس