وصية:
عليك بمراقبة الله عز وجل فيما أخذ منك وفيما أعطاك فإنه تعالى ما اخذ منك إلا لتصبر فيحبك فإنه يحب الصابرين وإذا أحبك عاملك معاملة المحب محبوبه فكان لك حيث تريد إذا اقتضت إرادتك مصلحتك وإذا لم تقتض إرادتك مصلحتك فعل بحبه إياك معك ما تقتضيه المصلحة في حقك وإن كنت تكره في الحال فعله معك فإنك تحمد بعد ذلك عاقبة أمرك فإن الله غير منهم في مصالح عبده إذا أحبه فميزانك في حبه إياك أن تنظر إلى ما رزقك من الصبر على ما أخذه منك ورزأك فيه من مال أو أهل أو ما كان مما يعز عليك فراقه وما من شيء يزول عنك من المألوفات إلا ولك عوض منه عند الله إلا الله كما قال بعضهم
1
لـكـل شــيء إذا فـارقـتــه عــوض
ولـيـس لـلـه إن فـارقـت مـن عـوض
فإنه لا مثل له وكذلك إذا أعطاك وأنعم عليك ومن جملة ما أنعم به عليك وأعطاك الصبر على ما أخذه منك فأعطاك لتشكر كما أخذ منك لتصبر فإنه تعلى يحب الشاكرين وإذا أحبك حب الشاكرين عفر لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رجل رأى غصن شوك في طريق الناس فنحاه فشكر الله فعله فغفر له ( إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق) وهو ما ذكرناه وأرفعها ( قول لا إله إلا الله ) فالمؤمن الموفق يبحث عن شعب الإيمان فيأتيها كلها وبحثه عن ذلك من جملة شعب الإيمان فذلك هو المؤمن الذي حاز الصفة وملأ يديه من الخير وما شكرك الله بسبب أمر أتيته مما شرع لك الإتيان به إلا لتزيد من أعمال البرّ كما أنك إذا شكرته على ما أنعم به عليك زادك من نعمه لقوله (( لئن شكرتم لأزيدنكم )) ووصف نفسه بأنه يشكر عباده فهو الشكور فزاده كما زادك لشكرك ومع هذا فإن اعتقد أن كل شيء عنده بمقدار وكل شيء في الدنيا يجري إلى أجل مسمى عند الله فما ثم شيء في العالم إلا وهو لله فإن أخذه منك فما أخذه إلا إليه وإن أعطاك فما أعطاك إلا منه فالأمر كله منه وإليه كفى بك إذا علمت أن الأمر على ما أعلمتك أن تكون مع الله تشهده في جميع أحوالك من أخذ وعطاء فإنك لن تخلو في نفسك من أخذ وعطاء في كل نفس أول ذلك أنفاسك التي بها حياتك فيأخذ منك نفسك الخارج بما خرج من ذكر بقلب أو لسان فإن كان خيراً ضاعف لك أجره وإن كان غير ذلك فمن كرمه وعفوه يغفر لك ذلك ويعطيك نفسك الداخل بما شاءه وهو وارد وقتك فإن ورد بخير فهو نعمة من الله فقابلها بالشكر إن كان غير ذلك مما لا يرضى الله فاسأله المغفرة والتجاوز والتوبة فإنه ما قضى بالذنوب على عباده إلا ليستغفروه فيغفر لهم ويتوبوا إليه فيتوب عليهم وورد في الحديث ( لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ويتوبون فيغفر الله لهم ويتوب عليهم ) حتى لا يتعطل حكم من الأحكام الالهية في الدنيا وورد في الصحيح عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال ( إن لله ما أخذوا له ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ) فإذا انتهى أجله انقضى وجاء غيره وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا معرفا أياً بما هو الأمر عليه لنسلم الأمر إليه فنرزق درجة التسليم والتفويض مع بذلك المجهود فيما يحب منا أن نرجع إليه فيه بحسب الحال إن كان في المخالفة فبالتوبة والاستغفار وفي الموافقة بالشكر وطلب الإقامة على طاعة الله وطاعة رسوله ونجد عزاءً في نفوسنا بمعرفتنا أن كل شيء عند الله في الدنيا يجرى إلى أجل مسمى وللصابرين حمد يخصهم وهو الحمد لله على كل حال وللشاكرين حمد يخصهم وهو الحمد لله المنعم المفضل كذا كان يحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في حالة السراء والضراء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في حالة السراء والضراء والتأسي برسوله الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أولى من أن تنبسط حمداً آخر فإنه لا أعلى مما وضعه العالم لمكمل الذي شهد الله له بالعلم به وأكرمه برسالته واختصاصه وأمرنا بالإقتداء به وإتباعه فلا تحدث أمراً ما استطعت فإنك إذا سننت سنة لم يجئ مثلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حسنة فإن لك أجرها وأجر من علم بها وإذا تركت تسنينها اتباعاً لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنها فإن أجرك في اتباعك ذلك أغنى ترك التسنين أعظم من أجرك من حيث ما سننت بكثير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره كثرة التكليف على أمته وكان يكره لهم أن يسألوا في أشياء مخافة أن ينزل عليهم في ذلك ما لا يطيقونه إلا بمشقة ومن سن فقد كلف وكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ولكن تركه تخفيفاً فلهذا قلنا الإتباع في الترك أعظم أجراً من التسنين فأجعل بالك لما ذكرته لك ولقد بلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه ما أكل البطيخ فقيل له في ذلك فقال ما بلغني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله فلما لم تبلغ إليه الكيفية في ذلك تركه وبمثل هذا تقدم علماء هذه الأمة على سائر علماء الأمم هكذا وإلا فهذا الإمام علم وتحقق معنى قوله تعال عن نبيه صلى الله عليه وسلم (( فاتبعوني يحببكم الله )) وقوله (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) والاشتغال بما سن من قول وفعل وحال أكثر من أن نحيط به فكيف أن نتفرغ لنسن فلا نكلف الأمة أكثر مما ورد .]
يتبع بعون الله تعالى
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات