عرض مشاركة واحدة
قديم 09-19-2008
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة

2ً - طلبه للعلم - حفظه الله تعالى -

لما تم له من العمر عشرون عاماً بدأ بتحصيل العلم بشكل جدي دائم ، وفي نفس الوقت بدأ بالسير والسلوك في مجاهدة النفس في الطريقة النقشبندية . ولكن لم يلبث حتى أصيب في أول مراحل سيره وتحصيله في شقيقه محمد حيث توفاه الله تعالى ، فصبر على ذلك وثبت ثبوت الجبال الراسيات في الصدمة والمصيبة ، وفوض أمره إلى الله تعالى .
وتابع سيره وسلوكه وتحصيله في طلب العلم ، وصار ينتقل من قرية إلى قرية ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن دولة إلى أخرى وطلبه الوحيد البحث عن المكان الأنسب للسير والسلوك ، وعن الأستاذ التقي النقي لتحصيل العلم على يديه ، وأكرمه الله تعالى بذلك ، فجميع أساتذته من اهل التصوف الخالص . فأخذ علم الفقه واللغة العربية عن الشيخ عبد الهادي العمري البوطي رحمه الله وهو مأذون في الطريقة النقشبندية . وتابع ذلك على يد الشيخ عبد الرحمن العمري البوطي رحمه الله وأخذ منه الكثير من العلوم الأخرى ، وكذلك أخذ العلوم عن الشيخ محمد ظاهر الملاز كردي فهو أستاذ أستاذه الشيخ عبد الرحمن العمري رحمهما الله تعالى .
وكان حفظه الله تعالى وهو في حالة طلب العلم له إشارات معهم ، فمرة كان مع بعضهم في ميدان كبير في فصل الربيع وقد ازدهرت الأرض ، فنظر الى تلك الأعشاب النظيفة المهتزة ، وقال لأستاذه : يا سيدي إن قلب الإنسان نظيف وسليم كهذا المكان ، فإن حافظ عليه من الأغيار ، ولم يدخل إليه غير الله تعالى يبقى سليماً نظيفاً ، ولكن إذا دخلته الأغيار والدنيا والشيطان فإنهم يعبثون به ويدوسونه ويفسدونه ، وعندها يظلم القلب بعد البياض الناصع ، كما لو دخلت البهائم هذا الميدان وعبثت بالأعشاب وداستها . فسر أستاذه وتعجب منه لهذه اللفتة الكريمة .
ومرة أخرى كان مع بعض أساتذته بين أشجار متنوعة ، فنظر إليها بنظراته الربانية وتفكر في أحوالها وأشكالها ، ثم قال لأستاذه : يا سيدي أنا أنظر إلى هذه الشجرة المقطوعة اطرافُها التي هي في غنى عنها ، كيف استوت واستقامت وعلت ، وأنظر إلى تلك الأشجار التي لم تقطع أطرافها كيف قصرت قامتها والتوت وبقيت مع الأرض ، وكذلك المؤمن إذا قطع علائقه من الدنيا وتعلق بالله تعالى فإنه يذهب مستقيماً إلى أعلى حيث يترقى . ففرح أستاذه لهذه الإشارة .
ومرة قال لأحدهم : كأنني أشعر بالخجل إذا قلت سبحان الله ، إذا كان معنى ذلك أنزه الله تعالى عن كل صفة ناقصة ، هل هناك نقص ؟ حاشاه من ذلك تعالى وتقدس .
كيف لايكون هكذا وكان معروفاً بصمته الطويل ولا يتكلم إلا قليلاً وعند الحاجة وكان مشهوراً حفظه الله بقلة الطعام وكثرة الصيام وحبه للخلوات وكانت أكثر خلواته شهراً كاملاً ، وكان معروفاً عند جميع إخوانه بصمته الطويل ، حتى قال لي مرة أحد طلاب العلم من الجزيرة لما رأى الدرر ووصاياه الكثيرة حفظه الله ، قال سبحان الله هذا الذي كان لايتكلم إلا القليل القليل وكان معروفاً بعزلته ، كيف يتكلم بكل هذه الحكم والوصايا ؟ ثم قال [ إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنه يلقِن الحكمة ] . كما ورد في الاثر .
وحين تلقيه العلوم من أستاذه الشيخ عبدالرحمن العمري البوطي رحمه الله في قرية شاوران ، حدث في شهر رمضان المبارك في ليلة العيد أن خرج من المسجد بعد صلاة العشاء لوحده وذهب إلى مقبرة القرية وهي في منطقة جبلية عالية مغطاة بأشجار عظيمة ، وهناك في المقبرة مزار الشيخ عبدالله الشاوري رحمه الله وهو أحد اجداد أستاذه الشيخ عبد الرحمن ، وكانت المقبرة مخيفةً لشدة الظلمة ولارتفاعها وبعدها عن القرية وكذلك المزار كان مخيفاً ، الناس لا يدخلونه في النهار فضلاً عن الليل ، ولما وصل إلى المزار وقف هناك وقال في نفسه لن أدخل هذا المزار حتى أرى شيئاً ، فقال حفظه الله تعالى : عندها رأيت اموراً عجيبة ، فبعدها دخل المزار وعلى ضريح الشيخ صندوق خشبي فجلس شمالي الضريح وقضى ليلة العيد هناك حتى أذن الفجر ورجع الى المسجد فصلى فيه الفجر .
وكان حفظه الله تعالى وهو في حال تنقله من مكان لآخر في طلب العلم ، معتمداً على الله تعالى ومتوكلاً عليه ، ولم يسأل ولو مرة واحدة عن أسباب العيش في المكان الذي يتوجه إليه هو وأهله ، وانما يسأل دائما كما مر معنا عن الأستاذ وأخلاقه وصدقه وسلوكه .
وكان يقول حفظه الله تعالى عن هذا الجانب :
أخذت علومي من المتقين ، وتأدبت بآدابهم ، حتى اجازوني بالإجازات العلمية ، وهذا من فضل الله تعالى . لقد عشت مع المتقين وأخذت الطريق من الصادقين .
وأكرمه الله تعالى بعد ذلك بغزارة العلم ، وهو شافعي المذهب ، وان توسعه في الفقه الحنفي لايقل عنه في الفقه الشافعي ، وقد قرأ كتاب حاشية ابن عابدين أكثر من سبع مرات دراسة وتدريساً ، وتوسع في علمه حتى اشتهر بذلك ، وأصبحت دوائر الإفتاء في تركيا ترسل إليه الكثير من المسائل لحلها ، وهو بجانب هذا يشتغل بالطريق .
ولقد بلغ من محبته للشرع الشريف الدرجات العالية ، فكان غيوراً على شرع الله تعالى ، وكل شئ أضحى رخيصاً عنده أمام الشرع ، حتى قال مرة : نحن لاننحرف ان شاء الله تعالى ما حيينا عن شرع الله تعالى ، ولو كانت لي الآلاف من الأرواح لقدمتها روحاً بعد روح فداء لهذا الشرع . نحن لاننحرف عن الشريعة من أجل أنفسنا فكيف ننحرف عنها من اجل الناس ؟.
وقال ايضاً : الشريعة حبل الله النازل من السماء الى الارض وهو الطريق الوحيد للخلاص من الغرق في بحر الدنيا ، ومن ادعى طريقاً آخر لذلك ضل وأضل ، وسلوك هذا الطريق هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباع من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو اتباع لشرع الله عزوجل .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 09-19-2008 الساعة 04:06 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس