عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #13
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

بناء تقوض
أين تلك الجماعة التي سرت فيها روح القرآن، وتآلفت قلوبها بفضل الله ورحمته؟ بناء قوضته ظروف التاريخ، بل قدر الله! أستغفر الله من تعابير ومصطلحات فرضتها علينا ضرورة مخاطبة الناس على قدر عقولهم. ويجد المرء حَرَجا، منذ لوَّثَ لغتَنا الشريفة أصحابُ الفكر المترجم، أن يجمع بين لسانَيْ القدَر والشرع كما يجمع القرآن وتجمع السنة. وهذا من التقويض التاريخي.
إن عرض حاضرنا على السنة المطهرة كفيل أن يكشف لنا بالمقارنة فداحة الخراب. كما أن استعراضنا لتاريخنا كفيل أن يدلنا على مراحل النقض والتدمير. كانت النظرة واحدة، وكان شمل القلب والعقل مجتمعا، وألفة القلوب رابطة بين عباد أحبوا الله وأحبهم الله حين اتبعوا الإمام المبين. كانت لهم في رسول الله إسوة لا تغيب فتنسى، ولا تضعُف فَيَفْتُرَ في الهمم طلب وجه الله. واليوم ما سبيل جمع ما أصبح شتيتا؟ ما منهاجه؟ جاهلية اليوم من نوع جديد على التاريخ. لا مكان فيها للدين إلا في رُكْنٍ تنسحب عليه أحكام القانون. الحياة الشخصية لا بأس أن تُترَك لشرائع "الأحوال" الشخصية. القاضي يطلق ويزوج في حدود عدم تعدد الزوجات مثلا. الأخلاق من شأن الأسر والمدرسة والجمعيات "الدينية". خارج المسجد لكيلا يفسدوا على الدولة توجيهها للدين. حياة المجتمع الاقتصادية والسياسية واليومية والثقافية والترفيهية لا دخل فيها للدين بتاتا. وصحوة ناشئة أمامها ركام الخراب الضخم. فماذا تجمع؟ وكيف تعود بالأمة لوحدة المنهاج النبوي وتماسك الأمة وأخُوة الإيمان والعزة على الأعداء؟
دولة القرآن في غدنا الموعود تحتاج لأسوة. قال أهل اللغة الإساء بكسر الهمزة ما يستند عليه، ومنه الأسوة. لا بد لدولة القرآن من سند تعتمد عليه. لا بد من نموذج تحذو حذوه. من منوال تنسج عليه. وليس إلا السنة النبوية المعصومة. فهي قوتنا.
إن من يبني على رسم مبتكر قد يبدع الغرائب، وقد يبدع النُّكْرَ المشوَّه. وأصحاب "اليوتوبيات" -وهي عندهم المجتمعات المثالية في خيال الفلاسفة- على علم بمصير الإنسانية البئيس من جراء ما رسموا. وما روسيا الفتك والاستعباد وأمريكا العنف والغابة ببعيد.
أما بناء الإسلام فعلى أسوة مؤيَّدَة نجحت. وإعادة البناء على ذلك المنهاج ممكنة، بل موعودة مُؤكدة. يقول بعضهم: هلم نبني ما جاء به القرآن لا نعدوه، فهو أهدى وأمتن وَصْلاً من سنة انحدرت إلينا على يد أجيال طويلة. جواب هؤلاء في الحديث الصحيح كما ورد. وآخرون يقولون: إن ضرورة الإبداع المستقبلي تقتضي أن نعالج مشاكل الحاضر والمستقبل بمناهج متطورة. فأين السنة المحترمة -أي المسكينة المتخلفة- من مشاكل التصنيع والصراع الدولي وآفاق العلم وإمكانيات التكنولوجيا؟ هؤلاء نوع ممن لا يحبون أن يفهموا أن الإنسان وحده في مصيره فوق الأرض وفي البرزخ وفي دار الجزاء هو محور الأمر كله. وإن السنة المطهرة ما هي شكل اللباس وحجم الإنتاج وأدوات العمل وأساليب الأمن والحرب. السنة النبوية روح ونور ورحمة وفضل. وهي أيضا تعاليم خالدة تنتظم سلوك العبد المنيب الحريص على آخرته في عبادته الظاهرة والباطنة، في خُلُقه وتعامله، في عبوديته لله عز وجل، عبوديةٍ مجسدة في الأسوة المعصوم صلى الله عليه وسلم. السنة شورى في الحكم، ثم لا بأس إن جلس المومنون في المسجد يدبرون أمرهم أو جلسوا في بيت خاص سموه برلمانا أو غير ذلك يتفرغون فيه لشأنهم. السنة إخاء وعدل. وذلك يقتضي حسن الخلافة عن الله في ماله، وحسن القسمة، وحسن التضامن والمواساة. لا دخل في ذلك لنوع إدارة الاقتصاد وتشجيع الإنتاج ما دام ذلك لا يتعدى حدود الله إلى الإسراف والتبذير وأكل أموال الناس بالباطل. السنة قوة. لا يسألنا الله كيف صنعنا السلاح ولا كيف نظمنا مدارس العلم ومعامل الصناعة، ولا عن تقنيات كل ذلك. إنما يسألنا وتلعننا السنة إن لم نُعِدَّ ما أُمِرْنا به من قوة، وإن لم ننظم وسائلنا البشرية والعلمية والمادية لنصنع اقتصاد القوة والكفاية ولننظم مجتمع القرآن ودولة العز بالله القوي العزيز.
السنة تنافي البدع، تنافي الشرك المتسرب إلينا مع كل خيط يربطنا برباط التبعية والتلمذة والانكسار الانهزامي أمام الجاهلية.
لا يمكن أن نجمع بين المنهاج النبوي ومذاهب العصر في أية نقطة. ومن يريد أن يبني إسلاما على منوال مستعار كمن يروم أن تلد له الفأرة غزالا.
نبدأ إن شاء الله تعالى في الفصول التالية بتأمل البناء الأول كيف تم. ثم كيف انتقض عروة عروة. ونتأمل أسباب الانتقاض، ونلتمس منهاج النبوة لإعادته كما كان.
جاء عند الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليُنقضن عرا الإسلام عروة عروة. فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. وأولهن نقضا الحكم. وآخرهن الصلاة" .
بدأ الخراب من أكثر جوانب البناء حساسية وهو الحكم. لا بد أن يستقر هذا في أذهان بعضنا ممن يدافع عن الحكام على المسلمين بأي ثمن. لا بد أن نفهم تاريخنا، وأنه أطوار بدأت بالنبوة، ثم الخلافة على منهاج النبوة، ثم الملك العاض والجبرية. قرأت لبعض علمائنا تعليقا على حديث الملك العاض كله تبرير لهذا الملك واعتبار له وقبول لكون الإعلام النبوي سبق به. يكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم أطلق عليه وصفا حيوانيا هو العض، وعلى تاليه اسم الجبرية وهي حرفة الجبارين. أفما يكفي هذا؟ ثم ها هو حديث نقض عرا الإسلام يُعْلِمُ بانتقاض الحكم أولَ ما ينتقض من الإسلام. وقد كان ذلك مبكرا جدا في تاريخنا.
إن معجزة هذا الدين أن القرون الطويلة من فساد الحكم لم تقض عليه. كلمة "فساد الحكم" أقرب ما نترجم به كلام النبوة السامي العفيف حين وصم مراحل الفساد بالعض والجبر.
والصفحة الناصعة من تاريخ الخلافة الثانية أمامنا. جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ويخفون بفرح ونشاط لتشييد الإسلام بعد كنس ركام النقض في عصور الدخَن الماضي والشر المحيط.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس