عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #23
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

حبه صلى الله عليه وسلم من حب الله
إن تمييز الله نبيه عنا لا يهدف لرفعه فوقنا رفعا يبعده عنا، لكن يهدف لتمكين هيبته في نفوسنا وتعميق حبه في قلوبنا. وكما أن تَعَالِيَ المولى سبحانه وتقدُّسَهُ لا يجعله بعيدا عن عباده بل يبقى قريبا، فكذلك هذا الرجل الذي لا يَصفو حبنا له من أكدار البشرية لو بقي في أعيننا واحدا من بعض رجالنا. وحبه صلى الله عليه وسلم من حب الله. ومِن حب الله والتعلق الدائم به يفيض الحب على رسوله بالإضافة والتبعية. فمهما توغل حب العبد المصطفى في قلوبنا فسيبقى حبا مضافا. ولا خطر من الشرك كما يتوهم أهل اليُبْسِ والجفوة، عافانا الله.
حب الله ورسوله ليس عاطفة -وهذه كلمة محدثة تترجم لغة بشرية- حب الله ورسوله حركة قلبية كأخواتها من معاني القلب والغيب: الرحمة والسكينة والإيمان والإحسان وما إليها. أما الغرام، الذي يعبر عنه بكلمة الحب وهي شريفة أنزلها الاستعمال الدارج عن مكانتها، فهو حركة نفسية. وتشترك الانفعالات البشرية في التسمية، فيكون للمومن والجاهلي فرح وغضب، حب وبغض، وسائر ما تعتلج به الأنفس. لكن المومن وحده المختص بحاسة القلب يفرح بالله، ويغضب لله، ويحب في الله، ويبغض فيه. أما الكافر المطبوع على قلبه فلا يعدو الانفعالَ النفسيَّ. فمن أخص خصائص المومن حياةُ القلب، لا يعرفها عالم الجاهلية. وقد مستنا عدوى العقلانية الجافة، واختلطت في مجتمعاتنا دوافع النفس البشرية المشتركة مع الدوافع الجاهلية الهِيَاجِيَّةِ المُعْدية، فضمُرَت، ثم ذبُلَت، ثم ماتت رقائق القلب من تواد، وتراحم، وتساكن. فإذا مجتمعنا تركيب تُقَعْقِعُ فيه المصالح، والعلاقات النفعية الجافة، والكراهية، والتحاسد، والتباغض، والعنف وهو الجاهلية.
ما ذاك إلا لتعطيل، بل تعطل، الحياة القلبية. وإنَّ معين هذه الحياة حب الله ورسوله. فمتى غابت هذه الشُّعبة العظمى من شعب الإيمان من حياة المسلمين هوَوْا في دَرَكات العَمَاية. يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "إن من أحب غير الله، لا من حيث نسبتُه إلى الله تعالى، فذلك لجهله وقصوره في معرفة الله تعالى. وحب الرسول صلى الله عليه وسلم محمود لأنه عين حب الله تعالى. وكذلك حب العلماء والأتقياء، لأن محبوبَ المحبوب محبوب. ورسول المحبوب محبوب، ومحب المحبوب محبوب. وكل ذلك يرجع إلى حب الأصل، فلا يتجاوزه إلى غيره. فلا محبوب بالحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى. ولا مستحق للمحبة سواه"[1].
روى الإمام البخاري رحمه الله عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر ابن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله! لأنتَ أحبُّ إلي من كل شيء إلا نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم" لا! والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر!" .
وروى الشيخان رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده لياتين على أحدكم يوم ولا يراني. ثم لأنْ يراني أحبُّ إليه من أهله ومالُهُ مَعَهُم" .
فهذا تشجيع مؤكد لحبه صلى الله عليه وسلم حبا على الأرض وبعد أن قبض. ويقسم أن حبه المطلوب شرعا هو ما تجاوز المَيْلَ المضاف إلى نفسك وطبعك لترتفع به فوقها.
وأنه لا إيمان بدون محبته صلى الله عليه وسلم لما ورد من حديث أنس رضي الله عنه المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يومن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" .
ولا يذوق حلاوةَ الإيمان ذائقٌ إلا بها. روى الشيخان رحمهما الله عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما. وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" .
[1] الإحياء ج4 ص258
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس