عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #29
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الهجرة
كانت الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والهجرةُ إليه انتقالا من مكان لمكان، وقطعا لحبال الجاهلية بترك الأهل والعشيرة والمال والماضي كله. حبال الجاهلية تمثل في حياة المسلم حديث العهد بالإسلام الأمن والحماية، فلا يكاد يُحدِّث نفسه بقطعها والارتماء في المجهول. حتى إذا قويَ إيمانه واشتدت رابطته بالله ورسوله وإخوانه المومنين أخذ يهون عليه ما سوى ذلك، حتى يكون بموعود الله ورسوله أوثق منه بما عنده. وحتى تكون الأخوة الإيمانية الجديدة هي حياتَه. وإذ ذاك يكون الانتقال من مكان لمكان تنفيذا لهجرة في النفس وُلِدتْ، ثم شبت وطرَدَتْ هواجس الخوف الذي يثبط همم الشاكّين عن العظائم.
إنه انقطاع على كل المستويات، عن كل علائق الماضي. إنه ميلاد مجتمع جديد، وإنسان جديد، وتضامن جديد، ونيَّة جديدة. تنْفتح على موعود الله في مستقبل النصر في الدنيا والفلاح في دار النعيم.
كانت أولُ هجرة في الإسلام هجرة محمد صلى الله عليه وسلم مألوفَهُ، وتخليه في غار حراء. هنالك وُصل قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم بنور الوحي. هنالك وصلت حلقات العروة الوثقى بين السماء والأرض. هذه العروة التي تمسك بها كل مومن بعده صلى الله عليه وسلم، فرفعته فوق اعتبارات المصلحة الوقتية.
ثم كانت هجرة المومنين إلى الحبشة، أذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، رَجاء أن يجنبهم بعض العَنَتِ. وقال: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنَّ بها ملكا لا يظلم عنده أحد، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه" . كانت تمريناً على الهجرة النهائية بعدئذ وتهييئا لها. كانت فتحا لباب من المعاناة ما كان يعرفه العرب، وهم من نعرف حنينا إلى الأوطان، ولُصوقاً بالربوع والديار. وكان اللجوء إلى مَلِكٍ لا يَظْلِمُ درساً لنا في التماس الفرج، إذا كنا في ضيق، عند ومع من يضمن لنا حرية الإرادة والحركة في انتظار فتح من الله. ولستُ هنا أدُلُّ على مُستَراح للتخاذل والانضواء تحت ظلِّ الطغاة. والضرورة تُقدر بقَدْرِها.
ثم كان الإسراء والمعراج هجرة ثالثة، فارق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم جسما وروحا هذا العالم، ليتلقى من ربه عز وجل في الأفُق الأعلى، وليرى من آياته الكبرى. وعاد العبد المصطفى يحدث أصحابه وقومه بمعراجه ومسراه الشريفين. فكانت خطوة أخرى في طريق الانفصال عن المألوف والعادي والأرضي. ازداد الانفصال بين أمثال أبي بكر ممن اطمأنوا وصدقوا وبين كفرة قريش الذين استهزؤوا وكذبوا.
تألفت الجماعة في مكة، وبرهنت بصمودها على أصناف الأذى وضروب البغي، وبتماسكها، على أنها مجتمعٌ متميزٌ، رغم بقاء المومنين في نطاق الأسرة والعشيرة. أدت التربية النبوية مهمتها في صياغة إنسان جديد، وربط علاقات جديدة متينة لا تنال منها المحن. فأصبحت الجماعة قادرة على تحمل صدمات أقصى على درب الجهاد. وأصبح قيام دولة القرآن ممكنا بوجود حملة للدولة ودعائم لبنائها. بيد أن عداء مكة وظروفها، وهيمنة الملإ عليها، وعدم التوازن والتكافؤ الكبيرين بين القوة الناشئة والجاهلية المسيطرة لا تسمح بمحاولة القومة المباشرة. كان لا بد من أرض تحتضن دولة القرآن في ميلادها، وتحصنها من عدوان عالم الجاهلية، وهي لا تشكل عددا إلا نقطة في بحر.
كانت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف هجرة فردية. كانت حَلقة من خرجاته الدائمة صلى الله عليه وسلم للمواسم والقبائل يعرض عليها نفسه. وتميزت خرجة الطائف بعنف ثقيف عليه. ألَّبوا عليه صبيانهم وسفهاءهم، ورجموه بالحجارة حتى أدْمَوْا عَقِبَهُ الشريف. اصطفّوا صفين في طريقه يهينونه بكل أنواع الإهانة. وكانت غنيمتَه من هذه الهجرة مستضعف مسكين، هو العبد عداس النصراني، آمن به وأكرمه حين اجتمع المستكبرون على أذاه.
وكانت هجرة الحبشة جماعية. لكنها ما كانت لتؤسس دولة الإسلام في أرض لا تفتح ذراعيها للدين الجديد رغم إسلام النجاشي. ولا يكفي العطف المحايد لتمكين الدعوة في الأرض.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس