الموضوع: رياحين الجنة !!
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-24-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
رياحين الجنة !!

رياحين الجنة !!



بقلم : هشام العثامني الحسني


قال تعالى :{ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ } [ الزمر/54] .
وقال عز وجل : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ } [ الذاريات/50].
وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } [الانشقاق/6].
في كتاب الله تعالى نداءات كثيرة ، تخاطب الإنسان تهيب به أن يحث السير إلى ربه والإنابة إلى مولاه ، ويَجِدَّ في كدحه إليه ، والفرار منه إليه ، حتى يصل إليه سبحانه .
غير أن ذلك الكدح والوصول لا تتم حقيقته إلا بتمثل نماذج حية ، والائتساء بقدوات عملية ، ولله در ابن القيم رحمه الله إذ يقول : " العارف بالله في الأرض ريحانة من رياحين الجنّة ، إذا شمها المريد اشتاقت نفسه إلى الجنة " [1] .
قال تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [ الفاتحة/6-7].
قال الفخر الرازي رحمه الله : " قال بعضهم : إنه لما قال { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }، لم يقتصر عليه بل قال : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }. وهذا يدل على أن المريد لا سبيل له إلى الوصول إلى مقامات الهداية والمكاشفة ، إلا إذا اقتدى بشيخ ، يهديه إلى سواء السبيل ، ويجنبه عن مواقع الأغاليط والأضاليل ، وذلك لأن النقص غالب على أكثر الخلق ، وعقولهم غير وافية بإدراك الحق وتمييز الصواب عن الغلط ، فلا بد من كامل يقتدي به الناقص ، حتى يتقوى عقل ذلك الناقص بنور عقل ذلك الكامل ؛ فحينئذ يصل إلى مدارج السعادات ومعارج الكمالات "[2].
ولذا كان الناس ينتفعون برؤية الرجل الصالح وصحبته قبل سماع كلامه .
قال جعفر الصادق عليه السلام : " كنت إذا وجدت في قلبي قسوة ، وفي عملي فترة ، نظرت إلى وجه محمّد بن واسع فأجتهد أسبوعاً دون أن أسمع كلمة " [3] .
وقال يونس بن عبيد رحمه الله : " كان الرجل إذا نظر إلى الحسن انتفع به ، وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه " [4] .
وقال الإمام مالك رحمه الله : " كنت كلما أجد في قلبي قسوة آتي محمد بن المنكدر ، فأنظر إليه نظرة فأتعظ بنفسي أياماً " [5].
وقال ابن النجار عن موفق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله : " ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه " [6].
وما ذلك إلا لأن معاني الإيمان هي معان تتشربها القلوب ، وتتلقفها النفوس ، وتلقنها الفطر .
قال سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما : " أوتينا الإيمان قبل القرآن ، وأنتم أوتيتم القرآن قبل الإيمان ، فأنتم تنثرونه نثر الدقل " رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين .
وقال سيدنا عبد الله بن جندب رضي الله عنه : " كنّا مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ونحن فتيان حَزَاوِرَة – أي نشطون - ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا " رواه ابن ماجه .
تعلموا الإيمان قبل القرآن ! ، هنا يقف الموفقون أرباب البصائر ليتساءلوا كيف تلقوا الإيمان عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل القرآن ؟ ، وكيف اقتبسوا الإيمان قبل تلقيهم السبع المثاني ؟ .
إنّه تلقٍّ آخر واقتباس آخر غير تلقي الأذن لآيات الله ، وغير اقتباس العلم من عقل لعقل ، إنه الاقتباس القلبي ، اقتباس قلب من قلب العارف بالله ، المتحقق بأخلاق القرآن .
قال ابن تيمية رحمه الله : " لا ريب أن الناس يحتاجون إلى من يتلقون عنه الإيمان والقرآن ، كما تلقى الصحابة ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتلقاه منهم التابعون ، وبذلك يحصل اتباع السابقين الأولين بإحسان ، فكما أن المرء له من يعلمه القرآن ونحو ذلك ، فكذلك له من يعلمه الدين الباطن والظاهر " [7].
[ المرء على دين خليله ] :
نعم إنه حاجة ملحة ، أن يبحث الإنسان عمن يلقنه الإيمان ذلك التلقين الذي تلقاه الصحابة رضي الله عنه ، اقتباس قلبي من قلب موصول بالله يمتح بمعاني المعرفة والإيقان ، وليس الأمر مجرد رغيبة يندب الإنسان إلى تحصيلها ، بقدر ما هو عزيمة ألزم الشارع بها كل طالب لوجه الله .
قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [ التوبة:119] ، فألزم بالكينونة مع الصادقين عطفاً على الأمر بتقواه ، لأن حقيقة التقوى امتثال للظاهر ، والكينونة مع الصادقين تجلية للباطن ، وأصل الصدق وأساسه : الصدق مع الله وبالله ولله .
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " [ رواه أبو داود والترمذي ].
والدين كما علمنا سيدنا جبريل مراتب ثلاثة : إسلام وإيمان وإحسان ، وكل مرتبة يكون المرء فيها على حال خليله ، لهذا أوجب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم النظر في حال ذلك الخليل ، والنظر يستدعي البحث والتقصي والتأمل وإعمال الفكر في أهلية ذلك الخليل ليخالل .
[ الرفيق قبل الطريق ] :
ولهذا المعنى كان صلّى الله عليه وآله وسلّم يوصي صحابته الكرام بانتقاء الصاحب ، وألا يصحب المرء إلا المؤمن .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي " [ رواه أبو داود والترمذي ].
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : " التمسوا الرفيق قبل الطريق " [ رواه الطبراني في الكبير وغيره بسند فيه متروك ، لكن له شواهد، وقال المحدث العجلوني: وكلها ضعيفة ، لكن بانضمامها يقوى فيصير حسنا لغيره. (كشف الخفا 1:179)].
ويتوالى الحديث ويرجع إلى رفيق وصاحب وخليل يأخذ بك إلى طريق السعادة ، ويوصلك إلى ربك . وإلى هذا المعنى أشار ابن البنا رحمه الله في المباحث الأصلِة ، حيث قال :
وإنما القومُ مُسافِرونا *** لحضرةِ الحقِّ وظاعنونا
فافتقرُوا فيه إلى دليلِ *** ذِي بصرٍ بالسَّيرِ والمقيلِ
قدْ سلكَ الطريق ثمَّ *** عادَ لِيُخْبِرَ القومَ بما استفادَ
وقد فقه الصحابة هذا المعنى ، فكانوا يسألونه صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الصاحب الذي يجالسون، والعارف الذي عنه يأخذون ، ففي مسند البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل : يا رسول الله ! ، من أولياء الله ؟ ، قال :" الذين إذا رؤوا ذكر الله " .
وفي مسند أبي يعلى عنه أيضا قال : قيل : يا رسول الله ! أي جلسائنا خير ؟، قال : " من ذكركم بالله منظره ، وزاد في علمكم منطقه ، وذكركم بالآخرة عمله " .
قال الشيخ المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير : " هذه كلمة نبوية وافق فيها نبينا عيسى عليهما السلام . قال ابن عيينة : قيل لعيسى : يا روح الله من نجالس ؟ قال : من يزيد في علمك منطقه ، ويذكركم الله تعالى رؤيته ، ويرغبكم في الآخرة عمله . أخرجه العسكري . قال الحكيم : أما الذي يذكرك بالله رؤيته ؛ فهم الذين عليهم من الله سمات ظاهرة ، قد علاهم بها نور الجلال وهيبة الكبرياء وأنس الوقار ، فإذا نظر الناظر إليه ذكر الله لما يرى من آثار الملكوت عليه . فهذه صفة الأولياء . فالقلب معدن هذه الأشياء ومستقر النور ، وشرب الوجه من ماء القلب ، فإذا كان على القلب نور سلطان الوعد والوعيد تعدى إلى الوجه ذلك النور ، فإذا وقع بصرك عليه ذكرك البر والتقوى ، ووقع عليك منه مهابة الصلاح والعلم ، وذكرك الصدق والحق ، فوقع عليك مهابة الاستقامة . وإذا كان نور سلطان الله على وجه تأدى ذكرك عظمة جلاله وجماله ، وإذا كان على القلب نوره وهو نور الأنوار نهتك رؤيته عن النقائص . فشأن القلب أن يسقي عروق الوجه وبشرته من ماء الحياة الذي يرطب به ويتأدى إلى الوجه منه ما فيه لا غير ذلك ، فكل نور من هذه الأنوار كان في قلب فشرب وجهه منه ، فإذا سر القلب برضى الله عن العبد وبما يشرق به صدره عن وجهه نضرة وسرورا . وأما رؤية العالم فتزيد في منطقه لأنه عن الله ينطق ، فالناطق صنفان : صنف ينطق بالعلم عن الصحف حفظاً ، وعن أفواه الرجال تلفقاً ، والآخر ينطق عن الله تلقيا ، فالذي ينطق عن الصحف والأفواه إنما يلج آذانهم عريان بلا كسوة ، لأنه لم يخرج من قلب نوراني ، بل من قلب دنس وصدر مظلم مغشوش إيمانه يحب الرئاسة والعز والشح على الحطام ، ونفسه قد استولت على قلب ينازع الله في ردائه . والذي ينطق عن الله إنما يلج آذان السامعين بالكسوة التي تخرق كل حجاب ، وهو نور الله ، خرج من قلب مشحون بالنور وصدره مشرق به ، فيخرق قلوب المخلطين من رين الذنوب وظلمة الشهوات وحب الدنيا لخلعه إلى نور التوحيد ، فأثاره كجمرة وصلتها النفخة ، والتهبت ناراً ، فأضاء البيت . وأما قوله : " يزيدكم في العلم منطقه " فإنه إذا نطق نطق بآلاء الله وصنعه ، فهذا أصل العلم . والعلم الذي في أيدي العامة فرع هذا ، وآلاء الله ما أبدى من وحدانيته وفردانيته كالجلال والعظمة والهيبة والكبرياء والبهاء والسلطان والعز والوقار على قلوب الأولياء . وأما قوله : " يرغبكم في الآخرة عمله " فلأن على عمله نوراً ، وعلى أركانه خشوعاً ، وعلى تصرفه فيها صدق العبودية مع بهاء ووقار وطلاوة وحلاوة ، فإذا رآه الرائي تقاصر إليه عمله ونفسه . وأما علماء الدنيا فليس لأعمالهم ذلك النور والبهاء ، لأنهم على الرغبة والرهبة ، لأنه رغب في الجنة والوعد والوعيد نصب عينه ، فيستعين بذلك على نفسه حتى يقمعها ، وأما أهل اليقين فإذا عرض لهم ثارت قلوبهم من الشوق إليه والحب له ، فعاملوه على بشر وطيب نفس ، فإذا عرض لهم دينة عرقت جباههم حياء منه ، فشتان ما بين عبدين ؛ أحدهما : يعمل لمولاه ولولا خوفه من وعيده وحرمان وعده ما عمل ، وآخر يعمل لمولاه تذللا وتخشعا ومحبة له وإلقاء نفسه بين يديه وشغفا به ، لا يستويان " [ 8 ] .
وعلى هدي الصحابة سار التابعون في البحث عن الجليس الصالح .
عن علقمة قال: قدمت الشام فصلِت ركعتين ، ثم قلت : اللهم يسر لي جليساً صالحاً ، فأتيت قوما ، فجلست إليهم ، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي ، قلت : من هذا ؟، قالوا: أبو الدرداء ، فقلت : إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً ، فيسرك لي " رواه البخاري .
وقد كان الواحد منهم يحرص على إعمال المطي طلباً للقاء الصالحين :
كان الفضيل بن عياض ربما اشتاق إلى المصيصة ، ويقول: ما بي فضل الرباط ، بل لأرى أبا إسحاق – أي الفزاري [9 ] .
أو يذهب إلى أطباء القلوب يلتمس دواء لقلبه :
جاء ميمون بن مهران إلى الحسن البصري ، فقال: يا أبا سعيد ، قد آنست من قلبي غلظة ، فاستلن لي منه [10] .
أو يوصي بذلك :
قال أحمد بن أبي الحواري الدمشقي رحمه الله : " إذا رأيت من قلبك قسوة فجالس الذاكرين واصحب الزاهدين " [11] .
وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي : " تعرض لرقة القلب بدوام مجالسة أهل الذكر " [12].
وقال عون بن عبد الله الهذلي : " جالسوا التوابين ، فإنهم أرق الناس قلوبا " [13].
وقد ندب السلف الصالح إلى صحبة الصالحين ومجالستهم .
ما بين دال على ثمرة هذه الصحبة :
قال ممشاد النوري : صحبة أهل الصلاح تورث في القلب الصلاح " [14].
وقال أبو الخير التيناتي : " ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة ومعانقة الأدب وأداء الفرائض وصحبة الصالحين وخدمة الفقراء الصادقين " [15].
وقال ذو النون المصري : " بصحبة الصالحين تطيب الحياة ، والخير مجموع في القرين الصالح ، إن نسيت ذكرك ، وإن ذكرك أعانك " [16].
وقال بلال بن سعد : " أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله ، خير لك من أخ لك كلما لقيك وضع في كفك ديناراً " [17].
أو مشوق محفّز لطلب الرفيق :
قال ابن القيم : " لا ريب أن عيش المشتاق منغص حتى يلقى محبوبه ، فهناك تقر عينه ، ويزول عن عيشه تنغيصه ، وكذلك يزهد في الخلق غاية التزهيد ، لأن صاحبه طالب للأنس بالله والقرب منه ، فهو أزهد شيء في الخلق إلا من أعانه على هذا المطلوب منهم وأوصله إليه ، فهو أحب خلق الله إليه ، ولا يأنس من الخلق بغيره ، ولا يسكن إلى سواه ، فعليك بطلب هذا الرفيق جهدك " [ 18].
أو موبّخ مقرّع لك على تقاعسك عن طلب هذا الدال على الله :
قال ابن الجوزي رحمه الله : " إلى متى تميل إلى الزخارف ؟ّ!، وإلى كم ترغب في سماع الملاهي والمعازف ؟! ، أما آن لك أن تصحب سيدا عارف ؟!، قد قطع الخوف قلبه وهو على علمه عاكف ، يقطع ليله قياما ونهاره صياما لا يميل ولا آنف ، دائم الحزن والبكاء متفرغ له ومنه خائف ، ومع ذلك يخشى القطيعة والانتقال إلى صعب المتالف ، وأنت في غمرة هواك وعلى حب دنياك واقف ، وكأني بك وقد هجم عليك الموت العاسف ، وافترسك من بين خليلك وصديقك المؤالف ، وتخلى عنك حبيبك وقريبك ومن كنت عليه عاطف ، لا يستطيعون رد ما بك ولا تجد له كاشف ، وقد نزلت بفناء من له الرحمة والإحسان واللطائف ، فلو عاتبك لكان عتبه على نفسك من أخوف المخاوف ، وإن ناقشك الحساب فأنت تالف " [ 19] .
[ الولادة الروحية ] :
نعم إن لقاء الصالحين ومجالستهم ، ومخاللة المحسنين والتلقي عنهم ، لهو مهيع موصل إلى الترقي في مقامات هذا الدين ، من إسلام إلى إيمان فإحسان يتوج ذرى الكمال ، وموجب للتحقق والفوز بنعيم الجنة ، والعارف ريحانة من رياحين الجنّة ، إذا شمتها نفس المريد اشتاقت روحه إلى الجنّة ، كما سبق نقله من كلام ابن القيم ، ولكن أعظم من ذلك كله ملاقاة من يوصلك إلى الله ، ويدلك على الله ، فتتجلى لك أنوار العظمة الإلهية ، وتنكشف لك أسرار التوحيد الربانية ، وذلك حقيقة الفلاح ، المشار إليه في قوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } [الشمس :9] . قال بعض العارفين : فلاحها : ظفرها بمعرفة الله تعالى . ومفتاح ذلك والسبيل إليه : صحبة الدال عن الله .
ولله در الإمام التاج ابن عطاء الله إذ يقول : " ليس شيخك مَنْ سمعت منه، وإنما شيخك من أخذت عنه ، وليس شيخك من واجهتك عبارته ، وإنما شيخك الذي سَرَتْ فيك إشارته ، وليس شيخك من دعاك إلى الباب، وإنما شيخك الذي رَفَع بينك وبينهالحجاب ، وليس شيخك من واجهك مقاله ، إنما شيخك الذي نهض بك حاله .
شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى، ودخل بك على المولى .
شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك، حتى تَجَلَّتْ فيها أنوارربك، أنهضك إلى الله فنهضت إليه، وسار بك حتى وصلت إليه ، وما زالمحاذياً لك حتى ألقاك بين يديه ، فزجَّ بك في نور الحضرة وقال: ها أنت وربك) [20].
وهناك يولد القلب ولادة روحية جديدة ، ينفصل فيها عن مشيمة النفس .
يقول ابن القيم : " فللروح في هذا العالم نشأتان : إحداهما : النشأة الطبيعية المشتركة ، والثانية : نشأة قلبية روحانية ، يولد بها قلبه ، وينفصل عن مشيمة طبعه ، كما ولد بدنه وانفصل عن مشيمة البطن .
.. ومن لم يصدق بهذا فليضرب عنه صفحاً ، وليشتغل بغيره " [ 21] .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس