الموضوع: رياحين الجنة !!
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-24-2009
  #2
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: رياحين الجنة !!

[ العارفون بالله أفضل من العارفين بأحكام الله ] :
ولاشك أن صحبة العارفين بالله تعالى أجل وأعظم ، لأن منزلتهم عند الله تعالى أعلى وأتم ، ولا يخفى في هذا الباب حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الشهير ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : " إنّ الله قال : من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته " .رواه البخاري.
فتأمل كيف قدم سبحانه وتعالى موالاة أوليائه ، والتحذير من إذايتهم ، على التقرب إليه بفروض الطاعات ونوافلها .
قال العلامة الفقيه سيدي محمد بن يوسف المواق في كتابه العظيم سنن المهتدين : " العارفون بالله أفضل من العلماء بأحكام الله " .
وما ذلك إلا لأن أفضل العلم هو العلم بالله ، وهو العلم النافع .
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه : فضل علم السلف على الخلف[22]:" العلم النافع ما عرَّف العبد بربه ودلَّه عليه حتى عرَفه، ووحَّده وأنس به ، واستحى من قربه ، وعبده كأنه يراه.
..وكان السلف يقولون :إن العلماء ثلاثة : عالم بالله عالم بأمر الله ؛ وعالم بالله ليس بعالم بأمره ؛ وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله. وأكملهم الأول، ، وهو الذي يخشى الله ويعرف أحكامه .
..وكان الإمام أحمد يقول عن معروف: معه أصل العلم؛ خشية الله.
فأصل العلمِ العلمُ بالله الذي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه والأنس به والشوق إليه ".
وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن قول القشيري هذا وقول أبي حامد: الصوفية أفضل من العلماء الراسخين، فقال : « قول أبي حامد والقشيري متفق ولا يشك عاقل أن العارفين بالله هم أفضل من العارفين بأحكام الله، بل العارفون بالله أفضل من أهل الفروع والأصول » [23].
ولفقيه الشافعية ومحدثهم العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله كلمة منيرة في المقارنة بين العارفين بالله والعارفين بأحكامه، قال رحمه الله وقد سئل عن تقديم الأولياء العارفين على العلماء بالأحكام : « هذا صحيح لا مرية فيه، إذ لا يشك عاقل أن العارف بما يجب لله تعالى من أوصاف الجلال ونعوت الكمال ، وبما يستحيل عليه من الاتصاف بكل صفة لم تبلغ غاية النهاية من الكمال المطلق، أفضل من العارف بمجرد الأحكام ، ... وكيف يساوي بين العارفين والفقهاء؟!، والعارفون أفضل الخلق وأتقاهم لله تعالى والله سبحانه وتعالى يقول : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات/13]، ومدحه تعالى في كتابه للمتقين أكثر من مدحه للعالمين ، والعارفون هم المرادون في قوله عز قائلاً { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر/28] دون العلماء بمجرد الأحكام، لأن الغالب عليهم عدم الخشية ، وخبر الله تعالى صدق فلا يحمل إلا على من عرفه وخشيه ، وقد روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنه وهو ترجمان القرآن " [24].
وقال في موطن آخر: « العارفون بالله الذين وفقهم الله لأفضل الأعمال وحفظهم من سائر المخالفات في كل الأحوال ، ثم كشف لهم الغطاء فعبدوه كأنهم يرونه واشتغلوا بمحبته عما سواه ، وأطلعهم على عجائب ملكه وغرائب حكمه ، وقربهم من حضرة قدسه ، وأجلسهم على بساط أنسه ، وملأ قلوبهم بصفات جماله وجلاله وجعلها مطالع أنواره ومعادن أسراره وخزائن معارفه وكنوز لطائفه ، وأحيا بهم الدين ونفع بهم المريدين وأغاث بهم العباد وأصلح بهم البلاد ،..أفضل ، وإن كان للآخرين [ العلماء بالأحكام ] فضل عظيم ، بل ربما كانوا أفضل من حيثية لا مطلقا، ومع ذاك فأفضلية الأولين على حالها، إذ قد يكون في المفضول مزية بل مزايا ، هذا إن وجدت في هؤلاء صفة العدالة، وإلا فلا مفاضلة، إذ لا مشاركة بينهم وبين الأولين في شيء من صفات الكمال، لأن رسوم العلوم الخالية عن الأعمال الصالحة في الحقيقة مقت أي مقت ، وغضب أي غضب ، ومن ثم جاء في الأخبار الصحيحة من عقاب العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم ما يدهش اللب ويحير الفكر ، هذا هو الحق في هذه المسالة خلافا لمن أطلق الكلام في تفضيل أحد الشقين ولم ينح هذا التفصيل الذي أبديته» [25].
[ شروط الدال على الله ] :
وقد اشترط العلماء العارفون في العارف الوارث الدال على الدال شروطاً ، محصلها كما قال الإمام أبو عبد الله الساحلي المالقي أربعة [26]، وهي:
أولاً : أن يكون متخلّصاً من هواه ، قد ملك زمام نفسه بالطهارة ، حتى صارت نوراً يهتدى بها ، وتتجلى الحقائق فيها ، حين خرجت عن أطوار الأهوية الجسمانية ، حتى إذا تكلم تكلم بالله ، وإذا سكن سكن بالله .
ثانياً : أن يكون خلاصه من نفسه على يد غيره ، لا بنفسه ، ومعنى ذلك أن يقطع المقامات ويرقى في المنازل على يد وارث كامل حتى يتزكى من علله .
ثالثاً : أن يكون عنده من الكتاب والسنة ما يقيم به ما لا بد منه من الرسوم الشرعية ، وما ينبني عليه وظائف السلوك ، وإذا انضاف ذلك إلى ما فتح الله به عليه من الحكمة في باطنه ، فإنه يكون له من ذلك نور يمشي به في الناس ، ويهديه إلى فهم أسرار الشريعة وحقائق العبادات .
رابعاً : أن يكون مديد الباع في مطالعة أسرار السنة ،شديد التصميم على المحافظة على أحكام الظاهر والباطن ، حتى لا يظهر عليه إلا ما يوافق السنة ولم يخالف الشريعة .
فهذه شروط الوارث العارف بالله ، الدال عليه ، ومن ظفر به فقد سعد سعادة الدنيا والآخرة ، نسأل الله تعالى أن يدلنا عليه بمن هيأه للدلالة عليه ، وأن يجمع بيننا وبين العارفين به المقربين منه وإليه ، إنه ولي ذلك والموفق إليه ، وصلى الله وسلم على سيّدنا محمّد وعلى آله ، والحمد لله ربّ العالمين .


ــــــــــــــــــ

هوامش البحث :
[1]- الفوائد ، ص:180.
[2]- مفاتيح الغيب 1/152.
[3]- حلية الأولياء 2/347.
[4]- البداية والنهاية لابن كثير 9/267.
[5]- ترتيب المدارك للقاضي عياض 2/52.
[6]- ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي2/133.
[7]- مجموع الفتاوى لابن تيمية 11/510.
[8]- فيض القدير 3/467-468 .
[9]- تذكرة الحفاظ للذهبي 1/251.
[10]- حلية الأولياء 4/83.
[11]- صفة الصفوة 2/127.
[12]- المصدر السابق 3/196.
[13]- المصدر السابق 3/49-50.
[14]- المصدر السابق 4/51.
[15]- المصدر السابق 3/200.
[16]- المصدر السابق 3/223.
[17]- حلية الأولياء 5/225.
[18]- مدارج السالكين 2/54-55.
[19]- الياقوتة في الوعظ لابن الجوزي ص:109.
[20]- لطائف المنن" ص167 .
[21]- مدارج السالكين 3/134.
[22]- ص: 50-51 .
[23]- تأييد الحقيقة العلية للسيوطي ص:23.
[24]- الفتاوى الحديثية ، ص:129.
[25]- الفتاوى الحديثية ، ص:309 .
[26]- بغية السالك 2/570.
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس