عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2010
  #1
عبدالرحمن الحسيني
محب نشيط
 الصورة الرمزية عبدالرحمن الحسيني
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 285
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرحمن الحسيني is on a distinguished road
19 كيف نودِّع شهر الخير رمضان؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:

كيف نودِّع شهر رمضان؟

هذه هي الأيام الأخيرة من شهرِ رمضان, شهرِ القرآن, شهرِ الصيام والقيام, وطوبى لعبد استغل هذا الشهر بالصيام والقيام وكثرةِ تلاوة القرآن, وكثرةِ الصدقة, والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر, وهذه هي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك, ونحن نودع هذا الشهر العظيم, ولا أدري أنودِّعه وداع حبيب لحبيب, أم وداع تخلّص من هذا الركن الذي أتعَبَنا بين صيام وقيام؟ هناك من يودِّع شهر رمضان وهو يبكي حزناً وأسفاً على هذا الشهر العظيم المبارك لأنه عرف قدره, ولأنه علم الحديث الشريف: (لو علم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها) رواه ابن خزيمة وأبو يعلى والبيهقي. وهناك من يودِّع شهر رمضان فرحاً لأنه استراح من الصيام والقيام ومن صلاة الفجر في جماعة.

الاستغفار بعد أداء الطاعة:

وأنا أتوجّه اليوم إلى الإخوة الذين يبكون حزناً وأسفاً على شهر رمضان, الذين عرفوا قدر هذا الشهر العظيم, وعرفوا الحديث: (لو علم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها), الذين صاموا حقَّ الصيام, وقاموا حقَّ القيام, فأقول: يا أيها الصائم القائم المحتسب صيامه وقيامه عند الله عز وجل, هنيئاً لك صيامك وقيامك وإخلاصك, ولكن أقول لك: أكثر من الاستغفار في هذه الأيام المتبقية, لأن المُخلِص بحاجة إلى كثرة استغفار, لأن الله عز وجل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. بعد أن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء ما كُلِّف به من أداء الرسالة على أكمل وجه, وطبَّق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أحسَنَ تطبيق, فبلَّغ ما أُنزل إليه من ربه, وحان وقت الرحيل إلى الإله الذي قام بهذا العمل من أجله, فجاء الخطاب من الله لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}, أمره بالتسبيح والاستغفار بعد أداء العبادة على أتمّ وجه مع الإتقان ظاهراً والإخلاص باطناً. تدبَّروا هذا أيها الإخوة.

وتدبَّروا كذلك قول الله عز وجل وهو يأمر الحُجّاج الذين وقفوا على أرض عرفة, ـ وبغروب الشمس في يوم عرفة تغرب الذنوب, فيخرج الإنسان من أرض عرفة ولا ذنب عليه ـ: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}.

وقال لنا جميعاً بعد أداء كل طاعة مهما كان نوعها مع إخلاصنا فيها, قال عز وجل: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}.

ويقول ربنا سبحانه وتعالى في وصف أولي الألباب: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَار}. بعد الإيمان {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}.

أيها الإخوة الصائمون القائمون المخلِصون, هل تنبَّهتم إلى أننا بحاجة إلى الاستغفار بعد أداء العبادة ـ على أتم وجه ظاهراً مع الإخلاص باطناً ـ, قد يقول أحدنا: نحن نعلم بأن الاستغفار لأهل العصيان وللشاردين عن منهج الله تعالى! فهل يحتاج الطائع إلى استغفار؟ نعم, لأننا ما عبدنا الله عز وجل حقَّ العبادة, وما عرفناه حقَّ المعرفة, ولأننا عاجزون عن أداء حقه تبارك وتعالى, وكيف نشكره حق الشكر, وكيف نعبده حقَّ العبادة, والشعر والعبادة مِنَّةٌ من الله تعالى علينا يستحقُّ الشكر عليها؟! هذا أولاً.

ثانياً: لأن المعاصي على قسمين, معصية ظاهرة, ومعصية باطنة, وما بطن من الداء علاجُه أشدُّ من الذي ظهر, لذلك أنت أيها الصائم القائم التالي بحاجة إلى استغفار, لأن هذه الطاعات ربما ـ لا قدر الله ـ أن تورثك عزّاً واستكباراً, وإذا أورثتك عزاً واستكباراً حبِط عملك.

استغفاره صلى الله عليه وسلم:

لذلك روى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا, وَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ, وَمِنْكَ السَّلامُ, تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ). قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

ويروي الإمام البخاري عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً). واستغفاره صلى الله عليه وسلم ليس كاستغفارنا, ويرحم الله السيدة رابعة العدوية التي كانت تقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار. ويقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه) رواه البيهقي في شعب الإيمان.

وهذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا كيفية الاستغفار, يقول صلى الله عليه وسلم: (سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي, لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ, خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ, وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ, أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ, أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ, وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ. قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ, وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) رواه البخاري.

لذلك ينبغي علينا أن نستغفر الله تبارك وتعالى بعد العبادة, لأن هذه العبادة التي صدرت منَّا نحو ربنا غير لائقة في حقه تعالى, قال فيها مولانا جل وعلا: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.

الاستغفار من سمات الأنبياء والصالحين:

والاستغفار بعد الطاعة من سمات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ومن سمات الصحابة الكرام, قال ربنا عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}, الرسول يستغفر, والصالحون يستغفرون, والأنبياء يستغفرون, وما من نبي إلا وأمر أمته بالاستغفار.

وهذا حبيبنا صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نستغفر الله تبارك وتعالى في شهر الصيام بقوله صلى الله عليه وسلم: (واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه...) رواه ابن خزيمة.

أيها الصائم القائم أكثر من الاستغفار فيما بقي من هذا الشهر العظيم المبارك, وهذه شمس رمضان بدأت بالمغيب, فهل نكثر من الاستغفار يا أمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا من أهل الطاعة؟ وإذا كان الاستغفار حتماً لازماً على أهل الاستقامة, فماذا يقول العصاة؟ وماذا يقول تارك الصلاة والصيام والزكاة والقيام والقرآن؟ لذلك أكثروا من الاستغفار وتذكَّروا قول الله عز وجل وهو يرشدنا إلى وقت الاستغفار: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون}.

من فوائد الاستغفار:

والاستغفار ننتفع منه في الدنيا قبل الآخرة, يقول ربنا عز وجل: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون}.

وأما في الآخرة فيقول ربنا عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين}.

لذلك أيها الإخوة, لنكثر من الاستغفار لا أقول قبل أن تغرب شمس رمضان, بل قبل أن تغرب شمس عمرنا, ومن منا يدري متى ينتهي أجله؟ والله هو القائل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}. اللهم تب علينا يا تواب, أقول هذا القول, وكل منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
__________________
ابو خالد الحسيني
عبدالرحمن الحسيني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس