عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #14
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر


الشعاع الرابع عشر - ص: 535
فما دمنا قد حصلنا على صلاحية استنساخ دفاعاتنا بالرونيو حسب القانون، ومن المحاكم السابقة، فلا يستطيع احد ان يمنعنا من استعمال حقنا هذا قانوناً. وان لم تجدوا حلاً للامر رسمياً فليستنسخ محامينا في الخارج حوالي خمس نسخ وليكن اميناً على الحفاظ على سلامتها وصحتها.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي المسجونين الاعزاء الجدد والقدامى!
لقد بت على قناعة تامة من ان العناية الإلهية هي التي ألقت بنا الى ههنا وذلك لأجلكم أنتم، أي ان مجيئنا الى هنا انما هو لبث السلوان والعزاء الذي تحمله رسائل النور اليكم.. وتخفيف مضايقات السجن عنكم بحقائق الإيمان.. وصونكم من كثير من بلايا الدنيا ولأوائها.. وانتشال حياتكم المليئة بالأحزان والهموم من العبثية وعدم الجدوى.. وانقاذ آخرتكم من ان تكون كدنياكم حزينة باكية.
فما دامت الحقيقة هي هذه، فعليكم ان تكونوا اخوة متحابين كطلاب النور وكأولئك الذين كانوا معنا في سجن "دنيزلي".
فها أنتم اولاء ترون الحراس الذين يحرصون على القيام بخدماتكم يعانون الكثير من المشقات في التفتيش، بل حتى انهم يفتشون طعامكم لئلا تكون فيه آلة جارحة، ليحولوا دون تجاوز بعضكم على بعض، وكأنكم وحوش مفترسة يقضي الواحد على الآخر ليقتله، فضلاً عن انكم لا تستمتعون بالفرص التي تتاح لكم للتفسح والراحة خوفاً من نشوب العراك فيما بينكم.
ألا فقولوا مع هؤلاء الأخوة حديثي العهد بالسجن الذين يحملون مثلكم بطولة فطرية وشهامة وغيرة.
قولوا أمام الهيئة ببطولة معنوية عظيمة في هذا الوقت:
"ليست الآلات الجارحة البسيطة وحدها، بل لو سلمتم الى أيدينا أسلحة نارية ايضاً فلا نتعدى على أصدقائنا وأحبابنا هؤلاء الذين نكبوا معنا، حتى لو كان بيننا
الشعاع الرابع عشر - ص: 536
عداء أصيل سابق. فقد عفونا عنهم جميعاً، وسنبذل ما في وسعنا الاّ نجرح شعورهم ونكسر خاطرهم، هذا هو قرارنا الذي اتخذناه بارشاد القرآن الكريم وبأمر اخوة الإسلام وبمقتضى مصلحتنا جميعاً".
وهكذا تحوّلون هذا السجن الى مدرسة طيبة مباركة.
* * *

اخوتى الاعزاء الاوفياء:
ان الذين هم في سياسة واحدة او مهنة واحدة، ، او وظيفة واحدة او في خدمة تتعلق بالحياة الاجتماعية او لهم نوع من تجارة خاصة..كل طائفة من طوائف اهل الدنيا هؤلاء لهم اجتماع عام يخصهم يتذاكرون فيه امورهم. كذلك طلاب النور العاملين في الخدمة المقدسة للايمان التحقيقي فان مجيئهم الى الاجتماع العام في هذه المدرسة اليوسفية بأمر القدر الالهي وباقتضاء العناية الربانية وسوقها. لا شك انه يحمل فوائد معنوية جليلة جداً وسينعمون بتلك الفوائد والنتائج القيمة ان شاء الله وان كل واحد من اركان طلاب النور سيكون بمثابة حرف الف، حيث ان(حرف ألف) قيمتها واحدة ان كانت بمفردها ولكنها مع اخواتها، اي ثلاث ألفات معاً متكاتفة ومتواجهة باحوالها تصبح قيمتها الفاً ومائة وواحداً، وكذلك سيكون ثواب ذلك الاخ المنخرط في هذا الاجتماع وقيمته وخدمته السامية الفاً باذن الله.
* * *

باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
ان سبب سدّهم اليوم نوافذي ودقّها بالمسامير هو عزلي عن المسجونين وقطع تبادل السلام والتحيات فيما بيننا، الاّ انهم ابدوا حجة تافهة ظاهرية اخرى، فلا تقلقوا. بل ان انشغالهم بشخصي الذي لا اهمية له، وانصرافهم عن شد الخناق على رسائل
الشعاع الرابع عشر - ص: 537
النور وطلابها، وانزالهم الاهانات والعذاب بي، وايلامي قلباً وحقيقةً مع عدم تعرضهم لرسائل النور يجعلني في رضىً عن هذا الوضع بل اشكر ربي صابراً فلا اضطرب ولا اقلق ابداً وانتم كذلك لا تتألموا. فاني على قناعة من ان صرف اعدائنا المتسترين انظار الموظفين في السجن اليّ فيه عناية إلهية وخير من حيث سلامة ومصلحة رسائل النور وطلابها.
فعلى بعض الاخوة الاّ يحتدّوا ولا يتفوّهوا بكلام جارح يمسّ شعورهم، وليأخذوا حذرهم في حركاتهم وسكناتهم، دون ابداء القلق والاضطراب. ولا يفتحوا الموضوع عن هذه المسألة أمام كل أحد، لان هناك جواسيس يحرّفون كلام اخوتنا السذج والجدد الذين لم يتعلموا بعدُ أخذ الحذر ويصرفوا كلامهم الى معاني مغايرة ويستهولوا الامور التافهة، ويخبرون المسؤولين بها. ان وضعنا الحاضر كله جدّ لا هزل فيه. ومع هذا فلا تضطربوا قطعاً واعلموا اننا تحت رعاية العناية الالهية وقد عزمنا على مجابهة جميع المشقات بالصبر الجميل بل بالشكر العظيم لله. فنحن مكلفون بالشكر لأن درهماً من التعب والمشقة يورث طناً من الثواب والرحمة.
سعيد النورسي
* * *

باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
لقد اودعت جميع اعمال الدفاع الى طلاب النور الاركان الذين قدموا والذين سيقدمون الى هنا وذلك بناء على سببين مهمين وباخطار قوى، فاضطررت الى هذا الامر قلباً. اودعها بخاصة الى كل من خسرو، رأفت، طاهر، فيضى، صبرى.
السبب الاول: لقد علمت قطعاً من دائرة التحقيق، ومن امارات عديدة، انهم يحاولون احداث مشكلات ضدى، بكل ما لديهم من قوة، والتهرب من ظهورى وغلبتى عليهم فكراً، ولهم في ذلك إشعار رسمي. فكأنني اذا تكلمت بشئ فسأبين
الشعاع الرابع عشر - ص: 538
قدرة علمية وقابلية سياسية بحيث ألزم المحاكم الحجة واُسكت السياسيين، لاجل ذلك يمنعوني عن الكلام بمعاذير واهية. حتى انني اثناء التحقيق اجبت عن احد الاسئلة قائلاً: لا اتذكر. فتعجب الحاكم وحار في الامر وقال: كيف ينسى شخص مثلك يملك ذكاءً وعلماً فوق المعتاد؟
نعم! انهم يعتقدون ان رفعة شأن رسائل النور وتحقيقاتها العلمية الدقيقة من بنات افكارى. ومن هنا يأخذهم العجب والحيرة، فلا يريدونني ان اتكلم مع أحد، وكأن كل من يقابلني ويواجهني سيكون مباشرة طالباً غيوراً من طلاب النور! ولهذا يمنعونني من المقابلة والمواجهة مع اي احد كان. حتى ان رئيس الشؤون الدينية قال: "كل من يقابله ينجذب اليه، ان جاذبيته قوية".
بمعنى ان مصلحتنا تقتضي ان اودع شؤوني اليكم الآن. وما لديكم من دفاعاتي القديمة والجديدة تشترك بدلاً عني في مشاوراتكم بعضكم مع بعض، فهي كافية لهذا الامر.
السبب الثاني: اُجّل الى وقت آخر بمشيئة الله.
اما الاشارة القصيرة الى الإخطار المعنوي فهي: ان الذي جعلني اترك السياسة وقراءة الجرائد وامثالها من الامور الفانية خلال خمسة وعشرين عاماً ومنعني من الاشتغال بها هو واجب اُخروى جليل جداً، مع حالة روحية ذات اثر فعال. فهذان السببان ايضاً يمنعانني كلياً عن الاشتغال بهذه المسألة بتفرعاتها الدقيقة. فانتم تؤدون ايضاً مهمتى بالاستشارة احياناً مع موكلَيكم الاثنين.
* * *

اخوتى الاعزاء الاوفياء!
لقد ورد الآن في الصلاة الى القلب الآتي:
انه بناء على حسن الظن المفرط الذي يحمله الاخوة الاعزاء ينتظرون منك درساً وارشاداً لهم، وهمّة ومدداً مادياً ومعنوياً. فمثلما وكّلت الاخوة الخواص في امورك
الشعاع الرابع عشر - ص: 539
الدنيوية واودعتها الى الشورى فيما بين الاركان، وحسناً فعلت. كذلك بتوكيلك الشخص المعنوى للخواص الخالصين في اعمالك الاخروية والقرآنية والايمانية والعلمية فانهم يؤدون تلك الوظيفة مع وظيفتهم وعلى افضل وجه واكمله. وهم فعلاً يؤدونها الآن وعلى الدوام.
مثلاً: ان كان الذي يواجهك ويسترشد بنصيحة ودرس منك موقتاً بمقدار درهم، فانه يستطيع ان يأخذ مائة درهم من النصيحة والدرس والارشاد من جزء من اجزاء رسائل النور فضلاً عن انه يصاحبها وينتصح منها بدلاً منك. ثم ان الخواص من طلاب النور يؤدون وظيفتك هذه كل وقت. ونسأل الله ان يكون شخصهم المعنوي المالك لمقام رفيع والدعاء المقبول ظهيراً لهم واستاذاً ومعيناً. هكذا ورد الإخطار فأورث السلوان الروحي وزف لها البشرى والراحة.
* * *

اخوتى الاعزاء الاوفياء:
ان وقوع حادثتى الانفجار في غضون اليومين الماضين من دون ان يكون هناك سبب ظاهرى، لاتشبهان المصادفة وتنمان عن مغزى عميق.
اولاها: انفجار المدفأة الحديدية القوية الموجودة في ردهتى فجأة واحدثت صوتاً قوياً حطمت القطعة الفولاذية التى تحتها، فهلع منها الخياط حمدى، واوقعنا في حيرة علماً انها تتحمل حرارة الفحم الحجرى في عزّ الشتاء.
ثانيتها: تهشم القدح الموضوع على مشربة الماء تهشماً عجيباً في ردهة "فيضى" من دون سبب ظاهرى وذلك في اليوم التالى لانفجار المدفأة.
والذى يرد الى الخاطر ان القنابل الموضوعة لتنفجر علينا قد فجرتها نسخ الدفاع المرسلة الى دواوين المسؤولين الستة في "انقرة"، وان مدفأة الغضب التى تستعر لتحرقنا بنارها قد تحطمت دون ان يلحق بنا الضرر.
الشعاع الرابع عشر - ص: 540
ولعل تلك المدفأة المباركة التى كانت انيسة نافعة وتستمع الى آهاتى وتضرعاتى تخبرنى قائلةً: لاحاجة الي وسترحل من هذا السجن.
* * *
اخوتى الاعزاء الصديقين!
انتابني اليوم قلق وحزن لأجلكم باخطار معنوى ورد الى القلب. فلقد حزنت لاحوال اخواننا الذين يرغبون في الخروج حالاً من السجن من جراء قلقهم على هموم العيش. وفي الدقيقة التي فكرت في هذا، وردت خاطرة ميمونة الى القلب مع حقيقة وبشرى هي:
ستحل الشهور الثلاثة المباركة جداً الحاملة لأثوبة عظيمة بعد خمسة ايام فالعبادات مثابة فيها باضعافها. اذ الحسنة ان كانت بعشر امثالها في سائر الاوقات ففي شهر رجب تتجاوز مائة حسنة وفي شهر شعبان تزيد على ثلاثمائة حسنة، وفي شهر رمضان المبارك ترتفع الى الألف حسنة، وفي ليالى الجمع فيه الى الآلاف، وفي ليلة القدر تصبح ثلاثين الف حسنة. نعم، ان الشهور الثلاثة سوق اخروية سامية رفيعة للتجارة، بحيث تُكسب المرء هذه الارباح والفوائد الاخروية الكثيرة جداً.. وهي مشهر عظيم ومعرض ممتاز لاهل الحقيقة والعبادة.. وهي التي تضمن عمراً لاهل الايمان بثمانين سنة خلال ثلاثة شهور.. فقضاء هذه الشهور الثلاثة في المدرسة اليوسفية التي تكسب ربحاً بعشرة امثالها. لا شك انه ربح كبير وفوز عظيم. فمهماكانت المشقات فهي عين الرحمة.
فكما ان الامر هكذا من حيث العبادة. فهي كذلك من حيث الخدمة النورية والعمل لنشر رسائل النور، اذ تتضاعف الخدمات الى خمسة اضعافها باعتبار النوعية ان لم تكن باعتبار الكمية، لان القادمين والمغادرين لدار الضيافة هذه (السجن) يصبحون وسائط لنشر دروس النور، وقد ينفع احياناً اخلاص شخص واحد بمقدار عشرين شخص. ثم انه لا اهمية ان كان هناك شئ من المشقات والمضايقات ازاء انتشار سر الاخلاص في رسائل النور بين صفوف المسجونين الذين هم احوج الناس الى ما في الرسائل من سلوان ولاسيما ممن تسرى في عروقهم بطولات سياسية.
الشعاع الرابع عشر - ص: 541
اما من حيث هموم العيش، فمن المعلوم ان هذه الشهور هي سوق الآخرة وقد دخل بعضكم هذا السجن بدلاً عن الكثيرين من الطلاب، بل ان بعضكم قد دخله بدلاً عن الالف. فلا شك ان ستكون لهم مساعدات وامدادات لاعمالكم الخارجية.
هكذا وردت الخاطرة وفرحتُ بها فرحاً تاماً وعلمت ان البقاء هنا الى العيد نعمة إلهية عظيمة.
سعيد النورسي
* * *
الى رئاسة الوزارة ووزارة العدل
ووزارة الداخلية 1
ان جميع رجال الدولة يعرفوني عن كثب، ولاسيما اولئك الذين عاصروا الظروف الجسام التي مرت على البلاد منذ اعلان الحرية (الدستور) واثناء الحرب العالمية الاولى، وخلال غزو الحلفاء للبلاد ودخولهم استانبول، وما اعقبته من احداث لحين تشكل الحكومة الوطنية، وفترة اعلان الجمهورية.. فالذين يحيطون علماً بتلك الظروف ممن يتولون الآن مناصب في الدولة يعرفونني معرفة جيدة.. ومع هذا فاسمحوا لي ان اعرض مشاهد من حياتي امامكم عرضاً سريعاً.
"ولدتُ في قرية "نورس" التابعة لولاية "بتليس"، وطوال فترة حياة التلمذة وتحصيل العلوم دخلت في مناقشات علمية حادة مع كل من قابلته من العلماء، كنت اتغلب عليهم بفضل العناية الربانية. حتى بلغتُ استانبول. وهناك في جوها المشوب بآفة الشهرة والصيت لم انقطع عن مناظراتي العلمية. الا ان وشاية الحاسدين والخصماء، ادت بي ان اساق الى مستشفى المجاذيب بأمر السلطان عبدالحميد - رحمه الله رحمة واسعة - ثم استقطبت نظر حكومة الاتحاد والترقي، بناء على خدماتي اثناء إعلان الدستور وحادثة 31/مارت. طرحت عليهم مشروع بناء جامعة في مدينة "وان" باسم "مدرسة الزهراء" على غرار الأزهر الشريف.. حتى انني
_____________________
1 كتب هذه العريضة محامو الاستاذ وبأذنه وارسلت الى الدوائر العليا المذكورة (صونغور).

الشعاع الرابع عشر - ص: 542
وضعت حجرها الاساس بنفسي، ولكن ما ان اندلعت الحرب العالمية الاولى حتى شكلت من طلابي والمتطوعين "فرق الأنصار" وتوليت قيادتهم، فخضنا معارك ضارية في جبهة القفقاس مع الروس المعتدين في "بتليس".. وقعت اسيراً بيدهم، الا ان العناية الربانية انجتني من الأسر. واتيت استانبول. وعينتُ فيها عضوا في دار الحكمة الاسلامية، وبادرت الى مجاهدة الغزاة المحتلين لاستانبول في تلك الظروف الحرجة، وبكل ما وهبني الله من طاقة.. الى أن انتهت حروب الاستقلال وتشكلت الحكومة الوطنية في انقرة، فنظرت من جديد - تثميناً لخدماتي تلك - الى مشروع تأسيس الجامعة في "وان".
الى هنا كانت حياتي طافحة بخدمة البلاد، وفق ما كنت احمله من فكرة خدمة الدين عن طريق السياسة. ولكن بعد هذه الفترة وليّت وجهي كلياً عن الدنيا، وقبرت "سعيداً القديم" - حسب اصطلاحي - واصبحت سعيداً جديداً يعيش كلياً للآخرة، فانسللت من حياة المجتمع ونفضت يدي عن كل ما يخصهم فاعتزلت الناس تماماً واعتكفت في "تل يوشع" في استانبول ومن ثم في مغارات في جبال "وان وبتليس". بت في مجاهدة مستديمة مع روحي ووجداني. انفردت الى عالمي الروحي رافعاً شعار "اعوذ بالله من الشيطان والسياسة" صرفت كل همي ووقتي الى تدبّر معاني القرآن الكريم. وبدأت اعيش حياة "سعيد الجديد".. اخذتني الاقدار نفياً من مدينة الى اخرى.. وفي هذه الاثناء تولدت من صميم قلبي معاني جليلة نابعة من فيوضات القرآن الكريم.. أمليتها على مَن حولي من الاشخاص، تلك الرسائل التي اطلقت عليها "رسائل النور" انها انبعثت حقاً من نور القرآن الكريم. لذا نبع هذا الاسم من صميم وجداني، فانا على قناعة تامة ويقين جازم بان هذه الرسائل ليست مما مضغته افكاري وانما إلهام إلهي افاضه الله سبحانه على قلبي من نور القرآن الكريم، فباركت كل من استنسخها، لأنني على يقين ان لا سبيل الى حفظ ايمان الآخرين غير هذه السبيل فلا تمنع تلك الفيوضات عن المحتاجين اليها. وهكذا تلقفتها الايدي الامينة بالاستنساخ والنشر، فايقنت ان هذا تسخير رباني وسوق إلهي لحفظ ايمان المسلمين فلا يستطيع أحد ان يمنع ذلك التسخير والسوق الإلهي، فاستشعرت بضرورة تشجيع كل مَن يعمل في هذه السبيل امتثالاً بما يأمرني به ديني. فهذه
الشعاع الرابع عشر - ص: 543
الرسائل التي تربو على المائة والثلاثين رسالة لا تبحث بحثاً مقصوداً عن امور الدنيا والسياسة، وانما تخص كلياً امور الآخر ة والايمان. وعلى الرغم من كل هذا فقد اصبحت الشغل الشاغل للانتهازيين والمتصيدين في الماء العكر حتى اوقفتني السلطات في كل من "اسكي شهر" و "قسطموني" و "دنيزلي".. واجرت المحاكم تدقيقات علمية على الرسائل. قام بها خبراء متخصصون، الا ان الحقيقة - بفضل الله سبحانه - كانت تتجلى بنصاعتها دوماً، وتتبوأ العدالة مكانتها اللائقة بها.بيد ان هؤلاء المتربصين للفرص المتصيدين في الماء العكر لم يسأموا ابداً، بل سببوا في اعتقالي في هذه المرة، وأتوا بى الى "آفيون" يسندون الي التهم الآتية وانا رهن التوقيف للاستجواب:
1- انك قد شكلت جمعية سياسية.
2- انك تنشر افكاراً تعادى النظام.
3- انك تستهدف غاية سياسية.
والاسباب الموجبة لهذه الاتهامات ودلائلها هي بضع عشرة جملة في عدد من رسائلي.
ايها الوزير المحترم!
"آتوني جملة لا يمكن تأويلها، وانا احكم بها عليكم بالاعدام" قالها نابليون. ترى اية جملة يتفوّه بها الانسان لا تكون سبباً للتأويلات والجرم والذنب؟ ولاسيما من كان مثلى بالغا الخمس والسبعين من العمر وقد تخلى عن امور الدنيا ونفض يده عنها كلياً وحصر حياته كلها للآخرة. فلا بد ان تكون كتابات مثل هذا الشخص حرة طليقة، لأنها مقرونة بحسن النية وحسن الظن، فليس فيها تردد ولا تحرّج. لذا فان تحرى الجرم والتنقيب عن التهمة بالتدقيق تحت سطور هذه الكتابات، ظلم واضح فاضح لا غير.
وبناء على هذا فان رسائل النور البالغة ثلاثين ومائة رسالة، لا تتضمن قصداً ما يتعلق بامور الدنيا قط، بل كلها تتعلق بالآخرة والايمان ، فلا غرو انها مقتبسة من
الشعاع الرابع عشر - ص: 544
فيض نور القرآن الكريم، وليس فيها اية غاية وقصد دنيوي ولا سياسي قط. فما من محكمة تناولت امور هذه الرسائل الاّ وقررت تبرئتها بالقناعة نفسها. ولهذا فان إشغال المحاكم بما ليس ضرورياً لها ولا يلزمها وعزل اهل العمل المؤمنين الابرياء عن اعمالهم واشغالهم أمر مؤسف بحق البلاد والعباد.
نعم! ان سعيداً القديم الذي بذل كل حياته في سبيل اسعاد هذه الامة ونشر الأمن والسعادة في ربوع البلاد، وانسحب انسحاباً كلياً عن الدنيا بأسرها وكفّ يده عن امورها كلياً، أيمكن له ان يشتغل بالسياسة بعد ان اصبح سعيداً جديداً وبلغ من العمر الخامسة والسبعين؟ اعتقد انكم مقتنعون كذلك بهذا قناعة تامة.

لي غاية واحدة وهي:
انني في هذا الوقت الذي اتقرب فيه الى القبر.. وفي هذا الوطن الذي هو بلاد اسلامية، نسمع نعيق ابوام البلاشفة.. هذا النعيق يهدد اسس الايمان في العالم الاسلامي، ويشدّ الشعب ولاسيما الشباب اليه، بعد سلب الايمان منهم.
انني بكل ما أملك من وجود، اُجاهد هؤلاء، وادعو المسلمين وبخاصة الشباب الى الايمان، فانا في جهاد دائم مع هذه المجموعة الملحدة. وسأمثلُ ان شاء الله في ديوان حضوره سبحانه وانا رافع راية هذا الجهاد. وكل عملي ينحصر في هذا. واخشى ما اخشاه ان يكون الذين يحولون بيني وبين غايتي هذه هم بلاشفة ايضاً.
فغايتي المقدسة هي التكاتف والتساند والترابط مع كل من يجاهد اعداء الايمان هؤلاء. اعطوني حريتي واطلقوا يديّ كي اعمل بالتكاتف مع القوى المجاهدة في سبيل اعلان التوحيد وترسيخ الايمان في هذه البلاد واصلاح الشباب المتسمم بالشيوعية.
الموقوف
سعيد النورسي
* * *
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس