عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع السابع


الشعاع السابع - ص: 163
ثانيتها: ان الذي برأ الوجود معجزةً، وملأه بمعجزاته الباهرة لتُفصح عنه وجعلها ألسنةً ناطقة بكمالاته، لابد أنه سيعرّف ذاته ايضاً بكلامه هو.
ثالثتها: ان الذي يقابل فعلاً مناجاة الناس الحقيقيين وشكرهم، وهم خلاصة الموجودات وزبدتها وأكثرهم حاجة واشدهم شوقاً وأرقهم لطفاً، فان مقابلة تلك المناجاة والشكر بكلامه سبحانه هي من شأن الخلاقية.
رابعتها: ان صفة المكالمة التي هي ضرورية لازمة وظاهرة مضيئة لصفتي "العلم" و "الحياة" لابد أنها توجد بصورة محيطة وبسرمدية خالدة عند من له علم محيط وحياة سرمدية.
خامستها: ان الذي فطر مخلوقاته على العجز والشوق، والفقر والحاجة، والقلق من العاقبة، ومنحهم المحبة والعبودية حتى اصبحوا يحسون حباً شديداً وشوقاً غامراً نحو معرفة مولاهم الحق ومالك امرهم، ويشعرون بحاجتهم الماسة الى قوة يستندون اليها ويُؤون الى كنفها - وهم يتقلبون في فقر وعجز وتوجس من العقبى- فمن مقتضى الوهيته ان يُشعرهم وجودَه بتكلمه سبحانه.
وهكذا فهم السائح ان الدلائل التي تدل بالاجماع على وجود واجب الوجود، ووحدانيته سبحانه في الوحي السماوي العام المتضمن لحقائق "التنزلات الإلهية" و "التعرف الرباني" و "المقابلة الرحمانية" و "المكالمة السبحانية" و "الاشعار الصمداني" هي حجة كبرى، بل هي أقوى من شهادة الشمس على نفسها في رابعة النهار.
ثم نظر الى حيث "الالهامات" فرأى ان الالهامات الصادقة مع انها تتشابه - من جهة - مع الوحي، من حيث انها نوع من المكالمة الربانية، الاّ ان هناك فرقين:
اولهما:
ان معظم الوحي الذي هو أسمى واعلى من الالهام بكثير إنما يتم بوساطة الملائكة، بينما اغلب الالهام يتم دون وساطة. ولإيضاح ذلك نورد المثال الآتي:
من المعلوم ان هناك شكلين من صور التخاطب واصدار الاوامر للسلطان:
الشعاع السابع - ص: 164
الاول: باسم الدولة وعظمتها وحاكميتها وسيادتها على الجميع. فيرسلاحد مبعوثيه الى احد ولاته، ويجتمع - أحياناً - معه، ومن ثم يبلّغ الامر، وذلك اظهاراً لعظمة تلك الحاكمية واهمية ذلك الامر.
الثاني: باسمه الشخصي، وليس باسم السلطنة، ولا بعنوان السلطان، فيتكلم كلاماً خاصاً، بهاتفه الخاص، في أمر خاص، وفي معاملة جزئية، مع خادمه الخاص او مع أحد رعيته من العوام.
وكذلك كلام سلطان الازل سبحانه وتعالى. فله كلام بالوحي والالهام الشامل - الذي يقوم بوظائف الوحي - يتكلم باسم رب العالمين، وبعنوان خالق الكون. وله ايضاً طراز آخر من الكلام، وبشكل خاص، ومن وراء حجب واستار، مع كل فرد ومع كل ذي حياة، حسب قابلياتهم، وذلك لكونه ربهم وخالقهم.
الفرق الثاني:
ان الوحي صاف، ودون ظل، خاص للخواص. أما الالهام ففيه ظل واختلاط ألوان. وهو عام وله اشكال متنوعة ومتفاوتة جداً؛ كإلهامات الملائكة، وإلهامات الانسان، والهامات الحيوانات. وهي بأنواعها المختلفة واشكالها المتباينة جداً، تبين مدى سعة وكثرة الكلمات الربانية التي تزيد على عدد قطرات البحار.. ففهم السائح من هذا وجهاًً من تفسير الآية الكريمة: (قل لو كان البحرُ مداداً لكلمات ربّي لَنَفِدَ البحرُ قبلَ أن تنفَدَ كلماتُ ربي..) (الكهف: 109).
ثم نظر الى ماهية الالهام يستبطن سره ويتعرف على حكمته وشهادته، فرأى ان ماهيته، وحكمته، ونتيجته، تتركب من اربعة أنوار:
النور الاول: انه مثلما يتودد الله سبحانه الى مخلوقاته عن طريق افعاله فيهم الذي يُعرف (بالتودد الإلهي) فان من مقتضيات الودودية والرحمانية (اي كونه ودوداً ورحمان) ان يتحبب اليهم ويتودد قولاً وحضوراً وصحبة ايضاً.
النور الثاني: انه مثلما يستجيب سبحانه الى دعاء عباده بأفعاله. فان من شأن الرحيمية إجابته لهم قولاً ايضاً من وراء الحجب.
الشعاع السابع - ص: 165
النور الثالث: انه مثلما يمدّ سبحانه بالأفعال استمداد مخلوقاته المصابين بالبلايا العسيرة والنوائب الشديدة واستغاثتهم وتضرعهم فان من لازم الربوبية أن يؤنسهم ويبدد وحشتهم فيمدّهم بأقوال إلهامية هي في حكم نوع من كلامه.
النور الرابع: انه مثلما يُشعر سبحانه فعلاً بوجوده وحضوره وحمايته لأرباب الشعور من خلقه - الذين هم في عجز وضعف شديدين، وفي فقر واضطرار كبيرين، وفي أشد الحاجة والشوق لمعرفة مالكهم وحاميهم ومدبرهم وحفيظهم - فانه من مقتضى رأفة الالوهية ورحمة الربانية، وضرورة لازمة لهما، ان يُشعر كذلك بحضوره ومعيّته ووجوده، لمخلوق معين، بوجه خاص، حسب قابليته، بوساطة قسم من الالهامات الصادقة، قولاً الى هاتف قلبه، مما يعدّ في حكم نوع من المكالمة الربانية.
ثم نظر الى شهادة الالهام فرأى انه لو كانت للشمس حياة وشعورٌ - فرضاً - وكانت الألوان السبعة التي في ضيائها - فرضاً - سبع صفات لها، لكان لها اذاً نمط من التكلم باشعتها وتجلياتها التي في ضيائها. ففي هذه الحالة: فان وجود صورتها وانعكاسها في الاشياء الشفافة؛ اي تكلمها مع كل مرآة عاكسة، ومع كل شئ لماع، ومع قطع الزجاج وحباب البحر وقطراته، حتى مع الذرات الشفافة حسب قابلية كل منها.. واستجابتها لحاجات كل منها.. كل ذلك سيكون شاهد صدق على وجود الشمس، وعلى عدم ممانعة فعل عن فعل ولا مزاحمة كلام من كلامها لآخر..
فمثلما يشاهد هذا بوضوح، كذلك الامر في مكالمة سلطان الازل والابد ذي الجلال، وخالق جميع الموجودات ذي الجمال، النور الازلي، هي مكالمة كليّة ومحيطة، كعلمه سبحانه وقدرته. لذا يدرك بداهة تجليّها الواسع حسب قابلية كل شئ، من دون ان يزاحم سؤال سؤالاً، ولا يمنع فعل فعلاً، ولا يختلط خطاب بخطاب.
فعلم السائح بعلم يقيني اقرب ما يكون الى عين اليقين، ان جميع تلك التجليات والمكالمات والالهامات كل منها، وبمجموعها، تدل وتشهد بالاتفاق على وجوب ذلك المنّور الازلي سبحانه، وعلى حضوره سبحانه، وعلى وحدته، وعلى احديته.
الشعاع السابع - ص: 166
وهكذا ذكرت إشارة مختصرة الى ما تلقاه هذا السائح المتلهف من درس المعرفة من عالم الغيب في المرتبة الرابعة عشرة والخامسة عشرة من المقام الاول:
[لا إله إلاّ الله الواجب الوجود الواحد الاحد الذي دلّ على وجوب وجوده فـي وحدته: إجماع جميع الوحيات الحقة المتضمنة للتنزلات الإلهية، وللمكالمات السـبحانية، وللتعرفات الربانية، وللمقابلات الرحمانية، عند مناجاة عباده، وللاشـعارات الصمدانية لـوجوده لمخلوقاته، وكذا دلّ علـى وجوب وجوده في وحدته: إتــفاق الالهامـات الصـادقة المتضمنة للتوددات الالـــهية، وللاجابات الرحمانية لدعوات مخلوقاته، وللامـــدادات الربانية لاسـتغاثات عباده، وللاحسـاسـات الســبحانية لـوجوده لمصنوعاته].
* * *
ثم خاطب ذلك السائح في الدنيا عقله قائلاً: ما دمت أبحث عن مالكي وخالقي باستنطاق موجودات الكون هذا. فمن الأولى لي أن أزور من هو اكمل انسان في الوجود، واعظم من يقود الى الخير - حتى بتصديق أعدائه - وأعلاهم صيتاً وأصدقهم حديثاً وأسماهم منزلة وأنورهم عقلاً، ألا وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي أضاء بفضائله وبقرآنه أربعة عشر قرناً من الزمان.. ولأجل أن أحظى بزيارته الكريمة وأستفسر منه عما أبحث عنه، ينبغي ان نذهب معاً الى خير القرون.. الى عصر السعادة.. عصر النبوة.. فدخل بعقله الى ذلك العصر فرأى ان ذلك العصر قد صار به صلى الله عليه وسلم عصر سعادة للبشرية حقاً. لانه صلى الله عليه وسلم قد حول في زمن يسير وبالنور الذي أتى به قوماً غارقين في أشد أمية، وأعرق بداوة، حوّلهم الى أساتذة العالم وسادته.
وكذا خاطب عقله قائلاً: "علينا قبل كل شئ ان نعرف شيئاً عن عظمة هذه الذات المعجزة، وذلك من أحقية أحاديثه، وصدق أخباره ثم نستفسر منه عن خالقنا سبحانه".. فباشر بالبحث. فوجد على صدق نبوته من الادلة القاطعة الثابتة ما لايعد ولايحصى، ولكنه خلص الى تسع منها:
اولها: هو اتصافه صلى الله عليه وسلم بجميع السجايا الفاضلة والخصال الحميدة، حتى شهد لها غرماؤه.. وظهور مئات المعجزات منه؛ كانشقاق القمر الذي انشق الى نصفين باشارة
الشعاع السابع - ص: 167
من أصبعه كما نص عليه القرآن: (وانشق القمر) (القمر:1). وانهزام جيش الاعداء بما دخل أعينهم جميعاً من التراب القليل الذي رماه عليهم بقبضته. كما نصت عليه الآية الكريمة: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (الانفال: 17). وارتواء اصحابه من الماء النابع كالكوثر من بين أصابعه الخمسة المباركة عندما اشتد بهم العطش.. وغيرها من مئات المعجزات التي ظهرت بين يديه، والمنقولة إلينا نقلاً صحيحاً قاطعاً أو متواتراً، فاستطلعها السائح الى (المكتوب التاسع عشر) اي رسالة "المعجزات الاحمدية" تلك الرسالة الخارقة ذات الكرامة، المتضمنة لاكثر من ثلاثمائة معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم، بدلائلها القاطعة واسانيدها الموثوقة.
ثم حدّث نفسه قائلاً:"ان من كان ذا اخلاق حسنة بهذا القدر وفضائل الى هذا الحد، وذا معجزات باهرة بهذه الكثرة، فلا جرم انه صاحب أصدق حديث .. فلا يمكن أبداً - وحاشاه - ان يتنزل الى درك الحيلة والكذب والتمويه التي هي دأب الفاسدين".
ثانيها: كون القرآن الذي بيده صلى الله عليه وسلم معجزاً من سبعة اوجه، ذلك الامر الصادر من مالك الكون الذي يسلّم به ويصدقه اكثر من ثلاثمائة مليونٍ من البشر في كل عصر. ولما كانت (الكلمة الخامسة والعشرون) اي رسالة "المعجزات القرآنية" وهي شمس رسائل النور قد أثبتت بدلائل قوية أن هذا القرآن الكريم معجز من أربعين وجهاً، وانه كلام رب العالمين، لذا احال السائح ذلك الى تلك الرسالة المشهورة لبيانها المفصل للاعجاز. ثم قال: ان الأمين على كلام الله، والمترجم الفعلي له، والمبلغ لهذا النبأ العظيم الى الناس كافة، وهو الحق بعينه والحقيقة بذاتها، لايمكن ان يصدر منه كذب قط، ولن يكون موضع شبهة ابداً.
ثالثها: انه صلى الله عليه وسلم قد بعث بشريعة مطهرة، وبدين فطري، وبعبودية خالصة، وبدعاء خاشع، وبدعوة شاملة، وبايمان راسخ، لامثيل لما بعث به ولن يكون، وما وجد أكمل منه ولن يوجد.
لأن "الشريعة" التي تجلّت من أميّ صلى الله عليه وسلم وادارت خمس البشرية على اختلافها منذ أربعة عشر قرناً إدارة قائمة على الحق والعدل بقوانينها الدقيقة الغزيرة، لا تقبل مثيلاً ابداً.
الشعاع السابع - ص: 168
وكذا "الاسلام" الذي صدر من افعال مَن هو أميّ صلى الله عليه وسلم ومن اقواله، ومن احواله، هو رائد ومصدر ثلاثمائة مليون من البشر ومرجعهم في كل عصر، ومعلم لعقولهم ومرشد لها، ومنوّر لقلوبهم ومهذّب لها ومربّ ٍ لنفوسهم ومزَكٍ لها، ومدار لانبساط أرواحهم ومعدن لسموها.. لم يأت ولن يأتي له مثيل.
وكذا تفوقه صلى الله عليه وسلم في جميع انواع "العبادات" التي يتضمنها دينه، وتقواه العظيمة، وخشيته الشديدة من الله ومجاهدته المتواصلة ورعايته الفائقة لأدق أسرار العبودية ضمن أشد الاحوال والظروف، وقيامه صلى الله عليه وسلم بتلك العبودية الخالصة، دون ان يقلد أحداً وبكل معانيها مبتدئاً، وبأكمل صورة، موصلاً الابتداء بالانتهاء..لاشك لم يُرَ ولن يُرى لها مثيل.
وكذا فانه يصف، بالجوشن الكبير - الذي هو واحد من آلاف أدعيته ومناجاته - يصف ربه بمعرفة ربانية سامية لم يبلغ العارفون والاولياء جميعاً الى تلك المرتبة من المعرفة، ولا الى درجة ذلك الوصف منذ القدم مع تلاحق الافكار.. مما يظهر أنه لامثيل له في " الدعاء ". ومن ينظر الى الايضاح المختصر لفقرة واحدة من بين تسع وتسعين فقرة للجوشن الكبير، وذلك في مستهل رسالة "المناجاة" لايسعه الاّ القول انه لامثيل لهذا الدعاء الرائع (الجوشن) الذي يمثل قمة المعرفة الربانية.
وكذا فان إظهاره في "تبليغ الرسالة" وفي دعوته الناس الى الحق من الصلابة والثبات والشجاعة ما لا يقاربها أحد. فلم يداخله - ولو بمقدار ذرة - أي أثرٍ للتردد ولا ساوره قلق قط، ولم ينل الخوف منه شيئاً، رغم معاداة الدول الكبرى والاديان العظمى له حتى ناصبه قومه وقبيلته وعمه العداء الشديد، فتحدى وحده الدنيا بأسرها حتى نصره الله وأعزّه، فكلل هامة الدنيا بتاج الاسلام.. فمَن مثل محمد صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالات الله ؟..
وكذا حمله "ايماناً قوياً راسخاً" ويقيناً جازماً خارقاً، ونمواً للفطرة معجزاً، واعتقاداً سامياً ملأ العالم نوراً. فلم تتمكن أن تؤثر فيه جميع الافكار والعقائد وحكمة الحكماء وعلوم الرؤساء الروحانيين السائدة في ذلك العصر، ولو بشبهة او بتردد او بضعف او بوسوسة. نعم، لم تتمكن ان تؤثر لا في يقينه ولا في اعتقاده ولا في
الشعاع السابع - ص: 169
اعتماده على الله ولا في اطمئنانه اليه، مع معارضتها له ومخالفتها إياه، وانكارها عليه. زد على هذا استلهام جميع الذين ترقوا في المعنويات والمراتب الايمانية من اهل الولاية والصلاح، وفي مقدمتهم الصحابة الكرام، واستفاضتهم دوماً من مرتبته الايمانية، ورؤيتهم له انه في أسمى الدرجات والمراتب. كل ذلك يظهر بداهة ان ايمانه صلى الله عليه وسلم لا مثيل له ايضاً.
ففهم السائح، وصدّق عقله ان مَن كان صاحب هذه الشريعة السمحاء التي لا مثيل لها، والاسلام الحنيف الذي لاشبيه له، والعبودية الخالصة التي لانظير لها، والدعاء البديع الرائع، والدعوة الكونية الشاملة والايمان المعجز، لن يكون عنده كذب قط، ولن يكون خادعاً مطلقاً.
الدليل الرابع: اجماع الانبياء عليهم السلام واتفاقهم على الحقائق الايمانية نفسها هو دليل قاطع على وجود الله سبحانه وعلى وحدانيته، وهو شهادة صادقة ايضاً على صدق هذا النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رسالته، ذلك لأن كل مايدل على صدق نبوة اولئك الانبياء عليهم السلام، وكل ما هو مدارٌ لنبوتهم من الصفات القدسية، والمعجزات، والمهام التي اضطلعوا بها توجد مثلها وباكمل منها فيه صلى الله عليه وسلم، كما هو مصدّقٌ تاريخاً. فاولئك الانبياء عليهم السلام قد اخبروا بلسان المقال - اي بالتوراة والانجيل والزبور والصحف التي بين ايديهم - بمجئ هذه الذات المباركة وبشروا الناس بقدومه صلى الله عليه وسلم (حتى ان اكثر من عشرين اشارة واضحة ظاهرة من الاشارات المبشرة لتلك الكتب المقدسة قد بُينت بياناً جلياً واثبتت في رسالة المعجزات الاحمدية) فكما انهم قد بشروا بمجيئه صلى الله عليه وسلم فانهم يصدّقونه صلى الله عليه وسلم بلسان حالهم - اي بنبوتهم وبمعجزاتهم - ويختمون بالتأييد على صدق دعوته اذ هو السابق الاكمل في مهمة النبوة والدعوة الى الله، فادرك السائح انهم مثلما يدلّون - اي اولئك الانبياء - بلسان المقال وبالاجماع على الوحدانية، فانهم يشهدون - بلسان الحال وبالاتفاق كذلك - على صدق هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الدليل الخامس: ان وصول آلاف الاولياء الى الحق والحقيقة، وما نالوا من الكمالات والكرامات وما فازوا من الكشفيات والمشاهدات ليس الاّ بالاقتداء بهدي دساتير هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبتربيته، وباتباعه وتعقب أثره، فمثلما انهم يدلّون
الشعاع السابع - ص: 170
جميعاً على الوحدانية فهم يشهدون بالاجماع والاتفاق على صدق هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم - استاذهم وامامهم - وعلى أحقية رسالته. فرأى السائح ان مشاهدة هؤلاء قسماً مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من عالم الغيب بنور الولاية ورؤيتهم لجميع ما أخبر به بنور الايمان، واعتقادهم به وتصديقهم له - إما بعلم اليقين او بعين اليقين او بحق اليقين - انما تُظهر ظهوراً كالشمس مدى صدق مرشدهم الاعظم ومدى صواب رائدهم الاكبر صلى الله عليه وسلم.
الدليل السادس: ان ملايين العلماء المدققين الاصفياء، والمحققين الصديقين، ودهاة الحكماء المؤمنين، ممن بلغوا أعلى المراتب بفضل مادرسوا وتتلمذوا على ما جاء به هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم - مع كونه أمياً - من الحقائق القدسية، وما نبع منها من العلوم العالية، وما كشفت عنه من المعرفة الإلهية.. ان هؤلاء جميعاً مثلما يثبتون الوحدانية التي هي الاساس لدعوته صلى الله عليه وسلم ويصدقونها متفقين - ببراهينهم القاطعة - فانهم يتفقون كذلك ويشهدون على صدق هذا المعلم الاكبر وصواب هذا الاستاذ الاعظم وعلى احقيّة كلامه صلى الله عليه وسلم. فشهادتهم هذه حجة واضحة كالنهار على صدقه وصواب رسالته. وما رسائل النور بأجزائها التي تزيد على المائة - مثلاً- إلاّ برهان واحد فقط على صدق وصواب هذا النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم.
الدليل السابع: ان الجمع العظيم الذين يطلق عليهم "الآل والاصحاب" الذين هم اشهر بني البشر بعد الانبياء، فراسةً واكثرهم درايةً، واسماهم كمالاتٍ، وافضلهم منزلة، واعلاهم صيتاً، واشدهم اعتصاماً بالدين، وأحدّهم نظراً .. ففهم السائح أن تحري هؤلاء وتفتيشهم وتدقيقهم لجميع ما خفي وما ظهر من احوال هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وافكاره وتصرفاته بحثاً بكمال اللهفة والشوق، وبغاية الدقة، وبمنتهى الجدية، ثم تصديقهم بالاتفاق والاجماع انه صلى الله عليه وسلم اصدق مَن في الدنيا حديثاً، واسماهم مكانة، واشدهم اعتصاماً بالحق والحقيقة، فتصديقهم هذا الذي لايتزعزع مع ما يملكون من إيمان عميق، انما هو دليل باهر كدلالة النهار على ضياء الشمس.
الدليل الثامن:كما ان هذا الكون يدل على صانعه وكاتبه، ومصّوره الذي اوجده، والذي يديره، ويرتبه، ويتصرف فيه بالتصوير والتقدير والتدبير كأنه قصر باذخ اوكأنه كتاب كبير او كأنه معرض بديع او كأنه مشهر عظيم، فهو كذلك يستدعي لامحالة وجود من يعبّر عما في هذا الكتاب الكبير من معانٍ، ويعلم ويُعلّم
الشعاع السابع - ص: 171
المقاصد الإلهية من وراء خلق الكون، ويعلّم الحكم الربانية في تحولاته وتبدلاته، ويدرّس نتائج حركاته الوظيفية، ويعلن قيمة ماهيته وكمالات ما فيه من الموجودات. أي يقتضي داعياً عظيماً، ومنادياً صادقاً، واستاذاً محققاً، ومعلماً بارعاً، فادرك السائح ان الكون - من حيث هذا الاقتضاء - يدل ويشهد على صدق هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وصوابه الذي هو افضل من أتم هذه الوظائف والمهمات وعلى كونه أفضل واصدق مبعوث لرب العالمين.
الدليل التاسع: ما دام هناك وراء الحجاب من يشهر كمال بديعيته واتقانه، بمصنوعاته هذه؛ ذات الاتقان والحكمة.. ويعرّف نفسه ويوددها، بمخلوقاته غير المحدودة، ذات الزينة والجمال.. ويُوجب الشكر والحمد له، بنعمه التي لاتحصى، ذات اللذة والنفاسة.. ويشوق الخلق الى العبادة نحو ربوبيته بعبودية تتسم بالحب والامتنان والشكر إزاء هذه التربية والاعاشة العامة، ذات الشفقة والحماية (حتى انه يهئ اطعمة وضيافات ربانية تُطمئن ادق اذواق الافواه وجميع انواع الاشتهاء).. ويُدين الخلق الى الايمان والتسليم والانقياد والطاعة نحو الوهيته التي يظهرها بتبديل المواسم، وتكوير الليل على النهار، واختلافهما وامثالها من التصرفات العظيمة، والاجراءات الجليلة، والفعالية المدهشة والخلاقية الحكيمة.. ويُظهرُ عدالته وحقانيته بحمايته دوماً البر والابرار وازالته الشر والاشرار ومحقه الظالمين والمكذبين واهلاكهم بنوازل سماوية. فلا جرم، ان احب مخلوق لدى ذلك المتستر بالغيب، واصدق عبد له هو مَن كان عاملاً عملاً خالصاً لمقاصده المذكورة آنفاً، ومَن يحل السر الاعظم في خلق الكون ويكشف لغزه، ومن يسعى دوماً باسم خالقه ويستمد القوة منه ويستعين به وحده في كل شئ فينال المدد والتوفيق منه سبحانه. ومن ذا يكون هذا غير محمد القرشي صلى الله عليه وسلم.
ثم خاطب السائح عقله: لما كانت هذه الحقائق التسع شاهدة اثبات على صدق هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فلا ريب اذن انه قطب شرف البشرية، ومدار افتخار العالم، وانه حري ولائق جداً تسميته شرف بني آدم، وتلقيبه بفخر العالمين. وان ما في يده من أمر الرحمن وهو القرآن الكريم المهيمن جلال سلطانه المعنوي على نصف الارض مع ما يملك من كمالاته الشخصية وخصاله السامية يظهران ان اعظم انسان في الوجود هو هذا النبي العظيم، فالقول الفصل اذن بحق خالقنا سبحانه هو قوله صلى الله عليه وسلم.
الشعاع السابع - ص: 172
فتعال ياعقلى وتأمل!. ان أساس جميع دعاوى هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وغاية حياته كلها، هي الشهادة على وجود واجب الوجود، والدلالة على وحدانيته، وبيان صفاته الجليلة، واظهار اسمائه الحسنى، واثبات كل ذلك، واعلانه واعلامه؛ استناداً الى ما في دينه من ألوف الحقائق الراسخة الاساس والى قوة ما اظهره الله على يده مئات من معجزاته القاطعة الباهرة.
اي ان الشمس المعنوية التي تضئ هذا الكون والبرهان النيّر على وجود خالقنا سبحانه ووحدانيته، هو هذا النبي الكريم الملقب بـ"حبيب الله" صلى الله عليه وسلم فهنالك ثلاثة انواع من الاجماع عظيمة لا تَغفل ولا تُغفِل، تؤيد شهادته وتصدّقها:
الاجماع الاول: اجماع الذين اشتهروا، وتميزوا في العالم باسم "آل محمد" عليه وعلى آله الصلاة والسلام. تلك الجماعة النورانية التي يتقدمها الامام علي رضي الله عنه الذي قال: "لو رُفع الحجاب ما ازددت يقيناً"، وخلفه آلاف الاولياء العظام من ذوي البصائر الحادة والنظر الثاقب للغيب من امثال الشيخ الكيلاني (قدس سره) الذي كان يعاين ببصيرته النافذة العرش الاعظم واسرافيل بعظمته وهو بعدُ على الارض.
الاجماع الثاني: اجماع تلك الجماعة المعروفة بالصحابة الكرام المشهورين في العالم رضي الله عنهم اجمعين، وتصديقهم بالاتفاق وبايمان راسخ قوي لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حتى ساقهم ذلك الى التضحية والفداء بأرواحهم واموالهم وآبائهم وعشيرتهم، وهم الذين كانوا قوماً بدواً يقطنون في محيط أميّ خالٍ من مظاهر الحياة الاجتماعية والافكار السياسية، ليس لهم هدى ولا كتاب منير. وكانوا مغمورين في ظلمة عصر الفترة، فصاروا في زمن يسير اساتذة مرشدين وسياسيين وحكاماً عادلين لأرقى الامم حضارة وعلماً واجتماعاً وسياسةً،فحكموا العالم شرقاً وغرباً ورفرفت رايات عدالتهم براً وبحراً.
الاجماع الثالث: هو تصديق الجماعة العظيمة من العلماء الاجلاء الذين لايعدون ولايحصون المتبحرين في علومهم والمحققين المدققين الذين نشأوا في أمته وسلكوا مسالك شتى ولهم في كل عصر آلاف من الحائزين على قصب السبق بدهائهم في كل علم. فتصديق هؤلاء جميعاً له بالاتفاق وبدرجة علم اليقين اجماع اي اجماع!..
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس