عرض مشاركة واحدة
قديم 08-03-2009
  #1
نوح
رحمتك يارب
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,437
معدل تقييم المستوى: 18
نوح is on a distinguished road
افتراضي من فضائل شهر شعبان

أخذ العرب اسم شعبان من التشعب، لأنهم كانوا يتشعبون فيه لطلب الماء، فهو شهرٌ تشعب فيه الخير وتنوعت مجالاته وتعددت فيه القُرُبات إلى الله تعالى والطاعات، وأعظم العبادات في شعبان الصيام، وأفضل الصيام ما كان قريباً من رمضان قبله أو بعده، فقد (كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان) رواه أبو داود، لذا كان يكثر فيه من الصيام، قالت عائشة رضي الله عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان”. (رواه البخاري).


في الحديث إشارة من فعله صلى الله عليه وسلم تدفعُنا إلى حسن الاقتداء، ويحتمل أن يكون لهذا الحديث تفسيران:


الأول: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان، حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان.


الثاني: أن شعبان شهر توبة ومغفرة، ومِنْ تكريم الله له أن الأعمال تُرفَعُ فيه إلى الله عز وجل، قال أسامة رضي الله عنه: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهرٍ من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال (ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه النسائي.


وشهر شعبان بمثابة المقدمة لشهر رمضان، لذا يستحب فيه التعبد بما يستحب في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والدعاء والاستغفار، ليحصل التأهب لتلقي رمضان، والتدرب على طاعة الرحمن، وتخفيف المشقة عند البدء بالصيام، فيكون الصائم قد روض نفسه على الصبر وقوة الإرادة، وتدرب عليه واعتاده، سئل صلى الله عليه وسلم: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ فقال: (شعبان لتعظيم رمضان) (رواه الترمذي). ولكن الأفضل ترك الصيام في آخر شهر شعبان، لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوماً فليصمه) (رواه البخاري). ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا) (رواه الترمذي). والنهي إنما هو لمن يتعمد الصيام في آخره، فالسنة المقررة صيام شهر شعبان أو أكثره من مبتدئه إلى منتهاه، أما من لم يصمه من أوله ثم أراد الصيام بعد منتصفه فهذا هو الذي يتناوله النهي.


وفي هذا الشهر المغفول عن فضله ومكانته يصعد الدعاء إلى الرحمن، وتتفتحُ له أبوابُ القبولِ في السماء، في ليلة النصف منه وفي غيرها من الليالي والأيام، قال صلى الله عليه وسلم (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر) (رواه البيهقي)، ويجيب رب العزة سبحانه دعوة الداعين في هذا الموقف الإيماني إلا للمتدابرين والمتقاطعين، فإنه صلى الله عليه وسلم قال (إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) (رواه ابن ماجه).


وشهر شعبان أيضاً شهر المناسبات العظيمة في تاريخ رسالة الإسلام الماجدة ودعوته الخالدة: ففيه تحققت أمنية غالية على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة من المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، حيث نزل فيه قوله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلبَ وَجْهِكَ فِي السمَآءِ فَلَنُوَليَنكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَل وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِن الذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنهُ الْحَق مِن ربهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَما يَعْمَلُونَ) (البقرة 144).


وفي شعبان من السنة الثانية للهجرة أنزلت فريضة الصيام، قال تعالى (يا أيهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلكُمْ تَتقُونَ، أَياماً معْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدةٌ منْ أَيامٍ أُخَرَ وَعَلَى الذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة 183-184) وفي هذا الشهر نفسه من السنة الثانية للهجرة أيضاً فرضت زكاة الفطر، قال ابن عمر رضي الله عنهما (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) (رواه البخاري)


* قاضي قضاة فلسطين
__________________

نوح غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس