عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

كان صلاح الدين الأيوبي قد مات، وترك دولة شاسعة تقاسمها أخوته وأبناؤه وأبناء أخوته.. وما هي إلا سنوات حتى تقطعوا أمرهم، فتفرقوا وأصبح بأسهم بينهم شيدا.. وتمزقت دولة صلاح الدين الى دويلات تناحرت فيما بينها، مما أغرى التتار والصليبيين بالطمع في الاستيلاء على بعض أجزاء هذه الدولة الإسلامية الكبرى.

وقد اسكت هؤلاء الحكام معارضيهم إما بالإرهاب والقمع أو بإغراقهم في المال أو بدفعهم الى الزهد والتصوف على نحو لم يعرفه السلف الصالح من الزهاد والمتصوفين. وكان هؤلاء جميعا من العلماء والفقهاء الذين يؤثرون في الأمة أبلغ تأثير!

وعز الدين يرى كل هذا.. فيتقدم صفوف طلاب العلم تحت راية الإسلام وخلف قيادة بعض شيوخه من العلماء المقاومين.. وعرفه الشباب خطيبا يستثير الحمية.

وكان الى هذا شديد الدأب على تحصيل العلم، مما أثار إعجاب شيوخه به.

ولم يكد ينتهي من الدراسة على شيخه الفخر بن عساكر، وغيره من الشيوخ في جامع دمشق، حتى أجازوه للتدريس.

وعين مدرسا بدمشق، يقرئ صغار الطلبة القرآن، ويعلمهم القراءة والكتابة.. ثم نقل الى مدرسة أعلى.. يعلم الطلاب الفقه وأصول الفقه على المذهب الشافعي. وهو المذهب السائد إذ ذاك في كل البلاد التي حكمها صلاح الدين.

وهيأت له مهنة التدريس أجرا طيبا أصلح به حاله، فاستأجر بيتا لائقا وتزوج..

وعرف الناس في ندوات دمشق شيخا متوسط الطول، يسخر مما يلقى، مرحا ضاحك السن، عيه مع ذلك وقاره، عذب الحديث، خفيض الصوت إذا تكلم، جهير الصوت إذا أنفعل أو خب، نظيف الثوب، لا يرد سائلا، فإذا لم يجد ما يتصدق به اقتطع جزءا من عمامته ودفع به الى سائله!

وكان نحيلا يقتحم بنظراته المجهول كأنه يفتش وراء الغيب عن شيء ما..!

لم يقتنع بما نال من علم، فتعود أن يغشى مكتبة الجامع الأموي يقرأ فيها كل ما يقع عليه من معارف، وقد كشفت له تأملاته ودراسته في آثار السلف أن كل المعارف الإنسانية تعين على فهم القرآن.. وكان يري أن يفسر القرآن، ولكنه شعر أن الوقت لم يحن بعد، وأن عليه أن يستوعب الكثير من العلوم حتى يجسر على العمل بالتفسير وهو مطمئن الضمير!

ودرس خلافات المتقدمين حول الفلسفة، وكان الإمام الغزالي قد هاجم الفلسفة من قبل، ولكن هذا لم يصرف كل العلماء عن دراسة الفلسفة، فهاهو ذا السهروردي المقتول الذي فتن عز الدين بآرائه قد خلف ميراثا سخيا من الفكر وفق فيه بين الفلسفة والدين.

واستوعب العز كل ما تركه السلف في علم الكلام. العلم الذي يتكلم عن الله وصفاته وأسمائه. ومن اسلف من هاجم هذا العلم ونبذه واعتبره بدعة فاسدة، ومنهم من عالجه وتعمق فيه وأضاف إليه، واعتبره علم اصول الدين.

والخلاف بين العلماء حول هذا الأمر قديم يرجع الى نهاية القرن الأول وأوائل القرن الثاني للهجرة، حين ظهر المعتزلة وأخضعوا كل شيء للعقل، وتحدثوا في القضاء والقدر والجبر والاختيار وصفات الله تعالى، واعتمدوا في كل آرائهم على الأدلة العقلية. ونبذهم أهل السنة ورفضوهم واعتمدوا على ما تركه السلف منذ عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) وعصر الصحابة ومن بعدهم عصر التابعين. وذهب أهل السنة الى رفض الكلام في كل هذه الأمور، لأن أسلافهم لم يتكلموا فيها بل إن منهم من نهى عن الاقتراب منها.." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس