عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

غير أن الذين جاءوا من بعده تفرقوا: فظل بعضهم شافعيا على رأي صلاح الدين، واعتنق بعضهم غير ذلك من المذاهب، وإن ظلوا جميعا على رأي الأشعري إلا قليلا!

وكان الملك الكامل حاكم مصر وهو ابن العادل شقيق صلاح الدين أوسعهم أفقا وأشدهم احتفالا بالعلم والعلماء، حتى لقد جلس وهو ملك مصر الى الشيوخ ليتعلم منهم في الحلقات ثم تقدم لنيل إجازة علمية كما يتقدم غيره من الطلاب، ونجح فيها! وتعود أن يعقد مجلس العلماء في مساء كل خميس، وفتح المدارس والمكاتب وأغدق على أهل الفقه والعلم.. وكف عن اضطهاد أصحاب المذاهب الأخرى كما كان يصنع عمه صلاح الدين. وعين قضاة من كل المذاهب بدلا من القاضي الشافعي الذي اكتفى به أبوه.. ولقد نافسه في تشجيع العلماء أخوه عيسى، فكافأ المؤلفين حتى وضعوا في عهد الملك الكامل كتابا من أضخم كتب الفقه الحنفي وهو كتاب (التذكرة).

وقد أرسل العز بن عبد السلام الى الملك الكامل وأخيه عيسى كتاب شكر على ما يصنعان للعلم والعلماء، فأرسلا اليه ردا جميلا. وبعث الملك الكامل الى أخيه صاحب دمشق ـ الملك الاشرف ـ يستوصيه خيرا بالعالم الشاب عز الدين بن عبد السلام.

وكان عز الدين قد جذب إليه عديدا من الطلاب أحبوا دروسه التي كان يرصعها بما حفظ من طرائف الحكمة وروائع الشعر مما كان ييسر على الطلاب صعوبة الفقه.

وقصده الناس يستفتونه فلم يبخل عليهم بالرأي، ولم يعد يتقيد بالمذهب الشافعي الذي كان يعتنقه من قبل، بل كان يبحث في كل المذاهب عن إجابات لما يرد إليه من أسئلة، فإن لم يجد حاول أن يجتهد رأيه.

وكان شديد الحرج في فتياه. يفكر طويلا قبل الإجابة، ويظل يفكر بعدها وينقب حتى يطمئن أنه على الصواب. ولقد أصدر فتيا ذات مرة، ثم طفق يفكر بعدها فيما قال، وعاد الى كتب السلف عسى أن يجد فيها ما يسانده، فاكتشف أنه أخطأ ولم يكن يعرف صاحب المسألة الذي استفتاه، فأطلق عددا من تلاميذه في الأسواق والطرقات والمساجد ينادون في الناس: «من صدرت له فتيا بالأمس من العز عز الدين بن عبد إسلام فلا يعمل بها فهي خطأ، وليعد الى الشيخ ليفتيه بالرأي من جديد بالصواب».

شاع ذكر الشيخ في اقطار المسلمين، ولم يكن قد ألف كتابا بعد ولكن هاهو ذا شاب عالم فقيه زاهد أمين، يتحر م المذاهب الفقهية في عصر شاع فيه التقليد للائمة الأربعة، كل جماعة تتعصب لمذهب ولا تعدوه حتى إن وجدت الجواب الصحيح عند غيره من المذاهب، وكل حزب بما لديهم فرحون! فإذا صدرت الفتيا من أحدهم فلا رجعة فيها حتى إن تبين الخطأ..

وعز الدين لا يتفرغ للعلم والتدريس والفتيا فحسب، ولكنه يتحرك في الأسواق يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في رحمة وحكمة وموعظة حسنة، ويشدد النكير على الظالمين من التجار الذين يبخسون الناس أشياءهم، وعلى جباة المكوس، والمرتشين والجائرين ممن يلون أمرا من أمور المسلمين.

من أجل ذلك أحبه الناس: المظلومون والفقراء خاصة، وطلاب العلم الذين يجاهدون من أجل مستقبل أفضل. وخافه الجائرون من الحكام، أما العادلون منهم فقد حاولوا أن يقربوه، ولكنه كان بطبعه لا يحب الاقتراب من السلطان...

وضاق به بعض الفقهاء المقلدين ممن ينافقون الحكام.. ذلك أنه احتل مكانة لا يؤهلها له عمره فهون بعد في الخمسين، وأنه يعتمد على مكانته هذه، فيسلق المقلدين والجامدين والمرتشين والمرتزقة الفقهاء بألسنة حداد ويطالب المسلمين ألا يتعبوهم حتى لا يفسدوا عليهم دينهم!

وفي أحد الدروس وجه أحد الطلاب الى الشيخ عز الدين سؤالا عن حكم الدين في العلماء الذين يسكتون عن الظلم، وهم بعد ذلك يتصدرون بعض الحلقات في الجامع الأموي يعلمون ويفتون؟!

فأفتى الشيخ عز الدين بأن السكوت عن المنكر منكر..، وعلماء المسلمين هم أولى الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن تخلوا عما أطاعوا الله والرسول ، وإن كان سكوتهم طمعا في الأموال والهدايا والمناصب أو حرصا فإثمهم مضاعف. وقد قال الله تعالى: (فلتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وهؤلاء هم العلماء، فإن لم يفعلوا فهم العصاة، والعياذ بالله!...

وسأل طالب آخر: ألمثل هؤلاء طاعة؟! فقال الشيخ: لا طاعة لهم...

ورأى ذلك النفر من العلماء في كلام الشيخ عز الدين تحريضا للطلاب وللعامة عليهم وعى السلطان نفسه!.." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس