عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

وتوجه أحد طلاب الحلقات في الجامع الأموي الى شيخ حلقة يسأله عن حكم الدين في العلماء الذين يتقاضون من الحكام أموالا وهدايا ثمنا سكوتهم عن فساد هؤلاء الحكام؟.

وسأله طالب آخر عن رأي الدين في العلماء الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر!. وغضب الشيخ غضبا شديدا وسب الطالبين سبا عنيفا، وطردهما من الحلقة طردا غليظا وحرم عليهما دخول الجامع، وذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام بالسوء وأنذر أن يوقع به العقاب حتى لا يفتن الشباب!

فأعلن سائر الطلاب سخطهم لمقالة الشيخ وفعلته، فسبهم جميعا، وانسحب من الحلقة وهو يصبح إن ابن عبد السلام قد افسد العامة والطلاب!

وانصرف الرجل فاجتمع ببعض شيوخ الحلقات من المتصلين بالسلطان وذهبوا جميعا إليه، فطالبوه أن يردع الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأن ينزل به عقاب من يثير الفتنة، ولكن الحاكم طيب خاطرهم، وكساهم حللا فاخرة وأغدق عليهم الهدايا وصررا من المال، وطلب منهم أن يمهلوه في أمر الشيخ عز الدين هذا..!

ولكنهم عادوا يطالبون بأن يمنع عز الدين من الفتيا والتدريس والمشي في الأسواق.

غير أن السلطان الاشرف لم يستجب لهم، فالشيخ على أية حال لا يدرس في الجامع الأموي، ولكن في مدرسة صغيرة قليلة الخطر!.. ليردوا هم في الجامع الأموي على آرائه.

ولكنهم ما زالوا بالحاكم يغرونه بالشيخ عز الدين حتى صرح لهم بأنه لا يستطيع أن يسيء الى عز الدين، فالملك الكامل حاكم مصر يحب عز الدين، ويوصي به خيرا، فإن نال سلطانهم من عز الدين فسيغضب له الملك الكامل ولا طاقة له بغضب أخيه الأكبر!

ولم يهدأ كيد الخصوم عن الشيخ عز الدين، وظلوا يتربصون به.

وحاولوا أن يغروا به الطلاب والعامة وأن يسفهوا لهم آراءه، ولكن حملتهم عليه وشدة عز الدين في نقد ذلك النفر من العلماء، مكنت له في قلوب أهل دمشق، وزادته مكانة في قلب الملك الكامل. فارسل الملك الكامل إلى أخيه الأشرف، يطالبه بأن يحسن صلة الشيخ عز الدين، وأن يعينه شيخ حلقة في الجامع الأموي، لتعم الفائدة من علمه.

أما الصلة فقد ردها الشيخ عز الدين شاكرا، وأما منصبه في الجامع الأموي، فقد فرح به، لأنه يتيح له الاتصال بعدد أكبر من الطلاب هم أنضج عقلا وأكبر سنا من طلاب المدرسة التي يعلم بها.

وكان منصب شيخ حلقة في الجامع الأموي هو أكبر منصب علمي في دمشق.

وتقدم الشيخ عز الدين، بوجه النحيل الباسم، في ثياب بسيطة نظيفة، فاختار الزاوية الغزالية حيث كان الإمام الغزالي يعتكف منذ أجيال، وبدأ يدرس للطلاب علوم الدين.. وتواد عليه الطلاب حتى ضاقت بهم الحلقة، وأقفرت سائر الحلقات من طلابها. وكان يلقي أكثر من درس في النهار والليل في الحديث والفقه والأصول.. غير متقيد بمذهب من المذاهب الأربعة.

وشرع يفتي كلما استفتاه أحد، ويشرح عقيدة الأشعري في أصول الدين، وأدلته العقلية على صحة مذهب أهل السنة. ويأخذ الطلاب بإتقان علوم اللغة ليفهموا نصوص الشريعة.

وغاظ التفاف الناس حوله وانصرافهم عن سواه، كثيرا من خصومه، فعادوا يحاولون الإيقاع به، ولكنهم خشوا أن يردهم سلطان دمشق حرصا على إرضاء أخيه سلطان مصر!

أما الشيخ عز الدين فلم يكن ليبالي بهم، بل مضى في طريقه، يقرأ ويدرس ويفتي، وقد اطمأنت به الحياة.. فالراتب الذي يأخذه من المسجد الأموي راتب كبير يكفيه لحياة موفورة.

وخاطبته زوجته في أن يغير المسكن الضيق الذي كان قد استأجره وهو مدرس في مدرسة صغيرة!.

لقد ضاق بهم المسكن بعد أن انجبا أولادا. وقال لها إنه يعرف أن المسكن الضيق هو الجحيم الأصغر كما قال الإمام علي كرم الله وجهه، وهو يتمنى أن يغيره، ولكن لا سبيل...! وعادت الزوجة تلح عليه، وكان حانيا عليها شديد البر بها، وتمنت لو أنه اشترى بيتا فسيحا يحيط به بستان جميل، فهو بعد أستاذ وشيخ حلقة بالجامع الأموي، وينبغي أن يتخذ له سكنا مريحا يليق به، ويتسع لأهله وبنيه، ولضيوفه الذين يتوافدون عليه ملتمسين عنده العلم، والفتيا بعد أن يفرغ من الحلقات...

ووعدها خيرا، غير أنه لم يستطع، فقد كان ينفق عن سعة على أهل بيته، ويحسن إكرام ضيوفه، ويتصدق بما بقي، ولا يدخر شيئا على الإطلاق. "اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس