عرض مشاركة واحدة
قديم 01-03-2010
  #2
نوح
رحمتك يارب
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,437
معدل تقييم المستوى: 18
نوح is on a distinguished road
افتراضي رد: نهب الصهاينة للمتلكات الفلسطينية في ضل النكبه

إقترح يوسف يعقوبسون، وهو مزارع برتقال وفيما بعد مٌستشار لوزارة الدفاع، على بن-غوريون أن يأخذ مصنعاً لإنتاج الأحذية في يافا من أصحابه وأن ينقله الى ملكية مصنع ((منعال)) في غفعات هشلوشاه. سأل بن-غوريون وزير الماليه عن رأيه فقال كابلان أنه يجب عدم أخذ ممتلكات خاصة للعرب بالقوة في يافا. إعترض بن-غوريون عليه قائلاً: ينبغي لنا ألا نأخذ الممتلكات الموجودة داخل البيوت السكنية. لكن ذلك لا ينطبق على ممتلكات اُخرى! أعلم يعقوبسون [بن-غوريون] أن الجيش يخلي من يافا.يومياً ممتلكات بقيمة 30 ألف ليرة. ,ابلغ المحامي نفتالي ليفشيتس من حيفا أنه في مصارف حيفا ودائع بقيمة 1,5 مليون ليرة إسرائلية خاصة بالعرب. فقال بن-غوريون : ((المصارف مُستعدة لتسليم هذه الممتلكات)). وهكذا نالت أيضاً مؤسسات الحكم نصيبها من الغنائم. كتب وزير الزراعة، تسيزلينغ، الى بن-غوريون:


صورة نادرة لقرية يازور (محافظة يافا) بعد إحتلالها ويظهر مُهاجرين يهود فيها. 1949

((نحن نكرر البحث في جلساتنا، مرة بعد الأخرى، في مسألة مُعالجة الأملاك المتروكة. والكل [من أعضاء الحكومة] أعربوا عن قلق ومرارة وخجل مما يحدث. ولغاية الآن لم نصل الى حل. وإذا كنا نتحدث، بصورة عامة، عن هذه الظاهرة من ناحية الفسق الخلقي للجنود ومواطنين ... الخ، فالأخبار تتكاثر عن عمليات تثبت، طبقاًً لحجمها وطوابعها، أنها لا يمكن أن تتم إلا بموجب تعليمات [حكومية]. إنني أسأل .... على أي أساس اُعطيت التعليمات؟ - لقد سمعت انه تأخر تنفيذها -لتفكيك مُحركات ديزل (لمضخات المياه) في بيارات عربية- ... مع ذلك إستمر النهب الشخصي)). ورد في تقرير القائم [على أملاك الغائبين]: ((إن عملية واسعة الحجم لتفكيك المحركات جرت في كل المناطق. نظراً الى الضرورة الملحة، نفذت المكومة عملية لتجميع كل المحركات الموجودة في مضخات المياه في البيارات المتروكة بسبب السرقات الهائلة، وكي يصبح تشغيلها ممكنا وقت الحاجة)). وفي جلسة الحكومة أيضاً تحدث تسيزلينغ عن نهب المضخات في البيارات. إن تسيزلينغ من جانبه سيمثل، كالآخرين، مصالح محددة جداً. لقد إقترح عليه وزير العدل، روزين، التوجه الى المزارع - ومن بينها مزارع حزبه - ومطالبتها بالتعاون مع القائم [على أملاك الغائبين] طبقاً للأنظمة التي نشرت في هذا الأثناء، والتي توجب على كل من يحتفظ بممتلكات متروكة إبلاغ السلطات بذلك غضون اُسبوعين.
رد وزير الزراعة، وهو من أبناء عين حرود [المقامة على أنقاض قرية قومية الفلسطينية]، أنه ((ليس من السهل)) عليه التوجه الى المزارع بهذا الشأن. وفي جلسة للجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة أوضح تسيزلنغ بعدم إتخاذ إجراءات ضد رجال المزارع الذين ((سيتأخرون)) في تسجيل الممتلكات خلافاً للأنظمة. وتمت الموافقة على توصيته. وقد كلفه زملاؤه الإجتماع مع أمانات السر القطرية لمنظمات الإستيطان، ومع وزير المالية كابلان ((للتحادث في شان هذا الموضوع)).
أفلح الجيش حين وصول شفرير الى بئر السبع، بعد يومين من إحتلالها، في أن ينقل من المدينة بضعة جرارات، وترك البعض اللآخر في مكانه لينقلها رجال القائم على أملاك العدو ((للتخزين)) في المزارع المجاورة. وذكر شفرير في اللجنة الوزارية: ((يجب الإفتراض أن وزارة الزراعة لا تريد إخراجها [الجرارات] من منطقة النقب، وستكون هنالك حاجة الى توزيعها على المزارع)). وذكر في تقريره أن أدوات وأجهزة زراعية بيعت بموجب توصيات من وزارة الزراعة. وبعد فترة وجيزة أصدر بن-غوريون تعليمات ((للتحقيق في كل مزارع الجليل الأعلى والجليل الأسفل - كيبوتسات، وموشافيم، وموشافات- عن قطعان (بقر وغنم) متروكة والممتلكات الأخرى التى اُخذت من القرى العربية في أيام الإحتلال وبعدها -كالغلال، والمفروشات، وكل انواع الحاجات- وتقديم قائمة مُفصلة بها الى وزير الدفاع)).
بعد بضعة أيام من إحتلال يافا خرج غيورا يوسفتال، المسؤول عن قسم الإستيعاب في الوكالة اليهودية، لتقدير عدد المهاجرين الذين يمكن توطينهم في المدينة. كان الكثير من شوارع المدينة خالياً من الناس لدى وصوله، والبيوت مهجورة، والحوانيت مقفلة. الأجواء لا تزال مشبعة برائحة الحرب وبشيء من أثر الحياة التي إزدهرت هنا من قبل. كان يوسفتال، ((ييكه[لقب يطلق على المهاجرين اليهود من ألمانية النازية])) طويل القامة، صارماً ومستقيماً، تزود بوثائق مختلفة بينها واحدة من القائم على أملاك العدو واُخرى من بن-غوريون نفسه، الذين وافقا على تخصيص يافا لإسكان المهاجرين اليهود. وقد سجل بن-غوريون في مذكراته: ((ستكون يافا مدينة يهودية، الحرب هي الحرب)). وقد شكل يوسفتال في مكتبه ((لجنة إسكان)) كلفها توزيع منازل المدينة على المهاجرين طبقا لمعايير ومقاييس حددها (مُسبقا)ً. لكن الوقت لم يكن وقت لجان ومقاييس، لقد سقطت بيوت يافا في أيدي الذين وصلول إليها أولاً.
يقول شفرير:
((مع تزايد الهجرة في صيف 1948، بدأت المؤسسات المعنية بها، وكذلك المهاجرون أنفسهم، المطالبة بتحرير أجزاء من المدينة التي كانت مُحتلة والتي لم تخل منها البضائع، بعد، من مخازنها وحوانيتها، بالأضافة للورش والمصانع: في حيفا بدأ مكتب المراقب تسليم مساكن لقسم الإستيعاب التابع للوكالة اليهودية في شهر تموز/يوليو. وكان المقصود أن تسلم المساكن والمتاجر، منطقة بعد منطقة، كلما اُخليت البضائع منها. لكن هذا النظام لم يدم، فقد اُرشدت مئات العائلات من المُهاجرين الى غزو المساكن، الأمر الذي تسبب بفوضى سواء في جمع البضائع أو في توزيع المساكن. وفي يافا كان الوضع أسوأ أضعافا، فقد تقرر فتح جزء من المدينة في 10 أيلول /سبتمبر، وتقرر أيضاً توزيع معين للمنازل على قسم الإستيعاب، وعلى مؤسسات الجيش، وعلى موظفي الحكومة الذين نقلوا الى القدس، وعلى أبناء المزارع المُخلاة الذين أقاموا حتى ذلك الحين في المدارس بتل أبيب، وعلى عائلات الجنود. لكن قسم الإستيعاب في تل أبيب خرق النظام ونظم ... قبل الموعد الذي تحدد لفتح المدينة لإستيعاب المواطنين. وكلفة الحكومة لجنة لمعالجة توزيع المساكن في يافا، وعقدت هذه اللجنة جلسات توصلت بعدها الى إستنتاجات موثوق بها، لكن الضباط الذين كُلفوا بالمساعدة خرقوا النظام، فسمحوا لمئات من عائلات الجنود بغزو المدينة، وهكذا تعرضت يافا لغزوات وغزوات مضادة)).

نفى قسم الإستيعاب هذه الأمور بشدة. وبحسب قوله، فإن وزارة الدفاع هي التي حاولت السيطرة على المنازل التي خصصت للمهاجرين.



صورة نادرة لقرية يازور (محافظة يافا) بعد إحتلالها ويظهر مُهاجرين يهود فيها. 1949
وطبقا لما كان مألوفا، من ينجح في وضع سرير في غرفة ويمضي ليلة فيها، يستولي عليها. وذات يوم ظهر إبراهيم عامشاليم، 19 عاما، في منزل محمد أبو صيرا في حي العجمي. وبعد أن هدد العربي برشاش، إقتحم المنزل. وقدم هذا الشاب الى المحكمة، حيث شرح للمحكه أنه على وشك الزواج ولا يملك منزلاً. فحكم علية بالسجن خمسة أيام. وقبل ذلك ببضعة أسابيع, غزا بضع عشرات من الجنود مساكن العرب في حي النسناس وشارع عباس في حيفا. فقد خرجوا في الساعة السادسة فجراً، مُدججين بالأسلحة، وأخرجوا السكان العرب بالقوة وألقوا أمتعتهم في الشارع ثم أدخلوا أمتعتهم في منازل العرب. وكان بينهم جنود من مشوهي الحرب. وقد أخرجتهم الشرطة، لكنهم عادوا في المساء فغزوا مساكن اُخرى، هم أيضاً لم يكن لهم منازل. لم يتوقف العنف على البيوت العربية: فموشيه يوفيطار أخذ مسكنه من القائم على أملاك العدو، ومع ذلك بقي يتعرض للإزعاج كما روى، أشخاص يأتون الى المساكن جماعات من إثنين أو ثلاثة، يقدمون أنفسهم كموظفين في الوكالة اليهودية، ويطلبون رؤية الغرف، ويعاينون عقد الإيجار، ويطرحون أسئلة: كم نسمة تقيم في هذه الغرقة وكم في تلك. عرف يوفيطار أنهم ليسوا من موظفي الوكالة. وإنتهت زيارتهم، في غير مرة، بالشتائم والتهديدات. خاف يوفيطار: ((لا يوجد من أتوجه إليه)). وشكا: ((لا يوجد شرطة مدنية، والشرطة العسكرية بعيدة عن هنا)). وكتب القائم على أملاك العدو، شفرير، ما يلي: ((مُساعدة الشرطة محدودة، والشرطة العسكرية كأنها غير موجودة)). وجند شفرير، بموافقة وزارة الشرطة، عدة أفراد من الشرطة على حساب مكتبه)).
في الإجمال سكن المنازل المتروكة بين 140 ألف و160 ألف مُهاجر يهودي وسكن المنازل المتروكة في يافا نحو 45 ألف مُهاجر، والمدينة السفلى في حيفا 40 ألف، وعكا نحو 5 ألآف. كان الشخص اللذي كُلف بإسكان عكا مُرخاي ساريد، الذي روى فيما بعد:
((إنكببنا على إحدى الخرائط، وعُرفت البيوت التي سأستلمها. عملت مع مهندسين، وقررنا ما نفعله في كل مسكن. هنا أحواض، وهناك تبيض.هنا تبليط، وهنالك مجارير)). لقد نفذت أعمال الترميم على حساب الوكالة اليهودية. وألزم القائم على أملاك العدو إعادة الأموال من إيجار المسكن الذي يجبيه من المهاجرين ويذكر ساريد انه في إحدى الأيام إهتم بسلامة المهاجرين، واُبلغ أنهم ((يتدبرون أمرهم)). أجاب حسناًً، فليتدبروا أمرهم. وشرح له أحد مُساعديه معنى ذلك: ((إنهم يسحبون الطاولات والخزائن من البيوت المتروكة)). وهذا ما سُمي عندهم بتدبير الأمر. ((ذهل ساريد كثيراً)) على حد قوله، وإستدعى النافذين من المُهاجرين وطلب منهم إعادة كل الممتلكات المسروقة. وعلى حد قوله، اُعيد ((كل شيء تقريباً)).
أكد بن-غوريون في إحدى جلسات الحكومة، أنه على علم بخطة إخلاء عكا من سكانها العرب ((لمناسبة إقتراب الجبهة)). وقال ان الحكومة كلها ستجبر على أخذ قرار بتنفيذ الإخلاء. إن قرار إسكان عكا بالمهاجرين إتخذ في اللجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة قبل نحو عشرة أسابيع.
أرسل مُرداخاي ألكاييم لتنظيم توطين المهاجرين في الرملة. وكانت خطوته الأولى ان بتفقد المدينة برفقة عاملين إجتماعيين. ثم نظم بعد ذلك عملية التوطين، بالتعاون مع حاكم المدينة العسكري، في منطقة تلي الأخرى. وروى فيما بعد:
((قررنا ان نبدأ بمنطقة مُعينة، لم يكن هنالك كهرباء لكن المياه كانت مُتوفرة. ولم تكن المنازل في حالة سيئة. والترميم لا يحتاج الى وقت طويل. بعد ثلاثة أيام وصل أوائل المهاجرين -36 عائلة من أصل بلغاري. أتى ألكاييم الرملة من دون طاقم، عدا مُساعدينن إثنين. وجند موظفيه من المهاجرين أنفسهم. كانت مهمتهم التجول بين المنازل الخالية، لتسجيل عدد الشقق في كل بيت وتحديد العائلات التي ستسكنها. وعندما وصل المُهاجرون كان رجال ألكاييم يقودونهم االى الشقق، ويوزعون عليهم الغرف، ويحددون إستخدام الخدمات. قال ألكاييم: ((اُلصق على كل باب إسم العائلة وعدد الغرف التي في عهدتها، كي لا تتمكن من غزو غرف اُخرى)). وطبقاً لأقواله أشترى المهاجرون أثاثهم من القائم [على أملاك الغائبين] وهناك من حمل معه شيئاً ما من خارج البلد. لكن عندما سُئل عما إذا كان هناك من سرق من أثاث العرب أجاب: ((طبعاًً كانت هناك فوضى غير قليلة. إشتروا وصادروا، وفي اية حال تدبروا أنفسهم. ووجدت طلائعهم بقايا أثاث هنا وهناك، في حين لم يجد المتأخرون ما يبحثون عنه)). هناك مهاجرون دخلوا عنوة غرفاً لم تكن مُخصصة لهم. بمساعدة الجيش، اُجبرنا على إخلائهم بالقوة.
حتى نهاية السنة وُزع على المُهاجرين في الرملة نحو 600 حانوت. لم يكن لدى ألكاييم فكرة عما تحتاج إليه المدينة، وبناء على ذلك ذهب الى تل أبيب. وروى فيما بعد: ((تجولت في الشوارع، وأعددت قائمة بكل أنواع الحوانيت، وقدرت عدد محلات البقالة التي يجب أن نفتحها، وكذلك الملاحم، وصالونات الحلاقة، والمقاهي)). ووزعت المحلات، طبقا لقوله، بناء على قرار اللجنة وأخذ في عين الإعتبار الجنود ومشوهي الحرب بصورة خاصة، لكن بعضها تم تأجيره للمن يستطيع دفع الإيجار. وحتى أيار/مايو 1949، كان قد اُسكن في الرملة نحو 8,000 شخص وفي اللد نحو 8,000 شخص. في أيار/مايو 1949 أيضاً، كان تيار الكهرباء مقطوعاً، وكان هناك نقص في المياه، لكن معظم الأحزاب أفلحت في فتح فروع وأندية له في المدينة. ومن الأملاك التي سُلمت للمهاجرين أيضاً، مصنع لصنع الأزرار، ومعمل للمرطبات، ومصانع لإنتاج السجق والثلج والأقمشة والمعكرونة.

صورة نادرة لاسرائيليين وهم ينهبون حي المُصرارة في القدس الشريف- نهاية 1948


هذا ما حدث في القدس أيضاً، ففي نيسان/إبريل تقرر تخصيص 400 مسكن لموظفي الحكومة الذين سينقلون الى القدس. لقد مُنحوا أولوية السكن في حي البقعة وفي الحي الألماني والحي اليوناني. وتسلم قسم الإستيعاب منازل حي المُصرارة وقرية لفتا. وقد عُين شاؤول أفيغور،أحد مساعدي بن-غوريون المقربين، حكماً نهائياً في حال الخلافات. لم يرد في وثيقة التوزيع هذه، كما درجت العادة، ذكر للمنازل الموجودة في حي الطالبية الفاخر التي وزعت على موظفين كبار ومقربين وذوي علاقة على مُختلف أنواعهم: موظفي الحكومة، قضاة، أساتذة في الجامعة العبرية وأمثالهم. وفي القدس أيضاً ((دُفع مئات الأفراد الى غزو)) المنازل الفارغة. مركز المُهاجرين في البقعة أرسل المهاجرون لللإستيلاء على مساكن خصصت لموظفي الحكومة وأمثالهم. غزا المئات من الأفراد مساكن من تلقاء أنفسهم. وتحفظ في ملفات قسم الإستيعاب أسماء الغزاة والى جانبهم توصيات بالسماح لهم بالبقاء في المساكن التي صادروها، كمن نالها قانونيا: ((كلاين موشيه: تاريخ الهجرة 22/7/1949، بلد الأصل هننغاريا، عدد الأنفس 4، دخل عنوة في 21/12/1949 المجموعة رقم 160، قسيمة رقم 302، عدد الغرف 2، تاريخ التوصية 25/1/1950،عميرام مسعود: هاجر في 1/3/1949، بلد الأصل الجزائر، عدد الأنفس 8، دخل عنوة في 23/8/1949 المجموعة رقم 112 قسيمة رقم 13، عدد الغرف 2، تاريخ التوصية 24/1/1950)). ويبدو أن التوصية كانت في الأساس إجراء شكلياً. وحذر يتسحاق بن تسيفي:

(( إذا ذهبنا الى رؤساء الطوائف اليهودية لجمع التبرعات في خارج البلد سيُطرح السؤال أيضاً عن كيفية إستغلال المساكن العربية التي اُخليت. فقد اُخلي أكثر من 400 ألف مسكن، واُسكن فيها 70 ألفاً من المُهاجرون فقط. قد يُفسر هذا كإهمال من جانبنا، فإستغلال الأماكن المتروكة ضروري)).
إن عشرات الآلاف من الأسرائيليين، جنوداً ومدنيين، نالوا قسطهم من الغنائم. واحد صادر مقعد وآخربساطاً، وواحد أخذ آلة حياكة والثاني آلة حصاد، وواحد إستولى على مسكن وآخر على كرم زيتون. وبسرعة فائقة ومن دون صعوبة، ولدت خلال ذلك طبقة -بالتأكيد صغيرة جداً- من الأغنياء الجدد، والتجار، والسماسرة، والمقاولين، والوسطاء على أنواعهم، والصناعيين والزارعيين. هناك ما أخذ ما أخذ بالسرقة، وهناك من نال من نال بالقانون، عُقد جزء كبير من هذه الصفقات في إجرائات لم يبت بها القانون (ما بين المحظور والمسموح به، ما بين ما هو منهوب وما بين ما هو مصادر). كانت هناك لجنة لأملاك العرب عينتها الهاغاناه قبل تعيين القائم على أملاك العدو. ومع إحتلال حيفا وطبرية وصفد ويافا والقدس، عينوا مُحاميين محليين للإشراف على الأملاك المتروكة. لقد قرروا تركيز الرقابة في يد واحدة وزيادة نجاعتها نتيجة كثرة الأملاك وتكاثر النهب: في عهد الإنتداب كان في البلد قائم كان يشرف على ممتلكات ألمانية وغيرها. وفي الأشهر الأولى رأوا في القائم على أملاك الألمان وصيا ذا مهمة مؤقتة فقط: كانت وظيفته الحفاظ على الأملاك التي أتركها اللاجئون الألمان وصيانتها جيداً الى أن يعودوا وتعاد أملاكهم اليهم. إن أنظمة الطوارئ التي إستخدمت اساسا لأعمال القائم على أملاك العدو، قيدت صلاحياته. فكان محظوراً عليه بيع الممتلكات التي إحتفظ فيها، [ويجوز] له فقط تأجيرها لفترة لا تزيد عن خمسة سنوات، ولم يُنتزع من اللاجئين حق الملكية. لكن في معظم الحالات لم يسمح لهم بالعودة، ولم تعتزم إسرائيل أن تعيد اليهم ممتلكاتهم. صحيح أن الدولة أعلنت إستعدادها لتعويضهم من ممتلكاتهم، لكن في إطار إتفاق سلام شامل فقط. وقد إنشغل ديفيد بن-غوريون أيضاً، قبل إنشاء الدولة، بمصير ممتلكات العدو، وقرر آنذاك أن ((الممتلكات هي للحكومة)). لقد إهتم رئيس الحكومة كثيرا بطرق مصادرة حق مُلكية الأملاك المتروكة، وأكثر من إستدعاء مستشارين قانونيين وخبراء آخرين وبحث معهم في مختلف الإحتمالات. وسجل في مُذكرته:
((...إن القانون يقيد الحكومة في الإستعمال الفعّال والثابت للمتلكات، لكن الحكومة تتصرف عملياً في الممتلكات كما تشاء من دون اُسس قانونية. حتى أنها باعت مليون دونم للكيريم كاييمت (الصندوق القومي اليهودي). في هذه الأثناء عاد بعض العرب وعزموا على رفع دعاوي. وإقترح (يعقوب شمعون) شابيرا (مُستشار الحكومة القضائي) تغيير قانون الأراضي وإدخال بند يجيز للحكومة حق تملك الأملاك المتروكة. أما (زالمان) ليفشيتس فإعتقد أن هذا غير جيد ويجب وضع قانون خاص، إذ يجب عدم إستخدام قانون للمصادرة، لأن قانون كهذا يستوجب مدفوعات بحسب أسعار السوق. سألت شابيرا: إذا وضعنا قانون طوارئ (من دون الكنيسيت)، تنتهي صلاحيته بعد نحو ثلاثة أشهر، ينص على أن القائم على أملاك العدو مُخول بنقل الأملاك المتروكة الى سلطة الإعمار. وستحدد الحكومة سلطة الإعمار في وزارة الزراعة أو في وزارة اُخرى (وتنقل الممتلكات فوراً) الى هذه السلطة وبعد ثلاثة اشهر يبطل مفعول القانون. لأنه من غير المرغوب فيه إجراء نقاش علني في الكنيسيت: هل سيكون هناك مفعول قانوني حتى بعد ثلاثة أشهر على النقل؟ أجاب شبيرا نعم. وكلفنا كلا من شابيرا، ودولك (د. هوروفيتش)، وشفرير، وليفشيتس، إعداد القانون. لقد بدا (للحاضرين) أن من الأفضل أن يمر القانون في الكنيسيت)).


صورة نادرة في ليافا بعد إحتلالها ويظهر مُهاجرين يهود في المقدمة ويظهر جامع حسن بيك في الخلف. 1949

بدءاً من النصف الثاني لسنة 1948 عملت وزارة العدل على صوغ قانون الخاص بأملاك الغائبين، الذين أستهدف إشراك القائم على الأملاك في مُلكية الممتلكات التي إحتفظ بها حتى ذلك الحين كوصي، أي مصادرتها من أصحابها السابقين، وتخويله نقلها الى ((سلطة الإعمار)) التي كان من المفترض إقامتها لهذه الغاية بقانون آخر. لقد عرّف مشروع وزارة العدل مُصطلح ((غائب)) بمعناه الحرفي كمن غاب، أي كل من لم يعد موجوداً على اراضي الدولة. وعندما ناقشت اللجنة الوزارية مسودة المشروع طلب موشيه شاريت تعديلها، وتعريف الغائب بأنه كل من هجر منزله بعد تاريخ 29/11/1947 بغض النظرعن مكان تواجده بعد ذلك. لقد أشار في أثناء ذلك الى الآف اللاجئين الذين هجروا قراهم وقطنوا في الناصرة: إذا لم يعرّفوا كغائبين فسيكون من الواجب السماح لهم بالعودة الى منازلهم. وطرح شاريت أيضاً فرضية إحتلال إسرائيل لمدينة نابلس في المستقبل: كان ذلك، طبقاً لأقواله، ((إحتمالاً منطقياً)). وبذلك الدولة ستعيد الى تخومها آلافاً من اللاجئين، وسيطلب هؤلاء العودة الى أمكانهم وتُسلم الممتلكات التي تركوها. لقد قُبل موقف شاريت، وطبقاً لذلك عُدّل التعريف الوارد في مشروع القانون وشمل كل من ترك ((مكان سكنه المألوف)) حتى ولو كان لايزال يقطن في إسرائيل. بعد زمن كتب شاريت الى سكريتير الحكومة: ((علمت الآن ان وزير الأقليات أعلن ... انه يجيب، في رأيه، الطعن بقرار اللجنة وطرح القضية في جلسة الحكومة. وربما أنه من شبه المؤكد أنني لم أتمكن من الإشتراك في جلسة الحكومة التي سيبحث فيها إعتراض وزير الأقليات بسبب غيابي عن البلد، أطلب تسجيل إصراري الشديد....)) وبقي التعديل كما كان. بعد نحو اُسبوعين، إقترح بن-غوريون تخويل الوكالة اليهودية صلاحبة مُصادرة أراضي غير مزروعة من أجل إستيطان المهاجرين الجدد. بعد فترة وجيزة من تخويل القائم [على أملاك الغائبين] صلاحية بيعها للكيرن كاييمت (الصندوق القومي اليهودي). لقد نفذت الصفقة بموجب مجموعة من الإتفاقات وقعت بين حكومة إسرائيل وهذه المؤسسات. وبذلك صودر أكثر من مليوني دنم من أصحابها العرب. إن بضعة الآف منهم سكنوا إسرائيل، وعرّفهم القانون كغائبين. وعلى الرغم من أنهم تركوا منازلهم أياما معدودة فقط، عندما إنتقلوا الى أقاربهم في القرية المجاورة او في المدينة القديمة حتى إنتهاء المعارك، فقد تم تعريفهم ((كغائبين حاضرين)). ولم يسمح لمعظمهم بالعودة الى منازلهم، وحتى اُولائك اللاجئين الذين سمح لهم بالعودة الى الأراضي إسرائيل بقيوا كغائبين طبقا للقانون، ولم تعد ممتلكاتهم لهم. لكن سكان قرى المثلث، الذين ضموا الى أراضي إسرائيل في إطار إتفاق الهدنة مع الأردن، لم يعتبروا بصورة عامة كغائبين، وإعتبرت أراضيهم التي أصبحت إسرائليلة نتيجة إتفاق الهدنة مع الأردن ممتلكات لهم. أما تلك الأجزاء من أراضيهم التي كانت قد إحتلت قبل ضم المثلث، فقد إعتبرت كممتلكات غائبين، ولم يُعد مُعظمها الى أصحابها. في النصف الثاني من سنة 1951، قدم تقرير يفيد بأن 9 قرى من قرى المثلث البالغة 20 قرية، هي قرى متروكة، ويقيم في باقي القرى 20 االف نسمة تقريباً. ومن أصل 107 ألف دونم في المثلث، يعود نحو 61 ألف منها الى سكان (حاضرين)، 46 ألفاً الى غائبين -بعضهم ((غائب حاضر)). كما أن ما يقارب من 20 ألف دونم من أراضي الغائبين كان مؤجرا لعرب والباقي ليهود.
تحفظ في أحد الملفات مكتب رئيس الحكومة مراسلات بين بعض وزراء الحكومة، يتصدرها طلب تقدم به محام عربي من حيفا، إلياس كوسا، الى عضو الكنيست دافيد هكوهين، يطلب فيه معرفة ما هو حكم غائب سُمح له بالعودة الى إسرائيل في إطار مشروع جمع الشمل العائلي، وبعد عودته وضع يده على ممتلكات لم تكن له قبل هجرته، سواء بطريقة الشراء أو الوراثة أو بأية طريقة اُخرى. وقرر وزير العدل روزين أن الغائب يبقى غائباً الى الأبد، إلا إذا تسلم شهادة بأنه ليس غائباً، وما دام غائباً فإن ممتلكاته هي ممتلكات القائم على أملاك العدو، وليس مهما متى حصل على أملاكه وكيف. وقد إعترض وزير الشرطة على هذا التفسير، وبعد أيام عُدل القانون كي يتاح أيضاً الى((الغائبين الحاضرين)) تملك ممتلكات جديدة. ومن غرائب القانون أيضاً، التي وردت على لسان عضو الكنيست يوحنا بادر من ((حزب حيروت)) (قوله) : ((بناء على هذا القانون فإن جيش الدفاع الإسرائيلي هو جيش مكزن من غائبين .... فحكم كل شخص من البلماح خرج الى الحرب بعد 29 تشرين ثاني/نوفيمبر 1947 أو في اليوم نفسه، أي ترك مدينته، هو كحكم الغائب، ما لم يتسلم وثيقة أنه ليس غائباً)). وكذلك جمّدت أملاك الوقف الإسلامي، أيضا، كأنها كانت أملاك غائبين. لأن أملاك الوقف، بحسب الشرع الأسلامي، هي مُلك لله: ((الله أصبح غائباً!)). كما كتب ذلك الشاعر العربي راشد حسين في إحدى قصائده.
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة نوح ; 01-04-2010 الساعة 10:37 AM
نوح غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس