عرض مشاركة واحدة
قديم 08-17-2009
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي نفحات من اللهجة الديرية

دراسات لغوية نفحات من اللهجة الديرية


د . زهير حسون

في هذا البحث استطاع الدكتور الباحث زهير حسون من خلال تعامله مع انتروبلوجيا اللغة تفجير الكثير من المعطيات التاريخية المتعلقة بالتراث الاجتماعي والفكري والأخلاقي في منطقة الفرات ، مثلما فجر فينا نحن ذكريات الماضي وفتح أبوابها على الكثير

من القضايا ذاتها التي علمنا إياها وزرعها فينا من غادرنا من أهلنا الذين أحببناهم... لقد كان الباحث فيما قدم هنا أديبا وفقيه لغة وقاصا بارعا .‏

عدنان عويد‏

الفرات وحرصا منها على تعميم الفائدة تنشر هذه المحاضرة التي ألقاها الباحث الدكتور زهير حسون في أصبوحة أدبية بفرع اتحاد الكتاب العرب بدير الزور .‏

ستتناولُ مقالتي هذه فصيحَ لهجتِنا والتي يحاول بعضُ مثقفينا إنكارَها علينا بينما يحاول متشدقو التحضرِ والتقدمِ والمنادون بهِما استبدالَ هذا الفصيحِ رغم جمالِه بلهجاتٍ ولكناتٍ ممجوجةٍ لاتمتُ إلى العربيةِ بصلة ، وأصبوحتي هذه هي نُتفٌ من بحثٍ طويل مسندٍ بالشواهد والأدلّةِ والمراجعِ ، تناول اللهجةَ الديرية كما نطق بها الأوائل ، ويؤكد ذلك أشعارُهم وأمثالُهم وأمهاتُ كتبِهم ، بل وما جاء به قرآنُنا العظيمُ مؤكداً صحةَ وفصاحةَ الكثيرِ من مفرداتِها .‏

وأنا لست من دعاةِ العاميّة ، بل على العكس ، من المدافعين عن العربية حتى العظم ، لجمالِها أولاً ولأنني عربيٌ ولأنها لغةُ القرآنِ كما قال رسولُنا العظيم (ص) .‏

وإذا ما جِلتُ بذاكرتي بين مكوناتِ وجودِنا كالأرض والإنسان وتراثِه وثقافتِه التي تشكلُ اللغةُ ـ واللهجةُ جزءٌ منها ـ عاملََها الأساسَ فسأجدُ المفرداتِ المتعلقةَ بالأرضِ وقد تغيرت ، فالحارةُ والزابوقُ والجادّةُ والخرابةُ والقرنةُ محطاتُ ألعابِنا الشعبيةِ ، من الضايع والغمييةِ إلى الحوري والمستراحِ ، مفرداتٌ يجهلها تماماً جيلُ اليوم . وبات الفراتُ العظيم غريباً بفرعيه النهرين ، بحويقتِه وحويجاتِه وجسريِّه الصغيرِ والكبيرِ أو إن شئت قل : العتيق والجديد ، أما كسرُه وعصعوصُه وماردُه ومعبارُه وجرفُه ، وتلّة الديرِ التي تعتليه ، والزحلقينات المنصبةُ على واديه ، فعندما تتحدثُ عنها فكأنك تتحدث عن نهرِ آخرَ من أنهارِ الدنيا العجابِ ، ولم يُبقِ الدهرُ منها إلا مخاضاتِه ، ومع هذا فالذكرى عنه جميلةٌ حتى وهي تحمل بين طياتِها صورةَ أمٍ هَبِلَت لفقدِ ابنها الذي بلعته مياهه ، صورتُها وهي مباريةٌ الشطِّ ، حاملةً رغيفَ الخبزِ تلقّمُه النهرَ ، ليُخرجَ لها ابنَها بعد طولِ انتظارٍ ، ثم ترضى منه بعد أن أيَّست بجثة تُدفن في قبرٍ معلومٌ صاحبُه على الأقل .‏

أما صورة بيوتِنا القديمةُ ذات التكييف الرباني ، بما حوته من رواقٍ وكاشفٍ وعليّةٍ وطنيرةٍ وسراديبَ كانت غرفَ مونتِنا وأماكنَ قايلتنا التي ننام فيها نوماتٍ هانئةٍ مخشفين ومفنخرين . أما مشراقتُه وبسطتُه ، فكن أريحياً في حديثك عنها . ومع تلكَ الصور تجيء دكة رمضان وصبّة الجيران لتعكس علاقاتٍ اجتماعيةً وتكافليةً صادقةُ ، وتعبقَ بمشاعرَ أخويةٍ صادقةٍ يفوح عبقُها ، نفتقدها اليومَ حتى ضمنَ أسرِنا الصغيرةِ ، نتمنى عودتَها من القلبِ ، فهي لم تعدْ موجودةً إلا في حكاياتِ من بقى من الجدات وهنَّ يقُلنَ لك : لاعشتُ ولاعاش قلبي وعمري ، وقربانه وفِدوة ، وعزّ ، وعزا ببيتها ، وهي تتحدث لك عن عزيزٍ أو عزيزةٍ ، أو وهي تتكلمُ لك عن زواجِها وهي حييِِّةٌ محتشمةٌ لما رافقه بِدءاً من الخطابّةِ إلى الزفّةِ وما بينهما من طقوسٍ : من الحفّافةِ إلى الحوّافة إلى الصمْدةِ والزفّافةِ إلى سفطِ ذهبها الزغير ، وصندوقِ هدومها المعظم . أو عن ابنِها وطَهورِه ، وكيف كانت تناغيه أو تهدي له الهديواتِ أو لما صار يدرجُ، أو ذهابِِه للكُتّابِ وما رافقَ ذلك من أهازيجَ جميلةٍ مازالت حافظتُها تذكُرُها بكفاءةٍ ودقةٍ ، ثم روحتِه للإجباري ، ثم خطبتِه وزواجِه ، وقد تحدثُك عن وفاتُه ، وما رافقها من معادةٍ ونعيواتٍ وهكذا .‏

وأجدني أمام إبداعٍ فطريٍ رائعٍ للديرية الأولى وهي تستعيرُ من محيطِها مفرداتٍ رائعةً وظّفتها في حياتِها اليوميةٍ ثم ورّثـتها لحفيداتِها من جداتِنا وأمهاتِنا ، لتقولَ لك الواحدة منهن مثلاُ متأسيةُ على أطفالٍ تركهمْ معيلُهم وغادر الحياةََ الدنيا ، مستعيرةً الصورةََ من محيطِها الصحراوي ، وقد أحاطت به رمالُها : مساكين لساهم دكك أو دكداك . أو وهي تصفُ لك الماءَ وهو يدلعب ، والدَّعْلبةُ والدِّعلبة هي الناقةُ السريعةُ . ولا أنسى أن أُبدي إعجابي بمفرداتٍ كثيرةٍ ، منعني احترامي للذوقِ الاجتماعي من الخوضِ في تفاصيلها رغم روعةِ اشتقاقِها ودقةِّ استخدامِها , وأذكر منها: ركراكة وجفت وغيرهما.‏

ومن لهجتنا ماجاء فصيحاً استخدمناه كما هو كما في قولنا :‏

استلغى ، استمكن ، استهشّ ، أمر مني ، انزوى ، تمسكن وتبكبك ، جمغ ، زين وشين ، سقيع ورقيع ، كفخ ،‏

لخّ ولاخ ولبّة ولوله ، وهبد وهطر ، ملخ وممحلة وممحي ومصدّق ومصران ومحش ، نسيب ، ياخيبتي ، و يحط ويشيل ، يصول ويجول والكثير الكثير .‏

ومنه ما جاء مستبدِلاً حرفاً من الفصيح مثل : انجطل وصحيحها انجدل ، وأنجص وصحيحها أنشص ، وحنجلة وصحيحها حنكلة ، ومكنفش وصحيحها مقنفش .‏

ومنه ما جاء على الضّدِ كما في قولنا عن المُقعدِ تيمناً : مقعطل والقَعْطلُ هو السريع ، أو البوش عن الفارغِ والبَوْشُ هو الكثير .‏

وبعد أن قدمت صورةً بسيطةٍ للهجتِنا ودورِها في التوثيقِ لبعضِ مراحلِ حياتِنا الاجتماعيةِ وتصويرِها ــ والتراثُ اللهجيُّ تسجيلُ أمينٌ لهذا ــ سأحاول وبإيجاز أيضاً أن أُوردَ فنوناً حرفية وصوتية أدّت إلى تنوعِ لهجتِنا وشموليتِها ، بعد أن أَسقطتُ ذلك على العربيةِ .‏

وفي ذلك كلِه أنا أتحدثُ عن لهجة المدينةِ فقط ، وأوردتُ وأُوردُ ما ثبتَ فصاحتُه في كلامِ العربِ ، شعرِه ونثرِه وحِكَمِهم ووصاياهُم ، ثم ما في القرآنِ الكريمِ وقراءاتِه ، صحيحِها وشاذِّها ، التي وجدتْ مَنْ احتجّ لها ووثقَ (كابن جنّي ) . وقال أبو حيّان : والقراءاتُ جاءتْ على لغةِ العربِ قياسِها وشاذِّها.‏

فما فنونُ العربيةِ التي أسقطتها على لهجتِنا ؟ هذا ما سنقرؤه في عدد الغد ان شاء الله‏



جريدة الفرات
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس