عرض مشاركة واحدة
قديم 03-31-2009
  #18
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين

فصل


"ما ذكرته أنّ الله تعالى هو المسمَّي له محمداً ــــ صلى الله عليه وسلم وهو المقطوع به من اعتناء مولاه له، وهو المنقول في سِيره عليه السّلام.


رُوي من طريق أبي جعفر محمد بن عليّ، من طريق ابن سعد قال: أُمرت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم ــــ أن تُسَمّيه أحمد.


وروى ابنُ إسحاق أنّها سمعت، حين حَملت به، قائلاً يقول لها: إِنك حملتتِ بسيّد هذه الأُمَّة. وفيه: إذا وضعْتِه فِسمته محمداً. فالآثارُ الكثيرة دالّة على أنّ الاسم الكريم، اختاره له ربَّه، وخصَّه بهِ وشهَره به في أرضِه، فكان اسمه فيها محمداً؛ وجعل اسمه في السماء أحمد، وجعل اسمه في البحار الماحي.


ويُروى أن آدم عليه السلام، سأل ربه عز وجل: لأيّ شيءٍ سمّيته في الأرض محمّداً وفي السماء أحمد (9ب) فأجابه ربّ العزة: لأنّ أهل المشرق والمغرب يتبعونه، ويحمدونه ويثنون عليه، فسميَّتُهُ في الأَرض محمّداً، وأهل السّماء من الملائكة قد حمدوا ربّهم، وأثنوا عليه. فكان محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ أَحْمَدُهم لربة فَسُمّي في السماءِ أحمد.


وكذا وجدتُه في بعض الآثار، ومشهور الإِخبار، أن اسمه في السَّماء أحمد، وفي الأرض محمدٌ، وفي البحار الماحي، وآدم عليه السّلام سأل عن سرّ تسمية نبينا ومولانا محمّد صلى الله عليه وسلم بالأسمين الشريفين في الأرض والسَّماء.


وأجابَ ربّ العزة، جل جلاله العالمُ بخفيّات الأمور بجوابٍ شَفى به الصدور؛ ولم يسألة آدم عليه السلام عن تخصيص اسمه (الماحي في البحار)، مع أنَّ الأثر الذي يسأل عن تخصيصه به موجودٌ فيه: (في البحار).


ولعلّ آدم عليه الصَّلاة والسَّلامَ رآه أمراً بيّناً، جليّاً، وفهم معناه، وكان عنده مَرْضِيّاً، في بعض الرّوايات بقوله: «الذي يَمْحُو بي اللَّه الكفر»، وظهر لي جوابٌ ــــ فتَح اللّه به ــــ في تخصيصه بالماحي في البحار، أذكره ــــ إن شاء الله ــــ في اسمه الماحي ــــ صلى الله عليه وسلم.


وصاحب الاكتفا ــــ رحمه الله ــــ قال:


يُروى أنّ عبد المطلب إنّما سمّاه محمّداً لرؤيا ــــ زَعموا أنّه رآها في منامه ــــ: كأنّ سلسلة من فضّةٍ خَرجت من ظهره لها طرفٌ في السَّماء، وطرفٌ في الأرض، وطرفٌ في المشرق وطرفٌ في المغرب، ثم عادت وكأَنها شَجرة على كلّ ورقة منها نُور، وإذا أهلُ المشرق والمغرب يتعلّقون بها. فقصَّها، فَفُسَّرت له لمولود من صُلْبِه يتبعُه أَهلُ المَشْرِق والمَغْرِب، ويحمده أهلُ السَّماء والأَرض، فلذا سماه محمداً، مع ما حَدَّثت به آمنة أُمَّه.


وهذا الخبر، وإن كانَ بظاهِره يُخالفُ ما ذكرناه أوّلاً فالجمع فيه قريب؛ وذٰلك أنَّ الألطاف الربّانيّة من ربّ الأرباب بهذا النبي من الأمر العجيب، فجرت معه خوارق العادات، ونَطقت عند بروز هذا النّور إلى الأرض الأكوانُ وظهرت، وأنْطَق اللَّهُ الملائكة، وأَنزلها (10أ) إلى الأرض اعْتناءً بخيبه، وأظهر من أَجْله الكَرامات، فسمعت أُمّه ما حقّقت به أنه سيّد الأرض والسَّماوات، ولذا قالت لِحليمة لما قدمت به عليها، وخافت عليه أن يناله شيء لديها وأرادت رده إليها: أنَكِ خِفْتِ على ولدي من الشَّيطان، لا والله ليسَ للشيطان على ولدي سبيل، فإنّي رأيتُ عند حملي به ووضعه ما دلّني على أنه سيّد المخلوقات. فحققت أُمّه الأَمر بهذه التسمية له أنها من الله، وأَلهم ذٰلك ــــ سبحانه ــــ جَدّه عبد المطلب، فطابقَ ما عنده من النّظر ما سمّاه به ربّه ربّ البريّات." اهـ



فصل


"قال خادمُ السنّةِ، وأفضلُ من نصح بعد الصحابة والتابعين هذه الأُمّة القاضي أَبو الفضل عِياضٌ رحمه الله، ونفع به: إن هذا الاسم مشتقٌ من أسمائه سُبحانه، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم محمّداً. وأَحمد بمعنى محمود؛ أي يَحْمَدُه الأَنام، وكذا وقع اسمه في زبُور داوود ــــ عليه السلام ــــ وأحمد بمعنى أكبرُ مَنْ حُمِد، وأجلَّ مَن حُمِد.


وقد أشار إلى هذا حسّان بقوله رضي الله عنه:




وَشَقَّ لهَ مِن اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ=فَذُو العَرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحَمَّدٌ


وذكر قبل هذا كلاماً في فضل الأسماء، يصلح ذكره في باب اسمه أحمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ.
ولقد أبْدَع حسّان بن ثابت ــــ رضي الله عنه في هذا الثَّنَاءِ على حبيب اللّه ورسولِه، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (فَذُو العرش محمودٌ وهذا محمَّد)؛ أَي: فخالق العرش ــــ الذي هو أعظم المخلوقات ــــ بل: خالقُ العالم بأَسره: الأَرَضِيْن والسماوات، الموصوف بكونه في ذاتِه وصفاته حَمِيْداً محموداً، القائمْ بِنفسِه، المُستغني عن خَلقه، الباقي بعد فناءِ خَلقه، مع كونِه يومَ القيامة لهم معيداً، قد شَقّ سبحانه من أسمائِه الحُسنى، ما سمَّى به تاج العارفين، وبالغ في حمده، لأنّه سيّد ما خَلق من المَحْمُودين، فيه إشارةٌ، وتنبيهٌ وإعلامٌ لأهلِ الوجود أَن يُكثروا من حَمْدِه، والثّناءِ عليه، ويُبالغوا (10ب) في الثّناء عليه، ويَبْذُلوا من أنفسهم المجهودَ ويصفوهُ بصفاتِ الكمال، وأَشرفِ المَعاني وأفضلِ الخصال، ويُجِلُّوه غاية الإجلال.



دَعْ ما ادَّعتْهُ النَّصارى في نبيهمُ=وَاحكُمْ بما شئتَ مَدْحاً فيه واحْتَكَمِ
وانّسُبْ إلى ذاتِه ما شِئتَ من شَرفٍ=وانّسُبْ إلى قَدْرِه ما شئتَ من عِظَمِ
فإنّ فضلَ رسول الله ليسَ له=حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطقٌ بِفمِ

وحسان بن ثابت شاعرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصرُه بلسانه، والباذل جهده في ذاته بأقواله وأفعاله، فكان رضي الله عنه ممَّن قَال السَّعادةَ في حمدِه المحمود عند الله، المذهبة بأن مدح بها رسول الله، وتمثّل الصالحون والمحبّون في هذا النُّور العظيم بمدائحه حين يصفون نبيَّ اللهِ بأوصافهِ فيأتون بنتائج أفكاره وحُسْنِ ما منحه المَوْلى من مَنائحه.


هذه عائشةُ ــــ رضي الله عنها: أُمّ المؤمنين، وحبيبةُ حبيبِ ربّ العالمين ــــ مع حِفظها لأشعار العرب وأَخبارها، وبلاغةِ جواهر ألفاظها، وصَفَتْ يوماً السّيّدَ الكامل، الفاتح الخاتم، وحَمِدَت أقواله وأفعاله، وبالغت وصفها، وبَذلت في مدحه جَهدها ثم قالت: كان والله كما قال فيه شاعرُه حسّان بن ثابت:



متى يَبْدِ في الداجي البهيم جبينُه=يَلُحْ مثلَ مصباح الدُّجا المُتَوَقّدِ
فمنْ كانَ أو مَنْ قد يكونُ كأحمدٍ=نظامٍ لَحقَ أَو نَكالٍ لِمُلْحِدِ؟



وقد مَدح رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاوب عنه العربَ، وقطع لسانهم بنورِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالغَ في نُصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


ومن بَديع قَصائده، ومدائحه، القصيدةُ التي جاوب بها الهاتفَ الّذي سُمِعَ بين السَّماء والأَرض، حين هاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرضٍ إلى أرض، ليبيّن لعباد اللَّه النَّفْلَ والفرض؛ قالت أسماء ــــ رضي الله عنها وعن أَبيها: لمّا خَرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأَبو بكر) أَتى نَفرٌ من قريش فيهم أَبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقال: أَين أَبوك يا بنيَّةِ أبي بكر؟ قالت؛ قلت: لا أدري والله أَين أبي (11أ) قالت: فَرفع أَبو جهل يده ــــ وكان فاحشاً خبيثاً ــــ فَلَطَم خَدِّي لَطْمَةً طرحَ منها قرطي، ثم انصرفوا عَنّي.


قالت: فمضت ثلاثُ ليالٍ ما نَدري أينَ توجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتى هاتف على أعلى أبي قُبيْس، وذكر أبياتاً يغنُي بها، يسمعُ النّاسُ صَوْتَه ولا يَرَوْن شخصَه، وهو يقول:



جَزى اللّهُ رَبُّ النّاسِ خَيْرَ جَزائِه=رَفيقَيْننِ قالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ
هما نَزلا بِالهَدْي واهْتَديا به=فَأَفلحَ مَنْ أَمسى رفيقَ محمّدِ
لِيَهْنىءْ بني كعبٍ مكانُ فتَاتِهم=ومَقْعَدُها للمُؤمنين مَرْصَدِ


وتُروى هذه القصيدة من طريقٍ آخر يزيادةِ بيت بعد البيت الثّالث فقال:



فما حَملْت من ناقةٍ فوق رَحْلِها=أَبرَّ وأَوفى ذِمّةً من مُحَمّدِ



فالرّفيقان المذكوران في البيت الأول هما سيّدنا ومولانا محمّد صلى الله عليه وسلم، وصاحبه وأنيسه، ورفيقه، وضجيعه، أبو بكر الصدّيق المُؤانِس له في كلّ صَعْبٍ وضيقٍ، رضي الله عنه.


ومعنى قوله «قالا خيمتي أم معبد» أي: نزلا في القيلولة عند هَجير الشمس، واستراحا عند هذه الخيمة المباركة. وهي خيمة أُم مَعبد رضي الله عنها.


وقد أَسلَمَتْ وحَسُنَ إسلامها ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، وظهرت لها مُعجزتُه وبَركته، وذلك أنّه لمّا نَزل عندها قال لها: يا أُمّ معبد هل عندك من لبن؟ قالت: لا واللَّه، وإنَّ الغَنم لعازِبَة؛ قال صلى الله عليه وسلم: فما هذه الشّاة؟ قالت: والله ما ضَربها فحلٌ قطّ فَشأنك بها. فدَعا بها صلى الله عليه وسلم، فمسَح ظهرها وضَرْعَها، ثم دَعا بإناءٍ فَحلب فملأَه فسقى أصْحابَهُ عَللاً بَعْدَ نَهل، ثم حَلَب فيه فوضعه عندها، وارتحل صلى الله عليه وسلم.


فجاء زوجُها عند المساء، فقال يا أمّ معبد: ما هذا اللَّبن ولا حلوبةَ في البيت، والغنَم عازبة؟. قالت: إنّه واللَّه قد مَرَّ بنا رجلٌ ظاهرُ الوضاءة، مُتَبلّجُ الوجه، في أَشفارِه غَطف، وفي عينَيْه دَعَج، وفي صوتِه صَحِل؛ غُصنٌ (11ب) بين الغُصْنَين، لا تشنَؤُه من طُول ولا تقتحمه مِن قصرَ، كأنّ عنقه إبريق فضّة، إذا صَمت فعليه البَهاء، وإذا نطق فعليه الوَقار، له كلام كخرزاتٍ نُظِمْن، أزين أصحابه منظراً، وأحسنهم وجهاً، أصحابُه يَحُفُّوْن به، إذا أَمر ابتدَرُوا أمْرَهُ، وإذا نَهىٰ انْتَهْوا عند نَهْيه.


فقال زوجُها: هذه والله صفةُ صاحبِ قُرَيش، ولو رأيتُه لاتّبعته. هذه رواية. وفي طريق آخر فيها زيادة.


فانظر هذه السيّدة، كيف عَمّت بركةُ المُصطفى صلى الله عليه وسلم عليها. وقدمت أَنوارُه الكريمة لديها، وكيف كانَتْ صِفَتُه عند الخَلائقِ محصوراً ندعُها في شخصه؛ ولذا قال بعلها: هذه صِفَةُ صاحِب قُريش؛ لعلمه به؛ وأنّ هذه الصّفة لم يتصفْ أحد من المخلوقين بها.


وحُسنُه صلى الله عليه وسلم ــــ فوق ما أَثنى عليه المادحون، وقد عَجزت عن بعضٍ بديعٍ صفاته أنْ تَصِفَهُ أهل البَلاغة والواصِفُون.


فلّما سمع حَسّان رضي الله عنه مَدْحَ هذا الهاتِف، قام مُرتجلاً لشدّة حُبّه وكثرةٍ شَوقِه ارتجالَ الشّائِق الواصِف، فقال:



لقد خابَ قومٌ زالَ عَنُهم نبيُّهم=وقد سُرَّ مَن مَن يَسْرِي إليهمْ ويَغْتدي
ترحَّلَ عنْ قومٍ فضَلّتْ عقوُلُهمْ=وحَلَّ على قومٍ بنورٍ مُجَدَّدِ
هَداهُمْ بهِ بعدَ الضَّلالةِ ربُّهمْ=وأَرْشَدهم، من يَبتغي الخيرَ يَرْشُدِ
وقد نزلتْ منهُ على أهلِ يثربٍ=ركابُ هُدْى حلّتْ عليهمْ بأسْعُدِ
نَبِيٌّ يَرى ما لا يَرى النّاسُ حَوْلَهُ=ويَتْلو كتابَ اللَّهِ في كلِّ مَسْجِدِ
وإِن قالَ في يومٍ مَقالَةَ غائبٍ=فتصديقُها في اليومِ أَوْ في ضُحى الغَدِ
لِيَهْنِ أبا بكرٍ سَعادةُ جَدّهِ=بِصُحبَتِهِ، من يُسعدِ اللَّهُ يَسْعَدِ



(يتبع إن شاء الله تعالى مع فصل آخر.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس