الموضوع: اللمعات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2011
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: اللمعات

اللـمعة الثانية عشرة

تـخص نكتتين قرآنيتين لـمناسبة سؤالين جزئيين سألـهما الاخ رأفت

باسمه سبـحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍ اِلاّ يُسَبـح بـحـمدِهِ{ (الاسراء:44)

السلام عليكم وعلى اخوانكم ورحـمة الله وبركاته

اخي الصادق العزيز السيد رأفت(1)!

ان اسئلتك في هذا الوقت العصيب الذي يـحيطني، تـجعلني في وضع مـحرج لأن سؤاليكم – في هذه الـمرة – وإن كانا جزئيين، إلاّ انني رأيتهما على جانب من الاهمية، لـما لـهما من علاقة مع نكتتين قرآنيتين، ولأن سؤالكم حول الكرة الارضية يتعرض للشبهات التي ترد من علـمي الـجغرافية والفلك حول طبقات الارض السبع والسبع الطباق. لذا نبين هنا بياناً علـمياً وكلياً ومـجـملاً نكتتين قرآنيتين بغض النظر عن جزئية السؤال، وانت بدورك تأخذ حصتك منه ازاء سؤاليك الـجزئيين.



النكتة الاولى:

وهي عبارة عن نقطتين:

T النقطة الاولى:

قال تعالى: } وكأيّن دابّة لا تـحـملُ رزقَها الله يرزُقها واياكم { (العنكبوت:60)

} ان الله هو الرزاق ذو القوة الـمتين{ (الذاريات:58)

بدلالة هاتين الآيتين الكريـمتين، الرزق بيد القدير الـجليل وحده، ويـخرج من خزينة رحـمته دون وساطة. فرزق كل ذي حياة بعهدة ربه، فيلزم الاّ يـموت أحد جوعاً. ولكن يبدو ان الذين يـموتون جوعاً، أو من فقدان الرزق كثيرون. ان حل هذا السر وكشف هذه الـحقيقة هو:

ان التعهد الرباني بالرزق وتكفـّلـه لـه بنفسه حقيقة ثابتة. فلا أحد يـموت من عدم الرزق، لان الرزق الذي يرسلـه الـحكيـم ذو الـجلال الى جسم الكائن الـحي يدّخر قسمٌ منه احتياطاً على هيئة شحوم ودهون داخلية. بل يدّخر قسم من الرزق الـمرسل في زوايا حجيرات الـجسم كي يصرف منه واجبات الـجسم عند عدم مـجيء الرزق من الـخارج.

فالذين يـموتون اذاً، انـما يـموتون قبل نفاذ هذا الرزق الاحتياطي الـمدخر، أي أن ذلك الـموت لا ينـجـم من عدم وجود الرزق، وانـما من مرضٍ ناشيءٍ من ترك عادة سيئة من سوء الاختيار.

نعم! ان الرزق الفطري الـمدخر بصورة شحوم في جسم الكائن الـحي، انـما يدوم ويستمر بـمعدل اربعين يوماً كاملاً. بل قد يستمر ضعف ذلك، إثر مرض أو استغراق روحاني. حتى كتبت الصحف – قبل تسع وثلاثين سنة(1) – أن رجلاً قد قضى لعناد سبعين يوماً في سجن لندن دون ان يذوق شيئاً وظل على صحة وعافية.

فما دام الرزق الفطري يدوم اربعين يوماً بل سبعين وثمانين يوماً، وان تـجلي اسم الرزاق ظاهر على مدّ البسيطة بـجلاء، وان الرزق يتدفق من حيث لا يـحتسب من الاثداء ويـخرج من الاكمام. فلابد ان ذلك الاسم يـمدّ الكائن ويسعفه ويـحول بينه وبين الـموت جوعاً قبل انتهاء الرزق الفطري، مالـم يتدخل البشر الـمتلبس بالشر بسوء عملـه.

ولـهذا فالذين يـموتون جوعاً قبل اربعين يوماً، لا يـموتون بسبب عدم الرزق قطعاً، بل من عادة ناشئة من سوء الاختيار ومن مرض ناشيء من ترك العادة، اذ: ((ترك العادات من الـمهلكات)) قاعدة مطردة.

فيصح القول اذاً: انه لا موت من الـجوع.

نعم! انه مشاهد امام الانظار: ان الرزق يتناسب تناسباً عكسياً مع الاقتدار والاختيار، فمثلاً. ان الطفل قبل ان يولد، وليس لـه من الاختيار والاقتدار شيء، ساكن في رحـم الام، يسيل اليه رزقه دون ان يـحتاج حتى الى حركة شفتيه. وحينـما يفتـح عينيه للدنيا، ولا يـملك اقتداراً ولا اختياراً، الاّ شيء من القابليات، وحسّ كامن فيه، فانه لا يـحتاج الاّ الى حركة إلصاق فمه بالثدي فحسب، واذا بـمنابع الثدي تتدفق برزق هو اكمل غذاء واسهلـه هضماً، وبألطف صورة واعجب فطرة. ثم كلـما نـما لديه الاقتدار والاختيار احتـجب عنه ذلك الرزق الـميسور الـجـميل شيئاً فشيئاً، حتى ينقطع النبع ويغور، فيرسل اليه رزقه من اماكن اخرى. ولكن لأن اقتداره واختياره ليسا على استعداد بعدُ لتتبع الرزق، فان الرزق الكريـم يـجعل شفقة والديه ورحـمتهما مـمدةً لاختياره ومسعفة لاقتداره. ثم لـما يتكامل الاقتدار والاختيار، فلا يعدو الرزق نـحوه، ولا يساق اليه، بل يسكن قائلاً: تعال اطلبني، فتش عني وخذني.

فالرزق اذاً متناسب تناسباً عكسياً مع الاقتدار والاختيار، بل ان حيوانات لا اقتدار لـها ولا اختيار تعيش افضل واحسن من غيرها كما اوضحنا ذلك في رسائل عدة.

T النقطة الثانية:

للامكان انواع واقسام هي: الامكان العقلي والامكان العرفي والامكان العادي. فان لـم تكن الـحادثة الواقعة ضمن الامكان العقلي، فانها تردّ وترفض. وان لـم تكن ضمن الامكان العرفي ايضاً فإنها تكون معجزة، ولا تكون كرامةً بيسر. وان لـم تكن لـها نظير عُرفاً وقاعدةً فلا تقبل إلاّ ببرهان قاطع بدرجة الشهود.

فبناءً على هذا، فان الاحوال الـخارقة للعادة الـمروية عن السيد احـمد البدوي (قدس سره)(1) الذي لـم يذق طعاماً طوال اربعين يوماً، انـما هي ضمن دائرة الامكان العرفي، وتكون كرامة لـه، بل ربـما هي عادة خارقة لـه.

نعم! ان روايات متواترة تنقل عن السيد احـمد البدوي )قدس سره) أنه اثناء استغراقه الروحاني كان يأكل كل اربعين يوماً مرة واحدة. فالـحادثة وقعت فعلاً، ولكن ليست دائماً، وانـما حدثت بعض الاحيان من قبيل الكرامة. وهناك احتمال ان حالته الاستغراقية كانت غير مـحتاجة الى طعام، لذا اصبـحت بالنسبة اليه في حكم العادة.

وقد رويت حوادث كثيرة موثوقةً من هذا النوع من الاعمال الـخارقة عن اولياء كثيرين من امثال السيد احـمد البدوي (قدس سره).

فان كان الرزق الـمدّخر يدوم اكثر من اربعين يوماً – كما اثبتنا في النقطة الاولى – وان الانقطاع عن الطعام طوال تلك الفترة من الامور الـمـمكنة عادةً، وانه قد رويت تلك الـحالات روايات موثوقة من اشخاص افذاذ، فلابد الاّ تُنكر قطعاً.

السؤال الثاني:

لـمناسبة هذا السؤال نبين مسألتين مهمتين.

لـما عجز اصحاب علوم الـجغرافيا والفلك بقوانينها القاصرة ودساتيرها الضيقة وموازينها الصغيرة ان يرقوا الى سـموات القرآن وان يكشفوا عن الطبقات السبع لـمعاني نـجوم آياته الـجليلة، بدأوا يـحاولون الاعتراض على الآية الكريـمة وانكارها بـحـماقة وبلاهة.

l الـمسألة الـمهمة الاولى:

تـخص كون الارض ذات سبع طبقات كالسموات.

هذه الـمسألة تبدو لفلاسفة العصر الـحديث غير ذات حقيقة، لا تقبلـها علومهم التي تـخص الارض والسموات. فيتـخذون من هذه الـمسألة ذريعة للاعتراض على بعض الـحقائق القرآنية، لذا نكتب بضع اشارات مـختصرة تـخص هذه الـمسألة.

الاولى:

اولاً: ان معنى الآية شيء، وأفراد ذلك الـمعنى وما يشتمل عليه تلك الـمعاني من الـجزئيات شيء لآخر. فان لـم يوجد فرد من افراد كثيرة لذلك الـمعنى الكلي فلا يُنكر ذلك الـمعنى الكلي. علـماً ان هناك سبعة افراد ظاهرةً مصدّقة للافراد الكثيرة للـمعنى الكلي للسموات السبع والارضين السبع.

ثانياً: ان صراحة الآية الكريـمة: } الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلـهن..{ (الطلاق:12) لاتذكر أن الارض سبع طبقات. بل ظاهرها تفيد: ان الله خلق الارض جاعلاً منها مسكناً لـمـخلوقاته كالسموات السبع، فلا تقول الآية: خلقت الارض سبع طبقات. أما الـمثلية (للسموات)) فهي تشبيه بها من حيث كونها مـخلوقة ومسكناً للـمـخلوقات.

الاشارة الثانية:

ان الارض مهما كانت صغيرة جداً بالنسبة للسموات، الاّ انها تعدلـها وتوازيها من حيث انها في حكم معرض للـمصنوعات الإلـهية التي لاتـحد و موضع اشهارها ومركزها. فهي بهذا تعدل السموات العظيـمة وتوازيها، اذ هي كالقلب والـمركز الـمعنوي للسموات، كما يعدل قلب الانسان الـجسد.

ولـهذا فقد فُهم من الآيات الكريـمة: ان الارض سبع طبقات.

اذ الارض سبعة أقاليـم منذ القديـم بـمقياس مصغر.

ثم هي سبع قارات وهي الـمعروفة باسم اوروبا وافريقيا واوقيانوسيا (استراليا) وآسيتين وامريكتين.

ثم هي سبع قطع معروفة في هذا الوجه وفي الوجه الآخر العالـم الـجديد. وهي الشرق والغرب والشمال والـجنوب مع البـحار.

ثم هي سبع طبقات متصلة متبابية ابتداءً من مركزها الى قشرتها الظاهرة، كما هو ثابت علـماً.

ثم هي ذات عناصر سبة مشهورة تعبـّر عنها بالطبقات السبع والـمتضمنة لسبعين عنصراً من العناصر الـجزئية البسيطة التي اصبـحت هي مدار الـحياة.

ثم الطبقات السبع والعوالـم السبعة الـمتكونة من العناصر الاربعة – الـماء والـهواء والنار والتراب – والـمواليد الثلاثة وهي الـمعادن والنباتات والـحيوانات.

ثم عوالـم طبقات الارض السبع، الثابتة بشهادة كثير من اهل الكشف واصحاب الشهود والتي هي مساكن الـجن والعفاريت ومقرات مـخلوقات مـختلفة اخرى ذوات شعور وحياة.

ثم انها سبع طبقات اشارةً الى وجود سبع كرات اخرى شبيهة بكرتنا الارضية، هي مساكن ذوي الـحياة ومقرات لـها، أي ان كرة الارض سبع طبقات اشارة الى وجود سبع كرات ارضية.

هكذا فُهم من الآيات هذه الـمعاني. فاذاً يتـحقق وجود سبع طبقات للارض في سبعة انواع من الطبقات وفي سبعة اشكال وانـماط منها.

أما الـمعنى الثامن وهو الأخير فليس داخلاً في الـمعاني السبعة الـمعدودة وانـما لـه اهمية من ناحية اخرى.

الاشارة الثالثة:

لـما كان الـخالق الـحكيـم لا يسرف في شيء، ولا يـخلق عبثاً، وان الـموجودات انـما وجدت لذوي الشعور، وتـجد كمالـها بذوي الشعور، بل تعمّر بذوي الشعور، لتنقذ من العبث. وان ذلك الـحكيـم الـمطلق والقدير الـجليل يعمّر عنصر الـهواء وعالـم الـماء وطبقات التراب بـما لا يـحد من ذوي الـحياة، كما هو مشاهد. وان الـهواء والـماء لا يـحولان دون جولان الـحيوانات كما لا تمنع الـمواد الكثيفة كالتراب والـحجر سير الكهرباء واشعة رونتكن.. فلابد ان ذلك الـحكيـم ذا الكمال والصانع الباقي لا يترك طبقات الارض السبع الكلية الـمتصلة ببعضها ولا كهوفها وميادينها الواسعة وعوالـمها خالية خاوية ابتداءً من مركزها الى قشرتها الظاهرة التي هي مسكننا.

فلاجرم انه قد عمّر تلك العوالـم وخلق لـها مـخلوقات ذوات شعور يناسبها ويلائمها واسكنهم فيها، ويلزم ان تكون هذه الـمـخلوقات من اجناس الـملائكة والروحانيات التي تكون اكثف الطبقات واصلبها بالنسبة اليها كالبـحر الى السمك والـهواء الى الطير. بل يقتضي ان تكون نسبة النار الـهائلة الـمرعبة في مركز الارض الى تلك الـمـخلوقات الشاعرة كنسبة حرارة الشمس الينا، وحيث ان الروحانيات الشاعرة مـخلوقات من نور، فالنار تكون كالنور لـهم.

الاشارة الرابعة:

لقد ذكر في ((الـمكتوب الشامن عشر)) مثال حول تصويرات خارجة عن نطاق العقل بيـّنها اهلُ الكشف فيـما يـخص عجائب طبقات الارض، وخلاصته:

ان كرة الارض بذرة في عالـم الشهادة، بينـما هي كشجرة ضخـمة تضارع عظمتها السموات في عالـم الـمثال والبرزخ، فمشاهدة اهل الكشف لطبقة الارض الـخاصة بالعفاريت في كرة الارض بـمسافة الف سنة ليست مشاهدتهم لـها في بذرة الارض التي تـخص عالـم الشهادة، بل هي تظاهر لطبقات الارض وفروعها الـمـمتدة في عالـم الـمثال.

فان كانت طبقة واحدة – لا اهمية لـها ظاهراً – من طبقات الارض قد حازت هذه الاهمية العظمى في عالـم آخر، ألا يصح ان يقال اذاً ان الارض هي سبع طبقات تقابل سبع سموات؟. فالآيات الكريـمة تشير بايـجاز معجز، الى تلك النقاط الـمذكورة وتنبه عليها، وذلك باظهارها هذه الارض الصغيرة جداً مكافئة لطبقات السموات السبع.

l الـمسألة الـمهمة الثانية:

قولـه تعالى:} تسبـح لـه السموات السبع والارض ومن فيهن{ (الاسراء:44) و } ثم استوى الى السّماء فسويهن سبعَ سموات وهو بكل شيءٍ عليـم { (البقرة:29)

هاتان الآيتان وامثالـهما من الآيات الكريـمة تبين أن السموات سبع. نرى من الانسب اختصار ما ذكرناه في تفسير ((اشارات الاعجاز)) الذي الف في جبهة القتال اثناء السنة الاولى من الـحرب العالـمية الاولى، اذ جاءت فيه هذه الـمسألة في غاية الإجـمال والاختصار الشديد بسبب ظروف الـحرب.

ان الـحكمة القديـمة قد تصورت السموات انها تسعُ سموات، فزادت على السموات السبع، العرش والكرسي الواردين في الشرع، فكان تصويراً عجيباً لـها. ولقد استولت على البشرية طوال عصور مديدة تلك التعابير الرنانة لفلاسفة الـحكمة القديـمة وحكمائها حتى ان مفسرين كثيرين اضطروا الى امالة ظواهر الآيات الى مذهبهم مـما ادىّ الى اسدال ستار على اعجاز القرآن، الى حد ما.

أما الـحكمة الـجديدة الـمسماة الفلسفة الـحديثة فتقول بـما يفيد انكار السموات ازاء ما كانت تدّعيه الفلسفة القديـمة من ان السموات غير قابلة للاختراق والالتئام. فقد فرّط هؤلاء كما أفرط اولئك. وعجز الاثنان عن بيان الـحقيقة بياناً شافياً.

أما حكمة القرآن الكريـم الـمقدسة فانها تدع ذلك الافراط والتفريط متـخذة الـحد الوسط، فهي تقول:

ان الصانع جل جلالة خلق سبع سموات طباقاً، أما النـجوم السيارة فهي تسبـح وتسبـح في السماء كالاسماك في البـحر. وقد جاء في الـحديث الشريف ((ان السماء موج مكفوف))(1) أي كبـحر استقرت امواجه. هذه الـحقيقة نثبتها بسبع قواعد وبسبعة وجوه من الـمعاني، وباختصار شديد:

القاعدة الاولى:

انه قد ثبت علـماً وفلسفة ((حكمة)) ان هذا الفضاء الوسيع مـملوء بـمادة تُسمى الاثير، وليس خالياً فارغاً لانهاية لـه.

القاعدة الثانية:

انه ثابت علـماً وعقلاً بل مشاهدةً؛ ان رابطة قوانين الاجرام العلوية – كالـجاذبية والدافعة – وناشرةَ القوى الـموجودة في الـمادة وناقلتَها – كالضياء والـحرارة والكهرباء – انـما هي مادة موجودة في ذلك الفضاء مالئة لـه.

القاعدة الثالثة:

انه ثابت بالتـجارب ان مادة الاثير – مع بقائها أثيراً – لـها انـماط مـختلفة من الاشكال ولـها صور متنوعة كسائر الـمواد، فكما يـحصل ثلاثة انواع من اشكال الـمواد:

الغازية والسائلة والصلبة من الـمادة نفسها كالبـخار والـماء والثلـج، كذلك لا مانع عقلاً من أن تكون سبعة انواع من الطبقات من مادة اثيرية، ولا اعتراض عليه.

القاعدة الرابعة:

انه لو اُنعم النظر في الاجرام العلوية يُرى في طبقاتها تـخالفٌ، فكما ان الطبقة التي تـحوي درب التبانة الـمشاهد كسحاب، لا تشبه طبقة النـجوم الثوابت البتة، حتى كأن نـجوم طبقة الثوابت ثمار ناضجة مكتملة كفواكه الصيف، بينـما نـجوم لا تـحد لدرب التبانة الـمشاهد كسحاب تنعقد مـجدداً وتتكامل. وطبقة الثوابت نفسها لا تشبه ايضاً الـمنظومة الشمسية بـحدس صادق. وهكذا يُدرك بالـحدس والـحس تـخالف الـمنظومات السبع والطبقات السبع.

القاعدة الـخامسة:

لقد ثبت حدساً وحسّاً واستقراءً وتـجربة أنه اذا وقع التشكل والتنظيـم في مادة تتولد منها مصنوعات اخرى فانها تأخذ اشكالاً مـختلفة وطبقات متباينة.

فمثلاً حينـما تبدأ التشكلات في معدن الالـماس يتولد منه الرماد والفحـم والألـماس. وحينـما تبدأ النار بالتشكل تتميز جـمراً ولـهباً ودخاناً. وعندما يـمزج مولد الـماء ومولد الـحـموضة يتشكل منهما الـماء والثلـج والبـخار.

يفهم من هذا أنه اذا وقع التشكل في مادةٍ ما تنقسم الى طبقات، لذا فالقدرة الفاطرة لـما شرعت بالتشكيل في مادة الاثير خلقت منها سبعة انواع من سموات على طبقات مـختلفة كما جاءت في قولـه تعالى:

} فسويهن سبعَ سموات..{ (البقرة:29).



القاعدة السادسة:

ان هذه الامارات الـمذكورة تدل بالضرورة على وجود السموات وعلى تعددها، فالسموات اذاً متعددة قطعاً، وحيث أن الـمـخبر الصادق قد قال بلسان القرآن: هي سبعة، فهي سبعة.

القاعدة السابعة:

ان التعابير: سبعة، وسبعين وسبعمائة وامثالـها تفيد الكثرة في اساليب اللغة العربية، أي يـمكن ان يضم تلك الطبقات السبع الكلية طبقات كثيرة جداً.

حاصل الكلام:

ان القدير ذا الـجلال خلق سبع سـموات طباقاً من مادة الاثير، وسوّاها ونظـّمها بنظام عجيب دقيق، وزرع فيها النـجوم. ولـما كان القرآن الكريـم خطاباً ازلياً للـجن والانس بطبقاتهم كافة، فكل طبقة من البشر تأخذ اذاً حصتها من كل آية من القرآن الكريـم، وكل آية ايضاً تُشبع أفهام كل طبقة من الناس، أي لكل آية معان متنوعة متعددة ضمناً واشارة.

نعم! ان سعة خطاب القرآن وشمول معانيه واشاراته ومراعاته درجات افهام الطبقات عامة ومداركهم من ادنى العوام الى اخص الـخواص تبين: ان كل آية لـها وجه متوجه الى كل طبقة من الناس.

ولأجل هذا فقد فَهمتْ سبعُ طبقات بشرية سبع طبقات مـختلفة من الـمعاني ضمن الـمعنى الكلي للآية الكريـمة: } سبعَ سموات.. { (البقرة:29) . كالآتي:

بفهم ذوو النظر القاصر والفكر الـمـحدود من الناس انها: طبقات الـهواء النسيـمية.

والذين اغتروا بعلـم الفلك يفهمونها: النـجوم الـمعروفة بالسيارات السبع ومداراتها لدى الناس.

ومن الناس من يفهمها: سبع كرات سماوية اخرى شبيهة بارضنا التي هي مقر ذوي الـحياة.

وتفهمها طائفة من البشر: سبع منظومات شمسية اولاها منظومتنا هذه وانقسام الـمنظومة الشمسية الى سبع طبقات.

وطائفة اخرى من البشر تفهمها: انقسام تشكلات الاثير الى سبع طبقات.

وطبقة اخرى واسع الادراك والفهم، تفهم: ان السموات الـمرئية كلـها، الـمرصعة بالنـجوم ليست الاّ سماء واحدة وهي السماء الدنيا، وهناك ست سموات اخرى فوقها لا تُرى.

وطبقة سامية من الناس وهم الطبقة السابعة ذوو ادراك عالٍ لا يرون انـحصار سبع سموات في عالـم الشهادة فقط، بل هي سبع سموات تسقّف وتـحيط بالعوالـم الاخروية والغيبية والدنيوية والـمثالية.

وهكذا ففي كلية هذه الآية الكريـمة معان اخرى كثيرة جزئية جداً شبيهة بهذه الطبقات السبع الـمذكورة من الـمعاني التي تراعي افهام سبع طبقات من الناس. فكلٌ يستفيض بقدر استعداده من فيض القرآن ويأخذ رزقه من الـمائدة السماوية العامرة.

فما دامت هذه الآية الكريـمة تـحوي معاني مصدّقة لـها الى هذا الـحد، فان انكار الفلاسفة الـحاليين الـمـحرومين من العقل وجحود علـماء الفلك الـمـخـمورين، السموات واتـخاذ هذا الانكار وسيلة تعرضٍ لأمثال هذه الآية الـجليلة، ان هو الاّ كرمي الصبيان الفاسدي الـمزاج النـجومَ العوالي بالـحجارة بغية اسقاط واحدة منهاّ ذلك:

لأن معنى واحداً لـهذه الآية من بين تلك الـمعاني الكثيرة إن كان صدقاً فان الـمعنى الكلي يكون صدقاً وصواباً، حتى لو ان فرداً واحداً من تلك الـمعاني، لا وجود لـه في الواقع إلاّ في ألسنة الناس، يصح أن يكون داخلاً ضمن ذلك الـمعنى الكلي، رعايةً لأفكار العامة. فكيف ونـحن نرى كثيراً جداً من افراده صدقاً وحقيقةً.

الا ترى هؤلاء الـمغمورين بسُكر الـجغرافية وعلـم الفلك الذين لا ينصفون، كيف يقعون في خطأ فيغمضون عيونهم عن الـمعنى الكلي الذي هو حق وحقيقة وصدق، فلا يرون مصدّقات الآية الكثيرة جداً، ويتوهمون معنى الآية منـحصراً في فرد خيالي عجيب. فرشقوا الآية الكريـمة بالـحجارة، فارتدت على رؤوسهم فسكرتها، ففقدوا صوابهم وايـمانهم.



مـحصل الكلام:

لـما عجز ارباب الافكار الـمادية الـملـحدة كالشياطين والـجن، من الصعود الى الطبقات السبع للقرآن الكريـم النازل على القراءات السبع والوجوه السبعة والـمعجزات السبع والـحقائق السبع والاركان السبعة، جهلوا ما في الآيات من معان. فيـخبرون احكاماً كاذبة خاطئة. فينزل على رؤوسهم شهابٌ رصدٌ من نـجوم تلك الآيات بالتـحقيقات العلـمية الـمذكورة فتـحرقهم.

نعم! انه لا يـمكن الرقي الى تلك السموات القرآنية بفلسفة فلاسفة يـحـملون افكاراً شيطانية خبيثة. وانـما يـمكن الصعود الى نـجوم تلك الآيات بـمعراج الـحكمة الـحقيقية ويـمكن الطيران اليها بـجناح الإيـمان والإسلام.

اللهم صل على شـمس سـماء الرسالة وقمر فلك النبوة وعلى آلـه وصحبه نـجوم الـهدى لـمن اهتدى.

} سُبـحانَكَ لاَ عِلـم لَنَا إِلاّ ما عَلـمتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليـم الـحكيـم {

(البقرة:32)

اللهم يارب السموات والارضين زيّن قلوب كاتب هذه الرسالة ورفقائه بنـجوم حقائق القرآن والإيـمان.. آمين
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس