عرض مشاركة واحدة
قديم 02-14-2009
  #4
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

رينيه جينو بقلم الدكتور عبد الحليم محمود ( شيخ الأزهر ) :

ولا يتأتّى أن نترك المجال دون أن نذكر بعض ما سبق أن كتبناه عن الشيخ , لقد كتبنا عنه في الكتيّب الذي نشرناه بعنوان (( أوربا والإسلام)) ما يلي : " أمّا الذي كان إسلامه ثورة كبرى هزّت ضمائر الكثيرين من ذوي البصائر الطاهرة , فاقتدوا به واعتنقوا الإسلام , وكوّنوا جماعات مؤمنة مخلصة , تعبد الله على يقين في معاقل الكاثوليكيّة في فرنسا , وفي سويسرا .. فهو العالم الفيلسوف الحكيم الصوفي (( رينيه جينو )) الذي يدوي اسمه في أوربا قاطبة , وفي أمريكا , والذي يعرفه كلّ هؤلاء الذين يتّصلون اتصالاً وثيقاً بالدراسات الفلسفيّة الدينيّة في أوربا , أو في أمريكا .
وكان سبب إسلامه بسيطاً منطقيّاً في آنٍ واحد ؛ لقد أراد أن يعتصم بنصٍّ مقدّس , لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , فلم يجد ـ بعد دراسة عميقة ـ سوى القرآن , فهو الكتاب الوحيد الذي لم ينله التحريف ولا التبديل لأنّ الله تكفّل بحفظه , وحفظ حقيقة (( إنّا نحن نزّلنا الذكر و إنّا له لحافظون )) .
لم يجد سوى القرآن نصّاً مقدّساً صحيحاً ؛ فاعتصم به , وسار تحت لوائه , فغمره الأمن النفساني في رحاب الفرقان .
ومؤلّفاته كثيرة مشهورة من بينها كتاب (( أزمة العالم الحديث )) بيّن فيه الانحراف الهائل الذي تسير فيه أوربّا الآن , والضلال المبين الذي أعمى الغرب عن سواء السبيل . أمّا كتابه (( الشرق والغرب )) فهو من الكتب الخالدة التي تجعل كلّ شرقيّ يفخر بشرقيّته ؛ وقد ردّ فيه إلى الشرق اعتباره مبيّناً أصالته في الحضارة , وسموّه في التفكير , وإنسانيّته التي لا تقاس بها ماديّة الغرب وفساده وامتصاصه للدّماء , وعدوانه الذي لا يقف عند حدّ , وظلمه المؤسس على الماديّة والاستغلال , ومظهراً في كلّ صفحة من صفحاته نبل الشرقيّين وعمقهم وفهمهم للأمور فهماً يتّفق مع الفصيلة ومع أسمى المبادئ الإنسانيّة ..!
وقد كتبنا عنه تقريراً لإحدى جامعاتنا المصريّة للتّعريف به ننشره فيما يلي : " رينيه جينو ؛ من الشخصيات التي أخذت مكانها في التاريخ, يضعه المسلمون بجوار الإمام الغزالي وأمثاله , ويضعه غير المسلمون بجوار أفلوطين صاحب الأفلاطونيّة الحديثة وأمثاله .
وإذا كان الشخص في بيئتنا الحاليّة لا يُقدّر التقدير الذي يستحقّه إلا بعد وفاته , فقد كان حسن حظّ (( رينيه جينو )) أنّه قُدّرَ أثناء حياته , وقُدّر بعد وفاته ؛ أمّا في أثناء حياته فكان أوّل تقدير له أن حرّمت الكنيسة قراءة كتبه , والكنيسة لا تفعل هذا إلا مع كبار المفكّرين الذين تخشى خطرهم , وقد وضعته بذلك بجوار عباقرة الفكر الذين اتخذت تجاههم نفس المسلك , ولكنّها رأت في (( رينيه جينو )) خطراً يكبر كلّ خطر سابق , فحرّمت حتّى الحديث عنه .
وإذا كان هذا تقديراً سلبيّاً له قيمته , فهناك التقدير الإيجابي الذي لا يقلّ في أهمّيته عن التقدير السلبي ؛ فهناك هؤلاء الذين استجابوا لدعوة (( رينيه جينو )) فألّفوا جمعيات في جميع العواصم الكبرى في العالم , وعلى الخصوص في سويسرا وفي فرنسا , والمكوّنون لهذه الجمعيات احتذوا حذو (( رينيه جينو )) فاتخذوا الإسلام ديناً , والطهارة والإخلاص وطاعة الله شعاراً وديدناً , ويكونون وسط هذه الماديّة السابغة ؛ وهذه الشهوات المتغلّبة واحاتٍ جميلة , يلجأ إليها كلّ من أراد الطهر والطمأنينة .
ومن التقدير الإيجابي أيضاً ؛ أنّ كتبه رغم تحريم الكنيسة لقراءتها قد انتشرت في جميع أرجاء العالم , وطبعت المرّة بعد الأخرى , وترجم الكثير منها إلى جميع اللّغات الحيّة الناهضة ؛ ما عدا العربيّة للأسف الشديد .
ومن الطريف أنّ بعض الكتب ترجم إلى لغة الهند الصينيّة , ووضعت كشرح للوصيّة الأخيرة من وصايا (( الدالاي لاما )) , ولم يكن يوجد في الغرب شخص متخصّص في تاريخ الأديان إلا وهو على علم بآراء (( رينيه جينو )) .
كلّ هذا التقدير في حياته ؛ أمّا بعد مماته فقد زاد هذا التقدير , لقد كتبت عنه جميع صحف العالم , ومنها بعض الصحف المصريّة العربيّة ؛ كالمصوّر مثلاً , الذي كتب عنه في استفاضة , والصحف الإفرنجيّة أيضاً ؛ كمجلّة (( أيجيت نوفل )) التي أخذت تكتب عنه عدّة أسابيع , ثمّ أخذت تكتب عنه كلّ عام في ذكرى وفاته .
وقد خصّصت له مجلّة (( فرنسا أسيا )) وهي مجلّة محترمة ؛ عدداً ضخماً كتب فيه كبار الكتّاب الشرقيّين والغربيّين , وافتتحته بتقدير شاعر فرنسا الأكبر (( أندريه جيد )) لرينيه جينو وقوله في صراحة لا لبس فيها : " إنّ آراء (( رينيه جينو )) لا تُنقض " .وخصّصت مجلّة (( ايتودترا ديسيونيل )) وهي المجلّة التي تعتبر في الغرب كلّه لسان التصوّف الصحيح ؛ عدداً ضخماً من أعدادها كتب فيه أيضاً كبار الكتّاب الشرقيّين والغربيّين .
ثمّ خصّص له الكاتب الصحفي الشهير (( بول سيران )) كتاباً ضخماً تحدّث فيه عن حياته , وعن آرائه , ووضعه ـ كما وضعه الآخرون الذين كتبوا عنه ـ في المكان اللائق به ؛ بجوار الإمام الغزالي أو الحكيم أفلوطين .
نشأ (( رينيه جينو )) في فرنسا من أسرة كاثوليكيّة ثريّة محافظة , نشأ مرهف الشعور , مرهف الوجدان , متجهاً بطبيعته إلى التفكير العميق والأبحاث الدقيقة , وهاله ـ حينما نضج تفكيره ـ ما عليه قومه من ضلال ؛ فأخذ يبحث في جدٍّ عن الحقيقة , ولكن أين هي ؟ أفي الشرق أم في الغرب ؟ وهل هي في السماء أم في الأرض ؟
أين الحقيقة ؟ سؤال وجّهه (( رينيه جينو )) إلى نفسه , كما وجّهه من قبل إلى نفسه ؛ الإمام المحاسبي , والإمام الغزالي , و الإمام محيي الدين ابن عربي , وكما وجّهه قبلهم عشرات من المفكّرين الذين أبوا أن يستنيموا للتّقليد الأعمى ....
وتأتي فترة الشّك والحيرة والألم المُمضّ , ثمّ يأتي عون الله ؛ وكان عون الله بالنسبة لرينيه جينو أن بهرته أشعّة الإسلام الخالدة , وغمره ضياؤه الباهر , فاعتنقه , وتسمّى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى , وأصبح جنديّاً من جنوده يدافع عنه ويدعوا إليه .
ومن أمثلة ذلك ما كتبه في كتاب (( رمزيّة الصليب )) تفنيداً للفريّة التي تقول : " إنّ الإسلام انتشر بالسيف " , ومن أمثلة ذلك أيضاً ما كتبه في العدد الخاص الذي أصدرته مجلّة (( كايية دي سود )) في عددها الخاص بالإسلام والغرب دفاعاً عن الروحانيّة الإسلاميّة .
لقد أنكر الغربيّون روحانيّة الإسلام , أو قلّلوا من شأنها , وأشادوا بروحانيّة المسيحيّة وأكبروا من شأنها , ووضعوا التصوف المسيحي في أسمى مكانة , وقلّلوا من شأن التصوف الإسلامي .
كتب الشيخ عبد الواحد يحيى مبيّناً سمو التصوّف الإسلامي وروعته , وقارن بينه وبين ما يسمّونه بالتصوّف المسيحي , أو (( الميستيسيسم )) وانتهى بأنّ هذا الميستيسيسم لا يمكنه أن يبلغ ولا عن بعد ما بلغه التصوّف الإسلامي من سموّ , ومن جلال .
على أنّ الشيخ عبد الواحد يحيى لم يشد بالإسلام فحسب , وإنّما أشاد في جميع كتبه , وفي مواضيع لا يأتي عليها حصر بالشرق , ثمّ خصّص كتاباً ضخماً بعنوان : (( الشرق والغرب )) تزيل قراءته من نفس كلّ شرقي مركّب النقص الذي غرسه الاستعمار في نفوس الشرقيّين في السنوات الأخيرة .
لقد دأب الاستعمار على أن يغرس في نفوس الشرقيّين أنّهم أقلّ حضارة , بل أقلّ إنسانيّة من الغربيّين ...
وأتى الشيخ عبد الواحد فقلب الأوضاع رأساً على عقب , وبيّن للشرقيّين قيمتهم , وأنّهم منبع النور و الهداية , ومشرق الوحي والإلهام .
إنّ كلّ شرقيّ يفخر بشرقيّته بمجرد قراءته لهذا الكتاب , هو ليس كتاباً يشيد بالشرق على الأسلوب الصحفي , أو على الطريق الإنشائيّة , وإنّما هو كتاب علمي بأدقّ المعاني لكلمة علم , وهذا وحده يكفي لأن يقيم الشرقيّون مظاهر التكريم للشيخ عبد الواحد اعترافاً منهم بالجميل , والله الموفق .



المدرسة الشاذليّة الحديثة للدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس