عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #1
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي دراسات في القرآن والنبوة:

تقديم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله و سنتي" [1].
لقد أوضح البيان النبوي الساطع مدى التلازم بين القرآن الكريم والنبوة الشريفة، وكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة الذين حظوا بالصحبة المباركة -رضي الله عنهم- مثالا حيا وسامقا لهذا التلازم.
غير أن الانكسار التاريخي المبكر الذي ابتليت به الأمة الإسلامية بالانقلاب الأموي الغاشم الذي أطاح بالخلافة الراشدة وأسس للملك العاض الوراثي في الأمة، هذا الانكسار أثر سلبا على ذلكم التلازم بما أحدثه من انفصام نكد بين القرآن الكريم، باعتباره وحيا من الله تعالى وذكرا وشرعا وأحكاما، وبين الإرث النبوي الشريف باعتباره تجسيدا عمليا لذلك الوحي.
وفي ظل ذلك الانكسار وما صاحبه من انحرافات خاصة على مستوى الحكم وتوزيع الثروة، أُفقد القرآن الكريم مكانته في التشريع والتوجيه، بعد أن كان عند جيل الصحابة والتابعين رضي الهن عنهم فرقانا فاصلا في جميع مناحي الحياة، وبرهانا ساطعا به "يبرهن على الهدى والضلالة، على الصلاح والفساد، على إصابة العقل وخطئه، على سلامة الفهم وعلته"[2]"، وبعد أن كانت العلاقة التي تربط المسلمين بالقرآن الكريم موسومة بالرقي في مدارج الإيمان، وكانت الجماعة التي تلقت القرآن بنية التعبد والتنفيذ مطبوعة بالحرص على طلب مقامات الإحسان.
وفي إطار مشروع المنهاج النبوي الذي ندب الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين -حفظه الله- كل جهوده لاستجلائه وتوضيح معالمه والدعوة إليه وتربية الناس عليه، متوكلا على الله تعالى، ومستهديا بنوره سبحانه، ومسترشدا بفهم متكامل للوحي والنبوة ومدى التلازم بينهما، يأتي هذا الكتاب "القرآن والنبوة" الذي يندرج ضمن مشروع ضخم صدرت منه لحد الآن خمسة كتب، هي: "في الاقتصاد: البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية" و"رجال القومة والإصلاح" و"الخلافة والملك" و"مقدمات لمستقبل الإسلام" و"إمامة الأمة".
ويعود تاريخ تأليف هذا الكتاب إلى حوالي ثلاثة عقود، وقد حالت ظروف الحصار الغاشم الذي ووجهت -وتواجه به- دعوة العدل والإحسان دون طبعه في أوانه.
ورغم ما يلمسه القارئ في هذا الكتاب من حضور لبعض الوقائع والأحداث التي تعود إلى تاريخ تأليفه، فإن كتاب "القرآن والنبوة" احتفظ بجوهره القائم -مثل باقي مكتوبات الأستاذ المرشد ومسموعاته ومرئياته- على الدعوة الحثيثة إلى تجديد الإيمان في القلوب ترقيا في مدارج الدين وطلبا للغاية الإحسانية، وتجديد عزة الأمة وكرامتها طلبا للغاية الاستخلافية العدلية.
والسؤال الكبير الذي يتصدى هذا الكتاب للإجابة عنه هو كيف لنا أن نعيد للقرآن الكريم والنبوة الشريفة تلازمهما ودورهما في تحقيق ذلكم المشروع التجديدي الشامل ببعديه العدلي والإحساني؟ وبأي فهم، وبأية إرادة نتعامل مع القرآن الكريم والنبوة الشريفة من أجل تجديد الإيمان في القلوب والعزة في الأمة؟
وعلى طول صفحات الكتاب، وفي خضم معالجة هذا السؤال، يلح الأستاذ عبد السلام ياسين على الأساس التربوي الإحساني لهذا التجديد، مؤكداً أن "تنزل القرآن من عالم الأحكام إلى عالم الواقع إنما يتم على يد بشر. فحين كان القرآن دستور قيادة رباها القرآن، وكان به لا بغيره الفرقان، وكان هو على غيره البرهان، وكان طابع الجماعة الإيمان والإحسان، نشأت دولة القرآن امتداداً بين الأرض والسماء، تشد وحدته وتصونه أن يزيغ العروةُ الوثقى.
"فكذلك الخلافة الثانية لن تتحقق بمجرد أن الناس فهموا الأحكام القرآنية وكتبوها وتحالفوا على تطبيقها. نجاحهم في تجديد الخلافة لا يتوقف على ذكائهم وإن كان الذكاء من أهم الفضائل، ولا على ضبطهم التنظيمي، وإن كان التنظيم قوة واجبة، ولا على أجهزة تحاذي ما كان في دولة الخلافة الأولى وتحاكيها. إنما ينجحون بمقدار ما معهم من خُلُق القرآن وفرقانه وبرهانه وإحسانه"[3].
وبنفس الإلحاح يحرص هذا الكتاب على تجلية الأبعاد الحقيقية لديننا الحنيف ومقاصده وأهداف إحيائه في النفس وفي الأمة منبها إلى أن "تمجيد النظام الإسلامي في السياسة والاجتماع والاقتصاد كأنه إيديولوجية، أي منظومة فكرية، تبُزُّ في المقارنة كل مذهب بشري ما هو في الحقيقة إلا مسخ للدين، إن لم نربط النظام الإسلامي لشؤون الأرض والناس بالمبدإ والمعاد، والألوهية والربوبية، ووحدة الخلق، ومصيرهم بعد الموت، وبالآخرة والبعث والخلود في الجنة أو النار... واللب هو مصيرك يا إنسان إلى ربك، وعبورك هذه الدنيا لتُختبر فيها وتصير إلى جزائك"[4].
ابن سليمان، المغرب الأقصى في 03 ذي القعدة 1430
عمر أمكاسو
[1] رواه الإمام مالك في الموطأ عن جابر رضي الله عنه، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة
[2] عبد السلام ياسين، القرآن والنبوة، ص 18
[3] القرآن والنبوة، ص 28
[4] نفسه، ص 89-90
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس