عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2009
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي إمام دار الهجرة، سيدّنا مالك بن أنس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

قراءة في سيرة إمام دار الهجرة، سيدّنا مالك بن أنس

"أســرة مـالــك

إذا كان الإمام مالك قد انشغل بالعلم منذ نعومة أظفاره، فإن ذلك ليس بالشيء الغريب، فقد كان أبوه وأعمامه وجده من أصحاب العلم وأرباب الفضل، لهم مع العلم صلات ووشائج، ومع الفضل روابط وأسباب.

وهذا بيان موجز عن بعض آباء الإمام وأعمامه وأبنائه وإخوته وزوجته:

- أبو عامر:

هو أبو جده، واسمه نافع. قيل: إنه صحابي، شهد المغازي كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلا بدرًا، إلا أن هذا لم يتأكد، والأقوى أنه تابعي مخضرم، أي أنه كان يعيش في زمان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسلما، لكنه لم يلقه.

- مالك بن أبي عامر:

هو جد الإمام، من كبار التابعين وعلمائهم، روى عن عمر، وعثمان، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة أم المؤمنين، وأبي هريرة، وحسان بن ثابت، وعقيل بن أبي طالب.

وروى عنه بنوه: أنس - وبه يُكنَى - وأبو سهيل نافع، والربيع.

وفي تقريب التهذيب: مالك بن أبي عامر الأصبحي، سمع من عمر، ثقة، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية، وهو أحد الأربعة الذين حملوا عثمان ليلاً إلى قبره وغسلوه ودفنوه، وذكر أبو محمد الضراب أن عثمان - رضي الله عنه - أغزاه إفريقية ففتحها، وكان عمر بن عبد العزيز يستشيره، ذكر ذلك مالك في مُوَطَّئه، قال أبو إسحاق بن شعبان: روى مالك عن أبيه عن جده عن عمر - رضي الله عنه - حديث الغسْل واللباس.

وروى التستري أنه كان ممن يكتب المصاحف حين جمع عثمان المصاحف. وقد خرّج البخاري ومسلم ومَن بعدهما أحاديث كثيرة عن مالك بن أبي عامر جد مالك وأبي سهيل ابنه، وجاء ذكره في الأوسط في فضل من مات ما بين السبعين إلى الثمانين.

ويبدو أن مالكًا الجد قد امتد به العمر زمنًا طويلاً فعاش حتى عصر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وكان له به صلة ما، فقد كان عمر يستشيره في بعض الأمور.

- أنس بن مالك:

والد الإمام مالك، وليس بينه وبين الصحابي أنس بن مالك ـ رضي الله عنه - صلة قرابة، وإن كان من المحتمل جدا أن أباه قصد عند تسميته أن يكون اسمه على اسم هذا الصحابي الجليل.

كان أنس والد مالك نبّالاً، أي يصنع النِّبَال، وكان مُقعدًا، وعلى الرغم من هذا وذاك كان صاحب علم وحديث، وهو واحد ممَّن روى عنهم الإمام.

وكان للوالد أثر في ابنه مالك، الذي قال: "كان لي أخ في سن ابن شهاب الزهري، فألقى أبي يومًا علينا مسألة، وأجاب أخي وأخطأت، فقال لي أبي: ألهتك الحمام ـ أي شغلك اللعب بالحمام - عن طلب العلم! يقول مالك: "فغضبتُ وانقطعتُ إلى ابن هرمز سبع سنين".

ولكن لم يُعرَف أن مالكًا روى عن أبيه بطريق ثابتة، وهذا دليل على أنه لم يكن يتسع في طلب العلم، وأما ما جاء في بعض الكتب: عن مالك عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث يفرح لهن الجسد، فيربو عليهن: الطِّيب، والثوب اللَّيِّن، وشرب العسل" - فهو ضعيف.

- أعمام مالك:

للإمام ثلاثة أعمام، وهم مع أبيه أنس أربعة إخوة: أكبرهم أنس والد مالك، أما عمه الأول فهو نافع بن مالك أبو سهيل المدني، روى عن ابن عمر، وأنس، وعن ابن أخيه الإمام، والزهري وإسماعيل وحمد ابني جعفر بن أبي كثير، والداودي.

وثَّقه أبو حاتم وغيره، وقد خرَّج البخاري عنه كثيرًا، مات في خلافة أبي العباس السفاح.

وعمه الثاني: أويس بن مالك، ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات. روى عن أبيه، وروى عنه مصعب بن محمد بن شرحبيل.

وعمه الثالث: الربيع بن مالك، ولم يروِ عنه إلا سليمان بن بلال، وذكر التستري لأبي بكر الأوسي عنه رواية، وقد روى أربعتهم عن أبيهم مالك بن أبي عامر.

وكان الإخوة الأربعة يُحسنون الرواية عن والدهم مالك، وكان أشهرهم في هذا الميدان هو أبو سهيل نافع، الذي عُدَّ من شيوخ ابن شهاب الزهري على الرغم من أن فارق السن بينهما لم يكن كبيرًا، بل إن وفاته كانت بعد وفاة الزهري، فلقد عُمِّر دهرًا طويلاً.

- أم مالك:

مالك سليل أسرة عُرِفت بالعلم، أنجبت علماء بارزين لعدة أجيال متعاقبة، ولكن ذلك لم يكن كافيًا لكي يجعل منه عالمًا جليلاً وإمامًا كبيرًا، فكثير من أبناء الأسر المعروفة بالعلم لا يختطون ذلك النهج، ولا يتبعون ذلك السبيل، فكم من أسرة عُرِفت بالعلم ثم رُزِئت بأبناء جُهَلاء، وكم من أسرة مغمورة هي أبعد ما تكون عن العلم أنجبت علماء نابهين، وفقهاء مرموقين.

لم يكن السبب في نجابة مالك مجرد انتمائه إلى هذه الأسرة المستنيرة ذات الأجيال المتعاقبة من العلماء وحسب، وإنما سر آخر يكمن في الأم العاقلة التي تُحسن توجيه أبنائها وتختار لهم الطريق السوي، وتهيئ لهم أسباب النجاح.

هذه الأم هي عالية بنت شريك بن عبد الرحمن بن شريك، وهي، والحال كذلك، عربية أزدية، وهناك من المصادر من يذكرها باسم طليحة ولا يذكر أبًا لها. وقد اختلفت الروايات كما اختلف المحقِّقون حول اسم هذه الأم العظيمة التي أهدت البشرية إمامًا عظيمًا، أهي عالية أم غالية، أم طليحة؟

بل لقد اختلفوا هل هي من الموالي أم من الحرائر؟

إن مالكًا الطفل لم يكن يريد أن يتجه إلى العلم، وإنما رغب في أن يتعلم الغناء ويجيده، ويجعل منه صناعة، والغناء مصدر للمال الكثير، ومجلبة سريعة للثروة في كل الأزمنة. والأم العاقلة لا ترضى لولدها بذلك، والأم الجاهلة أو الغافلة تُسارع إلى تشجيعه عليه.

لقد صرفت أم مالك ابنها في لطف شديد ولباقة جمَّة عن فكرته، واختارت له بديلاً عظيما هو العلم، الذي يرفع من قدر البيوت وإن كانت خاملة.

يقول الإمام عن تلك الحادثة: "نشأتُ وأنا غلام فأعجبني الأخذ عن المغنين، فقالت أمي: يا بنيَّ.. دع الغناء واطلب الفقه، فتركتُ المغنين وتَبِعتُ الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى".

إن أم مالك لم تكتف بتوجيهه إلى طلب العلم وحسب، بل ألبسته ثياب العلم، وفي ذلك يقول مالك: فألبستني ثيابًا مشمرة، ووضعت الطويلة على رأسي ـ يقصد القلنصوة الطويلة ـ وعممتني فوقها ثم قالت: اذهب فاكتب الآن".

ثم تستدرك وتختار له المعلم والأستاذ، وكان أشهرهم آنذاك ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فتقول: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه، وفي رواية: فتعلم علمه قبل أدبه.

- إخوة مالك:

أشهرهم النضر بن أنس الذي كان مُقبِلاً على العلم، ملازمًا للفقهاء، متلقيًا عنهم، معروفًا لديهم، حتى إن مالكًا كان يُعرَف بأخي النضر؛ لأن النضر كان أسبق منه في طلب العلم، وبالتالي كان معروفًا أكثر من أخيه. ثم تشاء المقادير أن يبلغ مالك من العلم والفضل ما شاء الله له، وأن تذيع شهرته بين شيوخ المدينة وعلمائها، فتنقلب الصورة، ويُذكَر النضر على أنه أخو مالك.

وقد ورد أن النضر كان يتَّجِر في البز.

وكان لمالك أخوات منهن: أم أبي بكر الأعشى - واسمه عبد الحميد بن عبد الله - وكان لمالك أخت تسكن معه تهيئ له خبزًا وزيتًا، وله أخت ثالثة هي أم اسماعيل، وقد روى إسماعيل عن خاله مالك.

- أبناء مالك:

كان لمالك أربعة أولاد، هم: يحيى، ومحمد، وحماد، وفاطمة أم أبيها أو أم البنين.

فأما يحيى فضعَّفه ابن حزم، وقال العقيلي: حدَّث عن أبيه بمناكير، وذكره ابن حبان في الثقات ـ وابن حبان يتساهل في التعديل ـ وقد روى عن أبيه نسخة الموطأ، وذكر ابن شعبان أنها تُروَى عنه باليمن، وروى عن محمد بن مسلمة.

قال أحد تلاميذ الإمام: "كنا نجلس عند مالك، وابنه يحيى يدخل ويخرج ولا يقعد، فيُقبل علينا ويقول: إن مما يُهَوِّن عليَّ أن هذا الشأن لا يُورَث، وأن أحدًا لم يخلُف أباه وما حازه إلا عبد الرحمن بن القاسم"، وكان ليحيى هذا ابن اسمه محمد، قدِم مصر، وكُتب عنه.

وأما محمد بن مالك فقد قرَنه ابن حزم مع أخيه بالضعف، وقد كان يحضر مجلس أبيه، وعليه باشق ونعل كيساني، وقد أرخى سراويله عليه، فيلتفت مالك إلى أصحابه ويقول: إنما الأدب أدب الله، هذا ابني، وهذه بنتي.

وكان لمحمد هذا ابن اسمه أحمد، سمع من جده مالك، ذكره أبو عبد الله بن مفرج القرطبي في رُواة مالك، وأبو بكر الخوارزمي البرقاني الحافظ في الضعفاء، وتوفي أحمد هذا سنة ست وخمسين ومائتين.

ويقول الزبيري: وكانت لمالك ابنة تحفظ علمه - يعني الموطأ - وكانت تقف خلف الباب، فإذا غلط القارئ نقَرت الباب، فيفطِن، فينظر مالك فيرد عليه".

أما ابنه حماد فلم يرد له ذكر إلا أنه ابن لمالك، وأنه أوصى به وبأخيه محمد إلى رجل من أهل المدينة اسمه إبراهيم بن حبيب، قال عنه قاسم بن أصبغ: إبراهيم بن حبيب ثقة من أصحاب مالك وهو وَصِيُّه.

- زوجة مالك:

على أن أعظم دروس الإمام من أسرته يتبدى في احترامه لزوجته. وكانت أَمةً تزوَّجها بطريق التسري، فاستبقاها زوجةً وحيدة له، وحاطها وأسرتهما بكل حبه واعتزازه.

ويُلاحظ في أسرة مالك طولُ أعمارها، فالإمام نفسه عاش ما يقارب التسعين عامًا، وعمه أبو سهيل نافع عاش أكثر من سبعين عاما، وجده عاصر عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ـ رضي الله عنهما - وامتد به العمر إلى ما بعد سنة تسع وتسعين، وهي السنة التي ولي فيها عمر بن عبد العزيز الخلافة. وإذا اجتمع طول العمر وحسن العمل وطلب العلم ونشره، كان الحصاد ذا وفرة، والعطاء ذا بركة." اهـ. (الأئمة الأربعة لكمال عودة)
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 04-03-2009 الساعة 09:20 AM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس