عرض مشاركة واحدة
قديم 03-30-2010
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

الدعاء عند القبور
الأدلة على جواز الدعاء عند القبور أكثر من أن تحصى:
1- ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو للأحياء والأموات عند زيارة القبور، ففي صحيح مسلم( ) ومسند أحمد( ) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم السيدة عائشة رضي الله عنها أن تقول عند زيارة البقيع: «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ».
وفي صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله  يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: «السلام عليكم، أسأل الله لنا ولكم العافية»( ).
وفي سنن الترمذي عن ابن عباس قال: مر رسول الله  بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم »( ).
وفي المسند عن عائشة حديثاً في زيارة البقيع، وفيه قول النبي  : «اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم »( ).
فعلم مما سبق أن الدعاء عند القبور للأحياء والأموات سنة.
2- إن الآيات كقوله تعالى:  ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ( ) والأحاديث التي فيها فضل الدعاء والحث عليه جاءت مطلقة وعامة، كقوله : «الدعاء هو العبادة». ولم يرد نص يقيدها أو يخصها بما يفيد منع أو كراهة الدعاء عند القبور، فالواجب الإبقاء على هذه النصوص والعمل بمقتضاها من الإطلاق والعموم، ويؤيد الإطلاق والعموم حصول الخصوص المتقدم في الدعاء عند القبور، وهو نص على أحد أفراد العموم.
3- فإن قيل: هذا خاص بقبر النبي  فالجواب أن الخصوصية لا دليل عليها، بل مشروعية الدعاء عند القبر الشريف تفيد استحباب الدعاء عند الأماكن الفاضلة الأخرى، فالبقعة المباركة لم تفضل وتشرف إلا بساكنها النبي  فاستحب الدعاء عندها، وكذلك كل بقعة تشرفت بصالح أو ولي.
وقال الشوكاني: « قوله: « والمواضع المباركة » وجه ذلك أن يكون في هذه المواضع المباركة مزيد اختصاص، فقد يكون مالها من الشرف والبركة مقتضياً لعود بركتها على الداعي فيها، وفضل الله واسع، وعطاؤه جمّ، وفي الحديث « هم القوم لا يشقى بهم جليسهم » . فجعل جليس أولئك القوم مثلهم مع أنه ليس منهم، وإنما عادت عليه بركتهم فصار كواحد منهم.

فلا يبعد أن تكون المواضع المباركة هكذا، فيصير الكائن فيها الداعي لربه عندها مشمولاً بالبركة التي جعلها الله فيها فلا يشقى حينئذ قبول دعائه »( ).
4- وجاء في تهذيب التهذيب: « عن الحاكم النيسابوري قال: سمعتُ أبابكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافرون، إلى زيارة قبر عليّ بن موسى الرضا بطوس، قال: فرأيت من تعظيمه – يعني ابن خزيمة – لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا»( ).
5- وقال الإمام الحافظ الفقيه أبو حاتم محمد بن حبان البستي في كتابه الثقات (في ترجمة الإمام علي الرضا عليه السلام: « وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرتُ قبر عليّ بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوتُ الله إزالتها عني إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين »( ).
6- وفي سير أعلام النبلاءفي ترجمة معروف الكرخي:
« وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف الترياق المجرب (يريد إجابة دعاء المضطر عنده) لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء، كما أن الدعاء في السحر مرجو، ودبر المكتوبات، وفي المساجد، بل دعاء المضطر مجاب في أي مكان اتفق، اللهم إني مضطر إلى العفو فاعف عني »( ).
7- وفي سير أعلام النبلاء في ترجمة السيدة نفيسة عليها وعلى آبائها السلام قال الذهبي: «قيل: كانت من الصالحات العوابد، والدعاء مستجاب عند قبرها، وعند قبور الأنبياء والصالحين، وفي المساجد، وعرفة ومزدلفة، وفي السفر المباح، وفي الصلاة، وفي السحر، ومن الأبوين، ومن الغائب لأخيه، ومن المضطر، وعند قبور المعذبين، وفي كل وقت وحين، لقوله تعالى:  وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ( )»( ).
8- وفيه أيضاً( )في ترجمة الفقيه الحنفي المصري القاضي بكار بن قتيبة: نقل الذهبي عن ابن خلكان قوله: « وقبره مشهور قد عرف باستجابة الدعاء عنده » .
10- وفي اقتضاء الصراط المستقيم: « وذكر أبو علي الخرقي في قصص من هجره أحمد أن بعض هؤلاء المهجورين كان يجيء عند قبر أحمد ويتوخى الدعاء عنده، وأظنه ذكر ذلك للمروزي»( ). والمروزي توفي سنة خمس وسبعين ومائتين.
11- وفيه «وقد أدركنا في أزماننا وما قاربها من ذوي الفضل علماً وعملاً من كان يتحرى الدعاء عندها – يعني القبور – أو العكوف عليها – يعني القبور -، وفيهم من كان بارعاً في العلم، وفيهم من كان له كرامات »( ).
تعقيب على تعقيب
أولاً: قال ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: «الدعاء لايكره عند القبور مطلقا بل يؤمر به كما جاءت به السنة كأن يمر بالقبور أو يزورها فيسن أن يسلم عليها ويسأل الله العافية له وللموتى، ثم قال: وإنما المذموم أن يتحرى المجيء الى القبر للدعاء»( ).
وقال في موضع آخر: « وأما الدعاء عند القبور فهو جائز بلا ريب مالم يتحروا الدعاء عندها فيكره أو يعتقد الداعي أنه مشروع أو يقصدها معتقداً أن الدعاء عندهم أفضل أو أقرب للإجابة أو أسرع إجابة فيكون حراماً أو مكروهاً »( ).
فمما سبق نجد أنه:
1- استحب الشارعُ زيارة القبور وندب الدعاء عندها كما في الأحاديث الثابتة، فقصد القبور للدعاء عندها مطلوب حيث تحصل الرقة في القلب والخشوع بتذكر المآل، وإذا كان قد ثبت مشروعية الدعاء عند القبور، فالتفرقة بين التحري والعفو لادليل عليها، وهي من باب التفرقة بين أفراد الجنس الواحد الذي هو استحباب الدعاء عند القبور فيدخل فيه ماوقع قصداً أو عفواً.
2- تفرقة ابن تيمية بين ما وقع قصداً أو عفواً تمحل، وهو معارض بقصد عدد من الصحابة رضي الله عنهم للقبر الشريف والدعاء عنده، وقد ثبت ذلك عن جماعة
ومعارض لطلب المجيء للقبر الشريف والدعاء والاستغفار عنده كما في الآية: " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ(النساء: من الآية64)...
3- وابن تيمية نفسه يعارض تفرقته، وله كلام لطيف في تفضيل بعض الأماكن على بعض في الذكر والدعاء، فقال في (الرد على الأخنائي):
« والمؤمن قد يتحرى الصلاة أو الدعاء في مكان دون مكان لاجتماع قلبه فيه، وحصول خشوعه، لا لأنه يرى أن الشارع فضل ذلك المكان كصلاة الذي يكون في بيته ونحو ذلك. فمثل ذلك إذا لم يكن منهيا عنه لابأس به، ويكون ذلك مستحباً في حق ذلك الشخص لكون عبادته فيه أفضل، كما إذا صلى القومُ خلف إمام يحبونه كانت صلاتهم أفضل من أن يصلوا خلف من هم له كارهون »( ).
ثانياً: اعترف ابن تيمية في مواضع من كتبه لاسيما (اقتضاء الصراط المستقيم) ( ) بأن جماعات من أهل العلم والفضل من المتقدمين فمن بعدهم الى عصره كانوا يتحرون الدعاء عند القبور، وأن هذا منصوص عليه في أماكن كثيرة، واستحب العلماء المصنفون في مناسك الحج إذا زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدعو عنده.
وقد أجاب ابن تيمية عن هذه النقول المتواترة قرناً بعد قرن بما نصه (2/691): « الأمة اختلفت، فصار كثير من العلماء أو الصديقين الى فعل ذلك، وصار بعضهم إلى النهي عن ذلك».
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس