الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #8
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

المكتوب الثامن

باسمه سبحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍْ اِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ{

ان لدخول اسمَي ((الرحمن الرحيم)) في البسملة وذكرهما في بدء كل امر ذي بال، حِكَماً كثيرة. أعلق بيان تلك الحكم على مشيئة الله الى وقت آخر، ذاكراً هنا شعوراً خاصاً بي.

اخي!

اني ارى اسمي ((الرحمن الرحيم)) نوراً عظيماً الى حد كبير، بحيث يحيط ذلك النور بالكون كله، وارى فيهما من القوة والسطوع لكل روح، بحيث يحققان لها جميع حاجاتها الابدية، وينجيانها من اعدائها التي لا تحد.

فلقد وجدت أن أهم وسيلة للوصول الى هذين النورين العظيمين تكمن في ((الفقر مع الشكر)) و((العجز مع الشفقة)) أي بتعبير آخر: العبودية والافتقار.

ولمناسبة هذه المسألة اقول، ولكن مخالفاً لأقوال العلماء المحققين، بل حتى مخالفاً لاستاذي الامام الرباني:

ان المشاعر والاحاسيس الشديدة الساطعة التي كان يشعر بها سيدنا يعقوب تجاه سيدنا يوسف عليهما السلام ليست مشاعر نابعة من المحبة والعشق.بل نابعة من الشفقة، لأن الشفقة أنفذ من المحبة والعشق، وأسطع منهما واعلى وأنزه، فهي الأليق بمقام النبوة.

أما المحبة والعشق، فان كانتا شديدتين نحو المحبوبات المجازية والمخلوقات، فلا تليقان بمقام النبوة الرفيع.

بمعنى ان ما يبيّن القرآن الكريم مشاعر سيدنا يعقوب واحاسيسه تجاه سيدنا يوسف (عليهما السلام) في أسطع صورة وألمع اعجاز والتي هي وسيلة الوصول الى اسم ((الرحيم))، إنما هي درجة رفيعة سامية للشفقة.

أما العشق الذي هو وسيلة الوصول الى اسم ((الودود)) فهو في محبة ((زليخا)) (امرأة العزيز) ليوسف عليه السلام.

اذاً فالقرآن الكريم بأيّ مدى بيّن سمو مشاعر سيدنا يعقوب ورفعته على احاسيس زليخا، فان الشفقة ايضاً تبدو أرفع وأسمى من المحبة بتلك الدرجة.

ولقد قال استاذي الامام الرباني: ان المحاسن الجمالية ليوسف عليه السلام هي من قبيل المحاسن الاخروية، لذا فالمحبة المتوجهة نحوها ليست من انواع المحبة المجازية حتى يبدو النقص والقصور فيها. ذلك لأنه يرى أن العشق المجازي لا يليق تماماً بمقام النبوة.

وانا اقول:

يا استاذي المحترم! ان هذا تأويل متكلف. أما الحقيقة فينبغي ان تكون هكذا:

ان تلك المشاعر والاحاسيس ليست مشاعر محبة، بل هي مرتبة من الشفقة التي هي أسطع من المحبة بمائة درجة وأوسع منها وأسمى.

نعم! ان الشفقة بجميع انواعها لطيفة، نزيهة، أما العشق والمحبة فلا يُتنازَل الى كثير من انواعهما.

ثم ان الشفقة واسعة، اذ الوالد الذي يشفق على اولاده يشفق ايضاً على جميع الصغار، بل حتى على ذوي الارواح، فيبين نوعاً من انوار اسم ((الرحيم)) المحيط بكل شئ. بينما العشق يحصر النظر بمحبوبه وحده. ويضحي بكل شئ في سبيله. أو يذم الآخرين ضمناً ويهوّن من شأنهم اعلاءً لقدر محبوبه وثناءً عليه.

فمثلاً قد قال احد العاشقين:

((ان الشمس لتخجل من جمال محبوبتي،فتتستر بحجاب السحاب لئلا تراها)).

ايها العاشق! بأي حق تُخجل الشمس، تلك الصحيفة النورانية التي تظهر ثمانية اسماء عظمى؟



ثم ان الشفقة خالصة، لا تطلب شيئاً من المشفق عليه، فهي صافية لا تطلب عوضاً. والدليل على هذا، الشفقة المقرونة بالتضحية التي يحملها والدات الحيوانات، والتي هي ادنى مراتب الشفقة، فهي لا تطلب مقابل شفقتها شيئاً.

بينما العشق يطلب الاجرة والعوض. وما نواح العاشقين الا نوع من الطلب، وسؤال للاجرة.

اذاً فان شفقة سيدنا يعقوب التي هي اسطع نورٍ يتلمع في أسطع سور القرآن، سورة يوسف، تظهر اسمي ((الرحمن الرحيم)) وتعلن: ان طريق الشفقة هي طريق الرحمة، وان ضماد ألم الشفقة ذاك انما هو: } فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحمُ الراحمين{ (يوسف: 64).







الباقي هو الباقي





سعيد النورسي
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس