عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2008
  #2
نوح
رحمتك يارب
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,437
معدل تقييم المستوى: 18
نوح is on a distinguished road
افتراضي

البشرى


وفي الوقت المعلوم والتوقيت المقسوم جاءتها البشرى: “وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِن اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الراكِعِينَ، ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ، إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِن اللّهَ يُبَشرُكِ بِكَلِمَةٍ منْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَربِينَ، وَيُكَلمُ الناسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصالِحِينَ، قَالَتْ رَب أَنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ، وَيُعَلمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ، وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَني قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ من ربكُمْ أَني أَخْلُقُ لَكُم منَ الطينِ كَهَيْئَةِ الطيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِن فِي ذَلِكَ لآيَةً لكُمْ إِن كُنتُم مؤْمِنِينَ. وَمُصَدقاً لمَا بَيْنَ يَدَي مِنَ التوْرَاةِ وَلِأُحِل لَكُم بَعْضَ الذِي حُرمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ من ربكُمْ فَاتقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ. إِن اللّهَ رَبي وَرَبكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مسْتَقِيمٌ” (آل عمران: 42 51).

كانت البشارة متعددة النواحي والأركان فهي بشارة باصطفاء الله عز وجل لها على نساء العالمين وبشارة بولد وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين.

وتمضي الآيات الكريمات في ذكر صفات هذا النبي، ورسالته إلى بني إسرائيل، وذكر المعجزات التي سيبعث بها كما تضمنت بشارة الملائكة أمراً لمريم بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لله رب العالمين. فتعجبت من وجود ولد من غير والد لأنها لا زوج لها ولا هي ممن تتزوج، فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.

محنة ومنحة


استكانت مريم لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل. وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لابد منها من استقاء ماء أو تحصيل غذاء. فبينما هي يوما قد خرجت لبعض شؤونها فانفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى. إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام فتمثل لها بشراً سويا.

يحكي القرآن الكريم القصة في آيات كريمات حيث يقول الله جل شأنه: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً. فَاتخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً، قَالَتْ إِني أَعُوذُ بِالرحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً. قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لِأَهَبَ لَكِ غلاماً زَكِيّاً، قَالَتْ أَنى يَكُونُ لِي غلام وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً. قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبكِ هُوَ عَلَي هَينٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلناسِ وَرَحْمَةً منا وَكَانَ أَمْراً مقْضِيّاً. فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً. فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِت قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً منسِيّاً، فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً، وَهُزي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَري عَيْناً فَإِما تَرَيِن مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِني نَذَرْتُ لِلرحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً. فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً. يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمكِ بَغِيّاً، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً. قَالَ إِني عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصلاةِ وَالزكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً. وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَباراً شَقِيّاً. والسلام عَلَي يَوْمَ وُلِدت وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً، ذَلِكَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَق الذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. مَا كَانَ لِلهِ أَن يَتخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ. وَإِن اللهَ رَبي وَرَبكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مسْتَقِيمٌ. فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ للذِينَ كَفَرُوا مِن مشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ” (مريم: 16 37).

براءة من السماء


اختلف المفسرون في كيفية نفخ الملك الروح في مريم، كما اختلفوا في مدة الحمل. “وذكر غير واحد من السلف منهم وهب بن منبه أنها لما ظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لذلك رجل من عباد بني إسرائيل يقال له: يوسف بن يعقوب النجار وكان ابن خالها فسألها فأخبرته خبرها” (قصص الأنبياء ص 400 401).

وإذا كان حمل مريم في عيسى وولادتها له بدايات معجزات هذا النبي الكريم فقد كان كلامه الفصيح المعجز وهو في المهد غاية في الإعجاز والشهادة ببراءة أمه عليها السلام فقد قرر هذا الغلام المعجز وحدانية الله عز وجل وعبوديته هو له. كما قرر ما منحه الله من قدرات ومعجزات. ودعا قومه وهو في المهد لعبادة الله الواحد الأحد. ونزهه عن الولد، وقد انتقلت به أمه من موضع ولادته في بيت لحم إلى بيت المقدس.

وذكر وهب بن منبه انه لما ولد عيسى بن مريم عليه السلام خرت الأصنام في مشارق الأرض ومغاربها، وأن الشياطين حارت في سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس الكبير أمر عيسى. وكان وهو صبي يأتي بالعجائب إلهاما من الله سبحانه، ففشا ذلك في اليهود. وترعرع عيسى فهمت به بنو إسرائيل فخافت أمه عليه فأوحى الله إلى أمه أن تنطلق به إلى أرض مصر وفي ذلك يقول عز وجل: “وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ” (المؤمنون: 50) وقيل إن هذه الربوة قرب دمشق في بلاد الشام.

وقال إسحاق بن بشر عن إدريس عن وهب بن منبه أن “عيسى عليه السلام لما بلغ ثلاث عشرة سنة أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما إلى إيليا. وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة، وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب لما يدخرون في بيوتهم، وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتي من العجائب، فجعلوا يعجبون منه فدعاهم إلى الله ففشا فيهم أمره” (قصص الأنبياء ص416). ويروى أن الإنجيل أنزل على عيسى بن مريم عليه السلام في ثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان المعظم، وذكر ابن جرير في تاريخه انه انزل عليه وهو ابن ثلاثين سنة ومكث حتى رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وقيل ابن أربع وثلاثين.

“وقال الثعلبي إن مريم عليها السلام توفيت بعد رفع ولدها عليه السلام بست سنين وكانت مدة حياتها حوالي ستين سنة. ولما ماتت دفنت في بيت المقدس وقبرها يزار هناك الآن”. (“بدائع الزهور في وقائع الدهور” للشيخ محمد بن أحمد بن إياس، ص159) ولقد كانت في مولدها معجزة وفي حياتها قدوة وأسوة حسنة ويكفيها فخراً وعلو مكانة ما وصفها به القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم.

_________________
__________________

نوح غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس