عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - نور من انوار نجوم القرآن

المثنوي العربي النوري - ص: 456
[24] اعلم! 1 انه سبحانه قريبٌ، وانت بعيدٌ، اِذ كما انه معك، هو مع جميع أفراد نوعك، وكما انه مع نوعك، هو مع جميع أفراد جنسك، وكما انّه هو مع جنسك، هو مع جميع جزئيات ذوي الحياة، وكما انه مع جميع ذوي الحياة هو مع سائر طبقات الموجودات ودوائرها، طبقةً الى طبقة جميع الموجودات والى طبقة الذرّات والأثير والروحانيّات والمعنويات والى مالا يحيط به الوهمُ.
فأذا أردتَ القربَ من جهتك لابدّ ان تمرّ منك متبسطاً مترفّعاً من الجزئية الى مقام كليةِ النوع، ثم تذهب مترقّياً في الكلية باطلاق الرّوح في التجرّد الى مقام الجنس، وهكذا الى قطعِ قريبٍ من سبعين ألفِ حجاب؛ اذ اِنّه كما أنّه عندك فهو عند كلّ شئ. فانما تكون عنده - من عندك - اِن كنتَ عند كل شئ، ثم بعده يصادفك مالا يحد من مسافة ما بين الإمكان والوجوب.
كيف الوصول الى بعيدٍ في قربه ودونَهُ ألوف سرادقات؟ ودونهنَّ حتوفٌ، فاذ كان هذا هكذا فأفْنِ منْكَ بُعدِكَ لتبقى به وتَقرُب بقربه.
اعلم 2 ....
[31]....
اعلم! ان الله أقرب اِلينا منّا، ونحن بعيدون بلا نهايةٍ ومن شواهد قربه تصرّفه، واذا طلبناه عندما يتصرّف فيه لانجده الاّ عند كلّ شئ، واذا وصلنا بالترقّي الى عند كلّ شئ بالاحاطة بدائرة الامكان، لا نجده أيضاً الاّ خَلفَ الحُجُب النورانية في دائرة الوجوب من سرادقات الاسماء والصفات والشؤونات في العزّة والعظمة والكبرياء، واما اذا طلبناه من جهة قربه بترك نفسنا، فالأمر سهلٌ ان شاء الله لا حول ولا قوة الا بالله.
اعلم 3....
[36] اعلم! 4 يا مَن يحب ان يعرفَ الفرقَ بين حكمةِ القرآن وحكمةِ الفلسفة! ان مثلهما كمثل قرآن كتبت في حروفاته بتذهيبات متنوعة ونقوش مزينة
_____________________
1 هذه المسألة الدقيقة تتناولها الكلمة الرابعة عشرة بتفصيل وتوضيح.
2 هذا المبحث من هذه الصفحة [24] منشور في المثنوي العربي النوري.
3 المباحث الموجودة ضمن صفحات المخطوط [31 - 35] منشورة في المثنوي العربي النوري.
4 راجع ان شئت الكلمة الثانية عشرة (الاساس الأول والثاني والثالث).



المثنوي العربي النوري - ص: 457
بعضها بالذهب والفضة وبعضها بالألماس والزمرّد وبعضها بالجواهر والعقيق.. وهكذا. وقرأه شخصان فاستحسَناه فقالا: فلنكتبْ على محاسن هذا الشئ المزيّن كتاباً فكتب كل منهما كتاباً.
امّا أحدهما: فهو أجنبيّ لا يعرف من العربية حرفاً واحداً حتى لا يعرف انّ مشهوده كتاب، لكن له مهارة في الهندسة والتصوير ومعرفة الجواهر وخاصياتها فكتب كتاباً عظيماً يبحث عن نقوش الحروف ومناسباتها وجواهرها وخاصياتها ووضعياتها وتعريفاتها.
واما الآخر: فحينما رآه عرف انه كتاب مبين وقرآن حكيم فلم يشتغل بنقوش حروفه المزيّنة بل اشتغل بما هو أعلى وأغلى وألطف وأشرف وأزين وأحسن بملايين المراتب مما اشتغل به رفيقُه، وهو بيان جواهر معانيه وانوار أسراره فكتب تفسيراً يبحث عن حقائق الآيات.
يامَن له عقل! فبالله عليك لأيّ هذين الكتابين يقال انّه كتاب حكمة هذا القرآن؟ فاذ فهمتَ التمثيلَ فأنظرْ الى وجه الحقيقة: أما القرآن فهو هذا العالمُ واما الشخصان فكُتب الفلسفة والحكماء، والقرآن وتلامذته.
(ومَن يتوكّل على الله فهو حَسْبُه) 1
اعلم! 2 يا أيها السعيدُ! انّ السعادةَ في التوكل، فتوكّلْ على الله لتستريحَ في الدنيا وتستفيد في الأخرى.
مَثَلُ المتوكل وغيرُ المتوكل الذي يرجع الى التوكل، كَمَثَلَ رجلين حاملين على ظهورهما ورؤسهما أحمالاً ثقيلةً، فدخلا سفينةً، فأما أحدُهما فوضع حِملَه في السفينة وقَعَدَ على متاعِه مستريحاً.
واما الآخر فَلِبلاهَتِهِ في غروره لم يضع حمله، فقيل له:
اطرحْ حِملك الثقيلَ على السفينة!
_____________________
1 الطلاق: 3
2 الكلمة الثالثة والعشرون فيها توضيح وافٍ.




المثنوي العربي النوري - ص: 458
فقال: انا قويّ. فقيل له: ان السفينةَ التي حملتْكَ أقوى واحفظُ. مع ان ظهرَك ورأسَك - المتزايدَ ضعفهما - لا يُطيقانِ حملَ هذهِ الأحمالِ المتزايدِ ثقلها. فقيل له: بل سلامتُك أيضاً مربوطةٌ بوضعِ حملك. اِذا رآك صاحبُ السفينة في هذه الوضعيةِ فإما يقولَ: هو مجنونٌ فليُطردْ أو خائن يتّهمُ سفينتنا ويستهزئُ بنا، فليحبس. بل لا تخلص من السخرية واستهزاء الخلق، اذ لمّا لم تكفِ قوتُك لدوامِ الحمل اضطررتَ الى التصنّع المشير الى الرياء، والى التكبر المشير الى الضعف، والى الغرور المشير الى العجز، فتصيرُ اضحوكةً يضحكُ من حالك الناسُ. فتفطَنَ الى خطئه. فرجع من عناده فوضع حمْلَهُ فقعد عليه. فتنفّس فاستراح فقال: جزاك الله خيراً ارشدتني الى ما فيه راحتي وسلامتي وحيثيتي.
[50] النكتة الخامسة
اعلم! ان في ختم الآيات في الأغلب بفذلكات متضمنة للاسماء الحسنى، أو بعينها، أو متضمنة للأمر بالتفكر والحوالة على العقل، أو متضمنة لأمر كلي من المقاصد القرآنية، شرارات من نور حكمته العلوية ورشاشات من ماء هدايته الالهية؛ اذ القرآن الحكيم ببيانه الاعجازي، يبسط الآثار وافعال الصانع للنظر، ثم يستخرج منها الاسماء، أو ثبوت الحشر، أو التوحيد، كأمثال:
(خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى الى السماء فسويهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم) 1،
(ألم نجعل الأرض مهاداً _ والجبال أوتاداً _ وخلقناكم أزواجاً _ وجعلنا نومكم سباتاً. وجعلنا الليل لباساً _ وجعلنا النهار معاشاً _ وبنينا فوقكم سبعاً شداداً _ وجعلنا سراجاً وهاجاً _ وانزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً _ لنخرج به حباً ونباتاً _ وجناتٍ ألفافاً _ ان يوم الفصل كان ميقاتاً)
2
وكذا ينشر للبشر منسوجات صنعه ثم يطويها في الاسماء، أو الحوالة على العقل كأمثال:
_____________________
1 البقرة: 29
2 النبأ: 6 - 17



المثنوي العربي النوري - ص: 459
(قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون _ فذلكم الله ربكم) 1
و
(ان في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخّر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) 2
وكذا يفصل أفاعله ثم يُجملها باسمائه أو بصفته، كأمثال:
(وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما اتمّها على أبويك من قبل ابراهيم واسحق ان ربك عليم حكيم) 3
(قل اللّهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير اِنك على كل شيء قدير)
4
وكذا يرتب المخلوقات ويشففها باراءة نظامها وميزانها وثمراتها ثم يريك الاسماء المتجلية عليها كأن تلك المخلوقات ألفاظ وهذه الاسماء معانيها أو ماؤها أو نواتها أو خلاصتها، كأمثال:
(ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين _ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين _ ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) 5
_____________________
1 يونس: 31 - 32
2 البقرة: 164
3 يوسف: 6
4 آل عمران: 26
5 المؤمنون: 12-14



المثنوي العربي النوري - ص: 460
(ان ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغشِي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) 1
وكذا قد يذكر الجزئيات المادية المتكيفة المتغيرة ثم يجملها بالاسماء الكلية النورانية الثابتة وبفذلكة مشوقة على التفكّر والعبرة، كأمثال:
(وعلّم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين _ قالوا سبحانك لا علم لنا الاّ ما علمتنا اِنك انت العليم الحكيم) 2
(وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرثٍ ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين _ ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً اِن في ذلك لآية لقوم يعقلون _ وأوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون _ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبُلَ ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاءٌ للناس ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون)
3
وكذا يفرش الكثرة المتوسعة ثم يضع عليها مظاهر الوحدة كجهة الوحدة ويلفّها بالقاعدة الكلية، كأمثال:
(وسع كُرْسِيّه السّمــوات والأرض ولا يؤُدهُ حِفظُهُمَا وهو العليُّ العظيم) 4.
(الله الذي خلق السّمــوات والأرض واَنزلَ من السّماء ماءً فأخرج به من الثّمرات رزقاً لكم وسخّر لكم الفلكَ لتجري في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهَار _ وسخّر لكم الشمسَ والقَمرَ دائبين وسخّر لكم الليل والنهَار _ واتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمتَ الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار)
5.
_____________________
1 الاعراف: 54
2 البقرة: 31-32
3 النحل: 66-69
4 البقرة: 255
5 ابراهيم: 32-34



المثنوي العربي النوري - ص: 461
وكذا قد يظهر بعد السبب الظاهري عن قابلية ايجاد المسبب وثمراته، اذ أين السبب الجامد من تلك المسافة من قصد غايات عالية حكيمة، وللدلالة على ان الاسباب، وان قارنت واتصلت في النظر بالمسببات، لكن بينهما مسافة طويلة من تلك المسافة، تظهر مطالع الاسماء، اذ لا طاقة لأعظم الاسباب على حمل أخف المسببات، كما ترى تماس دائرة الافق من الجبال بالسماء، مع ما بينهما من المسافة العظيمة التي تطلع فيها النجوم، كأمثال:
(فلينظر الانسان الى طعامه _ أنا صًببنا الماء صباً _ ثم شققنا الأرض شقاً _ فانبتنا فيها حباً _ وعنباً وقضباً _ وزيتوناً ونخلاً _ وحدائق غُلباً _ وفاكهة وأباً _ متاعاً لكم ولأنعامكم) 1.
نعم! أشار بلفظ "متاعاً" وبذكر الثمرات العجيبة الصنعة والحكمة الى عزل الاسباب الظاهرية الجامدة عن التأثير الحقيقي.
وكذا:
(ألم تر ان الله يُزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بردٍ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار _ يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لأولي الأبصار _ والله خلق كل دابةٍ من ماءٍ فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء ان الله على كل شئ قدير) 2.
وكذا قد يعدّ عجائب أفعاله تعالى ليعدّ الذهن ويحضره لقبول خوارق أفعاله الأخروية أو يذكر أفعاله الاستقبالية الأخروية بصورة تشير الى نظائرها المشهودة لنا كأمثال:
(أوَ لم يَر الانسان انا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين _ وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم _ قل يحييها الذي أنشأها أول
_____________________
1 عبس: 24-32
2 النور: 43-45



المثنوي العربي النوري - ص: 462
مرّة وهو بكُلّ خَلقٍ عَليمٍ _ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَاراً فَاِذَا أنتُم مِنْه تُوقِدُون _ أوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ والاَرضَ بِقَادرٍ عَلى اَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بلى وهو الخلاّق العَليم) 1.
(اِذَا الشَّمْسُ كوّرت) 2
(اِذَا السَّماءُ انْفَطَرَت...) 3
(اِذَا السَّماءُ انْشَقَّت(
4
[51] فانا نرى في الحشر الربيعي كثيراً من نظائر الحشر الأخروي مثلاً: (واذا الصحف نشرت) 5 ترى نظيرها، بل نظائرها في نشر البذورات والنواتات صحائف أعمال أمهاتها وأصولها وتأريخ حياتها في الحشر الربيعي.
وكذا قد يذكر مقاصد جزئية ثم يقررها ويحققها باسماء هي كالقواعد الكلية كأمثال:
(قَدْ سَمِعَ الله قَولَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي اِلى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُركُما انّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ 6
سُبحَانَ الَّذِي اَسْرى بِعَبْدِهِ لَيلاً مِنَ المسْجِدِ الحَرام اِلى المسْجِدِ الأقْصى الَّذي بَارَكْنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنَا اِنَّهُ هُو السَّمِيعُ البَصِيرُ)7.
(اَلحَمدُلله فَاطِرِ السَّمواتِ وَالأرضِ جَاعِلِ الملئِكَة رُسُلاً اُولي أجْنحَة مَثْنى وثَلاث ورُبَاع يَزيدُ فِي الخَلقِ مَا يَشَاءُ اِنّ الله عَلى كُلّ شَئٍ قَدِير) 8
وكذا قد يذكر أفعال الخلق فيهدّد ثم يسلّي بأسماء تشير الى الرحمة كأمثال:
(قُلْ لَو كَانَ مَعهُ آلهِةٌ كَمَا يَقُولُون اِذاً لاَبتَغُوا الى ذِي العَرشِ سَبِيلاً _ سُبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً _ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمواتُ السَّبع والاَرض ومَن فيِهن
_____________________
1 يس: 77 -81
2 التكوير: 1
3 الانفطار: 1
4 الانشقاق: 1
5 التكوير: 10
6 المجادلة: 1
7 الاسراء: 1
8 فاطر: 1



المثنوي العربي النوري - ص: 463
واِن مِن شَئٍ اِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لا تَفقَهُونَ تَسبِيحَهُم اِنهُ كَانَ حَلِيماً غفوراً) 1.
اعلم 2
[52]مبحث عظيم 3
فان قلتَ ما وجهُ تفوقِ قيمةِ القرآن على الكل مع ان القرآن يقول: (قُل لَو كَان البَحرُ مِداداً لِكَلمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحرُ قَبلَ اَن تَنفَدََ كَلِمَاتِ رَبِّي) 4.
قيل لك: ان القرآن كلامُ الله باعتبار انه ربُ العالمين.. وبعنوان اله العالمين.. وباسم ربِّ السموات والارضين.. ومن جهة الربوبية المطلقة. ومن جهة السلطنة العامة.. ومن جانب الرحمة الواسعة.. ومن حيثية حشمة عظمة الالوهية.. ومن محيط اسمه الأعظم الى مُحاط عرشه الأعظم.
واما سائرُ الكلمات الالهية:
فمنها ما هو باعتبار خاص، وبعنوان خاص، باسم جزئي، في تجلي جزئي، ومن جهة ربوبية خاصة وسلطنة مخصوصة، ورحمة خصوصية، كأكثر الالهامات. ومن هذا السرّ يقول الوليّ: "حدثني قلبي عن ربي" ولا يقول: "عن رب العالمين".
نعم. أين فيضك بمقدار قابليتك من تجلي ربك في مرآة قلبك أيّها الولي، ثم اين فيض النبيّ من تجلي رب العالمين بالاسم الاعظم في مرآة العرش الأعظم الأم لجميع العروش باعتبار الاسماء بجلواتها؟.. كما، اين فيضك من شمسك في مرآتك الصغيرة المكدّرة، ثم اين الفيض من شمس العالم في سقف السماء؟ و..كما أين خطابُ مَلكٍ لأحد رعيته بأمر جزئي لحاجة بتلفونه الخاص، ثم اين فرمان ذلك الملك
_____________________
1 الاسراء: 42-44
2 هذه المباحث الموجودة في ص[36-50] وكذا [51 وقسم من 52] من المخطوط منشورة في المثنوي العربي النوري.
3 الاساس الرابع من الكلمة الثانية عشرة وكذلك الكلمة الخامسة والعشرون (المعجزات القرآنية) تفصّلان هذا المبحث، وانظر ان شئت أيضاً رسالة (المعراج النبوي).
4 الكهف: 109



المثنوي العربي النوري - ص: 464
بعنوان السلطنة العظمى وباسم الخلافة الكبرى ومن حيثية حشمة مالكيته العليا وبقصد تشهير أوامره في أطراف مملكته بواسطة سفرائه وأمنائه؟.
فمن هذا السرّ العظيم يفهم سرُّ كون أكثر الوحي بواسطة المَلَك، والإلهام الالهي بدونه.. وسرُّ عدم بلوغ أعلى وليّ درجةَ أحد نبيّ من الأنبياء.. وسرُّ عظمة القرآن وعزة قدسيته وعلو اعجازه في غلو اِيجازه.. وسرُّ لزوم المعراج الى السماء الى سدرة المنتهى الى قاب قوسين، لمناجاة مَنْ هو أقرب اليه من حبل الوريد.. ثم الرجوع في طرفة عين. وغير ذلك من الأسرار..
ثم ان الكلام النفسي كالعلم والارادة صفةٌ أزلية بسيطة معلوم الوجود والثبوت، مجهول الكُنهِ والكيفية. وان الكلمات لا نهايةَ لها.
(سبحانك لا علم لنا الاّ ما علمتنا انك انت العليم الحكيم) 1
أيها الناطر! هذا المبحث العظيم من تتمات القطرة الرابعة من الرشحة الرابعة عشرة.
_____________________
1 البقرة : 32



المثنوي العربي النوري - ص: 465
[53]بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
بسم الله. اعلم 1 ان كل شئ يقول: بسم الله. اِِما بلسان قاله أو حاله أو استعداده؛ اذ ترى: انه ما من شئ من الأشياء، من الذرات الى الشموس الاّ وهو مع عجزه في ذاته قد تحمّل وظيفة عجيبة لا تكفي قوته لعُشر معشار عشير تلك الوظيفة. فبالبداهة يُعلم انه: انما تحمّلها بحول قويّ عزيز، وانما يباشرها باسم قدير حكيم.
وكذا هو مع جهله قد حمل على ظهره ورأسه غاياتٍ موزونة وثمرات منظومة، فيها نفع العموم، مع انه لا يعود منها الى نفسه عُشر معشار عشيرها، فبالبداهة يُعلم ان ذلك الشئ انما حُمّل تلك الغايات الحكيمة باسم عظيم حكيم، ويوصلها الى ذوي الحياة باسم رحمن رحيم وبحساب عليم كريم.
فان شئت فانظر الى النواتات والبذور وما تحمّلت من الاشجار والسنابل، والى الأشجار وثمراتها، والى الحيوانات والحوينات ووظائفها العجيبة. فمَن له أدنى شعور؛ كما يفهم ان نفراً منفرداً اذا ساق جميع اهل بلد الى محل بعيد بغير رضاهم ثم قسّمهم الى وظائف وخدمات مختلفة، انه ما يفعل الاّ بقوة سلطانه، وما يعمل الاّ باسمه، ومايستخدمهم الاّ بحسابه، كذلك لابد اَن يفهم ان هذه الموجودات العاجزات الجاهلات، ماتحمّل هذه الوظيفات العظيمات المنتظمات، الاّ باسم قدير عليم، وبحساب عزيز حكيم وانما تهدي الينا هذه الثمرات باسم رحمن رحيم، وليس من وظائفها وغاياتها الاّ ما أعطته الرحمة العامة لكل فرد من اللذة الخصوصية في خدمة الخاصة، كلذّة الترحم في شفقة الوالدات، وكحلاوة الفعالية في استعداد النحل بامتثال الوحي، وكذوق التلقيح في الفحول، وكالتلذذ في التغذي،
_____________________
1 الكلمة الاولى توضح هذه المسألة.




عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس