عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الخامس عشر


الشعاع الخامس عشر - ص: 647
يقولون مثلي: "إياك نعبد وإياك نستعين " مصدقين دعواي ومؤمّنين لدعائي. ومن خلال إتخاذهم صورة شفعاء لي، رفع ستار آخر امام خيالي، فرأيت ان العالم الاسلامي قد أتخذ صورة مسجد عظيم جداً واخذت مكة المكرمة والكعبة المشرّفة بمثابة محراب ذلك المسجد العظيم وقد يمّم جميع المصلين الصافين المتراصين وجوههم بشكل حلقات شطر ذلك المحراب المقدس وهم يقولون مثلي: "إياك نعبد وإياك نستعين. إهدنا.." وكل منهم يصدق الكل ويدعو بإسمهم، جاعلا جميع المصلين شفعاء له.
وحينما كنت أفكر أن طريقاً يسلكها جماعة عظيمة الى هذا الحد لاتكون طريقاً عوجاً قطعاً ولاتكون دعواها إلا صواباً، ولايُردُّ دعاءها بل تطرد شبهات الشيطان.. وإذ أنا أصدق منافع الصلاة العظيمة في جماعة تصديقاً شهودياً، رفع ستار آخر، ورأيت :
كأن الكون مسجد كبير وجميع طوائف المخلوقات منهمكة في صلاة جماعية كبرى، كل قد علم صلاته وتسبيحه، يؤدى نوعا ًً من صلاة خاصة به بلسان الحال. ايفاء ً لعبودية واسعة عظيمة جداًً إزاء ربوبية المعبود الجليل المحيطة. فيصدق كل منهم شهادة الجميع على التوحيد بحيث يحصل كل منهم على اثبات النتيجة نفسها. وإذ كنت اشاهد هذه الامور، رفع ستار آخر، ورأيت :
كما ان الكون الذي هو انسان كبير يقول بلسان الحال وبلسان الاستعداد والحاجة الفطرية لكثير من اجزائه، وبلسان المقال لذوي الشعور من موجوداته: "إياك نعبد وإياك نستعين" مظهرين عبوديّتهم لخالقهم ازاء ربوبيته الرحيمة، كذلك جسدى، هذا الكون الصغير، كجسد كل مصلّ ٍ معي في تلك الجماعة العظمى يقول بذراته وبقواه وبمشاعره ايضاً : "إياك نعبد وإياك نستعين" بلسان الطاعة والحاجة، ازاء ربوبية خالقه، منقاداً للأمر الآلهى مستسلماً لارادته سبحانه، ورأيت ان تلك الجماعة من الذرات والقوى والمشاعر تعرض في كل آن حاجتها الى عناية خالقها الجليل وتبسطها امام رحمته واعانته. وشاهدت باعجاب السر الرفيع للجماعة في الصلاة، وأبصرت المعجزة الجميلة لـ"ن" نعبد. واستودعت تلك السياحة الخيالية لدى باب "ن" الذي دخلتها منه. وحمدتُُ الله قائلاً: الحمد لله. وسعيت لاقول "إياك نعبد وإياك نستعين" بلسان تلك الجماعات الثلاث، اولئك الاصدقاء الكبار والصغار.
الشعاع الخامس عشر - ص: 648
والآن انتهت المقدمة، ونرجع الى ما نحن بصدده. وهو اشارة مختصرة الى الحجة التى تشير اليها "إياك نعبد وإياك نستعين ".
أولاً: إننا نشاهد بأبصارنا فعالية وخلاقية مهيبتين دائمتين وفي أتم أنتظام وانسجام تجريان في الكون باسره ولاسيما على سطح الارض. ونشاهد ربوبية مطلقة رحيمة مدبّرة ضمن هذه الفعالية والخلاقية تستجيب لاستعانات واستغاثات تنطلق مما لايحد من ذوي الحياة غير المحدودة واستمداداتها ودعواتها الفعلية والحالية والقولية استجابة تتسم بكمال الحكمة ومنتهى العناية. ونرى تجليات الوهية مطلقة ومعبودية عامة ضمن هذه الربوبته وضمن مظاهر استجابة كل كائن حي على حدة استجابة فعلية لمقابلة الوف الانماط من العبادات الفطرية والاختيارية التي تؤديها جميع المخلوقات ولاسيما ذوي الحياة وبخاصة طوائف الانسان، يراها العقل السليم ويبصرها الايمان. كما تخبر عنها جميع الكتب السماوية والانبياء الكرام عليهم السلام .
ثانياً: ان انشغال كل جماعة من الجماعات الثلاث المذكورة في المقدمة، بما ترمز اليها "ن" نعبد؛ انشغالها جميعاً ومعاً بعبادات فطرية واختيارية وباشكال مختلفة تدل بالبداهة على أنها مقابلةٌ شاكرة ازاء ألوهية معبودة وشهادات قاطعة لاحد لها على وجود المعبود المقدس .
وان لكل جماعة من الجماعات الثلاث المذكورة ولكل طائفة من طوائفها، ولكل فرد من افرادها ابتداءً من مجموع الكون كله الى جماعة ذرات جسد واحد، إستعانة فعلية وحالية، ولكل منها دعاء خاص بها كما يرمز الى ذلك "ن" نستعين. فالسعي لإعانة كل منها واغاثتها واستجابة دعائها، شهادة صادقة لاتقبل الشبهة قطعاً على مدبّر رؤوف رحيم .
فمثلاًً :مثلما ذكرت "الكلمة الثالثة والعشرون": ان استجابة الانواع الثلاثة للادعية التي تدعو بها جميع المخلوقات على الارض كافةً، استجابة خارقة جداً ومن حيث لايحتسب، تشهد شهادة قاطعة على ربّ رحيم مجيب...
نعم، كما اننا نشاهد بابصارنا استجابة دعاء كل نواة وكل بذرة تسأل خالقها بلسان الاستعداد لتصبح شجرة وسنبلة. كذلك نشاهد ارسال الارزاق الى جميع
الشعاع الخامس عشر - ص: 649
الحيوانات بما تقصر ايديها عنها، واعطائها ما يلزم حياتها، واستجابة مطاليبها التي هي خارجة عن طوقها؛ والتي تسألها من واحد احد بلسان الحاجة الفطرية .
فهذه الاستجابات والامدادات تشهد شهادة صادقة على خالق كريم يستجيب لجميع تلك الادعية المنطلقة بلسان الحاجة الفطرية، كما نشاهدها بأم أعيننا؛ ويدفع مخلوقات عجيبة لاشعور لها لإمداد تلك الحيوانات في انسب وقت و في اتم حكمة.
وهكذا فقياساً على هذين القسمين؛ فإن استجابة جميع انواع الادعية التي تُسأل بلسان المقال؛ ولاسيما ادعية الانبياء عليهم السلام والخواص، استجابة خارقة، تشهد على حجة الوحدانية التي في "إياك نستعين".

الكلمة السادسة: وهي (اهدنا الصراط المستقيم).
ان اشارة في منتهى الاختصار الى حجتها هي :
كما ان اقصر الطرق المؤدية من مكان الى آخر هي الطريق المستقيم، وان اقصر الخطوط الممتدة بين نقطة واخرى بعيدة عنها هو الخط المستقيم؛ كذلك ان اصوب طريق في المعنويات وفي الطرق المعنوية وفي المسالك القلبية واكثرها استقامة هي اقصرها وايسرها. فمثلاً: ان جميع الموازنات والمقايسات المعقودة في رسائل النور بين طريق الايمان والكفر تبين بياناً قاطعاً ان طريق الايمان والتوحيد اقصر الطرق واصوبها وايسرها واكثرها استقامة، بينما طرق الكفر والانكار طويلة جداً وذات مشكلات ومخاطر. فلاشك ان هذا الكون الذي يساق في طريق ذات استقامة وحكمة وهي اقصر الطرق واسهلها في كل شئ، لايمكن ان تكون فيه حقيقةالشرك والكفر. بينما حقائق الايمان والتوحيد واجبة وضرورية في هذا الكون ضرورة الشمس فيه.
وكذا فان ايسر الطرق في الاخلاق الانسانية وانفعها واقصرها واسلمها هي في الصراط المستقيم وفي الاستقامة.
الشعاع الخامس عشر - ص: 650
فمثلاً: اذا فقدت القوة العقلية الحد الوسط، وهو الحكمة والاستقامة، التي هي سهلة نافعة، تهوى بالافراط والتفريط في خبٍ مضر وبلاهةٍ ذات بلية، فتعاني المهالك في طرقها الطويلة. وان لم تسلك القوة الغضبية طريق الشجاعة التي هي حد الاستقامة، هوت بالافراط في تهور وتجبّر ذي اضرار بالغة وظلم شنيع، وبالتفريط الى كثير من التخوف والتجبن المذلّ المؤلم، فتعاني عذاباً وجدانياً دائماً جزاءً لما ارتكبت من خطإ فقدها حد الاستقامة. وما في الانسان من قوة شهوية إذا ضيعت طريق الاستقامة السليمة والعفة تهوى بالافراط في الفجور والفحش ذات المصائب، وبالتفريط في الخمود، أي الحرمان من أذواق النعم ولذائذها؛ فتعاني آلام ذلك المرض المعنوي.
وهكذا قياساً على ما ذكر؛ فان الاستقامة هي انفع طريق واسهلها واقصرها من بين جميع الطرق المسلوكة في حياة الانسان الشخصية والاجتماعية. وإذا مافقد الانسان الصراط المستقيم فان تلك الطرق تكون طويلة جداً وذات بلايا كثيرة ومصائب واضرار.
بمعنى ان " إهدنا الصراط المستقيم" دعاء جامع وعبودية واسعة ؛ كما انها اشارة الى حجة في التوحيد والى درس في الحكمة وتعليم الاخلاق.

الكلمة السابعة: وهي (صراط الذين أنعمت عليهم).
ان اشارة قصيرة الى ما فيها من حجة هي :
اولاً: مَن المقصود في "عليهم"؟
تفسّره الآية الكريمة: (فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) (النساء:69) اذ تبين الطوائف الاربع الذين نالوا في النوع البشري نعمة سلوك طريق الاستقامة؛ مشيرة بــ "النبيين" الى سيدهم محمد عليه السلام، وبـ"والصديقين" الى ابى بكر الصديق رضى الله عنه، وبـ "والشهداء" الى عمر وعثمان وعلي. فالآية الكريمة تخبر عن الغيب وتبين لمعة اعجاز بأن الذين يأتون بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، الصديق رضى الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين، سيستشهدون ويتولون الخلافة.
الشعاع الخامس عشر - ص: 651
ثانياًً: ان هذه الطوائف الاربع الذين هم اصدق نوع البشر وأقومهم سلوكاً وأرفعهم شأناً، قد دعوا بكل ما أوتوا من قوة وبما لايعد ولايحصى من الحجج والمعجزات والكرامات والادلة والكشفيات الى حقيقة التوحيد وصدّق دعواهم أغلب البشر منذ سيدنا آدم عليه السلام. فلاشك ان تلك الحقيقة حقيقة قاطعة كقطعية ثبوت الشمس، لذا فان اتفاق هذا الجم الغفيرمن خيرة البشرية ممن اظهروا صدقهم وعدلهم بمئات الالوف من المعجزات والحجج التي لاتحد؛ واجماعهم في المسائل الايجابية كالتوحيد ووجوب وجود الخالق؛ لهو حجة قاطعة تزيل كل شبهة.
نعم؛ ان الحقيقة الجليلة التي آمن بها اولئك الطوائف الاربع المذكورون الذين يمثلون اقوم نوع البشر الذي هو النتيجة المهمة لخلق الكون وخليفة الارض؛ واجمع الاحياء استعداداً وارفعها شأناً؛ بل هم اصدق مرشديهم المصدقين، وأئمتهم في الكمالات. هؤلاء أخبروا بالاجماع والاتفاق تلك الحقيقة التي آمنوا بها وأعتقدوا بها إعتقادا ًجازما ًبحق اليقين وبعلم اليقين وبعين اليقين. وأطمأنوا إليها إطمئناناً لايتزعزع مظهرين الكون بموجوداته جميعا ً دليلاً.
تُرى ألا يرتكب جناية لاتحد من لا يعرف هذه الحقيقة الجليلة وينكرها.. ألا يستحق عذاباً خالداً ؟ !

الكلمة الثامنة: وهي (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) .
فهذه اشارة قصيرة الى ما فيها من حجة:
ان تاريخ البشرية والكتب المقدسة، يخبر بالاتفاق إخباراً قاطعاً وبصراحة تامة، استناداً الى التواتر والى الحوادث الكلية الثابتة والمعارف البشرية والمشاهدات الانسانية، ان استجابة استمدادات الانبياء عليهم السلام وهم اصحاب الصراط المستقيم استمداداً غيبياً فوق المعتاد في الوف من الحوادث، وانجاز مطاليبهم بذاتها، ونزول الغضب والمصائب السماوية باعدائهم الكفار في مئات من الحوادث، تدل دلالة قاطعة لاريب فيها على ان لهذا الكون ولنوع الانسان الذي فيه؛ رباً حاكماً عادلاً محسنا ً كريما ً عزيزا ً مدبرا ً مسخرا ً؛ قد منح من لدنه النصر المؤزر والنجاة
الشعاع الخامس عشر - ص: 652
الخارقة لانبياء كرام كثيرين أمثال نوح وإبراهيم وموسى وهود وصالح (عليهم السلام) في حوادث تاريخية واسعة، وانزل في الوقت نفسه مصائب سماوية مرعبة في الدنيا على اقوام ظلمة كفرة أمثال ثمود وعاد وفرعون ازاء عصيانهم الرسل.
نعم؛ ان تيارين عظيمين قد جريا متصارعين في البشرية منذ زمن آدم عليه السلام.
الاول: هم أهل النبوة والصلاح والايمان الذين نالوا النعمة وسعادة الدارين بسلوكهم الصراط المستقيم؛ فانسجمت بسلوكهم القويم اعمالهم وحركاتهم مع جمال الكون الحقيقي ونظامه وتناسقه وكماله؛ لذا نالوا ألطاف رب العالمين؛ وسعادة الدارين؛ واصبحوا السبب في رفع الانسان الى مراتب الملائكة بل أرفع منها؛ وكسبوا وأكسبوا اهل الايمان جنة معنوية حتى في الدنيا؛ مع سعادة خالدة في الآخرة.. كل ذلك بسر حقائق الايمان .
والتيار الثاني: هم الذين ضلوا عن سواء السبيل جاعلين بالافراط والتفريط؛ العقل وسيلة عذاب واداة لمّ الآلام؛ فأردوا البشرية في دركات سحيقة أضل من الانعام، فاستحقوا الغضب الالهي فنزلت بهم صفعات المصائب جزاء ظلمهم الذي ارتكبوه في الدنيا. زد على ذلك انهم جعلوا بالضلالة التي هم فيها وبالعقل المرتبط مع الموجودات؛ الكون موضع احزان وآلام ومأتماً عاماً؛ ومذبحة لذوى حياة؛ يتقلبون في دوامات الزوال والفراق، ومسلخة قذرة ضربت الفوضى اطنابها في الآفاق.لذا انحصرت روح الضال ووجدانه بجهنم معنوية في الدنيا، واصبح أهلاً لعقاب اليم في الآخرة.
وهكذا فان الآية الكريمة التي في ختام سورة الفاتحة: (الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولاالضالين) تبين هذين التيارين العظيمين.
فمنبع جميع الموازنات المذكورة في رسائل النور واساسها ومرشدها هي هذه الآية الكريمة. وحيث ان رسائل النور قد فسرت هذه الآية الكريمة بمئات من موازناتها. نحيل ايضاحها الى تلك الرسائل مكتفين بهذه الاشارة.
الشعاع الخامس عشر - ص: 653
الكلمة التاسعة: وهي ( آمين) ! واشارة قصيرة جداً اليها هي :
لما كانت "ن" التي في "نعبد ونستعين" تبين لنا الجماعات العظيمة الثلاث؛ ولاسيما جماعة الموحدين في جامع العالم الاسلامي وبخاصة ملايين المصلين الذين يؤدون الصلاة في ذلك الوقت؛ وتجعلنا ضمن صفوفهم ؛ فاتحة امامنا طريقاً سوياً لنكسب حظاً من أدعيتهم، ولنغنم تصديقهم لنا لنطقهم بمثل ماننطق به نحن، ولنحظى بنوع من شفاعتهم؛ فنحن كذلك بقولنا: "آمين " نعزز أدعية اولئك الموحدين المصلين؛ ونصدّق دعواهم؛ ونرجو بكلمة " آمين " ان يستجيب الله سبحانه وتعالى استعانتهم وشفاعتهم، محوّلين عبوديتنا الجزئية ودعاءنا الجزئي ودعوانا الجزئية الى عبودية كلية ودعاء كلى ودعوى كلية ازاء ربوبية كلية شاملة.
بمعنى ان كلمة "آمين" تكسب كلية واسعة بل يمكن أن تكون بمثابة ملايين "آمين" بسر الاخوة الايمانية والوحدة الاسلامية وبواسطة راديوات معنوية ورابطة الوحدة لجماعة يربون على الملايين من المصلين المتراصين في الصلاة في مسجد العالم الاسلامي. 1
الحمدلله رب العالمين
(سبحانك لاعلم لنا إلاّ ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم)
* * *

_____________________
1
وهكذا اذا ما اخذ رجل عامي شيئاً بقدر نواة، فالانسان الكامل الذي ترقى روحياً يأخذ حظاً كالنخلة، كل حسب درجته، ولكن الذي لم يرق بعدُ، لاينبغي له ان يتذكر هذه المعاني قصداً اثناء قراءته الفاتحة (*) لئلا يفسد اطمئنانه وسكينته واذا ما ترقى الى ذلك المقام فان تلك المعاني ستظهر بنفسها. - المؤلف

(*) لقد سألنا استاذنا ايضاحاً عن كلمة "قصداً" الواردة في هذا الهامش ودوّنا ادناه ما ذكره نصاً:
باسم طلاب النور
في المدرسة اليوسفية الثالثة
جيلان
ارى انه يمكن التفكر بالمعاني الواسعة الرفيعة للتشهد وسورة الفاتحة، ولكن لاتقصد تلك المعاني قصداً، وانما بصورة تبعية، اذ الذي يورث الحضور القلبي نوعاً من الغفلة هي تفاصيلها. بينما معانيها المجملة تبدد الغفلة وتنور العبادة والمناجاة وتسطعها. فتظهر اظهاراً تاماً القيم الرفيعة للصلاة والفاتحة والتشهد.
اما المراد من "عدم الانشغال قصداً " الوارد في ختام القسم الثاني هو ان الانشغال بتفاصيل تلك المعاني بالذات قد تنسي الصلاة أحياناً وربما تخل بسكينة القلب والحضور. والاّ فاني اشعر بفوائدها العظيمة إذا كان التفكر تبعي وبشكل مختصر.- المؤلف.

الشعاع الخامس عشر - ص: 655
ونبيها الاعظم صلى الله عليه وسلم، وفخر العالم، القمين بخطاب "لولاك لولاك لما خلقت الافلاك" 1. وكما ان حقيقته - اى الحقيقة المحمدية - هى سبب خلق العالم، ونتيجته وأكمل ثمراته. كذلك تتحقق بها وبالرسالة الأحمدية الكمالات الحقيقية للكائنات قاطبة، اذ تصبح مرايا باقية للجميل الجليل السرمدى تعكس تجليات صفاته الجليلة، وآثاره القيّمة الموظفة لدى أفعاله الحكيمة جل جلاله، ورسائله البليغة المرسلة من الملأ الاعلى، وتغدو حاملة لعالم باق، منتجة دار سعادة خالدة ودار آخرة ابدية تشتاق اليها ذوو الشعور كلهم.. وامثالها من الحقائق التي تتحقق بالحقيقة المحمدية والرسالة الأحمدية. لذا فكما يشهد هذا الكون شهادة قاطعة وفي منتهى القوة والثبوت على رسالته صلى الله عليه وسلم، كذلك البشرية جمعاء بل جميع ذوى الشعور وفي مقدمتهم العالم الاسلامى، يشهدون جميعاً على ما بشّرت به الرسالة الأحمدية والحقيقة المحمدية بشارة قوية قاطعة، تلك هى الحياة الخالدة ، التي تسألها البشرية بالعشق الدائم والشوق الملازم في كل حين وآن، تسألها بلسان جميع قوى ماهيتها الجامعة، وبألسنة جميع استعداداتها، وبألسنة جميع الادعية والعبادات والتضرعات والتوسلات المرفوعة الى المولى القدير، فتسأل حياة باقية خالدة، نجاةً من العدم والعبث، والاعدام الابدى والفناء المطلق الذى هو أشد رهبة واكثر ايلاماً من جهنم. فكما تشهد البشرية بهذا على انه صلى الله عليه وسلم فخر البشرية واشرف المخلوقات طراً، كذلك فان دخول مثل جميع الحسنات والخيرات التي يكسبها يوميا ً ثلاثمائة وخمسون مليوناً من المؤمنين في كل عصر ، في سجل حسناته صلى الله عليه وسلم حسب قاعدة "السبب كالفاعل" ونيل تلك الشخصية المحمدية الفريدة مقاماً رفيعاً يحظى بعبودية كلية وفيوضات ربانية بقدر عبادة مئات الملايين بل المليارات من العبّاد المحسنين.. هو شهادة قوية جدا ً على رسالته صلى الله عليه وسلم .
الاشارة الثانية :
ان الفقرة الاتية التي أتأمل فيها دائماً هى من اورادي، وتشير الى اكثر من عشرين شهادة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.نوجز فحواها باختصار. والفقرة هي:
_____________________
1 تناوله العلماء معنىً ومبنىً، ولعل قول علي القاري هو الوسط بين المثبتين والنافين له، اذ يقول: انه صحيح معنى ولو ضعف مبنى (شرح الشفا 1/ 26) - المترجم.

الشعاع الخامس عشر - ص: 656
[محمّدٌ رسولُ الله صادقُ الوعدِ الأمينُ بشهادة ِ ظهوُرِه دفعَة ً مع اُمّيّتِه باكملِ دينٍ واسلاميّةٍ وشرَيعة ٍ وباَقوى ايمان ٍ واِعتقادٍ وعبادَةٍ وباعلى دعوةٍ ومناجاةٍ ودعواتٍ وباَعمّ تبليغ ٍ واتمّ متانة ٍ خارقاتٍ مثمراتٍ لامثلَ لها.] 1

فاُولى تلك الشهادات هى :
حجة الرسالة النابعة من احدى عشرة حالة من حالاته صلى الله عليه وسلم.
نعم، انه مع كونه امياً لم يتعلم القراءة والكتابة، فقد أتى بدين أوقع عقلاء اربعة عشرة قرناً وفلاسفتها في حيرة واعجاب وانبهار، وفاق الاديان السماية وقد اظهره دفعة واحدة من دون ان يكون له تجربة مسبقة .. وهذه حالة لامثيل لها.
وكذا الاسلام النابع من اقواله وافعاله وحالاته، وارشاده ثلاثمائة وخمسين مليوناً من البشر في كل وقت، مربياً ارواحهم مزكيا ً انفسهم ومنوراً عقولهم، ودفعهم الى الرقى المعنوى.. وهذه حالة لامثيل لها .
وكذا قد أتى بشريعة غراء عظيمة بحيث ادارت بقوانينها العادلة خمس البشر طوال اربع عشرة قرنا ً من الزمان ادارة حققت له الرقى المادى والمعنوى.. وهذه حالة لا مثيل لها .
وكذا ظهوره بايمان راسخ واعتقاد جازم بحيث يستلهم منه جميع اهل الحقيقة في كل وقت ويصدقون بالاتفاق على انه في ارفع درجة واسمى مرتبة ، فضلا ً عن عدم ايراث مخالفيه واعدائه ومعارضيه في ذلك الوقت - برغم كثرتهم - اية شبهة ولاوسوسة ولاشك قط، مما يبين بجلاء انه لامثيل له في قوة الايمان ايضاً ولانظير لايمانه الرفيع الكلى.
وكذا قد اظهر عبودية وعبادة عظيمتين بحيث وحّد المبدأ والمنتهى، من دون تقليد لأحد، ملاحظاً أدق اسرار العبادة، ومراعياً لها حتى في اشد الاوقات اضطراباً، وأداها على اتم وجه واتقنه.. وهذه حالة لامثيل لها .
_____________________
1 هذه الفقرات المحصورة بين قوسين مركنين وردت في النص باللغة العربية - المترجم.
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس