عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2008
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي الشيخ محمد سعيد المفتي

الشاعر والفقر
عضّه الفقر حتى أدماه، وما ذلّت نفسه، ولا وهنت وطنيته.. فقد نعمة البصر منذ طفولته، لكنه نهل من معين التراث الأدبي واللغوي والفقهي ما أهّله لأن يكون شيخاً مجازاً بالعلوم اللغوية والأدبية والدينية وعمره لم يتجاوز العشرين.. شاعر تنساب القصائد من شفتيه عليلة فتبرئ الأدواء وتغيّر المواقف وتلهب الوجدان.

كان له قريب يحب مجالسة النساء كثيراً مدعياً أنهن النادبات اللاطمات عند الممات، فأمسكه الشاعر الشيخ وقال مرتجلاً:


إذا جاد اللسان بحسن وعدٍ



فلا تك واثقاً بالترهات





ومن يركن إلى الأوهام يلق



سراباً بالفيافي المقفرات





فكن حذراً –رعاك الله- صلداً



بعيداً عن دهاء الكاهنات





إذا بسمت لك الأنثى فحاذر



فقد تسعى الأفاعي باسمات





وما نفعي بلطم ثم خدش



ودق الصدر بين النائحات





وما صنعي بجذّ الرأس لما



أدلى باللحود المظلمات






ولما أصغى ذلك القريب إلى قصيدة طويلة بلغ عدد أبياتها أكثر من عشرين بيتاً قبّل يد الشيخ، وعاهده أن يستقيم.

(2)

طرق باب بيته أحد الضباط الفرنسيين إبان فترة الانتداب، فقال بعصبية:

-ماذا تريد مني أيها المحتل؟

-ألا تقل لي أدخل أولاً؟

-لو كنت ضيفاً رحبت بك لكنك غاصب دخيل.

-إذاً فالحاكم الفرنسي يود رؤيتك في الحال.

-قل له: صاحب الحاجة يأتي إلى حاجته.

ثار الحاكم الفرنسي، وانتفخت أوداجه، ما لبث أن تذكر حالة الشيخ الشاعر المادية، وأنه لا يملك قوت يومه، فهزّ رأسه، وطلب من سائقه أن يجهز له العربة.. أمام بيت الشاعر الفقيه وقفت ثلة من الحرس تؤدي التحية للحاكم الفرنسي وكل العيون ترنو بقلق إلى الباب المهترئ الذي انهالت الطَرَقات عليه متتابعة.

تكشّف الباب بعد دقائق عن شيخ ضرير يتكئ على عصا عجراء.. رفع رأسه بشموخ وتحد، وتمتم بهدوء:

-ماذا تريد مني أيها المحتل؟ قل بسرعة فالله يناديني إلى الصلاة..

-أريد منك إقرار الطاعة لي على رؤوس الأشهاد..

تبسم الشيخ الشاعر، وحاول إغلاق الباب في وجه الحاكم الفرنسي لكن يداً قوية منعته، فقال:

-لا طاعة لمحتل بل حرباً ومقاومة..

-لكن ربكم يقول ((أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر)) وأنا الآن ولي أمركم..

-اسمع أيها الجاهل: قال تعالى "أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم" وأنت لست منا.. أنت غاصب ودخيل، فليسمع كل الناس أنه لا طاعة لكم علينا، ويتوجب حربكم ومقاومتكم بكل الوسائل المتاحة.

-لكنك لن تُعيّن بوظيفة أبداً.

-لن أخشى الجوع.. لي الله لن يضيعني..

ولم يُعيّن الشيخ الشاعر بوظيفة أبداً، ورافقه الجوع والفقر زمناً طويلاً حتى جلا المحتل الفرنسي عن سورية..

إنه الشاعر الشيخ محمد سعيد المفتي من دير الزور (1905-1968م).
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس