أسرار الوصول
"اعلم أن سرَّ الحضرة العليَّة لا يتجلَّى إلا لمن يتحقَّق بالعبودية، والعبودية : أن تشهد في نفسك عين اليقين أنك ضعيفٌ، فقيرٌ، جاهلٌ بحقائق الأمور. ذليلٌ ناقصٌ، خطَّاءٌ مذنبٌ، لا حولَ لك ولا قوة إلا بالله (1) .
فإذا واجهت حضرة الغني بفقرك، والعزيز بذُلِّك، والقوي بضعفك، والكمال بنقصك، جاءتك الإغاثة في الحال.
والذي حجب الإغاثة ركون العبد على فكرته وقوته، وتدبيره (2) . ولذلك نرى القلوب تحنُّ إلى رحمة الأطفال، لأنهم لا تدبير لهم ولا تفكير، وتعطف على المرضى والفقراء، لأنهم تحقَّقوا بما يوجب العطف عليهم، ولو أن رجلاً ينازعك ويخاصمك معتمداً على ماله وقوَّته، ورأيته مريضاً ضعيفاً عطفت عليه، فإذا رأيته وقع في الأرض مغشياً عليه بادرت في إسعافه، فإذا رأيته وقع صريعاً وخرجت روحه انفعل قلبك بالعطف عليه، وكنت ممن يحملوه ويجهزوه ، مع أنه كان خصماً لك!.
اقتباس:======================= الحاشية =====================
(1) : وقد قال سيدي ابن عطاء الله :" تحقق بذلِّك يمدُّك بعزِّه ، تحقَّق بعجزك يمدُّك بقدرته ، تحقَّق بضعفك يمدُّك بحوله وقوته" ولسيدي ابن عجيبة رحمه الله ورحمنا به، كلام نفيس هنا لابأس بذكره تتميماً للفائدة حيث قال: أوصاف العبودية أربعة يقابلها من أوصاف الربوبية أربعة : أولها: من العبد الفقر ، ومن الله الغنا. الثاني: من العبد الذل ومن الله العز. الثالث: من العبد العجز ومن الله القدرة . الرابع: من العبد الضعف ومن الله القوة.
والتحقق بالوصف: هو التجلي والاتصاف به قلباً وقالباً، ويكون ذلك بادياً بين خلقه، فلا يتحقق الذل لله حتى يظهر ذلك بين عباده، فمن أراد أن يمـــــده الله بالغنا به عما سواه، فليتحقق بالفقر مما سواه. ومن أراد أن يمده الله بالعز الذي لايفنى ، فليتحقق بالذل لله، والتواضع بين خلقه، فمن تواضع دون قدره، رفعه الله فوق قدره، ومن أراد أن يمده الله بالقدرة الخارقة للعوائد فليتحقق بعجزه، ويتبرأ من حوله وقوته، ومن أراد أن يمده الله = = بالقوة على طاعة مولاه ، ومجاهدة نفسه وهواه ، فليتحقق بضعفه ، ويسند أمره إلى سيده ، فبقدر ماتعطي تأخذ ، وبقدر ماتتخلق تتحقق ، وبقدر ماتتحقق بوصفك يمدك بوصفه ، انتهى من شرح الحكم لابن عجيبه رحمه الله ورحمنا به .
(2) : أي اعتماد العبد على تدبيره واختياره. فالواجب على المتأدب بآداب الله ترك الاعتراض على الحال الذي أقامه الله فيه، وأراده له، فلا يريد خلاف ما يراد له ولا يختار خلاف ما يختاره له {وربك يخلق ما يشاء ويختار} قال سيدي ابن عطاء الله في حكمه: "إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب == مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية" ، و "سوابق الهمم لا تخرق سور الأقدار "، و"أرح نفسك من التقدير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك"، و " ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يحدث في الوقت شيئاً غير ما أظهره الله "، و "لا تطلب منه أن يخرجك من حال ليستعملك فيما سواها فلو أراد لاستعملك من غير إخراج". وقد خلقك الله لما شاء لا لما تشاء فكن مع مراد الله فيك لا مع مرادك لنفسك ففوض إليه ولا تركن إلى شيء ولا تدبر شيئاً وإن كان ولا بد من التدبير فدبر أن لا تدبر وهو أقامك فيما فيه صلاحك لا فيما علمت أنت." اهـ 133
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: "فالسعادة كلها لمن .... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات