عرض مشاركة واحدة
قديم 03-14-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي خطبة الحجاج حين قدم أميراٌ على العراق

خطبة الحجاج حين قدم أميراٌ على العراق



قال : وحدثني التوزي في إسناد ذكره آخره عبد الملك بن عمير الليثي ، قال : بينما نحن في المسجد الجامع بالكوفة ، وأهل الكوفة يومئذ ذوو حالٍ حسنةٍ ، يخرج الرجل منهم في العشرة والعشرين من مواليه ، إذ أتى آتٍ فقال : هذا الحجاج قدم أميراً على العراق . فإذا به قد دخل المسجد معتماً بعمامة غطّى بها أكثر وجهه ، مُتقلّداً سيفاً ، مُتنكباً قوساً ، يؤمُّ المنبر ، فقام النّاس نحوه ، حتى صعد المنبر ، فمكث ساعة لا يتكلم ، فقال الناس بعضهم لبعض : قبَّح الله بني أمية حيث تستعمل مثل هذا على العراق حتى قال عمير بن ضابيء البرجمي : ألا أحصبه لكم ؟ فقالوا : أمهل حتى ننظر ، فلما رأى عيون النّاس إليه حسر اللثام عن فيه ونهض وقال :
أنَا اِبْنُ جَلَّا وطَلَّاعَ الثَنَايَا = مَتى أضَعُ العِمَامَةَ تَعْرفُوني
ثمَّ قال : يا أهل الكوفة ، إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحَانَ قطافها ، وإني لصاحبها ، وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى ، ثمَّ قال :
هَذا أوَانُ الشَّدِّ فاشْتَدِّي زِيَمْ = قَدْ لفَّهَا اللَّيْلُ بِسِواقٍ حَطِمْ
لَيْسَ برَاعي إبِلٍ ولا غَنَمْ = ولا بجزَّارٍ عَلَىَ ظَهْرٍ وَضِمْ
ثمَّ قال :
قَد لفَّهَا اللَّيْلُ بعصلبيّ = أروع خِرَاجٍ من الدَّويّ
مُهَاجِرٌ ليسَ بأعرابيّ
وقال :
قد
شمَّرتْ عن سَاقها فَشُدُّوا = وجَدَّتِ الحربُ بكم فَجُدُّوا
والقوسُ فيها وترٌ عَرِدُ = مثلَ ذِراعِ البكرِ أو أشَدُّ
لابُدَّ مما ليسَ مِنْهُ بُدُّ
إني والله يا أهل العراق ، ما يقعقع لي بالشنان ، ولا يغمز جانبي كتغماز التين , ولقد فُرزتُ عن ذكاء ، وفُتّشتُ عن تجربة ، وإنّ أمير المؤمنين أطال الله بقاءه نثر كنانته بين يديه ، فعجم عيدانها ، فوجدني أمرها عوداً, وأصلبها مكسراً ، فرماكم بي ؛ لأنّكم طالما أوضعتم في الفتنة ، واضطجعتم في مراقد الضلال . والله لأحزمنَّكم حزم السلمة ، ولأضربنَّكم ضرب غرائب الإبل ، فإنّكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كلِّ مكان ، فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . وإني والله ما أقول إلا وفيتُ ولا أهم إلا أمضيتُ ، ولا أخلق إلا فريتُ ، وإنّ أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم ، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة , وإني أقسم بالله لا أجد رجلاً تخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين .
فقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم : من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين سلامٌ عليكم " فلم يقل أحد منهم شيئاً ، فقال الحجاج: اكفف يا غلام ، ثمّ أقبل على الناس ، فقال : أسلم عليكم أمير المؤمنين ، فلم تردُّوا عليه شيئاً هذا أدب ابن نهيّة , أما والله لأؤدِّبنَّكم غير هذا الأدب أو لتستقيمنَّ . اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين ، فلمّا بلغ إلى قوله : " سلامٌ عليكم " لم يبق في المسجد أحد إلا قال : وعلى أمير المؤمنين السلام .
ثمَّ نزل فوضع للناس أعطياتهم ، فجعلوا يأخذون حتى أتاه شيخ يرعش كبراً ، فقال : أيّها الأمير ، إني من الضعف على ما ترى ، ولي ابنٌ هو أقوى على الأسفار مني فتقلبه بدلاً مني , فقال الحجاج : نفعل أيّها الشيخ ، فلمّا ولَّى قال له قائل : أتدري من هذا أيّها الأمير ؟ قال : لا . قال : هذا عُمير بن ضابئ البرمجي الذي يقول أبوه :
هممتُ ولم أفعل وكدتُ وليتني = تركتُ على عثمان تبكي حلائله
ودخل الشيخ على عثمان مقتولاٌ فوطِىء بطنه ، هلا فكسر ضلعين من أضلاعه ، فقال ردوه ! فلما رُدَّ قال الحجاج : أيّها الشيخ ، هلا بعثت إلى أمير المؤمنين عثمان بدلاً يوم الدار ! إنّ في قتلك أيّها الشيخ لصلاحاً للمسلمين : يا حرسي ، اضربنَّ عُنقه . فجعل الرجل يضيق عليه أمره فيرتحل ، ويأمر وليّه أن يلحقه بزاده ، ففي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :
تجهّزْ فإمّا أن تزورَ ابن ضابىءٍ = عُميرً وإمّا أن تزور المُهلبا
هما خطتا خسفٍ نجاؤك منهما = ركوبك حوليّاً من الثلج أشهبا
فأضحى ولو كانت خراسان دونه = رآها مكان السوق أو هي أقربا



الكامل في اللغة والأدب للمبرد





هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس