الموضوع: اللمعات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2011
  #28
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: اللمعات

اللمعة التاسعة والعشرون

رسالة التفكر الإيـماني الرفيع

والـمعرفة التوحيدية السامية(1)

باسـمه سبحانه

اخوتي!

ان رسالة التفكر هذه جليل القدر. وان اطلاق الامام علي رضي الله عنه عليها – من جهة- اسم الآية الكبرى يبين قيمتها الرفيعة تـماماً.

فهي رسالة معرفة إيـمانية وردت الى القلب بعين اليقين، اثناء اذكار الصلاة. واثـمرت كثيراً من الرسائل. واصبحت غذاء للعقل والفكر وعلاجاً لـهما طوال ثلاثين سنة. فمن الأنسب أن تُدرج ضمن ((اللمعات)) وان تطبع منها اربعون او خـمسون نسخة مستقلة.

سعيد النورسي

سجن ((اسكي شهر)) قبل عشرين سنة

بِسْمِ اللهِ الرَّحـمْنِ الرَّحيْمِ

وبه نستعين

الـحمد لله رب العالـمين والصلاة والسلام على سيدنا مـحمد

وعلى آله وصحبه اجـمعين.

ايضاح

لقد امتزج قلبي بعقلي منذ ثلاثة عشر عاماً ضمن انتهاج مسلك التفكر الذي يأمر به القرآن الـمعجز البيان كقوله تعالى } لعلكم تتفكرون{ } لعلهم يتفكرون{ } أَوَ لَم يَتَفَكـَّرُواْ فِي أَنفُسِهِم مـَّا خَلَقَ اللهُ السـَّمَوَاتِ وَالأَرضَ.. { (الروم:8) } لآيات لقوم يتفكرون{ وامثالـها من الآيات التي تـحث على التفكر مثلما يـحث عليه حثاً عظيماً الـحديث الشريف كقوله e ((تفكر ساعة خير من عبادة سنة))(1).

ولقد تواردت في غضون هذه السنوات الثلاثين على عقلي وقلبي ضمن انتهاج مسلك التفكر، انوار عظيمة وحقائق متسلسلة طويلة. فوضعت بضع كلمات – من قبيل الاشارات – لا للدلالة على تلك الانوار، بل للاشارة الى وجودها ولتسهيل التفكر فيها وللمحافظة على انتظامها.

وكنت اردد بيني وبين نفسي تلك الكلمات لساناً بعبارات عربية في غاية الاختلاف. وعلى الرغم من تكراري لـها آلاف الـمرات خلال هذه الفترة الطويلة وانا انتهج هذا التفكر لـم يطرأ عليّ السأم ولـم يعتر ذوقها النقص، ولـم تنتف حاجة الروح اليها. لأن ذلك التفكر لـمعات تلمعت من آيات القرآن الكريم فتمثلت فيه جلوة من خصائص الآيات، تلك هي عدم الاستشعار بالسأم والـملل والـحفاظ على حلاوتها وطراوتها.

وقد رأيت في الآونة الاخيرة ان العقدة الـحياتية القوية والانوار الساطعة التي تـحتويها اجزاء رسائل النور ما هي الاّ لـمعات سلسلة ذلك التفكر، فنويت كتابة مـجموعها في اخريات ايام عمري، على أمل تأثيرها في غيري مثلما اثـّرت فيّ. وستكون لـمجموعها قوة وقيمة اخرى وإن ادرجت اهم اجزائها في الرسائل.

ولـما كان اخر الـمطاف في رحلة العمر غير معيـّن. وان اوضاعي في سجن ((اسكي شهر)) قد بلغت حداً أشد من الـموت بكثير، فقد كتبت تلك السلسلة من التفكر دون انتظار لآخر الـحياة، ودون تغيير فيها، وبناء على رغبة اخوة النور واصرارهم بقصد استفادتهم. وجعلتها في سبعة ابواب.

ولـما كانت الاكثرية الـمطلقة من هذا النوع من الـحقائق تـخطر بالبال اثناء اذكار الصلاة، وان كل كلمة من كلمات الاذكار بـمثابة منبع الـحقائق. كان ينبغي ان تكتب على وفق ترتيبها وتسلسلها في اذكار الصلاة، أي (سبحان الله والـحمد لله والله اكبر ولا اله الاّ الله) الاّ أن ظروف السجن الـمنفرد الـمضطربة آنذاك قد أخلـّت بذلك الترتيب.

أما الآن فستكون الابواب على النحو الآتي:

الباب الأول: في (سبحان الله)

الباب الثاني: في (الـحمد لله)

الباب الثالث: في (الله اكبر)

والباب الرابع: في (لا اله الاّ الله)

وذلك لأن معظم الشافعية يذكرون: (لا اله الاّ الله) ثلاثاً وثلاثين مرة بعد ذكرهم كلاً من سبحان الله، والـحمد لله، والله اكبر ثلاثاً وثلاثين مرة.

سعيد النورسي



































الباب الأول

في ((سبحان الله))

وهو ثلاثة فصول

(الفصل الأول)

بِسمِ الله الرَّحـمنِ الرَّحيمِ

فَسُبْحانَك يا مَنْ تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ السـَّمآءُ بِكَلِمَاتِ نُجُومِهَا وَشُموُسِهَا وَ اَقَمَارِهَا بِرُمُوزِ حِكَمِهَا.

وَيُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ الـجَوُّ بِكَلِمَاتِ سَحاباتِهِ وَرُعُودِهَا وَبُرُوقِهَا وَأمطَارِهَا، بِإشاراتِ فَوَائِدِهَا.

وَيُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ رأَسُ الأرضِ بَكَلِمَاتِ مَعَادِنِهَا وَ نَـبَاَتَاتِهاَ وَأشْجَارِهَا وَحَيْوَانَاتِهَا بِدَلالاتِ إنْتِظَامَاتِهَا.

وَتُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ النـَّبَاتَاتُ وَ اَلأشْجَارُ بِكَلِمَاتِ أوْرَاقِهَا وَأزهَارهَا وَ ثَمَرَاتِهَا، بَـتَصَرْيـحَاتِ مَنَافِعِهَا.

وَتُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ الأزهَارُ وَالأثْمَارُ بِكَلِمَاتِ بُذُورِهَا وَأجْنِحَتِها وَ نَوَاتَاتِهَا، بِعَجَائبِ صَنْعَتِهَا.

وَتُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ النـَّواتَاتُ وَالبُذُورُ بَألسِنَةِ سَنَابِلِهَا وكَلِمَاتِ حَبـَّاتِهَا بالـُمشَاهَدةِ.

وَيُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ كـُلُّ نَـبَاتٍ بِغَايَةِ اْلوُضُوحِ وَالظـُهُورِ عِنْدَ انْكِشافِ أكمَامِها وَ تَـبَسـُّمِ بَنَاتِهَا بَأفْوَاهِ مُزَيـَّنَاتِ أزاهيرِهَا وَمُنْتَظَمَاتِ سَنَابِلِهَا، بِكَلِمَاتِ مَوْزُونَاتِ بُذُورِهَا وَمَنْظـُومَاتِ حَبـّاتِهَا، بِلِسَانِ نِظامِهَا في ميزانِهَا في تَنْظِيمِها في تَوْزِ يِـنِهَا في صَنْعَتِهَا في صِبغَتِها في زِينَتِهَا في نُقُوشِهَا في رَوَائِحِهَا في طعومِها في ألوَانِهَا في أشْكَالِهَا(1)، كَمَا تَصِفُ تَجَلـِّيَاتِ صِفَاتِكَ وتُعَرِّفُ جَلَواتِ أسـمآئِكَ وَتُفَسـِّرُ تَوَدُّدَكَ وَتُعَرُّفَكَ بِمَا يَتـَقَطـَّرُ مِنْ ظَرَافَةِ عُيُونِ أزاهيِرهَا وَمِنْ طَرَاوَةِ أسْنَانِ سَنـَابِلِهَا مِنْ رَشَحَاتِ لَمَعَاتِ جَلَوَاتِ تَوَدُّدِكَ وتَعَرُّفِكَ إلى عِبَادِكَ.

سُبْحانَكَ يَا وَدُودُ يا مَعْروُفُ مَا أحسَنَ صُنْعَكَ وَمَا أزيَنـَهُ وَمـَا أبْيَنـَهُ وَمَا أتْقَنَهُ!

سُبْحانَكَ يَا مَن تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ جَميعُ الأشْجَارِ بِكَمَالِ الصـَّرَاحَةِ وَالبَيـَانِ عِنْدَ انْفِتَاحِ أكمَامِهَا وَانْكِشافِ أزهَارِهَا وتَزايُدِ أورَاقِهَا وَتَكَامُلِ أثـمَارِهَا وَرَقْصِ بَنـَاتِهَا عَلى أيَادي أغْصَانهَا حَامدَةً بأفْوَاهِ أوراقِهَا الـخَضِرِةِ بِكَرمَكَ، وَأزهَارِهَا الـمُتَبـَسـّمَةِ بِلُطْفِكَ، وَاثـمَارِهَا الضـَّاحِكَةِ بِرِحْمَتِكَ، بِالسِنَةِ نِظَامِهَا في ميزَانِهَا في تَنْظيِمِهَا في تَوْزينهَا في صَنعَتِهَا في صِبْغَتِهَا في زِينَتِهَا في نُقُوشِهَا في طُعومِهَا في رَوَائحِهَا في ألوَانِهَا في أشكَالِهَا في اختِلافِ لُحُومِهَا في كَثْرَةِ تَنَوُّعِهَا في عَجَائبِ(2) خِلقَتِهَا كَمَا تَصِفُ صِفَاتِكَ وَتُعَرِّفُ أسْمَاءَكَ وتُفَسـِّرُ تَحَبـُّبَكَ وَ تَعـَهـُّدَكَ لِمَصنْوُعَاتِكَ بِمَا يَـتَـرَشـَّحُ مِنْ شِفَاهِ ثِمَارِهَا مِنْ قَطَراتِ رَشَحَاتِ لَـمَعَاتِ جَلَـوَاتِ تَـحَبـُّبِكَ وتَعَهـُّدِكَ لِمَخْلُوقَاتِكَ.

حَتـّى كَأنَّ الشـَّجَرَ الـمُزَهـَّرَةَ قَصيِدَةٌ مَنْظُومَةٌ مُحَرَّرَةٌ، لِتُنْشِدَ للِصـَّانعِ الـمَدَائِحَ الـمُبَهـَّرَةَ.

أو فَتَحَتْ بِكَثْرَةٍ عُيُونُهَا الـمُبَصـَّرَةُ لِتَنْظـُرَ للفَاطِرِ العَجَائِبَ الـمُنشـَّرَةَ.

أوْ زَيـَّنَتْ لِعيِدِهَا أعْضَاءهَا الـمُخَضـَّرَةَ لِيَشْهَدَ سُلْطَانُهَا آثَارَهَا الـمُنَوَّرَة. وَتُشْهِرَ في الـمَشْهَرِ مُرَصـَّعَاتِ الـجَوْهَرِ. وتَعُعْلِنَ للِبَشَرِ حِكْمَةَ خَلْقِ الشَجَرِ.

سُبْحَانَكَ مَا أحْسَنَ إحْسَانَكَ مَا أبْيَنَ تِبْيَانَكَ مَا أبْهَرَ بُرْهَانَكَ ومَا أظـْهَرَهُ ومَا أنْوَرَهُ!. سُبْحَانَكَ مَا أعْجَبَ صَنْعَتـَكَ!

تَلألُؤُ الضـِّيآءِ بدَلاَلَةِ حِكَمِهَا؛ مِنْ تَنْوِيؤِكَ، تَشْهِيرِكَ.. تَمَوُّجُ الاعْصَارِ بِسِرّ وَظَائِفِهَا – خُصُوصَاً في نَقْلِ الكَلِمَاتِ – مِنْ تَصْرِيفِكَ تَوْظِيفِكَ.. تَفَجـُّرُ الانْهَارِ بإشَارَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ تَدْخِيرِكَ، تَسْخِيرِكَ.. تَزَيـُّنُ الاحْجَارِ والـحَدِيدِ بِرمُوُزِ خَوَاصـِّهَا وَمَنـَافِعِها – خُصُوصاً فِي نَقْلِ الأصْواتِ والـمُخَابَرَاتِ – مِن تَدْبِيِرِكَ، تَصْوِيِرِكَ.. تَـبَسُّمُ الأزهَارِ بِعَجَائِبِ حِكَمِهَا؛ مِنْ تَحْسِينِكَ، تَزْيِينِكَ.. تَبَرُّجُ الاثـْمَارِ بِدلالَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ إنْعَامِكَ، إكْرَامِكَ.. تَسَجـُّعُ الأطْيَارِ بِإشَارَةِ إنْتِظَامِ شَرائَطِ حَيَاتِهَا؛ مِنْ إنطَاقِكَ إرفَاقِكَ.. تَهَزُّجُ الأمْطَارِ بِشَهَادَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ تَنْزِيِلكَ، تَفْضِيِلكَ.. تَحَرُّكُ الأقْمَارِ بِشَهَادَةِ حِكَمِ حَرَكَاتِهَا؛ مِنْ تَقْدِيرِكَ، تَدْبِيرِكَ، تَدْوِيرِكَ، تَنْوِيرِكَ.

سُبْحانَكَ مَا أنْوَرَ بُرهَانَك مَا أبْهَرَ سُلطَانَكَ!

(الفصل الثاني)

سُبْحَانَكَ لآ اُ حْصِي ثَنـَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلى نَفْسِكَ فيِ فُرْقَانِكَ. وَأثنَى عَلَيْكَ حَبِيبُكَ بِإذْنِكَ. وَأثنتْ عَلَيْكَ جَميِعُ مَصنْوُعَاتِكَ بإنْطَاقِكَ.

سُبْحَانَكَ مَا عَرَفْنَاكَ حقَّ مَعْرِفَتِكَ يا مَعْروُفُ بِمُعْزَاتِ جَميعِ مَصنوُعَاتِكَ وَبِتَوصِيفَاتِ جَميعِ مَخْلُوقَاتِكَ وَبِتَعْرِيِفَاتِ جَميعِ مَوْجُوُداتِكَ.

سُبْحَانَكَ مَا ذَكَرْنَاكَ حَقَّ ذِكْرِكَ مَذْكُورُ بِألسِنَةِ جَميعِ مَخلُوقَاتِكَ وَبِأنفُسِ جَميعِ كَلِمَاتِ كِتَابِ كَائِنَاتِكَ وَبِتَحـَّياتِ جَميعِ ذَويِ الـحَيـَاةِ مِنْ مَخْلُوقَاتِك لَك وَبِمَوْزُنَاتِ جَميعِ الاورَاقِ الـمُهْتَزَّةِ الذّاكِرَةِ في جَميعِ أشْجاَرِكَ ونَبـَاتَاتِكَ.

سُبْحَانَكَ مَا شَكَرْنَاكَ حَقَّ شُكْرِكَ يا مَشْكُورُ بِأثِنيـَةِ جَميعِ إحْسَانَاتِكَ عَلى إحْسَانِكَ عَلى رُؤسِ الأشْهَادِ وَبِاعْلانَاتِ جَميعِ نِعَمِكَ عَلى إنْعَامِكَ في سُوقِ الكَائنَاتِ وَبِمَنْظـُومَاتِ جَميعِ ثَمَرَاتِ رَحْمَتِكَ وَنِعْمَتِكَ لَدى أنْظَارِ الـمَخْلـُوقَاتِ وبِتَحْمِيدَاتِ جَميعِ مَوْزُونَاتِ أزاهيركَ وَعَنـَاقيدِكَ الـمُنَظـَّمَةِ في خُيُوطِ الأشْجَارِ وَالنَـبَاتَاتِ.

سُبْحَانَكَ مَا أعظَمَ شَأنَكَ وَمَا أزيَنَ بُرْهَانَكَ وَمَا أظْهَرَهُ وَمَا أبـْهَرهُ!

سُبْحَانَك مَا عَبَدْنَاكِ حَقَّ عِبَادَتِكَ يَا مَعْبُودَ جَميعِ الـمَلئِكَةِ وجَميعِ ذَوي الـحَيـَاةِ وجَميعِ العَنـَاصِرِ والـمَخْلُوقَاتِ، بِكَمَالِ الاطَاعَةِ والامْتِثَالِ والانتِظَامِ والاتـِّفَاقِ والاِشْتِيَاقِ.

سُبْحَانَكَ مَا سَبـَّحْنَاكَ حَقَّ تَسْبيحكَ يا مَنْ } تُسَبـِّحُ لهُ السـَّمواتُ السـَّبْعُ والأرْضُ وَمَنْ فيهنَّ وَإنْ مِنْ شَيءٍ إلاّ يُسَبـِّحُ بِحَمْدِه { (الاسراء:44).

سُبحَانَكَ تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ السـَّمآءُ وَلأرضُ بِجَميعِ تَسْبيِحاتِ جَميعِ مَصْنوُعَاتِكَ وَبِجَميعِ تَحْميِدَاتِ جَميعِ مَخْلُوُقَاتِكَ لَكَ.

سُبْحَانَكَ تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ الأرضُ وَالسـَّمَآءُ بِجَميعِ تَسْبيِحَاتِ جَميعِ أنْبيَائِكَ وَأولِيَائِكَ وَمَلائِكَتِكَ عَليِهِمْ صَلَوَاتُكَ وَتَسْليِمَاتُكَ.

سُبْحَانَكَ تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ الكَائِنَاتُ بِجَميعِ تَسْبيِحَاتِ حَبيبِكَ الأَكْرَمِ e . وَبِجَميعِ تَحْميِدَاتِ رَسُولِكَ الأعْظَمْ لَكَ، عَلَيهِ وَعَلى آلهِ أفْضَلُ صَلَوَاتِكَ وَأتَمُ تَسْلِيمَاتِكَ.

سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ هذِهِ الكَائِنَاتُ بِأصْدِيَةِ تَسْبيِحَاتِ مُحَمـَّدٍ عَلَيهِ الصَلاةُ والسـَّلامُ لَكَ؛ إذْ هُوَ الـَّذِي تتَمَوَّجُ أصْدِيَةُ تَسْبيحَاتِهِ لَكَ عَلى لأمْوَاجِ الأعْصَارِ واَفْوَاجِ الأَجْيَالِ.

الـَّلهُمَّ فَأبـِّدْ عَلى صَفَحَاتِ الكَائِنَاتِ وَأوْرَاق الاوْقَاتِ إلى قَيامِ العَرَصَاتِ أصْدِيَةَ تَسْبيحَاتِ مُحَمـَّدٍ عَلَيهِ الصَلاَةُ والتَسْليماتُ.

سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ الدُنْيَا بِآثَارِ شَريِعَةِ مُحَمـَّدٍ عَلَيهِ الصَلاةُ وَالسـَّلامُ. اَلـَّلهُمَّ فَزَيـِّنِ الدُّنيَا بِآثارِ دِيَانَةِ مُحَمـَّدٍ عَلَيهِ الصَلاةُ وَالسـَّلامُ اِلى يَوْمِ القِيَامِ.

سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ الأرضُ سَاجِدَةً تَحتَ عرْشِ عَظَمَةِ قُدْرَتِكَ بِلِسَانِ مُحَمـَّدِهَا عَلَيهِ الصَلاةُ وَالسـَّلامُ.

اَلـَّلهُمَّ فَأنْطِقِ الأرضَ بِاقْطَارِهَا بِلِسَانِ مُحَمـَّدٍ عَلَيهِ الصَلاةُ وَالسـَّلامُ اِلى يَوْم البَعْثِ والقيَامِ.

سُبْحَانَكَ يَا مَنْ تُسَبـِّحُ بِحَمْدِكَ جَميعُ الـمُؤمِنينَ وَالـمُؤْمِنَاتِ في جَميعِ الأمْكِنَةِ وَالاوْقَاتِ بِلِسَان مُحَمـَّدِهِمْ عَلَيهِ الصَلاةُ وَالسـَّلامُ.

اللـَّهُمَّ فَاَنْطِقِ الـمُؤمِنِينَ وَالـمُؤمِنَاتِ اِلى يَومِ القِيَامِ بِأصْدِيَةِ تَسْبيحَاتِ مُحَمـَّدٍ لك عَلَيهِ الصَلاةُ وَالسـَّلامُ.

(الفصل الثالث)

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ الوَاحِدِ الأحَدِ الـمُتَقَدِّسِ الـمُتَـنَزّهِ عَنِ الاضْدَادِ وَالأنْدَادِ وَالشُرَكَاءِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ القَدِيِرِ الأزَليّ الـمُتَـقَدِّسِ الـمُتَـنَزِّهِ عِنِ الـمُعينِ وَالوُزَرَاءِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ القَدِيمِ الأزَليِّ الـمُتَقَدِّسِ الـمُتَنـَزِّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الـمُحْدثَاتِ الزَّائِلاَتِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ الوَاجِبِ وُجُوُدُهُ الـمُممْْتَنِعِ نَظيرُهُ الـمُمكِنِ كُلُّ مَا سِوَاهُ الـمُتَقَدِّسِ الـمُتَنـَزِّهِ عَنْ لَوَازِمِ ما هيـَّاتِ الـمُمْكِنَاتِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ الـَّذي } لَيسَ كَمِثِلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السـَّميعُ البَصيِرُ{ (الشورى:11) الـمُتَقَدِّسُ الـمُتَـنَزِّهُ عَمـَّا تَتـَصوَّرُهُ الأوْهَامُ القَاصِرَهُ الـخَاطِئَةُ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ الـَّذي } وَلَهُ الَمَثَلُ الأَعلَى فِي السـَّموَاتِ وَالأَرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ { (الروم:27) الـمُتَقَدِّسُ الـمُتَـنَزِّهُ عَمـَّا تَصِفُهُ العَـقَائِدُ النَاقِصَةُ البَاطِلَةُ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ القَديِرِ الـمُطْلَقِ الغَنـيِّ الـمُتَقَدِّسِ الـمُتَـنَزِّهِ عَنِ العَجْزِ والاحْتِياجِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ الكاملِ الـمُطْلَقِ في ذاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأفْعالِهِ الـمُتَقـَدِّسِ الـمُتَـنَزِّهِ عَنِ القُصًورِ والنـُّقْصَانِ، بِشَهَادَاتِ كَمَالاتِ الكائِنَاتِ. إذْ مَجْمُوعُ مَا في الكائِنَاتِ مِن الكَمالِ وَالـجَمَالِ ظِلُّ ضَعيفٌ بِالنـّسْبَةِ الى كَمَالهِ سُبْحَانَهُ، بالـحَدْسِ الصـَّادِقِ وَبِالبُرْهَانِ القَاطِعِ وبالدَّليل الوَاضِحِ. إذِ التـَّنْويرُ لا يَكُونُ إلاّ مِنَ النـُّورانِيِّ وبِدَوَامِ تَجَلـّي الـجَمَالِ وَالكَمَالِ مَعَ تَفَانِي الـمَرَايا وسَيـَّاليـَّةِ الـمَظَاهِرِ وبِاجْمَاعِ وَاتـِّفَاقِ جَمَاعَةٍ كَثيرَةٍ مِنَ الأعَاظِمِ الـمُخْتَلِفِينَ في الـمَشَارِبِ والكَشْفِيـَّاتِ الـمُتـَّفِقِينَ عَلى ظِلـّيـَّةِ كَمَالاتِ الكِائِنـَاتِ لأنْوَارِ كَمالِ الذَاتِ الوَاجِبِ الوُجُودِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ الاَزَليِّ الأبَديِّ السـَّرْمَديِّ الـمُتَقَدِّسِ الـمُتَـنَزِّهِ عَنِ التـَّغَيـُّرِ والتـَّبِدُّلِ اللاّزِمَيْنِ للمُحْدَثَاتِ الـمُتَجَدّدات الـمُتكامِلاتِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ خَالِقِ الكَوْنِ وَالمَكَانِ الـمُتَقَدِّسِ الـمُتَـنَزِّهِ عَنِ التـَّحَيـُّز وَالتـَّجَزُّءِ اللاَّزِمَيْنِ للمَادّيـَّاتِ وَالـمُمْكِنَاتِ الكَثيِفَاتِ الكَثيِراتِ الـمُقَيـَّدَاتِ الـمَحْدُودَاتِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ القَديِمِ الباقِي الـمُتَقَدِّسِ الـمُتَـنَزِّهِ عَنِ الـحُدُوثِ وَالزَّوَالِ.

ذُو الـجَلال سُبْحَانَ اللهِ الوَاجِبِ الوُجُودِ الـمُتَقَدِّسِ الـمُتَـنَزِّهِ عَنِ الوَلَدِ وَالوَالِدِ وَعَنِ الـحُلُول والإتـّحَادِ وَعَنِ الـحَصْرِ وَالتـَّحْدِيدِ وَعَمـَّا لا يَليِقُ بِجَنَابِهِ وَمَا لايُنَاسِبُ وَجوُبَ وُجُودِهِ وَعَمـَّا لا يُوَاقِقُ اَزَلِيـَّتَهُ وَ اَبَدِيـَّتَهُ.

جَلَّ جَلالُهُ. وَلآ إلهَ إلاّ هُوَ.







الباب الثاني

في ((الـحَمْدُ لله..))(1)

في هذا الباب تسع تقاط..



النقطة الأولى:

الـحَمْدُ للهِ عَلى نِعَمَةِ الإيَمانِ الـمُزيلِ عَنـَّا ظُلُمَاتِ الجِهَاتِ السـِّتّ.

إذْ جِهةُ الـمَاضِي في حُكْمِ يَميننا مُظْلِمَةٌ وَمُوحِشَةٌ بِكَونِهَا مَزَاراً أكبَرَ. وبِنِعْمَةِ الإيـمانِ تَزُولُ تـِلكَ الظـُّلْمَةُ وَيـَنْكَشِفُ الـمَزَارُ الأكْبَرُ عَنْ مَجْلِسٍ مُنَوَّرٍ.

وَ يَسَارُنَا الـَّذي هُوَ الـجِهَةُ الـمُسْتَقْبَلَةُ، مُظْلِمَةٌ وَمُوحِشَةٌ بِكَوْنِهَا قَبراً عَظيمَاً لَنَا. وبِـنِعْمَةِ الإيَمانِ تَنْكَشِفُ عَنْ جـِنـَانٍ مُزَيـَّنَةِ فيهَا ضِيافَاتٌ رَحْمَانـَّيةٌ.

وَجِهَةُ الفَوقِ وَهُوَ عَاَلـَمُ السـَّمواتِ مُوحِشَةٌ مُدْهِشَةٌ بِنَظَرِ الفَلسَفَةِ. فَبِنِعْمَةِ الإيـمَانِ تتَكَشـَّفُ تِلكَ الـجِهَةُ عَنْ مَصابِيحَ مُتـَبـَسـِّمَةٍ مُسَخـَّرةٍ بِأمْرِ مَنْ زَيـَّنَ وَجه السـَّماءِ بِهَا يُسْتَأنَسُ بـِهـَا وَلا يُتَوَحـَّشُ مِنْهَا.

وَجِهَةُ الـتَّحْتِ وَهيَ عَالَمُ الأرضِ مُوحِشَةٌ بِوَضْعيـَّتِهَا في نَفْسِهَا بِنَظَرِ الفَلسَفَةِ الضـَّالـَّةِ. فَبِنعْمَةِ الإيـمَانِ تَتكَشـَّفُ عَنْ سَفينَةٍ رَبـَّانيَةٍ مُسَخـَّرَةٍ وَمَشْحُونَةٍ بِاَنْوَاعِ اللـّذَائِذِ والـمَطْعُومَاتِ؛ قَدْ اَركَبَهَا صَانِعُهَا نَوعَ البَشَرِ وَجِنسَ الـحَيَوَانِ للسـَّياحَةِ في أطْرَافِ مَملَكَةِ الرَّحْمنِ.

وَجِهَةُ الأمَامِ الـَّذي يَتـَوَجَهُ الى تِلكَ الجِهَةِ كُلُّ ذَوي الـحَـيَاةِ مُسْرِعَةً قَافِلَةً خَلفَ قَافِلَةٍ، تَغيبُ تِلكَ القَوافِلُ في ظُلُمَاتِ العَدَمِ بِلا رُجُوعٍ. وَبِنـِعْمـَةِ الإيَمَان تَتَكَشـَّفُ تِلكَ السِياحَةُ عَنِ انتِقَالِ ذَوي الـحَياةِ مِنَ دَارِ الفَنَاءِ الى دَارِ البَقآءِ، وَمِنْ مَكَانِ الـخِدْمَةِ اِلى مَوضِعِ أخْذِ الأُجْرَةِ، وَمِنْ مَحَلِّ الزَّحْمَةِ الى مَقامِ الرَّحْمَةِ والاستِرَاحَةِ. وَأمَا سُرعَةُ ذَوي الـحَيـَاةِ في أمْوَاجِ الـمَوتِ، فَلَيْسَتْ سُقوُطاً وَمـُصيبـَةً، بل هِيَ صُعٌودٌ باشتِيِاقٍ وَتـَسَارُعٌ اِلى سَعادَاتِهِمْ.

وَجِهَةُ الـخَلْفِ ايضاً مُظْلِمَةٌ مُوحِشَةٌ. فَكُلُّ ذي شُعُورٍ يَـتَحيـَّرُ مُتَرَدِّداً ومُستَفْسِراً بـ ((مِنْ أينَ ؟ إلى أينَ؟)). فلأَنَّ الغَفْلَةَ لا تُعْطي لهُ جَوَابَاً، يَصيرُ التَرَدُّدُ والتـَّحَيـُّرُ ظُلُمَاتٍ في رُوحِهِ.. فَبِنِعْمَةِ الإيـمَانِ تَنْكَشِفُ تِلكَ الـجِهَةُ عَنْ مَبْدَإِ الانْسَانِ وَوَظيفَتِهِ، وَبِأنَّ السُّلطَانَ الاَزَليَّ أرسَلَهُمْ مُوَظَفينَ الى دَارِ الامْتِحَانِ..

فَمِنْ هذه الـحَقيقَة يَكوُنُ ((الـحَمْدُ)) عَلى نِعْمَةِ الإيـمَانِ الـمُزيلِ للِظـُّلُمَاتِ عَنْ هذِه الـجِهَاتِ السـِّتِّ أيضاً نِعْمَةً عَظيمَةً تَسْتَلْزِمُ ((الـحَمْدَ)). إذْ بـ((الـحَمْدِ)) يُفْهَمُ دَرَجَةُ هذِهِ النـَّعْمَةِ وَلَـذَّتُهَا. فَالـحَمْدُ لله عَلى ((الـحَمْدُ للهِ في تَسَلسُلٍ يَـتَسَلسَلُ في دَوْرٍ دَآئرٍ بِلا نِهَايَةٍ)).

النقطة الثانية:

الـحَمْدُ للهِ عَلى نِعْمَةِ الإيـمَانِ الـمُنَوِّرِ لَنَا الـجِهَاتِ السِّتَّ. فَكَمَا أنَّ الإيـمَانَ بإزَالَتِهِ لِظُلُمَاتِ الـجِهَاتِ السِّتِّ نِعْمَةٌ عَظيِمَةٌ مِنْ جِهَةِ دَفْعِ البَلايا؛ كَذَلِكَ أنَّ الإيـمَانَ لِتَنْوِيرِهِ لِلَجِهَاتِ السِّتِّ نِعْمَةٌ عَظيِمَةٌ اُخْرى مِنْ جِهَةِ جَلْبِ الـمَنَافِعِ. فَالانسَانُ لعلاَقَتهِ بِجَامِعيـَّةِ فِطْرَتِهِ بِمَا في الـجِهَاتِ السِّتِّ مِنَ الـمَوجُودَاتِ. وَبِـنِعْمَةِ الإيـمَانِ يُمْكِنُ لِلإنسَانِ اِسْتِفَادَةٌ مِنْ جِميعِ الـجِهَاتِ السِّتِّ أيْنَمَا يَـتَوَجـَّهُ. فَبِسِرِّ } فأيَنما تُوَلُوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ { (البقرة:115) تَـتَـنَوَّرُ لهُ تِلكَ الـجِهَةُ بِمَسَافَتِهَا الطـَّوِيلَةِ بِلاَ حَدٍّ. حَتـَّى كأَنَّ الانسَانَ الـمُؤْمِنَ لَهُ عُمْرٌ مَعْنَوِيٌّ يَمْتَدُّ مِنْ أوَلِ الدُّنيَا إلى آخِرِهَا، يَسْتـَمِدُّ ذَلِكَ العُمْرُ من نُور حَيـَاةٍ مُمْتَدَّةٍ من الأزَلِ الى الأبَدِ. وحتى إنَّ الإنسَانَ بسرِّ تَنْويرِ الإيـمَانِ لِجِهَاتِهِ يَخْرُجُ عَنْ مَضِيقِ الزَّمَانِ الـحَاضِرِ وَالـمَكَانِ الضـَّيـِّقِ الى سَاحَةِ وُسْعَةِ العَالَم، ويَسيرُ العَالَمُ كَبَيتِهِ، والـمَاضِي وَالـمُسْتَقْبَلُ زَمَانَاً حَاضِرَاً لِرُوحِهِ وَقَلْبِهِ. وَهَكَذا فَقِسْ…

النُقطة الثالثة:

الـحَمْدُ للهِ عَلى الإيـمَانِ الـحَاوي لِنُقطَتَي الاسْتِنَاد وَالاسْتِمْدَادِ.

نَعَمْ، بِسِرِّ غَايَةِ عَجْزِ البَشَرِ وَكَثَرةِ أعْدَائِهِ يَحتَاجُ البَشَرُ أشَدَّ احتِيَاج إلى نُقطَةِ اسْتِنَادٍ يَلْتَجِىءُ إلَيْهِ بِدَفْعِ أعْدآئِهِ الغَيْر(1) الـمَحْدُودَةِ، وَبِغايَةِ فَقْرِ الانسَانِ مَعَ غَايَةِ كَثَرةِ حاجَاتِهِ وَآمَالِهِ يَحْتَاجُ أشَدَّ احتِيَاجٍ الى نُقطَةِ اسْتِمدَادٍ يَستَمِدُّ مِنْهَا، وَيـَسْألُ حَاجَاتِهِ بِهَا.

فَالإيَمَانُ باللهِ هِيَ نُقطَةُ اسْتِنَادٍ لِفِطَرةِ البَشَر. وَالإيـمَانُ بِالآخِرَةِ هُوَ نُقطَةُ اِسْتِمدَادٍ لِوِجْدَانِهِ. فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَاتَينِ النـُّقطَتَينِ يَـتَوَحـَّشُ عَلَيهِ قَلبُهُ وَرُوحُهُ، ويَعُذِّبُهُ وِجدَانُهُ دآئِماً. وَمَنْ اسْـتَـنَدَ بالإيـمَانِ إلى النُقطَةِ الاوُلَى، وَاسْتَمَدَّ مِنَ النُقطَةِ الثـَّانِيَة أحسَّ مِنْ أعْماقِ رُوحِهِ لَذَائِذَ مَعْنَويـَّةً وَأُنْسِيَةً مُسَلـّيَةً وَاعْتِمَاداً يَطْمَئِنُّ بِهَا وِجْدَانُهُ.



النُقطة الرابعة:

الـحَمْدُ للهِ عَلى نُورِ الإيـمَانِ الـمُزيلِ للآلآمِ عَنِ اللـَّذَائِذِ الـمَشْرُوعَةِ بِإراءَةِ دَوَرَانِ الامْثَالِ، وَالـمُدِيمِ للنـِّعَم بِإراءَةِ شَجَرَةِ الإنْعَامِ، وَالـمُزيلِ آلامَ الفِرَاقِ بإراءةِ لَذَّةِ تَجَدُّدِ الامثَالِ. يَعْنِي أنَّ في كُلِّ لَذَّةٍ آلاماً تَنشَأ مِنْ زَوَالِهَا. فَبِنُورِ الإيـمَانِ يَزُولُ الـزَّوَالُ، وَيـَـنَقَلِبُ الى تَجَدُّدِ الامثَالِ. وَفي التـَّجَدُّدِ لّذَةٌ أُخرى..

فَكَمَا أنَّ الثـَّمَرَةَ إذا لَمْ تُعْرَفْ شَجَرَتُهَا تَنْحَصِرُ النـِّعْمَةُ في تِلك الثـَّمَرَةِ. فَتَزُولُ بِأكْلِهَا. وَتُورِثُ تَأسـُّفاً عَلى فَقْدِهَا. وإذا عُرِفَتْ شَجَرَتُها وَشُوهِدَتْ، يَزُولُ الاَلَمُ في زَوَالِهَا لِبَقَاءِ شَجَرَتِهَا الـحَاضِرَةِ، وَتَبْديلِ الثـَّمَرَةِ الفَانِيَةِ بِأمْثَالِهَا. وَكَذَا إنَّ مِنْ أشَدِّ حَلاتِ رُوحِ البَشَرِ هِيَ التـَّألـُّمَاتُ النـَّاشِئَةُ مِنَ الفِرَاقَاتِ. فَبِنُورِ الإيـمَانِ تَفتَرِقُ الفِرَاقَاتُ وَتَـنْعَدِمُ. بَل تَنْقَلِبُ بِتَجَدُّدِ الامثَالِ الـذَّي فيهِ لذَّةٌ أُخرى إذ ((كُلُّ جَدَيدٍ لَذِيذٌ))...

النقطة الـخامسة:

الـحَمْدُ للهِ عَلى نُورِ الإيـمَانِ الـذَّي يُصَوِّرُ مَا يُتَوَهـَّمُ أعْدآءً وَاجَانِبَ وَامْوَاتَاً مُوحِشينَ، وَايْتَاماً باكين مِنَ الـمَوجُودَاتِ، أحْبَاباً وإخْوَانَاً وَأحْيَاءً مُونِسِينَ، وَعِبَادَاً مُسَبِّحينَ ذَاكِرِينَ..

يَعْني أنَّ نَظَرَ الغَفلَةِ يَرى مَوجُودَاتِ العَالَمِ مُضرِّينَ كَالاَعْداءِ وَيـَـتَوَحـِّشُ مِنْ كُلِّ شىءٍ، وَيـَرَى الاَشْيَآءَ كَالاجانِبِ. إذْ في نَظَرِ الضـَّلاَلَةِ تَنْقَطِعُ عَلاَقَةُ الاُخُوَّةِ في كُلِّ الاَزمِنَةِ الـمَاضِيَةِ وَالاسْتِقْبَاليـَّةِ. وَمَا اُخُوَّتُهُ وَعَلاقَتُهُ إلاّ في زَمَانٍ حَاضِرٍ صَغيرٍ قَليِلٍ. فاُخُوَّةُ أهْلِ الضـَّلالَة كَدقَيقَةٍ في اُلُوفِ سَنَةٍ مِنَ الاجْنَبِيـَّةِ. وَاُخُوَّةُ أهْلِ الإيـمَانِ تَمتَدُّ مِنْ مَبْدَإِ الـمَاضِي إلى مُنتهَى الاسْتِقبَالِ. وَاِنَّ نظَرَ الضـَّلالَةِ يَرى أجْرَامَ الكائِنَاتِ أمْوَاتَاً مُوحِشينَ. وَنـَظَرَ الإيـمَان يُشَاهِدُ اُولئكَ الاجْرَامَ أحْياءً مُونِسينَ يَـتَكَلـَّمُ كُلُّ جرْم بِلِسَانِ حالِهِ بِتَسْبيحَاتِ فاطِرِهِ. فَلَها رُوُحٌ وحَيَاةٌ مِنْ هذِهِ الـجِهَةِ. فَلا تَكُونُ مُوحِشَاً مَدْهِشَاً، بلْ انيسَاً مُونِساً. وَانَّ نَظَرَ الضـَّلالَةِ يَرَى ذَوي الـحَيَاةِ العَاجِزينَ عَنْ مَطَالِبِهمْ لَيسَ لَهُمْ حَامٍ مُتَوَدِّدٌ وَصَاحِبٌ مُتَعَهـِّدٌ. كَأنَهَا أيتَامٌ يَبكُونَ مِنْ عَجْزِهِمْ وَحُزْنِهِمْ وَيَأسِهِمْ. وَنَظَر الإيـمَانِ يَقُولُ: إنَّ ذَوي الـحَيَاةِ لَيسُوأيتَامَاً بَاكينَ، بَل هُمْ عِبَادٌ مُكَلـَّفُونَ وَمَأمُورونَ مُوَظـَّفُونَ وَذَاكِرونَ مُسَبـِّحُونَ.

النُقطة السادسة:

الـحَمْدُ للهِ عَلى نُورِ الإيـمَانِ الـمُصَوِّرِ للدَّارَينِ كَسُفرَتـَينِ مَمْلـُوءتَينِ مِنَ النـِّعَمِ يَستَفِيدُ مِنْهُمَا الـمُؤمِنُ بيَدِ الإيـمَانِ بِأنوَاعِ حَوَاسـِّهِ الظَاهِرةِ وَالبَاطِنَةِ، وَ اَقسَامِ لَطَائِفِهِ الـمَعنَويَةِ وَالرُوحِيَةِ الـمُنْكَشِفَةِ بَضِيَاءِ الإيـمَانِ.

نَعَمْ: إنَّ في نَظَرِ الضـَّلالَةِ تتَصَاغَرُ دائِرَةُ اسْتِفَادَةِ ذَوي الـحَيَاة الى دائِرَةِ لَذائِذهِ الـْمَادِّيـَّة الـمُنَغـَّصَةِ بِزَوَالِهَا. وَبِنُورِ الإيـمَانِ تتَوَسـَّعُ دَائِرَةُ الاسْتِفَادَةِ الى دآئِرَةِ تُحيطُ بِالسـَّمَواتِ وَالارضِ بَلْ بِالدُّنيَا وَالآخِرَةِ. فَالـمُؤمِنُ يَرى الشـَّمسَ كَسِراجٍ في بَيْتِهِ وَرَفيقَـاً في وَظيفَتِهِ وأنِيسَاً في سَفَرِهِ؛ وَ تَكُونُ الشـَّمْسُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِةً. وَمَنْ تَكُونُ الشـَّمْسُ نِعْمَةً لَهُ؛ تَكُونً دائِرَةُ استِفَادَتِهِ وَسُفرَةُ نِعَمَتِهِ أوسَعَ مِنَ السـَّمَواتِ.

فَالقُرآنُ الـمُعْجِزُ البَـيَانِ بِامثَالِ } وَسَخـَّرَ لَكُمُ الشـَّمسَ وَالقَمَرَ ` وَسَخـَّرَ لَكُمْ مَا في البَرِّ والبَحرِ { يُشيِرُ ببَلاَغَتِهِ إلى هذِهِ الإحسانَاتِ الـخَارِقَةِ النَاشِئَةِ مِنَ الإيـمَانِ.

النقطة السابعة:

الـحَمْدُ للهِ عَلى اللهِ. فَوُجُودُ الوَاجِبِ الوُجوُدِ نِعْمَةٌ لَيسَتْ فَوقَهَا نِعْمَةٌ لِكُلِّ أحدٍ ولِكُلِّ مَوجُودٍ. وهذِهِ النـِّعْمَةُ تَـتَضَمـَّنُ أنوَاعَ نِعَمِ لا نِهَايَةَ لَهَا، وَأجْنَاسِ إحْسَانَاتٍ لا غَايَةَ لَهَا، وأصْنَافَ عَطـَّياتٍ لا حَدَّ لَهَا.

قد اشير الى قسم منها في اجزاء ((رسالة النور)) وبالـخاصة (في الـموقف الثالث من الرسالة الثانية والثلاثين). وكل الرسائل الباحثة عن الإيـمان بالله من أجزاء رسالة النور تكشف الـحجاب عن وجه هذه النعمة. فإكتفاءً بها نقتصر هنا.

الـحَمْدُ للهِ عَلى رَحْمَانِيـَّتِهِ تَعَالى التي تَـتَضَمـَّنُ نِعَمَاً بَعَدَدِ مَنْ تَـعَلـَّقَ بِهِ الرَّحْمَةُ مِنْ ذَوي الـحَياة. إذ في فِطَرةِ الانسَانِ بِسِرِّ جَامِعيـَّتِهِ عَلاقَاتٌ بِكُلِّ ذَوي الـحَيَاة تَحصُلُ لَهُ سَعَادَةٌ مَعْنويـَّةٌ بِسَبـَبِ سَعَادَاتِهِمْ. وَفي فِطَرتِهِ تَأثـُّرٌ بِآلامِهِمْ. فَالنـِّعْمَةُ عَليهِم تـَكوُنُ نَوعَ نِعْمَةِ لِذلِكَ الانسَانِ.

والـحَمْدُ للهِ عَلى رَحِيمِيـَّتِهِ تَعَالى بَعَدَدِ الاطفَالِ الـمُنْعَمِ عَلَيهِمْ بِشَفقَاتِ والِدَاتِهِمْ. إذ كَمَا أنَّ كُلُّ مَنْ لَهُ فِطرَةٌ سَليمَةٌ يَـتَألـَّمُ وَ يَـتَوَجـَّعُ مِنْ بُكَاءِ طِفلٍ جَائِع لا وَالِدَةَ لـّهُ؛ كذَلِكَ يَـتَـنَعـَّمُ بِتَعَطـُّفِ الوَالِداتِ عَلى أطفَالِهَا.

الـحَمْدُ للهِ عَلى حَكيِميـَّتِهِ تَعَالى بِعَدَدِ دقَائِقِ جِميعِ أنوَاعِ حِكمَته في الكائنَاتِ. إذْ كمَا تـَتـَـنَعـَّمُ نَفْسُ الإنْسَانِ بِجَلَوَاتِ رَحْمانِيـَّتِهِ، ويـَتـَـنَعـَّمُ قَلبُ الانسَانِ بِتَجَلـَّيَاتِ رَحيِميـَّتِهِ؛ كَذَلِك يـَتـَلَذَّذُ عَقلُ الانسَانِ بِلَطَائفِ حِكمتِهِ.

الـحَمْدُ للهِ عَلى حَفيِظيـَّتِهِ تَعَالى بِعَدَدِ تَجَلـِّيَاتِ اسـمِهِ ((الوَارِثِ))، وبِعَدَدِ جَميعِ مَا بَقيَ بَعدَ فَوَاتِ اُصُولِهَا وَابآئهَا وَصَواحِـبِهَا، وَبِعَدَدِ مَوجُودَاتِ دَارِ الآخِرَةِ، وبِعَدَدِ آمَالِ البَشَرِ الـمَحْفُوظَةِ لاَجلِ الـمُكافأةِ الاُخرَويـَّةِ. إذْ دَوَامُ النـِّعْمَةِ اعْظَمُ نعمَةً مِنْ نَفسِ النـِّعْمَةِ وَبَـقَاءُ الـَّلـذَّةِ لـَذَةٌ أعلى لـَذَّةً مِنْ نَفسِ اللـَّذَّةِ؛ والـخُلودُ في الـجـَنـَّةِ نِعْمَةٌ فَوْقَ نَفْسِ الـْجَنـَّةِ. وهَكَذا.

فَحَفِيظـِيـَّتُهُ تَعَالى تـَتـَضَمـَّنُ نِعَماً اَكَثَر وَ اَزيَدَ وَ اَعلى مَنْ جَميعِ النـِّعَمِ عَلى الـمَوجُوداتِ في جَميعِ الكائِنَاتِ.

وهكَذا، فَقِسْ عَلى اسمِ ((الرَّحـمن والرَّحيمِ وَالـحَكيِمِ وَالـحَفيِظِ)) سآئِرَ أسْمَائِهِ الـحُسْنى.

فالـحَمْدُ للهِ عَلى كُلِّ اسم مِنْ أسْمآئِهِ تَعَالى حَمداً بِلا نِهايَةٍ. لِمَا أنَّ في كُلِّ اسم منها نِعَمَاً بِلا نِهَايَةٍ.

الـحَمْدُ للهِ عَلى القُرآنِ الـَّذي هُوَ تَرْجُمَانٌ لكُلِّ مَامَضى مِنْ جَميعِ الإنْعَامَاتِ الـَّتي لا نِهَايَةَ لَهَا حَمْداً بلا نِهَايَةٍ.

الـحَمْدُ للهِ عَلى مُحَمـَّدٍ عَليهِ الصـَّلاةُ وَالسـَّلامُ حَمْداً بِلا نِهَايَة. إذْ هُوَ الوسيلَةُ للإِيـمَانِ الـَّذي فيهِ جَميعُ الـمَفَاتـِيحِ لِجَميعِ خَزَائِنِ النـِّعَمِ التي أشَرْنَا إليهَا في هذَا البَابِ الثـَّاني آنفَاً.

الـحَمْدُ للهِ عَلى نِعْمَةِ الإسْلامِيـَّة الـَّتي هيَ مَرضيـَّاتُ رَبِّ العَالَمينَ، وفِهرِسْتَةٌ لاَنْوَاعِ نِعَمِهِ الـمَادِّيـَّةِ وَالـمَعْنَويـَّةِ، حَمْداً بِلا نِهَايَةٍ.

النقطة الثامنة:

الـحَمْدُ للهِ الـَّذي يَحْمَدُ لَهُ وَيُثنِي عَلَيِهِ بِإظهَارِ أوصَافِ جَمَالِهِ وَكَمَالِهِ، هذَا الكِتَابُ الكَبيرُ الـمُسَمـّى بـ((الكائِنَاتِ)) بـجَميعِ ابوَابِهِ وَفُصوُلـِهَا، وبِجَميعِ صَحائِفِهِ وَسُطـُورِهَا، وبِجَميع كَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهَا، كُلٌّ بِقَدَرِ نِسْبَتِهِ يَحْمَدُهُ تَعَالى وَيُسَبـِّحُهُ بِإظهَارِ بَوَارقِ اَوصَافِ جَلالِ نَقـَّاشِهِ الاحَدِ الصـَّمَدِ بِمَظهَرِيـَّةِ كُلٌّ بَقَدَرِ نِسْبَتِهِ لأضْوَاءِ أَوْصَافِ جَمَالِ كَاتِبِهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَبِمَظْهَرِيـَّةِ كُلٌّ بِقَدَرِ نِسْبَتِهِ لأنوارِ أوْصَافِ كمالِ مُنْشِئها ومُنْشِدِها القَديرِ العْليمِ العَزيزِ الـحَكِيمِ، وَبِمِرآتـَّيةكلٌّ بَقَدَرِ نِسْبَتِهِ لاَشِعـَّةِ تَجَلـِّيَاتِ أسْماءِ مَنْ لَهُ الاَسْماءُ الـحُسنى. جَلَّ جَلالُهُ ولا إلهَ إلاّ هُوَ.

النقطة التاسعة:

الـحَمْدُ – مِنَ اللهِ باللهِ عَلى اللهِ – للهِ بَعَدَدِ ضَرْبِ ذَرَّاتِ الكائِنَاتِ مِنْ أوَّلِ الدُّنيَا الى آخِرِ الـخِلقَةِ في عَاشِرَاتِ دَقائِقِ الأزمِنَةِ مِنَ الأزَلِ الى الأبَدِ.

الـحَمْدُ للهِ عَلى ((الـحَمْدُ للهِ)) بِدَورٍ دآئِرٍ في تَسَلسُلٍ(1) يـَتـَسَلسَلُ إلى مَلا يـَتـَنـَاهى.

الـحَمْدُ للهِ عَلى نِعْمَةِ القُرآنِ وَالإيـمَانِ عَلَيَّ وَعَلى إخوَاني بِعَدَدِ ضَرْبِ ذَرَّاتِ وُجودِي في عَاشِرَاتِ دَقَائقِ عُمْري في الدُّنيَا، وَبـَقـَائِي وبَقائِهِمْ في الآخِرَةِ.

} سُبـحانَكَ لاَ عِلـم لَنَا إِلاّ ما عَلـَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليـم الـحكيـم{ (البقرة:32).

} الـحَمْدُ للهِ الـَّذي هَدينَا لِهذا وَمَا كُنـَّا لِنَهْتَدِيَ لَولا أنْ هَدينَا اللهُ لقَدْ جَآءتْ رُسُلُ رَبـِّنَا بِالـحَقِّ { (الاعراف:43)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيـِّدِنَا مُحَمـَّدٍ بَعَدَدِ حَسَنَاتِ اُمـَّتِهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبِهِ وسَلـَّمْ آمينَ

وَالـحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينْ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس