عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #52
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

مناظرة

بين إبليس لعنه الله ‏

وسيدنا سهل بن عبد التستري ‏رضي الله عنه


"ولقد طمع في تلك الرحمة إبليس !؛ فإنه لما تقابل مع ‏سيدنا سهل التستري (1) ، وقال له: إن الله قال: ‏{ وَرَحْمَتِي ‏وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (2)‏ ‏ ‏ ، وأنا شيء!، فرحمته وسعتني.‏

فقال له سهل: إن الله قيَّدها بقوله: ‏{ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ ‏يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ ‏} (3)‏ ‏ ‏.‏

فقال إبليس: إن التقييد منه لأجلك، والتقييد لا يحكم عليه ‏لأنه فوق القيود والحدود، فهو الملك المطلق.‏
قال تعالى: ‏{ يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } (4)‏ ‏ ‏.‏

قال سيدنا سهلٌ - رضي الله عنه -: فمن فتح عليه في ‏هذه المسألة بجواب فليثبته هنا، وقد سمعت من الإمام أبي ‏العزائم رضي الله عنه – في هذا الجواب أنه قال:" إن الله ‏تعالى له أسماء جمال، وأسماء جلال، مثل اسمه "الغفَّار، القهَّار، ‏الضار، النافع، المعطي، المانع" فكلُّ اسمٍ له مظاهر من عباد ‏سبق في علمه تعالى، أنهم أهلٌ لتلك المعاني لا تغيير ولا تبديل، ‏فلا بدَّ من أن يأخذ كل منهم ما قسم له في الأزل، ولا مفرَّ ‏من القدر، ومع ذلك فإننا إن تتبَّعنا جميع المظاهر والمناظر ‏وجدنا الكلَّ في عين الرحمة، فمثلاً اسمه "المانع" رحمة بمن منع ‏لأنه لو أعطاه لطغى وبغى (5) ‏. قال تعالى:‏ {كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ‎}‏. ‏(6)


فالناس في نظر الله كالمرضى، فهو يعطيهم الدواء على قدر ‏الداء، فإذا أعطى الفقر أو المرض، أو أي بلاء للإنسان، وهو ‏دواء مر، ففي باطنه الرحمة والمرارة نعمة. فقد يمنع الإنسان ‏ولده المريض عن أكل اللحم والحلوى، وهو كلُّه رحمة بولده، ‏وقد يمسكه بيده للطبيب لعملية جراحية أو يفصد له عرقاً ‏والولد يتألَّم والوالد كلُّه رحمة.‏


بل إنك إذا نظرت إلى النار بعين الاعتبار وجدت في ‏باطنها رحمةً لأنها حمَّام يذيب الأوساخ، ويأكل الغواشي، ‏ويرجع الإنسان إلى حقيقته، فيعرف نفسه وربه، ولولا النار ‏ما عرف "القهَّار".‏
النار تطهِّر من المعاصي والحجب الظلمانية، وتحرق من ‏الكافر الأنانية.‏


وما من سيف لقمع ظالم ، أو سلاح لقهر غاشم، إلا وهو ‏رحمة بالمتمع الإنساني، وأكثر رحمة تتجلَّى في القصاص؛ فإذا ‏وجب القتل على إنسان فقُتِل، كان ذلك رحمة. ‏


وإذا ثبتت السرقةعلى لصٍّ فقطعت يده كان ذلك هو ‏الرحمة.‏


وأعظم رحمة للأرواح والأشباح تتجلَّى في الشريعة ‏المحمدية، إلا أن أعظم رحمة وهبت للوجود هي رسول الله ‏صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فإن الله تعالى قال:‏‎ { وَمَا ‏أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }‏ ‏ ‏.‏ (7)


فقد رحم الله به - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - ‏القلوب فانتبهت وعرفت، ورحم به الأرواح فشاهدت ‏وعشقت، ورحم الله به النفوس فتزكَّت وخضعت، ورحم ‏به الأجسام فركعت وسجدت. ‏
رحم الله العوالم فعرفت الحرية والمساواة، وكشف الستار ‏عن الجمال الإلهي فدخل المؤمنون في معية الله.‏


فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو مظهر الرحمة ‏الجامعة الكلية، ومن أراد أن يسبح في بحار الرحمة فليتشبَّه برسول الله ‏‏- صلى الله عليه وآله وسلم - في أعماله وأخلاقه المرضية.‏


ومن جلائل النعم ومظاهر الرحمة والكرم: القرآن الكريم، ‏ولولا تنـزل الرحمن ببيان القرآن، لما تحمَّله إنسان؛ وكيف ‏تتحمَّل البريَّة كلام الذات العلية؟. ولكنه أمدَّ القلوب بواسع ‏الرحمة، ثم واجهها بوافر النعمة، فتجمَّلت بمدده الرحماني.‏" اهـ 211


اقتباس:=============================== الحاشية =============================

(1) ‎ ‎‏: سهل بن عبد الله التستري أبو محمد، أحد أئمة القوم وعلمائهم. والمتكلمين في علوم ‏الرياضيات والإخلاص. وعيوب الأفعال، وكان رضي الله عنه ذا ورع، وله كرامات، ‏سكن البصرة زماناً، وعبادان مدة. قال ابن الملقن: وأظنه مات بتستر، سنة 273 أو ‏‏283 هـ. ‏
‏ انظر: حلية الأولياء 10/189، طبقات ابن الملقن 232، طبقات السلمي 206.‏

(2) ‎ ‎‏: سورة الأعراف – الآية 156.‏

(3) ‎ ‎‏: سورة الأعراف – الآية 156.‏

(4) ‎ ‎‏: سورة الرعد – الآية 39.‏

(5) ‎ ‎‏: ذلك لأنه سبحانه وتعالى خلق عباده على أوصاف شتى فمنهم القوي والضعيف ‏والوضيع والشريف فمن علم من قلبه قوة على حمل أعباء الفقر الذي هو أشد البلاء ‏صبر على تجرع مرارته أفقره في الدنيا ليرفعه على الأغنياء في العقبى ومن علم ضعفه ‏وعدم احتماله وأن الفقر ينسيه ربه صرفه عنه لأنه لا يحب أن عبده ينساه أو ينظر إلى ‏من سواه، فسبحان الحكيم العليم.‏

‏ قال سيدي ابن عطاء الله في حكم: "ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك"، "متى ‏فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع هو عين العطاء"، "متى أعطاك أشهدك بره ومتى ‏منعك أشهدك قهره فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك"، "إنما ‏يؤلمك المنع لعدم فهمك عن اللّه فيه".‏

‏ وقال سيدي العارف بالله عبد القادر الجيلاني: للنفس حالان ولا ثالث لهما حال ‏عافية وحال بلاء فإن كانت في بلاء فشأنها غالباً الجزع والشكوى والاعتراض ‏والتهمة للّه بغير صبر ولا رضى ولا موافقة بل محض سوء أدب وشرك بالخلق ‏والأسباب وإن كانت في عافية ونعمة فالأشر والبطر واتباع الشهوات كلما نالت ‏شهوة تبعت أخرى وتطلب أعلا منها وكلما أعطيت ما طلبت توقع صاحبها في تعب ‏لا غاية له وشأنها إذا كانت بلاء لا تتمنى إلا كشفه وتنسى كل نعيم ولذة فإذا شفيت ‏رجعت إلى رعونتها وأشرها وبطرها وإعراضها عن الطاعة وتنسى ما كانت فيه من ‏البلاء فربما ردّت إلى ما كانت فيه من البلاء عقوبة وذلك رحمة من اللّه بها ليكفها عن ‏المخالفة فالبلاء أولى بها ولو أنها لم ترجع لرذائلها لكنها جهلت فلم تعلم ما فيه ‏صلاحها.‏

(6) ‎ ‎‏: سورة العلق الآيتان 6و7.‏

(7) ‎ ‎‏: سورة الأنبياء – الآية 107.‏"اهـ211




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: المعلِّم للأكوان هو الله الرحمن.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس