عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #54
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

"فالشدَّة منه رحمة، والألم منه نعمة، وقد أشار القرآن ‏الكريم إلى سرِّ من تجلي الرحمن، فقال:‏‎ { إِن كُلُّ مَن فِي ‏السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ ‏وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ‏}‏ (1)‏ ‏.‏


المعنى - والله أعلم -: أن جميع من في السموات، ومن في ‏الأرض يأتون يوم القيامة بمنـزلة عبد واحدٍ للرحمن، لأن ‏الكلَّ في نظره سبحانه وتعالى كشخص واحد، وهذه أكبر ‏نعمة، حيث أن المواجه لهم الرحمن، وكلهم آتيه يوم القيامة ‏في حكم الفرد الواحد، ولو أنه قال: "إلا آتي القهَّار " لذابت ‏السرائر، وحارت البصائر.‏


قال الله تعالى:‏‎ {يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ ‏الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا}‏(2) ‏ ‏.‏


وحيث أن الإذن من الرحمن فبشرى لبني الإنسان، وقد ‏نبَّهنا إلى شمول الرحمة لكلِّ عالٍ ودان، بقوله تعالى:‏‎ ‎{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏ }‏(3) ‏ ‏. ‏


والعرش العظيم محيط بمراتب العوالم كلِّها، كإحاطة أسوار ‏المنـزل بأهله، وحيث أن الرحمن استوى عليه فقد عمَّته ‏رحمة الرحمن.‏


ومعنى استواء الرحمن : يعني استواء يليق بحضرته مع ‏التنـزيه.‏


قال تعالى: ‏{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}‏ (4)‏ ‏.‏


ويجوز أن تفهم الآية أنه "استوى" يعني: استولى عليه ‏تصرُّفاً ونفوذاً رحمانياً، حنانيّاً.


ويجوز أن تقول: "استوى" يعني: ظهر بنور جماله وضياء ‏لطفه حتى عرفه العارفون، ولولا تجلِّيه بالرحمة لذاب منه ‏المؤمنون خوفاً.‏


الرحمن هو الذي يؤنس القلوب بوداده، وبأسرها برحمته ‏ليشهدها سر مراده، لأن العارفين لحضرة الرحمن هم ‏المخصوصون بالرضوان.‏


قال تعالى:‏‎ { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ ‏هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا }‏ (5) ‏ ‏.‏


فـ"عبد الرحمن" هيِّنٌ، ليِّنٌ؛ لا يؤذي مخلوقاً، ولا يتعالى ‏على مخلوق، يرحم الجميع ويدعو لهم بالتوفيق والهداية، تجلَّى ‏له الرحمن في كل أطوار الوجود فأنس به، وصار مستغرقاً في ‏الشهود، يشهد سرَّ "الرحمن" عند أكله، وشربه، ونومه، ‏وحركاته، وسكناته، ولولا رحمة الله لما سعد الإنسان ‏بـ"الرحمن".‏


ومتى ذكر العبد"الرحمن" وهو مستحضر لتلك المعاني ‏هامت روحه في أنوار"الرحمن" وتجلَّى له سرُّ الحديث ‏الشريف:‏ ‏(خلق الله آدم على صورة "الرحمن"، ولو خلقه على ‏صورة "الجبار" أو "القهَّار" لما أنس به أحد) (6)‏ ‏. ‏


فصورة آدم مخلوقة حادثة إلا أنها على مثال الرحمة، تقرب ‏للعقول معنى سريان رحمته ولطفه، وكمه في الجمادن فتحرّك ‏ونطق، وسمع وأبصر، وتدبَّر وفكَّر.‏


ومن رحمته أنه حجبنا عن سُبُحات جلاله وأنوار عزَّته، ولو ‏كشفها لاحترق العالم في الحال، فسبحان من أبقى العالم في ‏رحمته برحمته، وهو العلي في عظمته.‏


الدُّعــــاءُ


‏" إلهي ..... يا رحمن الوجود، يا من وسعت كل شيء رحمةً ‏وعلما، ظهرت رحمتك في كل ذرات الوجود والعالم، فلا نرى ‏شيئاً إلا ونقرأ من آيات رحمتك ما يجذبنا إليك، ويطمئن قلبنا ‏بواسع حنانك.‏

أشهِدْ عيون قلوبنا حضرة الرحمانية وأنوارها، حتى تكون ‏عرشاً لظهور أنوارك يا "رحمن".‏


وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم".‏" اهـ 226



اقتباس:======================== الحاشية ======================

(1)‎ ‎‏: سورة مريم الآيتان 93-94.‏
(2) ‎ ‎‏: سورة طه - الآية 109.‏
(3) ‎ ‎‏: سورة طه - الآية 5.‏
(4) ‎ ‎‏: سورة الشورى - الآية 11.‏
(5) ‎ ‎‏: سورة الفرقان - الآية 63.‏

(6) ‎ ‎‏: ‏قال العلامة المناوي في "فيض القدير"، شرح الجامع الصغير، 3/430 وما بعدها - ‏الحديث رقم: 3928 : رواه الإمام أحمد في المسند، والشيخان، بسندهم عن أبي ‏هريرة، ورواه عنه الطبراني وغيره. (خلق اللّه آدم على صورته) أي على صورة آدم ‏التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى موته لم تتفاوت قامته ولم تتغير هيئته بخلاف بنيه ‏فإن كلاً منهم يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً وأعصاباً عارية ثم مكسوة لحماً ‏ثم حيواناً مجنناً لا يأكل ولا يشرب ثم يكون مولوداً رضيعاً ثم طفلاً مترعرعاً ثم مراهقاً ‏ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً أو خلقه على صورة حال يختص به لا يشاركه أنواع أخر ‏من المخلوقات فإنه يوصف مرة بالعلم وأخرى بالجهل وتارة بالغواية والعصيان وطوراً ‏بالهداية والاستغفار ولحظة يقرن بالشيطان في استحقاق اسم العصيان والإخراج من ‏الجنان ولحظة يتسم بسمة الاجتباء ويتوج بتاج الخلافة والاصطفاء وبرهة يستعمل بتدبير الأرضين وساعة يصعد بروحه إلى عليين وطوراً يشارك البهائم في مطعمه ‏ومنكحه وطوراً يسابق الكروبيين في ذكره وفكره وتسبيحه وتهليله وقيل الضمير للّه ‏تعالى بقرينه رواية خلق آدم على صورة الرحمن - والمراد بالصورة الصفة والمعنى أن ‏اللّه خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك وإن كانت صفات ‏اللّه لا يشبهها شيء -. والمعنى خلق آدم على صورة اجتباها وجعلها من جميع ‏مخلوقاته إذ ما من موجود إلا وله مثال في صورته ولذلك قيل الإنسان عالم صغير. ‏

‏ قال سيدي محيي الدين بن عربي رضي الله عنه : لما وصل الوقت المعين في علمه تعالى ‏لإيجاد هذا الخليفة الذي يهدي اللّه المملكة بوجوده وذلك بعد أن مضى من عمر ‏الدنيا سبعة عشر ألف سنة أمر بعض ملائكته أن يأتيه بقبضةة من كل أجناس تربة ‏الأرض فأتاه بها فأخذها سبحانه وخمرها بيده حتى تغير ريحها وهو المسنون وهو ذلك ‏الجزء الهوائي الذي في الإنسان وجعل جسده محلاً للأشقياء والسعداء من ذريته وجمع ‏في طينته الأضداد بحكم المجاورة وأنشأه على الحركة المستقيمة وذلك في دولة السنبلة ‏وجعله ذا جهات ست فوق وهو ما يلي رأسه وتحت وهو ما يلي رجليه ويمين وهو ‏ما يلي جانبه الأقوى وشمال وهو ما يلي جانبه الأضعف وأمام وهو ما يلي الوجه ‏وخلف وهو ما يلي الفضاء وصوَّره وعدله وسوّاه ثم نفخ فيه روحه المضاف إليه ‏فسرى في أجزائه أربعة أركان الأخلاط إذ كانت الصفراء عن الركن الناري والسوداء ‏عن التراب، والدم عن الهواء وهو قوله مسنون والبلغم من الماء الذي عجن به التراب فصار طيناً ثم أحدث فيه القوة الجاذبة التي بها تجذب الأغذية ثم الماسكة وبها ‏يمسك الحيوان ما يتغذى به ثم الهاضمة وبها يهضم الغذاء ثم الدافعة وبها يهضم ‏الفضلات عن نفسه من عرق وبخار وريح وبراز وأما سريان الأبخرة وتقسم الدم في ‏العروق وفي الكبد فبالقوة الجاذبة لا الدافعة ثم أحدث فيه القوة الغاذية والمنمية ‏والحاسة والخيالية والوهمية والحافظة والذاكرة وهذا كله في الإنسان بما هو حيوان لا ‏بما هو إنسان فقط إلا أن هذه القوى الأربع قوة الخيال والوهم والحفظ والذكر في ‏الإنسان أقوى ثم خصت بالقوة المصورة المفكرة والعاقلة وجعل هذه القوى آلات ‏للنفس الناطقة ليصل بها إلى جميع منافعها وجعله داراً لهذه القوى فتبارك اللّه أحسن ‏الخالقين ثم ما سمى نفسه باسم من الأسماء إلا وجعل للإنسان من التخلق به حظاً منه ‏يظهر به في العالم على قدر ما يليق به، ولذلك تأول بعضهم قوله في الخبر خلق اللّه ‏آدم على صورته على هذا المعنى والحديث خرج مخرج الزجر والتهويل لوروده عقب ‏قوله لا تقولوا قبح اللّه وجهك فإن اللّه خلق آدم على صورته أي صورة هذا الوجه ‏المقبح ذكره القاضي.

(وطوله ستون ذراعاً) بذراع نفسه أو بالذراع المتعارف يومئذ ‏للمخاطبين أو بالذراع المعروف عندنا ورجح الأول بأن حسن الخلق يقتضي اعتدال ‏الأعضاء وتناسبها ومن قصرت ذراعه عن ربع قامته أو طالت خرج عن الاعتدال ‏ومن قامته ستون ذراعاً بذراع نفسه فذراعه سدس من عشر قامته فيخرج عن ‏الاعتدال وزاد أحمد في روايته بعد ما ذكر في سبعة أذرع عرضاً ولم ينتقل أطوراً كذريته (ثم قال له اذهب فسلم على أولئك النفر) فيه إشعار بأنهم كانوا على بعد ‏ولا حجة فيه لمن أوجب ابتداء السلام لأنها واقعة حال لا عموم لها (وهم نفر من ‏الملائكة جلوس) قال ابن حجر: لم أقف على تعيينهم (فاستمع) في رواية فاسمع (ما ‏يحيونك) بمهملة من التحية وفي رواية بجيم من الجواب (فإنها تحيتك وتحية ذريتك) من ‏جهة الشرع أو أراد بالذرية بعضهم وهم المسلمون (فذهب فقال السلام عليكم) ‏يحتمل أنه تعالى علمه كيفية ذلك نصاً وكونه فهمه من قوله له سلم وكونه ألهمه ذلك ‏‏(فقالوا السلام عليك ورحمة اللّه) وهذا أوّل مشروعية السلام وتخصيصه لأنه فتح باب ‏المودة وتأليف لقلوب الأخوان المؤدي إلى استكمال الإيمان كما في خبر مسلم: لا ‏تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه ‏تحاببتم أفشوا السلام بينكم واستأنس بهذا من أجاز حذف الواو في الرد ووجهه أن ‏المسلم عليه مأمور بمثل تحية المسلم عدلاً وأحسن منها فضلاً فإذا رد بالمثل أتى بالعدل ‏‏(فزادوه) الضمير لآدم والزيادة تتعدى إلى مفعولين ومفعوله الثاني

قوله (ورحمة اللّه) ‏وفيه مشروعية زيادة الرد واتفقوا على وجوب الرد لأن السلام الآمان فإذا ابتدأ به ‏المسلم فلم يحيه أوهم الشر قال القرطبي: وقد دل هذا الخبر على تأكد السلام وأنه من ‏الشرائع القديمة الذي كلف بها آدم ثم لم تنسخ في شريعة اهـ لكن في خبر ما ‏حسدتكم اليهود إلخ يدل على أنه من خصوصياتنا (فكل من يدخل الجنة) من بني آدم ‏يدخلها وهو (على صورة آدم) أي على صفته في الحسن والجمال والطول ولا يدخلها ‏على صورة نفسه من نحو سواد وعاهة وهو يدل على عفة البعض من نحو سواد ‏ينتفي عند دخولها (في طوله ستون ذراعاً) بذراع نفسه أو بقدر الذراع المتعارف ‏يومئذ عند المخاطبين أو بذراع الشرع المعروف الآن على ما تقرر فيما قبله وروى ابن ‏أبي الدنيا عن أنس مرفوعاً يدخل أهل الجنة على طول آدم ستين ذراعاً بذراع الملك ‏على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين اهـ

وقال ابن حجر: وروى ‏عبد الرزاق أن آدم لما هبط كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء فحطه اللّه إلى ‏ستين ذراعاً فظاهره أنه كان مفرط الطول في ابتداء فطرته وظاهر هذا الحديث أنه ‏خلق ابتداء على طول ستين ذراعاً وهو المعتمد (فلم تزل الخلق تنقص بعده) في ‏الجمال والطول (حتى الآن) فانتهى التناقص إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك ‏فإذا دخل الجنة عادوا إلى ما كان آدم عليه من الكمال والجمال وامتداد القامة وحسن ‏الهامة وفي مثير الغرام في زيارة القدس والشام أن آدم كان أمرد وإنما حدثت اللحية ‏لولده وكان أجمل البرية.

قال السمهودي: ما ذكر من الصفات من طول آدم وغيره ‏ثابت لكل من دخل الجنة كما تقرر فيشمل من مات صغيراً بل جاء ما يقتضي ثبوت ‏جميع ذلك للسقط فروى البيهقي بسند حسن عن المقداد ما من أحد يموت سقطاً ولا ‏هرماً وأنحاء الناس فيما بين ذلك إلا بعث ابن ثلاث وثلاثين فإن كان من أهل الجنة ‏كان على مسحة آدم وصورة يوسف وقلب أيوب ومن كان من أهل النار عظم ‏كالجبال، والآن بالنصب ظرف يعني حتى وصل النقصان إلى الوقت الذي ذكر النبي ‏صلى اللّه عليه وسلم فيه الحديث قيل هذا مقدم في الترتيب على قوله فكل من يدخل ‏الجنة إلخ.‏" اهـ 4/226



(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الرَّحِيمُ جَلَّ جَلالُه..... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس