عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الثالث عشر


الشعاع الثالث عشر - ص: 368
اخوتي الاعزاء الاوفياء !
لقد فهم من الادعاء الذي قدّمه المدعي العام، ان خطط الزنادقة المتسترين الذين يغررون ببعض اركان الحكومة ويستغفلونهم قد باءت بالفشل وظهر زيفها وأكاذيبها. الاّ انهم يتشبثون الآن بحجج واهية كإسناد تأسيس جمعية وتشكيل منظمة سرية محاولين به الستر على اكاذيبهم. وقد ظهر اثر عملهم هذا في منع الناس - ايا كان - من اللقاء معي، وكأنه اذا ما حدث اللقاء سينضم الشخص الينا فوراً. بل حتى الموظفون الكبار يتوجسون خيفة او يحببون انفسهم لآمريهم بتشديد خناق المضايقة عليّ.
ولقد كنت عازماً على قول هذه الفقرة الآتية ختام الاعتراض الذى قدمناه اليهم، الاّ ان حادثة حدثت وحالت دون ذلك.والفقرة هي:
اجل نحن جمعية، تلك الجمعية التي لها ثلاثمائة وخمسون مليوناً من الاعضاء في كل عصر. وهم يؤكدون كمال احترامهم وصادق ارتباطهم وتعلقهم بمبادئ تلك الجمعية المقدسة - باقامة الصلاة - خمس مرات يومياً، ويتسابقون في مدّ يد العون والمساعدة بعضهم الى بعض، سواء بدعواتهم الشخصية عن ظهر الغيب، ام بمكاسبهم المعنوية الوفيرة وفق الدستور الإلهي (إنّما المؤمِنون أخوةٌ) (الحجرات: 10).
وهكذا فنحن اعضاء في تلك الجمعية المقدسة العظمى اذاً، اما وظيفتنا ضمن نطاق هذه الجمعية فهي: تبليغ الحقائق الايمانية التى يتضمنها القرآن الكريم الى طلاب الحق والايمان على اصح وانزه وجه، انقاذاً لأنفسنا واياهم من الاعدام الابدي وبرزخ السجن الانفرادي السرمدي.
اما الجمعيات الدنيوية المؤسسة على الدسائس والاحابيل السياسية فلا علاقة لنا بها من قريب او بعيد بل نترفع عنها.
* * *
الشعاع الثالث عشر - ص: 369
اخوتي الاعزاء الاوفياء !
لقد شعرت بألم تام تجاه كلٍ منكم فجر هذا اليوم، ولكن خطرت بالبال فجأة "رسالة المرضى" فأورثت السلوان.
نعم ان هذه المصيبة شبيهة بنوع من مرض اجتماعى، وان اكثر الادوية الايمانية المذكورة في تلك الرسالة تعمل عملها في هذا المرض ايضاً، ولاسيما الآلام التي تورثها المصيبة فقد ولّت قبل هذه الساعة بينما ثبت اجرها وخيراتها وفوائدها الدنيوية والاخروية والايمانية والقرآنية، مثلما ذكرته للمريض الميمون من ارضروم.
بمعنى ان تلك المصيبة الواحدة العابرة قد انقلبت الى نعمٍ متعددة دائمة.
اما الزمان القابل فلأنه غير موجود الآن، فلا ألم حالياً لما ستدوم فيه من مصيبة. لذا فايراث الألم من العدم بالتوهم، هو عدم ثقة برحمة الله وقدره سبحانه وتعالى.
ثانياً: ان اغلب البشر على سطح الارض مبتلون بمصائب مادية ومعنوية قلباً وروحاً وفكراً. وان مصيبتنا بالنسبة اليهم خفيفة الوطء جداً ومربحة، فضلاً عن انها تورث مكاسب وفوائد مادية ومعنوية للقلب والروح والايمان والصحة والسلامة.
ثالثاً: لولم نكن ندخل الى هنا (السجن) في خضم هذه الاعاصير الهوج، لكانت وطأة هذه المصيبة الخفيفة ثقيلة جداً لدى لقاء الموظفين الذين تساور قلوبهم الشكوك والاوهام، ولكان ينزل بنا بلاء التصنع والتزلف لهم.
رابعاً: ان رؤية احباء حقيقيين رحماء - ارحم على الانسان من شقيقه - في هذا الشتاء المادي والمعنوي المضاعف، الذى تعطلت فيه الاعمال، وفي هذه المدرسة اليوسفية التي هي مدرسة واحدة من مدارس الزهراء، واللقاء باخوة الآخرة، وهم بمثابة مرشدين ناصحين، وزيارتهم والاستفادة من مزاياهم الخاصة والتزود من حسناتهم التي تسري سريان النور والنوراني في المواد الشفافة، وحصول ذلك بمنتهى الرخص وبتكاليف قليلة، فضلاً عن الاستمداد من معاونتهم المعنوية ومن مسرّاتهم وسلوانهم.. كل ذلك يجعل هذه المصيبة تبدل شكلها وتتحول الى نوع من مشهد عناية ربانية معنوية.
الشعاع الثالث عشر - ص: 370
نعم ان ظرافة لطيفة لهذه العناية الخفية هي انهم يطلقون على جميع طلاب النور القادمين الى هنا لقب: "العلماء". فترى على لسان الجميع ذكرهم باحترام واجلال بكلمة "علماء.. علماء.."
فضمن هذه الظرافة اشارة لطيفة، وهي ان السجن قد تحول الى مدرسة علمية واصبح طلاب النور مدرسين ومعلمين فيها، وستصبح باذن الله سائر السجون بمثابة مدارس بفضل هؤلاء العلماء.
* * *

اخوتي:
لو تُقرأ احياناً امثال هذه الرسائل الصغيرة المسلية، علاوة على مطالعة رسالة "الثمرة" ولاسيما المسائل الاخيرة منها، وتداول الاخوة فيما بينهم تداولاً فكرياً المسائل التي تخطر على البال من رسائل النور، لكسب المرء باذن الله شرف طالب العلوم الشرعية. ولقد اولى علماء افذاذ الاهمية لطلبة العلوم الشرعية حتى قال الامام الشافعى رضي الله عنه: نوم طلبة العلوم يعدّ عبادة.
لذا لو حدثت مائة الف ضيق وضيق من جراء التتلمذ، هذا الشرف الرفيع ، في مثل هذه المواضع المؤلمة الشاقة، وبخاصة في مثل هذا الزمان الذى انعدمت فيه المدارس الشرعية. ينبغى عدم الاهتمام بتلك المضايقات، بل التبسم بفرح وسرور في وجه تلك المصاعب قائلين: خير الامور احمزها.
اما من حيث تكاليف العيش لعوائل الاخوة الفقراء، فحيث ان النظر يكون في المصيبة الى الاكثر مصيبة وفي النعم الى الاقل نعمة. وذلك بناء على قاعدة قرآنية ايمانية ونورية؛ لذا فهم في راحة تامة اكثر من ثمانين بالمائة من الناس. فليس لهم حق الشكوى، بل عليهم حق الشكر بثمانين درجة، شكر فوق شكر.
ثم ان حصولنا على ماقسم الله لنا هنا من رزق قد عينه القدر الالهى، وجمعتنا عدالة الرحمة الالهية مودعة الاهل والاطفال الى رزاقهم الحقيقي ومسرّحة لهم من
الشعاع الثالث عشر - ص: 371
وظيفة الاشراف على رزقهم موقتاً كما سيعزله يوماً ما عزلاً تاماً. فما دامت الحقيقة هي هذه فعلينا ان نقول : (حسبنا الله ونعم الوكيل) (آل عمران: 173) مسلّمين امرنا اليه تعالى شاكرين له اجزل شكر.
* * *

اخوتي الاعزاء الصادقين!
انني محظوظ وشاكر لله بوجودى قريباً منكم وفي بناية واحدة (من السجن)، رغم انني لا اقابلكم وجهاً لوجه. واحياناً يخطر الى قلبي اخذ تدابير لازمة دون اختيارٍ مني. فمثلاً:
لقد ارسل الماسونيون الى الزنزانة المجاورة لنا سجيناً جاسوساً وكذاباً.
ولما كان التخريب سهلاً - ولا سيما في مثل هؤلاء الشباب الطائشين -علمت ان الزنادقة يسعون لبث الفساد وهدم الاخلاق ازاء قيامكم بالارشاد والاصلاح، لما لمست من هذا المدعو أذى مؤلماً وإفساده اولئك الشباب.
فيا اخوتي! تجاه هذا الوضع يلزم- بل في غاية الضرورة - اخذ الحذر الشديد، وعدم ابداء مشاعر الاستياء من المسجونين السابقين قدر الامكان، وعدم فسح المجال ليستاؤوا منكم والحيلولة دون حدوث التفرقة والثنائية، مع التحلي بضبط النفس والتجمل بالصبر.
ويلزم على اخواننا المحافظة على قوة التساند والاخوة وذلك بابداء التضحية وترك الانانية والتواضع قدر الامكان.
ان الانشغال بامور الدنيا يؤلمني، فاعتمد على فطنتكم لأنني لا استطيع التوجه اليها من غير اضطرار.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الثالث عشر - ص: 372
اخوتي!
لقد اصبح ضرورياً بيان مسألة أخطرت صباح هذا اليوم إزاءكل احتمال :
كثيراً ما تحرى نفسي وشيطاني منذ عشرين عاماً الحقائق التى استنبطناها من القرآن، والتي هي أشبه بالشمس او النهار لا تقبل اي شك او ريب او تردّد قائلين:
"مارأي الفلاسفة المتزندقة تجاه هذا وما مستندهم؟"
ولما لم يجد نفسي وشيطاني ثلمة او نقصاً، سكتا. واعتقد ان الحقيقة التى اسكتت نفسي وشيطاني الحساسين جداً والعاملين معاً، قادرة على حمل اشد الناس تمرداًً على الصمت والسكوت ايضاً.
وما دمنا نعمل من أجل حقيقة هي من أهم ّ الحقائق وأجلّها، وأشدها ثبوتاً ورسوخاً؛ ولا يمكن تقييمها أو تقديرها بأي قيمة مادية مهما كانت، ويهون بذل النفس والروح والصديق والحبيب، بل الدنيا باسرها في سبيل تحققها، فلابد اذاً من ان نصمد بكمال المتانة والصبر تجاه جميع الويلات والمحن التي قد تنزل بنا، وان نواجه بصدر رحب جميع مضايقات الأعداء. اذ من المحتمل جداً ان يُحرَّكَ ضدنا مشايخ أو علماء متظاهرون بالتقوى، مخدوعون بأنفسهم أو بتحريض غيرهم لهم.. وتجاه موقف كهذا، لابد لنا من المحافظة على وحدتنا وتساندنا، وعدم تضييع الوقت معهم في الجدل والنقاش الفارغ.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لقد شعرت بإخطار معنوي فجر هذا اليوم ان السبب الحقيقي لهذا الهجوم الواسع والتعدي علينا ليس "الشعاع الخامس" بل "الحزب النوري" و "مفتاح الايمان" و "الحجة البالغة" 1. فقد قرأت بامعان قسماً من "الحزب النوري" وتأملت في "مفتاح الايمان" فعلمت:
_____________________
1 الحجة البالغة: هى القسم الثانى من مجموعة "عصا موسى" ويضم احدى عشرة حجة ايمانية.- المترجم.

الشعاع الثالث عشر - ص: 373
ان الزنادقة لا يستطيعون الحفاظ على مسلكهم ازاء ضربات هذين السيفين الحادين الالماسيين، ولكن أظهروا "الشعاع الخامس" سبباً ظاهرياً وذلك لعلاقته الجزئية بالسياسة، واستغفلوا به الحكومة وأثاروهم ضدنا.
ولقد ورد بالبال مع هذا الإخطار نفسه: "لو تخلى بعض الاخوة الضعفاء عن العمل موقتاً، لربما ينجو من هذه المصيبة" فاردت ان اسمح لهم بهذا. ولكن فجأة أُخطر للقلب: ان الذى دامت علاقته الى هذا الحد ودخل هذا الامتحان مرتين، والذي قاسى لأجله ما قاسى وتضرر اضراراً بليغة، لا يجوز له التخلي قلباً - والذي فيه الضرر دون النفع - بل يمكنه ذلك لمجرد خداعهم باظهار اجتناب ظاهري بحت. والاّ يلحق الضرر بنفسه وبنا وبمسلكنا المقدس وتأتيه لطمة تأديب بخلاف مقصوده جزاء لما يفعل .
* * *
اخوتي الاعزاء الاوفياء !
ان الذي يقاسي عذاب هذا السجن ومشقاته الذى هو أشد برودة وضيقاً من سائر الاماكن، لاشك ان تكون له رغبة في التهرب مما سبب هذا السجن وادّى الى الدخول فيه، كل حسب درجته. ولكن سببه الظاهري الذي هو "رسائل النور" التي تكسب اولئك الذين يقاسون المتاعب، الايمان التحقيقى وحسن الخاتمة، والثواب الجزيل من الاعمال الصالحة لمئات العاملين الناشئ من الاشتراك المعنوي، اقول: ان هذه الفوائد تبدل تلك المشقات المرة الى رحمات حلوة لذيذة، لذا فان ثمن هاتين النتيجتين هو: الثبات التام والوفاء الخالص الذي لا يتزعزع.
ومن هنا فان الندم والتخلي خسارتان جسيمتان. فهذا السجن خير لاُولئك الطلاب الذين لا علاقة لهم بالدنيا، او لهم علاقة واهية جداً. بل هو موضع حرية لهم من جهة.
اما الذين لهم حرث في الدنيا وامورهم المعاشية على ما يرام، فان النقود المصروفة تكون بمثابة صدقات مضاعفة لهم، وتبدل ساعات العمر الماضية الى عبادات مضاعفة لذا ينبغي لهم الشكر بدل الشكوى.
الشعاع الثالث عشر - ص: 374
اما قسم الفقراء والضعفاء المساكين، فلانهم كانوا لا يكسبون ثواباً كثيراً خارج السجن بل يتحملون مسؤوليات شاقة، فهذا السجن الذي يكسبهم الخير الكثير والثواب العظيم ومن دون ان تكون على عاتقهم مسؤولية ما، والمشقات التي تتخفف بالتسلي بين الاخوان.. تكون مبعث شكر لهم.
* * *
يا اخوتي الأوفياء الأعزاء!
قال لي أحد الأتقياء في "قسطموني" شاكياً: "لقد تردّيت، وتقهقرت عن حالي السابق اذ فقدتُ ما كنت عليه من أحوال وأذواق وأنوار".
فقلت له: بل قد ترقيت، واستعليت على الأذواق والكشفيات التي تلاطف النفس وتذيقها ثمراتها الاخروية في الدنيا، وتعطيها الشعور بالانانية والغرور. وقد طِرتَ الى مقام أعلى وأسمى وذلك بنكران الذات وترك الانانية والغرور، وبعدم التحري عن الأذواق الفانية.
نعم ان احساناً الهياً مهماً هو عدم احساس من لم يدع انانيته باحسانه، كيلا يصيبه الغرور والعجب.
فيا اخوتي!
بناءً على هذه الحقيقة، فان من يفكر مثل هذا الشخص، أو يهتم بمقامات باهرة يمنحها حسن الظن، عندما ينظر اليكم، ويرى فيكم طلاباً قد لبسوا لباس التقوى والتواضع التام وتسربلوا بخدمة الناس، يتصوركم من العوام، أو أناساً اعتياديين، فيقول: "أهؤلاء هم أبطال الحقيقة ورجالها، أوَ هؤلاء يتحدون الدنيا بأسرها! هيهات!. أين هؤلاء من اولئك المجاهدين في سبيل هذه الخدمة المقدسة، والذين سبقوا الأولياء الصالحين في هذا الزمان فأعجزوهم عن اللحاق بهم".
فان كان صديقاً تصيبه خيبة أمل، وان كان معارضاً يجد نفسه محقاً.
* * *
الشعاع الثالث عشر - ص: 375
اخوتي الاعزاء الاوفياء !
ان ثمرات 1 سجنكم في نظرى حلوة وذات اهمية كثمرات الفردوس . فكما انها حققت الآمال العظيمة التي كنت اعقدها عليكم وصدّقت دعاواي، فقد اظهرت قوة التساند والترابط بافضل ما يكون. ان تلك الاقلام المباركة كلما اتحدت اظهرت قيمة ثلاثمائة او اربعمائة من الاقلام تحت هذه الشروط والضغوط، كاتحاد ثلاث او اربع ألفات(المذكورة في رسالة الاخلاص). وان الحالة الروحية التي تحافظ على وحدتكم تحت هذه الاحوال المضطربة تثبت دعواي بالأمس.
نعم - ولا مشاحة في المثال - فكما ان ولياً عظيماً لا يرتقي الى موقع صحابي صغير في العمل للاسلام كما اتفق عليه اهل السنة، كذلك ان اخاً خالصاً من اخواننا الذي ترك حظوظ نفسه في هذا الزمان وعمل في خدمة الايمان وسعى في سبيل نكران الذات وبذل ما في وسعه للحفاظ على التساند والاتحاد، هذا الاخ يحرز موقعاً اكثر من الولي.
هكذا اقتنعت وانتم بدوركم تسندون قناعتي هذه، ليرضى الله عنكم ابداً، آمين.
* * *
اخوتي الاعزاء الاوفياء !
ان "رسالة الثمرة" ذات اهمية عظيمة وقيمة عالية. آمل ان يفتح الله بها قلوب الكثيرين في وقت ما. وانتم قد ادركتم قيمتها وقدّرتموها حق قدرها حتى لم تدعوا هذه المدرسة اليوسفية دون درس.
اقول ما يعود لنفسي:
ان ثمرة هذه الاتعاب التي تكابدونها والمصاريف التي تبذلونها إن كانت هي هذه "الرسالة" وحدها ورسالة "الدفاع" واللقاء معكم في موضع واحد.. زهيدة تلك المصاريف، وتلك الاتعاب، بل لو حمّلت عشرة امثال هذه المصيبة لكانت رخيصة في سبيل هذه الامور.
_____________________
1 اي ما استنسخوه من الرسائل- المترجم.

الشعاع الثالث عشر - ص: 376
ولقد اقتنعت قناعة كاملة نتيجة تجاربي الكثيرة ولاسيما في هذا السجن الضيق:
ان الاشتغال برسائل النور قراءة وكتابة يخفف كثيراً من الضيق والضجر، ويورث الفرح والانشراح، وفي الوقت الذي لا أنشغل بها تتضاعف تلك المصيبة، وتؤلمني امور تافهة. وبناء على بعض الاسباب، كنت اظن ان (خسرو والحافظ علي وطاهري) 1 في ضيق شديد، ولكن رأيت انهم ومن معهم اكثر ثباتاً واكثر استسلاماً لأمر الله، وينعمون براحة القلب واطمئنانه.
فكنت اقول: ترى ما السبب؟ وادركت الآن: انهم يؤدون وظيفتهم الحقيقية، ولا ينشغلون بما لا يعنيهم من امور ولا يتدخلون بأمر القضاء والقدر. ولا يقلقون ولا يضطربون ولا ينتقدون احداً، ذلك التنقيد النابع من الانانية وقصد النفع. فلقد بيضوا وجوه طلاب النور بثباتهم واطمئنان قلوبهم. واظهروا القوة المعنوية لرسائل النور تجاه الزندقة.
نسأل الله ان يعمم ما في اولئك من تواضع تام وعزة كاملة في نكران الذات وخصال البطولة والريادة ويجعلها شاملةً جميع اخواننا. آمين.
* * *

اخوتي !
ان غروراً رهيباً ناشئاً من الغفلة وحب الدنيا، يجري حكمه في هذا الزمان، فعلى اهل الحق ترك الغرور والانانية وقصد المنافع حتى لو كان في طريق مشروع ايضا.ً وحيث ان طلاب رسائل النور الحقيقيين قد أذابوا انانيتهم الشبيهة بقطعة ثلج في الشخص المعنوي والحوض المشترك للجماعة، لا يتزعزعون باذن الله في غمرة هذه العواصف والاعاصير.
نعم، ان خطة مهمة ومجربة للمنافقين هي: جمع امثال هؤلاء الذين كل منهم يملك شخصية ضابط وحاكم، في مسألة واحدة، في مكان ضيق يهيج الاعصاب
_____________________
1 طاهرى موطلو: هو احد طلاب النور المقربين للاستاذ النورسى، صاحبه في السجن، تولى شؤون الرسائل، انتقل الى رحمة الله سنة 1977م عن سبع وسبعين سنة من العمر.- المترجم.

الشعاع الثالث عشر - ص: 377
ويورث الضجر والنقاش الحاد والجدال والنقد، ويثيرون فيهم النزاع لبعثرة قوتهم المعنوية. ثم يؤدبون من فقد قوته المعنوية بيسر وسهولة.
فطلاب رسائل النور لانهم يسلكون مسلك الخلة والاخوة والفناء في الاخوان سيُفشلون هذه الخطة المهمة المجربة للمنافقين باذن الله.
* * *
اخوتي الأوفياء الاعزاء
فيما مضى، كان مريدون كثيرون جداً ينتمون الى شيخ جليل، في بلد من البلدان، فقلقت منهم رجالات الدولة فيها، خوفاً من تعرضهم لامور السياسة، فارادوا تشتيت جماعة الشيخ. فقال لهم: ليس لي الاّ مريد واحد ونصف مريد، لا غير، وان شئتم نقيم عليهم التجربة والاختبار.
نصب الشيخ خيمة في ضاحية من ضواحي المدينة، ودعا الألوف من مريديه الى هناك ثم امر بقوله: سوف أجري امتحاناً، فمن كان حقاً مريدي ويطيع أمري فسيمضي الى الجنة. فدعاهم الى الخيمة واحداًِ إثر واحد، الاّ انه ذبح خروفاً بطريقة خفية. وبدا للمريدين كأنه ذبح أحد مريديه الخواص وارسله الى الجنة. وما ان رأى الوف المريدين جريان الدم من الخيمة الى الخارج تراجعوا عنه ولم يسمعوا لأمره، بل رفضوه وانكروا عليه، الاّ رجلاً واحداً قال: ليكن رأسي فداء له، فذهب اليه، ثم اعقبته امرأة. اما الآخرون فتفرقوا عنه. فقال ذلك الشيخ لرجال الدولة: ها قد شاهدتم ان لي مريداً ونصف مريد!
اما نحن فنشكره تعالى الف شكر وشكر، اذ لم تفقد (رسائل النور) الاّ طالباً ونصف طالب في امتحان "اسكي شهر" ومحاكماتها، بخلاف ذلك الشيخ - في السابق - حيث انضم الى الطلاب عشرة الاف شخص بدلاً من الواحد والنصف الضائع، وذلك بفضل الله ثم همة وجهود ابطال "اسبارطة" وحواليها.
وباذن الله لن يضيع الكثيرون في هذا الامتحان، بهمة ابطال شرقي البلاد وغربيها، بل نضم بدلاً من الضائع الواحد عشرة اشخاص.
* * *
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس