الموضوع: شرح البردة
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-20-2010
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

هم الجبال فسَلْ عنهم مُصادمَهُم *** ماذا رأى منهم في كل مُصطدَمِ



وأن أنصارها كالجبال قوة وثباتاً وإذا شئت أن تعرفهم حق معرفتهم لتلم الإلمام التام بمن باعوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وكان على يدهم النصر والفتح. فاستفهم عنهم ممن اشتبك معهم في معامع الوقائع يخبرك أنهم الجبال الرواسي الذين ثبتوا عند اللقاء فلم تزعجهم الكثرة. ولا أخافتهم العدة. ولا زحزحهم عن مواقفهم تتابع الطعنات.



وسَلْ حنيناً وسَلَْ بدرا وسَل أُحُداً *** فصول حتفٍ لهُمْ أدهى من الوَخَمِ



واستفسر عن المواضع التي دارت رحى الحرب فيها بينهم وبين أعدائهم كحنين وبدر وأُحُد فقد رأوا فيها أنواعا من الموت أشد عليهم من الوباء الداهم إذ تركهم المسلمون حصيدا بعد أن أذاقوهم عذابا أليما.



المُصدري البيض حُمراً بعدما وردتْ *** من العِدا كلَّ مُسوَدٍّ من اللّمَمِ



فهم قوم لا تخفى على أحد صفاتهم لأنهم ما رجعوا بسيوفهم قط غير مخضبة بالدماء. بعد أن وردت مورداً شهياً من رءوس الأعداء.



والكاتبين بِسُمْرِ الخَطِّ ما تَرَكَتْ *** أقلامُهمْ حَرفَ جِسمٍ غيرَ مُنْعَجِمِ



وقد جرحوا برماحهم من أجسام الكفار ما لم يجرح من قبل بقواطع السيوف لمنعة صاحبه وقوته فكتبوا بما أحدثوا بها من جراح رايات النصر التي لم يتمكنوا من كتابتها في الصحف بالأقلام لأميتهم أو لمشغوليتهم بالحرب.



شاكي السلاحِ لهمْ سيما تُمَيِّزُهُمْ *** والوردُ يمتازُ بالسيما من السَّلَمِ



ولأُقرب عليك الأمر بوصف أخص. فهم قوم على الدوام لابسون سلاحهم لأنهم إما في الحرب أو مستعدون لحرب فهم لا يخشون الموت. وعلامتهم التي تميزهم من الناس. هي هيبة البطولة ونور اليقين وصاحبة التقوى. فهم كالورد بالنسبة للناس والناس بالنسبة لهم كالسلم. والورد والسلم نوعان من الشجر لا يشتبهان.



تُهدي إليك رياحُ النصرِ نَشْرَهُمُ *** فتحسبُ الزهرَ في الأكمامِ كُلَّ كَمِي



تهدي إليك على الدوام رائحتهم الزكية أنباء النصر. ولهذا تخال الزهور في أكمامها أبطالاً لاشتمالها على رائحة زكية تشبه رائحة تحيات نصرهم المتواترة.



كأنهم في ظهور الخيل نبتُ رُباً *** من شدّة الحَزْمِ لا من شدّة الحُزُمِ



فهم فوق ظهور الخيل ثابتون. لا تزعزعهم هجمات الأعداء ولا كثرة الصيحات كنبت الأرض العالية الذي لا تؤثر فيه الرياح الهوجاء. ولا السيول العمياء. وذلك من شدة الثبات ورباطة الجأش لا من قوة شد الحبال كما يفعل الجبان الخوار.



طارت قلوب العِدا من بأسهم فَرَقاً *** فما تُفَرقُ بينَ البَهْمِ والبُهُمِ



جن الأعداء من شدتهم وانتصارهم عليهم مع قلتهم فأعماهم الفزع والرعب. فهم لا يفرقون عند اللقاء بين الرجال والدواب وكيف لا يخذل من يخبط خبط عشواء . ومن يُضْلِل الله فما له هاد.



ومَنْ تَكُنْ برسول اللهِ نُصرَتُهُ *** إن تَلْقَهُ الأُسدُ في آجامها تَجِمِ



وكيف لا يكون الثبات والإقدام من شيم هؤلاء الأبطال. ولا يكون النصر حليفهم. والجبن والخذلان من مستلزمات أعدائهم؟ وناصرهم رسول الله ومن تكون برسول الله نصرته إذا داهم الأسد في مأواه حيث تكون أشد دفاعاً فرت منه هرباً وما وجدت إلى الثبات سبيلا.



ولن ترى من وليٍّ غير منتصرٍ *** بهِ ولا من عدوٍّ غيْرِ مُنْقَصِمِ



وكيف لا ينصرون ويهْزِمونَ من جرؤ عليهم من الأعداء. وقد باعوا أنفسهم وأموالهم لله فاشتراها منهم بأنَّ لهم الجنة وتولاهم بحمايته. فهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وكيف ترى وليا من أولياء الله غير منتصر بحبه لحبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم؟! وكيف ترى عدوا من أعداء الله غير مخذول بإبغاضه لرسوله الصادق الأمين؟!



أحلَّ أُمَّته في حرز ملَّتِهِ *** كالليث حلَّ مع الأشبالِ في أجَمِ



هذا الرسول الذي أحل أُمته في حصن الدين المنيع فهم آمنون به من الشيطان وجنوده والكفر ونصرائه. كما يتحصن الليث وأشباله في مأواه من كل طارىء ولن يجرؤ على الدنو من الأسد في عرينه احد.



كم جَدَّلَتْ كلمات الله مِنْ جَدِلٍ *** فيه وكم خصَمَ البرهانُ من خَصِمِ



وماذا أعدد من معجزات لا تحصى وكم أرغمت كلمات الله وآياته فيه أنف كل مفوه كثير الجدل. وكم قهر البرهان خصماً لدوداً من أشد معارضيه.



كفاك بالعِلْمِ في الأُمّيِّ معجزةً *** في الجاهليةِ والتّأديبِ في اليُتُمِ



كل ما كان من معجزاتك يا رسول الله لو لم يكن لكفاك دليلاً على صدق رسالتك علمك مع أُميتك وتأديبك في يتمك. ألست أنت الذي جئتنا من عند الله بالقرآن الذي أعجز البلغاء وأفحم الخطباء. فعجزوا عن مجاراته والوصول إلى محاكاته في أصغر سورة منه. اللهم بلى.





في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم



خَدَمتُهُ بِمَديحٍ أستقيلُ بِهِ *** ذنوبَ عُمْرٍ مَضَي في الشِّعْرِ والخِدَمِ



خدمته؟ لا، بل خدمت نفسي بمدحه صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقيلني الله من ذنوب كثيرة جنيتها طول عمر قضيته في الشعر بمدح من لا يستحق المدح وذم من لو تركت ذمه لكان أولى وأحق. وفي خدمة من لا ينفع وقد يضر. وكل عمل لغير الله باطل.



إذ قَلَّداني ما تُخشى عواقِبُهُ *** كأني بِهِمَا هَدْيٌ من النَّعَمِ



إذ قلدني الشعر والخدمة بقلادة من الأوزار تخشى عاقبتها فكنت كهدي النعم الذي يساق إلى الذبح فداء لدى البيت الحرام.



أطعت غَيَّ الصِّبا في الحالتين وما *** حصلتُ إلاّ على الآثامِ والنَّدَمِ



أطعت هوى شبابي فقلت الشعر مادحا وذاما وخدمت هذا وذاك رجاء منفعة دنيوية. فما جنيت واأسفاه سوى الذنوب التي عليها الآن أندم. فما كان أغاني عما يوجب تأنيب الضمير والخشية ممن يحاسب على النقير والقطمير.



فيا خسارة نفسٍ في تجارتها *** لم تَشْترِ الدّينَ بالدنيا ولَمْ تَسُمِ



فيا خسارة نفس في هذه التجارة التي لم تشتر فيها الدين بالدنيا بل عكست. ولم تطلب زيادة الثمن إذ ضحت هذه التضحية العظيمة. فباعت دينها بدنياها. ولو فعلت هذا لكان لها في كثرة الثمن شبه عذر في إقدامها على هذه الصفقة الخاسرة.



ومن يَبِعْ آجِلاً منه بعاجلِهِ *** يَبِنْ لهُ الغِبْنُ في بيعٍ وفي سَلَمِ



ومن باع الدار الباقية التي لا فناء لها بدار فانية زائلة ظهر له بعد تمام البيع الخسارة في البيع والتسليم.



إنْ آتِ ذنباً فما عهدي بمُنْتقِضٍ *** من النبيّ ولا حبلى بمنصرمِ



وأنا وإن ارتكبت الذنوب وشملتني العيوب فما نقضت والحمد لله لرسول الله عهداً. ولا قطعت بيني وبينه صلة وإن لكل جواد كبوة وكبوتي هذه إن شاء الله بسببه مغفورة.



فإنَّ لي ذِمَّةً منهُ بِتسمِيَتي *** مُحمداً وَهْوَ أوفى الخَلْقِ بالذِمَمِ



فإن بيني وبينه عهداً وثيقاً وهو تسميتي باسمه الشريف. فلا خوف إن شاء الله عَلَيَّ من ذنوب أثقلت كاهلي وأحبطت عملي فإنني ناجٍ بسبب هذا العهد فالرسول الأعظم أوفى الخلق بالعهود فلا يترك من لجأ إلى ساحة كرمه.



إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي *** فضلاً وإلاّ فَقُلْ يا زلَّةَ القَدَمِ





إن لم يأخذ بيدي رسولُ الله يوم يقول الكافر (يا ليتني كنت ترابا) فيا زلة القدم ويا سوء المآل لأن الاعتماد على الطاعة في طلب النجاة من سوء التدبير وقلة الإدراك.



حاشاهُ أن يُحرمَ الرّاجي مكارمَهُ *** أو يَرجِعَ الجارُ مِنْهُ غيرَ مُحتَرَمِ

ومنذُ ألزَمْتُ أفكاري مدائِحهُ *** وجدتُهُ لخلاصي خيرَ مُلتَزمِ



وحاش لله أن يستجير به مستجير أو يرجوه راج فلا يأمن المستجير ولا ينال الراجي مبتغاه فبشراك يا نفسي. لأنه لو لم يقبل رجائي ويُجيرني من عذاب شديد لعلي كنت لم أقف لمدحه بهذا الخصوص، فإن توفيقي لمدحه صلى الله عليه وسلم وتفريج كل كرب بالتجائي إليه دليلان واضحان دلاّني على أنَّ خاتم الأنبياء قد التزم خلاصي وتعهد بنجاتي إن شاء الله رب العالمين.



ولَنْ يفوتَ الغِنى مِنْهُ يداً تَرِبَتْ *** إنَّ الحيا يُنْبِتُ الأزهار في الأكمِ



ولا يفوت حنانه وعطفه نفس تعلقت به لأنه صلى الله عليه وسلم أعظم من المطر نفعاً، والمطر يروي الأرض المقفرة التي لا ينتفع بها كثيرا فينبت فيها الزهر وهي غير أهل له لخلوها ممن ينتفع به.



ولمْ أُرِد زهرةَ الدنيا التي اقتطَفَتْ *** يدا زُهَيرٍ بما أثْنى على هَرِمِ



وأنا مع إكثاري من مدحه صلى الله عليه وسلم لم أرد بهذا المدح منفعة دنيوية تنقضي بانقضاء الأجل التي أرادها زهير من هرم بن سنان. وإنما أردت رضاء الله ورضاه والدار الآخرة التي طرحتها وراء ظهري عمراً مديداً وزمناً طويلاً.





في المناجاة وعرض الحاجات





يا أكرمَ الخَلْقِ مالي من ألوذُ بهِ سواكَ عندَ حُلولِ الحادث الْعَمِمِ



فيا أكرم الخلق ها أنا مقر بذنبي معترف بخطئي نادم على تفريطي. وقد يكون وليس لي باب إلى النجاة سوى باب كرمك فخذ بيدي يا رسول الله عند عرضي على من لا تخفى عليه خافية.



وَلَنْ يضيقَ رسول الله جاهُكَ بي إذا الكريمُ تجلَّى باسم مُنْتَقِمِ



فلن يضيق واسع جاهك بي يا رسول الله إذا تجلى ملك الملوك يوم القيامة على عباده باسم المنتقم.



فإنّ من جودك الدنيا وضرّتَها ومن علومك علمَ اللوحِ والقلمِ



وكيف يضيق جاهك بي، ومن جودك الدنيا والآخرة بما حوتا، ومما علمك الله بعض ما جرى به القلم على اللوح وها أنا أُعلمك بحالتي وحاجتي وأنتم يا سيدي يا رسول الله تأخذون بيد من لجأ إليكم.



يا نفس لا تَقْنَطي من زَلَّةٍ عَظُمَتْ إنَّ الكبائر في الغُفرانِِ كاللَّمَمِ



هنا أحسَّ البوصيري رضي الله عنه بالعطف النبوي، والقبول الإلهي. فقال منشرحاً مسروراً يهتز من الفرح: يا نفس لا تقنطي من النجاة لخطاياي العظيمة ما دام الملجأ رسول الله. فإن الله يغفر الذنوب جميعاً. لا فرق عند غفرانه سبحان بين الكبائر والصغائر. وقد أحسنت به الظن وهو سبحانه عند ظن عبده به فبشرى لك يا نفس.



لعل رحمةَ ربِّي حينَ يَقْسِمُها *** تأتي على حَسَبِ العصيان في القِسَمِ



ورجائي أن الله حين يقسم رحمته بين خلقه يجعل القسمة على قدر المعاصي لا على عدد الأنفس. لأن نصيبي سيكون عظيماً أنجو به إن شاء الله من عذاب أليم لما أعلمه من خطاياي العظيمة التي لا أستطيع أن أعدّها أو أحصيها.



يا ربِّ واجعلْ رجائي غيرَ مُنْعَكِسٍ *** لديك واجعل حسابي غيرَ مُنْخَرِمِ



فاللهم اجعل هذا الرجاء غير منعكس واجعل حسابي الذي حسبته من قسمة الرحمة على قدر المعاصي غير خاطىء.



والطُفْ بعبدكَ في الدارينِ إنَّ لهُ *** صبراً متى تَدْعُهُ الأهوالُ يَنْهَزِمِ



والطف اللهم بي في الدارين لأن صبري ضعيف ينهزم متى دهمتني الأهوال فخذ يا رب بيدي إكراماً لمن لجأتُ إلى بابه واحتميت بحمى جنابه.



وأذنْ لِسُحْبِ صلاةٍ منكَ دائمةً *** على النَّبي بِمُنْهَلٍ ومُنْسَجِمِ



كما أسألك أن تصب من فيض فضلك رحمات دائمات كالغيث المتتابع الذي لا ينقطع على نبيك وخيرتك من خلقك.



ما رنَّحَتْ عذباتِ البانِ ريحُ صباً *** وأطربَ العيس حادي العيسِ بالنَّغَمِ



واجعلها مستمرة ما هزَّت الريح أطراف الأغصان. واطرب النوق حادي النوق بالألحان.





وآخره أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس