عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ثم اصابت دمشق أزمة، فهبطت الأسعار وقل المال، وأعنت الناس عنتا شديدا... وصارت البيوت الواسعة بما حولها من البساتين تباع بثمن قليل.

فجاءته امرأته وطلبت منه مرة أخرى أن يشتري بيتا واسعا بحديقة وجمعت مصاغا لها وقالت: اشتر لنا بهذا بستانا.

فأخذ المصاغ وباعه، وتصدق بثمنه.

فلم عاد الى زوجته استقبلته فرحة: يا سيدي... اشتريت لنا بستانا!

– نعم، بستانا في الجنة.! إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمن المصاغ.

– جزاك الله خيرا.

وكان الناس يتسامعون بفضل الشيخ عز الدين فيزداد مكانة واحتراما، ولقد علم الأشراف صاحب دمشق بكثرة صدقاته، فطلبه، وحاول أن يقدم إليه مالا ليتصدق به ولكنه رد السلطان، وافتاه أنه من الخير أن يتصدق السلطان نفسه بالمال!..

وقارن السلطان الأشرف بين هذا الرجل يرفض عطاياه الخفية، وبين الآخرين الذين يرتشون ويجهرون بالإلحاح في طلب المزيد من الهدايا والأموال والمناصب!!.

ودخل السلطان الأشرف إكبار خارق لعز الدين، وأدرك أن أخاه الكامل ملك مصر على حق، فمثل هذا الشيخ جدير بالاحترام. وإن له هيبة!

ولاحظ السلطان الأشرف أن الشيخ عز الدين لا يطلب مقابلته على خلاف الآخرين، وكانت سيطرة عز الدين على قلوب الشباب وسائر الناس تقوى يوما بعد يوم، وهو لا ينفك يهاجم خصومه من الفقهاء لجمودهم وتمسحهم أصحاب السلطان، ولا يكف عن نقد أحكام الحكام.

ورأى الأشرف أن من الحكمة أن يصطنع الشيخ لنفسه ويدنيه من القصر فأخذ يمدح الشيخ عز الدين في كل مكان، ويطلبه لمجالسته يتثاقل عنه الشيخ الى حلقات الدرس ومجالس الفتيا، ولا يبادله مدحا بمدح.

وانتهز خصومه الفرصة، فزعموا للسلطان الأشرف أن عز الدين قد غره حب الناس له والتفاف الشباب حوله، فسولت له نفسه الأمارة بالسوء ان يتعالى على الجميع حتى على السلطان نفسه!

وفي الحق أن السلطان الأشرف، كان يشعر بحرج لموقف الشيخ عز الدين منه، وكان يحس في أغوار نفسه أن الشيخ لا يضمر له من الاحترام ما يجب على المحكوم للحاكم!!....

وكان في حاشية السلطان نفر من فقهاء الحنابلة المتشددين المضيقين، وكان الشيخ عز الدين ينكر عليهم غلظتهم مع مخالفيهم، ويتهمهم بالحمق والجمود وفساد الرأي، وبالإساءة الى صاحب المذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذي كان فقيها جليلا عميق النظر واسع الأفق رائع الحكمة.. والذي ترك تراثا عظيما يحمل كل طاقات التجديد.

ولكن هذا النفر من فقهاء الحنابلة، كانوا قد خالطوا السلطان الأشرف منذ كان حدثا صغيرا، وصاغوا عقله على رأيهم الجامد المتحجر حتى «اختلط هذا بلحم السلطان ودمه وصار يعتقد أن مخالفه كافر حلال دمه».

وقد أتاحت لهم منزلتهم عند السلطان، ونفوذهم عليه، أن يصنعوا في البلاد كما يشاءون، فكانوا إذا خلوا بمخالفيهم من الشافعية أو الأشعرية آذوهم وضربوهم!

وما كان ليغمض لهم جفن وهم يرون السلطان الاشرف يخطب ود الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

وغدوا الى السلطان ليوقعوا بالشيخ عز الدين، قبل أن يتقارب الرجلان، فزعموا للسلطان أن العز عز الدين يخالف السلف ويقول في القرآن قولا عظيما.. ويخطئ من يقول في القرآن بالحرف والصوت، وأنه يعتنق رأي الأشعري: أن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق!!.. وهذا كله كفر!!

وكان الأشرف قليل الحظ من الثقافة وعلوم الدين والاطلاع على آثار السلف.. فما تعلم إلا ما علمه ذلك النفر المحيطين به من أراذل فقهاء الحنابلة الذين ينافقونه!

ولم يصدق السلطان أول الأمر أن الشيخ عز الدين يقول هذا وهو العالم الورع عظيم التقوى.. وزجرهم السلطان.. ولكنهم وعدوا السلطان أن يقدموا له الدليل الحاسم.

وأجمعوا أمرهم، وجاءوا عز الدين عبد السلام فقدموا إليه ورقة فيها فتيا بأن القرآن حرف وصوت، وطلبوا من الشيخ ان يكتب رأيه في هذه الفتيا، وكان قد علم بكيدهم وهم لا يشعرون!

قال لهم الشيخ عز الدين: «هذه فتيا كتبت امتحانا لي. والله لا أكتب فيها إلا ما هو الحق.». "اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس