عرض مشاركة واحدة
قديم 03-24-2013
  #22
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: نعي شيخنا وحبيبنا وتاج علمائنا الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي

مشروع النازية والفكر الإقصائي يغتال رجل الوسطية الشرعية والإعتدال الواعي
الإمام البوطي
لفضيلة الدكتور / محمد حمود الاهدل
كما سمعتم بالجريمة الشنعاء في أرض سوريا التي استشهد على إثرها علم من أعلام الأمة الإسلامية , علم من أعلام التربية , علم من أعلام الحوار الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله , إنه رجل الحوار من الطراز الأول.
إننا نعزي أنفسنا ونعزي أمتنا العربية والإسلامية بعلامة الدنيا الذي استشهد في بيت من بيوت الله بعد أن أداء صلاة المغرب وبدأ درسه العلمي والتربوي لطلابه ، إنه شهيد المحراب والعلم وشهيد المعرفة والحق ، وشهيد كلمة الحق في ظل التجاذبات , وفي ظل الضبابية الفكرية .
إن الدكتور البوطي رحمه الله صاحب مدرسة مميزة , لها معالمها الفكرية , ولها معالمها المنهجية والسلوكية ؛ إنه العالم الذي انتهج الحوار منهجاً في خطابه وفي تدريسه , انتهج الحوار منهجاً في لقائاته وبحوثه , انتهج الحوار مع من يخالفه في الدين ومع من يخالفه في الفكر وفي المذهب ؛ إنه غزاليُّ زمانه , وفيلسوف مرحلته , وفقيه عصره , وزاهد وقته ؛ لقد تتلمذتُ على يديه بواسطة كتبه منذ نعومة أظفاري من عام 1401هــ . وقف أمام المادية الجدلية ونقدها نقداً علمياً موضوعياً بعيداً عن الانفعالات والعاطفة , فكان كتابه " نقد أوهام المادية الجدلية الديالكتيكية " وإذا عرضنا هذا الكتاب على شبابنا اليوم أوعلى شبابنا المثقف أقسم لكم بالله أنهم لن يستطيعوا أن يتجاوزوا صفحة واحدة في نقده للمادة الجدلية ؛ لأنهم لا يدركون ثقافة ، وليس لهم رصيد من الثقافة العلمية.
وقف الإمام البوطي أمام الذين يميعون الإسلام باسم المصلحة حيناً وباسم الضرورة والمرحلة حينا آخر أو باسم مصلحة الجماعة والأحزاب ؛ فكانت رسالته الدكتوراه تحت عنوان " ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية " أين فقهاء الشريعة ؟ أين طلاب كلية الشريعة ؟ أين طلاب الحقوق الذين يقرؤون هذا الكتاب ويدركون مدى سعة الإسلام وضوابطه في رؤيته للمصلحة ؟.
وقف الإمام البوطي أمام الفكر العلماني كالطود الشامخ يحاور حواراً موضوعياً فأخرج كتابه " يغالطونك إذ يقولون " وأخرج كتابه " هذه مشكلاتهم " . دعا أمته إلى الرجوع إلى الإسلام فأخرج كتابه " على طريق العودة إلى الإسلام " وطبعه مرة ثانية تحت عنوان " العودة إلى الذات " عُرف بتحليله الواقعي والموضوعي لبعض مشكلات المسلمين ؛ فكتب " هذه مشكلاتنا " كما كتب هذه مشكلاتهم يعني بذلك الأوربيين والعلمانيين.
كان شخصية متوازنة يوازن بين متطلبات الفكر , ومتطلبات القلب ؛ فكتب كتابه " من الفكر والقلب " , كان يملك عاطفة جياشة تدل عليها قصته الأدبية " ممو زين " وكتابه " الحب في القرآن " أين الأدباء ؟ أين الذين يتكلمون عن الحب ؟ إنهم يتكلمون عن الحب , لكنه ملوث بالمعصية وملوث بالبعد عن الله , يتكلمون عن الحب , ولكنهم يفكرون ما بين السرة والركبة , اقرءوا كتاب " ممو زين " لهذا الرجل الأديب القصة الأدبية التي يبكي الإنسان حينما يقراها ؛ بكيت مرات متعددة وأنا أقرا هذه القصة الأدبية .
الإمام البوطي تأدب مع أئمة المذاهب الإسلامية ؛ عرف قدرهم وقوة مستندهم الاجتهادي وخطورة التنكر لهم فألف كتابه الحواري " اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية " , نقل علم التوحيد من ثوبه القديم إلى منهج علمي معاصر في كتابه " كبرى اليقينيات الكونية ووجود الخالق ووظيفة المخلوق " وكتابه لطلابه في كلية الشريعة " العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر " , علمنا أن الإسلام لا تستطيع أي قوة أن تحرفه فكتب كتابه " لا يأتيه الباطل " .
وضعنا أمام حضارة إسلامية إنسانية تنطلق من القرآن في كتابه " منهج الحضارة الإنسانية في القرآن " . أزال الشبهات عن كثير من الأحكام الشرعية التي أسأ كثير من الإسلاميين وغيرهم فهمها ؛ أخرج كتابه " الجهاد في الإسلام كيف نفهمه وكيف نمارسه " واخرج كتابه في العقيدة " الإنسان مسير أم مخير " , وضع المرأة بميزانه الشرعي والعلمي فكتب كتابه " المرأة بين طغيان النظام الغربي والطائف التشريع الإسلامي " .
إن الغرب ينظرون إلى المرأة من منظور الشهوة والعبث , لكن الإسلام ينظر إليها أنها إنسان من منظور يلاطفها في معاملاته وأحكامه .
حاور الإمام البوطي رجل الفلسفة الماركسية في الوطن العربي الدكتور / الطيب التيزيني والمنظر للفلسفة الماركسية في الوطن العربي , ناظره أمام الجمهور في مدرج الجامعة وما حكم عليه بشيء ، لكنه حاكمه بالعلم والمنطق .
إنه يحمل قوة الكلمة وليس قوة البندقية والإرهاب والاستبداد ، لقد حاور هذا الرجل فصار هذا الرجل إلى يومنا هذا يثني على الدكتور البوطي مع كونه ماركسياً . أخرج كتابه تحت هذا العنوان " الإسلام والعصر" . خاطب الغرب بكتابه " الإسلام والغرب " . أدرك أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى منهج تربوي متوازن فوضعنا أمام موسوعته التربوية " الحكم العطائية شرح وتحليل " . ناقش الذين انبهروا بالفكر التنويري ويصفون منهج الإسلام بأنه منهج ظلامي فأخرج كتابه " الظلاميون والنورانيون " . أدرك أن الحياة والحضارات أقامها الله وفق سنن وأناط سقوطها وفق سنن فكتب كتابه " من سنن الله في عباده " . أحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وتفانى في محبته ومحبة سنته ومحبة آل بيته وأصحابه رضي الله تعالى عنهم فأخرج للأجيال كتابه المسمى " فقه السيرة " وهو بحق اسم على مسمى . قرأ تاريخ الرجال فكتب " شخصيات استوقفتني " تحدث فيه عن " روجيه غارودي والإمام الغزالي والفضيل بن عياض ومصطفى السباعي وبديع الزمان النورسي أتمنى أن يقرأ هذا الكتاب ؛ كي نعرف منهجية الرجل في تحدثه عن العظماء .
تربى على والده وتأثر به وحلى منهجه في كتاب يحمل عنوان "هذا والدي " . عاش مع الناس وتلقى رسائلهم وأخرج كتابه " مع الناس " وكتابه " مشورات اجتماعية " وكتابه " كلمات في مناسبات " خاطب الزعماء وخاطب الملوك برؤية واعية وخطاب موضوعي لا تملق فيه ولا استجداء وسجل ذلك في كتابه " هذا ما قلته أمام بعض الرؤساء والملوك " خاطب الناس بأن الإسلام هو المخرج لما نعانيه فكتب " الإسلام ملاذ المجتمعات الإنسانية لماذا وكيف ؟ .
ندواته تشهد له بالحوار الموضوعي وخير دليل على ذلك الندوة المطبوعة بعنوان " الحوار سبيل التعايش " الذي اجتمع فيه مع آية الله محمد مهدي شمس الدين الذي يمثل رئيس المجلس الأعلى الشيعي في لبنان , ومع جودت سعيد الذي يمثل فكراً إسلامياً موضوعياً بلا عنف ولا طغيان .
ناقش قضايا معاصرة على قناة نور الشام بعقلية فلسفية فكرية موضوعية واعية . إنه الإمام البوطي الذي استشهد بالأمس بعد أدائه لصلاة المغرب وقد بدأ درسه في تفسير كتاب الله فالتحق بالرفيق الأعلى في بداية درسه وقد رأينا نظارته على ورقة درسه وهي ملطخة بدمه . إن استشهاد الإمام البوطي يذكرنا باستشهاد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في المسجد واستشهاد سيدنا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في المسجد , وذكرنا باستشهاد سيدنا عثمان بن عفان وهو صائم يقرأ كتاب الله . هذا هو البوطي الذي عرفته الأجيال وعرفته أوروبا وعرفه الشرق وعرفه الغرب . لقد كان الإمام البوطي رحمه الله يحمل مشروعاً إسلامياً عالمياً أساسه العلم والمعرفة والعبودية لله تعالى والحكمة والمحبة والتدرج والعالمية والوعي والحق ، بعيداً عن التسييس والصراع والتآمر في طرحه ، لا يؤمن أن الإسلام بمشروعه العالمي يحمل الاستبداد والطغيان والعنف في تطبيقه ، يحمل منهج الأصالة بثبات بغير مساومة ولا مزايدة ولا استرضاء ، مدرك لمرحلته وما يدور فيها وما يحيكه أعداء الإسلام للإسلام ومداخلهم الفكرية والسياسية والثقافية المباشرة وغير المباشرة ، يدرك أن هناك خطة رسمها الغرب بشقيه الأمريكي والأوربي من وسائلها استخدام بعض المسلمين السطحيين والمسيسين وفقهاء المغالطات والتبريرات وفقهاء القصعة وأكلتها ، ويدرك أن من وسائل الغرب استخدام أولي الرغبة في الوصول إلى الحكم بغير وسائله المشروعة الذين يؤمنون بمنهج ميكافلي " الغاية تبرر الوسيلة " بدلاً من القاعدة الشرعية القائلة " الغاية تقرر الوسيلة " وليست تبرر ، أدرك أن هؤلاء يستخدمهم الغرب في تنفيذ خططهم ، فوقف شامخاً في خطاباته ولقاءاته وكتاباته ، فأدرك أعداء الإسلام وأذنابه من سماسرة الفكر والثقافة والسياسة خطورة منهجه عليهم وعلى مشروعهم فقتلوه . يرى أن مقتضيات المراحل وتغيراتها لا تعطينا مبرراُ لإخضاع الإسلام لها بل يجب أن نُخضع المراحل ومتغيراتها لمنهج الإسلام وسياسته ، وبمعنى أدق لا نخضع الإسلام لرغباتنا بل نخضع رغباتنا للإسلام ، وبهذه الرؤية فرق ما بين الإسلام السياسي وسياسة الإسلام .
أن قتل الإمام البوطي يكشف عن مشروع دموي نازي يستهدف المفكرين والفنانين والأدباء والأطباء والسياسيين في الوطن العربي وفي الوطن الإسلامي حتى تكون المنطقة فقيرة من هؤلاء وبذلك ينشأ الجهل والانحراف والتعدي والتطرف والإرهاب .
الإمام البوطي مفكر عالمي وعالمي الفكر , يحمل في عقله وقلبه الصفاء والنقاء والمحبة والسلام والمعرفة المتسعة , عاش عالمياً لم يتمحور بتمحور نظام كما يقولون , ولم يتمحور بتمحور مذهب كما يفترون , ولم يتمحور بتمحور حزب كما ينقلون وكما هي عند بعض الشخصيات المرموقة في العالم الإسلامي . إنه صاحب جهاد واجتهاد , كان له الدور في الإصلاح ما بين النظام السابق وحركة الإخوان المسلمين حينما طلب منه بعض المسؤولين في الدولة ماذا تريد أيها الشيخ ؟ وماذا تطلب ننفذه لك , وإذا قُدِّم هذا الطلب إلى بعض الناس سيقدمون أوراقاً يكسبون من خلالها أموالاً أو مناصب لأنفسهم أو لأولادهم أو لجماعاتهم أو لأحزابهم لكنه ترك ذلك كله وقال لهذا المسؤول: أطلب منك أن تخرج من في الداخل وتدخل من في الخارج , ماذا تعني هذه الكلمة ؟ أن تخرج من في الداخل أي تخرج المحبوسين في غياهب السجون وأن تدخل من في الخارج الذين شردوا . كانت هذه هي كلمته التي خاطب بها هذا المسؤول.
إن قتلة هذا الإمام لا يؤمنون بالخلاف , فمن يخالفهم في أفهامهم يجب أن يصفى ويجب أن يُقتل ويجب أن يُبتر ويجب أن يخرج من هذه الحياة .
إنني أتساءل كيف سيقبل على الله يوم القيامة من خطط ونفذ لقتل هذا الإمام , لقد قتل في بيت الله في ليلة جمعة , وهو من الشخصيات العلمية ذات السعة المعرفية أثرى المكتبة الإسلامية بأكثر من سبعين كتاباً , هؤلاء ما احترموا المكان وما احترموا الزمان وما احترموا الأشخاص ؛ لأن هؤلاء لا يؤمنون بذلك , فلا يدركون قيمة الزمن ولا قيمة المكان ولا قيمة الأشخاص , فهم يدمرون الأمكنة والأزمنة ويدمرون الأشخاص , قتلته لم يحترموا المكان ولا الزمان , لقد كان الإمام البوطي ثروة ليس لبلده سوريا ولكن للعالم كله . لقد وقف بكلمته أمام نمرود العصر , فقال نمرود العصر: اقتلوه اقتلوه . فقتلوه ، هذا الرجل الذي ينبغي أن ندرس معالم فكره ومعالم مدرسته . والذين اغتالوه وأراقوا دمه في بيت من بيوت الله أبانوا عن مشروعهم الدموي فعرفناه ، وحالته التي اغتيل فيها والمكان الذي أريق فيه دمه أبان عن مشروعه فعرفناه ، وشتان بين المشروعين ، مشروع الكلمة والنصح والارتباط بكتاب الله ومشروع إراقة الدماء وكبت الحريات . لقد استشهد وهو يقول كلمة الحق ويربي الأجيال .
وأخيراً لقد قال سعد بن جبير رضي الله عنه: قبل أن يقتله الحجاج الطاغية " اللهم لا تسلطه على أحد بعدي أبداً " وأقول أنا من على هذا المنبر " اللهم لا تسلط قتلة البوطي على أحد بعده أبداً ولا تجعل لهم مكانة في بلدنا وعالمنا الإسلامي .
إن الدكتور البوطي الذي عاش عمره مدافعاً عن الإسلام بمحاضراته وحواراته ولقاءاته وتأليفه وتدريسه سيفقده العالم الإنساني ؛ لأن له محبين وتلامذة في الوطن العربي وفي أوروبا وفي تركيا . لقد انتقل هذا الإمام من عالم إلى عالم خير منه , لا اجد أن أعزي نفسي وأن أعزي أمتنا إلا ما قاله أحد الشعراء في ولده :
جاورتُ أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري
هذا الرجل الذي كان يتقن اللغة التركية والكردية والإنجليزية والعربية , أفنى حياته وهو يخدم أمته ولم يستجد أحد , هذه هي آثار الفتن التي تحل بأمة محمد عليه الصلاة والسلام . هذا هو البوطي الذي عاش مع الله سبحانه وتعالى , كثير من الناس يجهلونه ادخلوا إلى موقعه في الانترنت واعرفوا ماذا كان يكتب إلى يومنا هذا كيف تعامل مع من سبه , كيف تعامل مع من شتمه كيف تعامل مع من تكلم عنه بكلام لا يليق بمسلم ولا يليق بعلماء فهو يدعوهم إلى الحوار وأخيراً قال لهم : لقد أخطأتم في اجتهادكم وأنتم مأجورون على ذلك فعودا إلى وطنكم . إن الإمام البوطي مدرسة كاملة متكاملة لها معالمها وأبعادها . اللهم إني أبرأ إليك من قتلة البوطي ومن قتلة كل مسلم وأبرأ إليك ممن يرضى بذلك اللهم فاشهد اللهم فاشهد اللهم فاشهد .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس