عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2009
  #1
ابوعبدالله
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: دير الزور - الكرامة
المشاركات: 2,061
معدل تقييم المستوى: 18
ابوعبدالله is on a distinguished road
افتراضي من لطائف الاشارات

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)

والتحسس : طلب الشيء بالحواس . وإنما لم يذكر الولد الثالث؛ لأنه بقي هناك اختياراً . وفي ذكر يوسف دليل على أنه كان عالماً بحياته . { ولا تيأسوا من رَّوْح الله } : لا تقنطوا من فرجه وتنفيسه ، أو من رحمته ، وقرئ بضم الراء ، أي : من رحمته التي يحيي بها العباد ، أي : ولا تيأسوا من حي معه روح الله؛ فكل من بقي روحه يرْجى ، أي : ويوسف عندي ، فمن معه روح الله فلا تيأسوا من رجوعه . { إنه } أي : الشأن { لا ييأسُ من رَّوْح الله إلا القومُ الكافرون } بالله وصفاته؛ لأن العارف لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال . وإنما جعل اليأس من صفة الكافر؛ لأن سببه تكذيبٌ بالربوبية ، أو جهل بصفة الله وقدرته ، والجهل بالصفة جهل بالموصوف ، فالإياس من رحمة الله كفر .
وأما الحديث الرجل الذي قال : ( إذا متُّ فاحرقوني ، ثم اذْروني في البحر والبر في يوم رائح ، فلئِنِ قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحد من الناس ) ، حسبما في الصحيح ، فليس فيه اليأس ولا تعجيز القدرة ، لكن لما غلبه الخوف المفرط لم يتأمل ولم بضبط حاله؛ إما لحقه من الخوف وغمره من الدهش ، دون عقد ولا إصرار على نفي الرحمة واليأس منها . ويدل على ذلك قوله : ( لما قال له الرب تعالى : ما حملك على هذا؟ قال : مخافتك ، فغفر له ) . ولم يقل اليأس من رحمتك . انظر المحشي الفاسي .
الإشارة :
لم يتأسف يعقوب عليه السلام على فقد صورة يوسف الحسية ، إنما تأسف على فقد ما كان يشاهد فيه من جمال الحق وبهائه ، في تجلي يوسف وحسن طلعته البهية ، وفي ذلك يقول ابن الفارض :
عَيْني لِغَيْرِ جَمَالِكُمْ لاَ تَنْظُرُ ... وسِوَاكمُ فِي خَاطِري لا يَخطرُ
فلما فقد ذلك التجلي الجمالي حزن عليه ، وإلا فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولى بالغنى بالله عما سواه . فإذا حصل للقلب الغنى بالله لم يتأسف على شيء ، ولم يحزن على شيء؛ لأنه حاز كل شيء ، ولم يفته شيء . « ماذا فقد من وجده ، وما الذي وجد من فقده » . ولله در القائل :
أَنَا الفَقِيرُ إِليْكُمُ والْغَنِيُّ بِكُمُ ... وَلَيْس لِي بَعدَكُمُ حِرْصٌ عَلى أَحدِ
وهذا أمر محقق ، مذوق عند العارفين؛ أهل الغنى بالله . وقوله : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } : فيه رفع الهمة عن الخلق ، والاكتفاء بالملك الحق ، وعدم الشكوى فيما ينزل إلى الخلق . . . وهو ركن من أركان طريق التصوف ، بل هو عين التصوف . وبالله التوفيق .


البحر المديد - (ج 3 / ص 130)

التعديل الأخير تم بواسطة ابوعبدالله ; 01-28-2009 الساعة 03:05 AM
ابوعبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس