عرض مشاركة واحدة
قديم 04-23-2009
  #3
أبو يوسف
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 518
معدل تقييم المستوى: 16
أبو يوسف is on a distinguished road
افتراضي رد: المراح في المزاح

وقيل إِن عمر بن عبد العزيز لم يمزح بعد الخلافة إِلاّ مرّتين: إِحداهما أَن عَدي بن أرطاة
كتب إِليه يستأذنه في أن يتزوَّج ابنة أسماء ابن خارجة فكتب إِليه عمر: أَمَّا بعد فقد أتاني
كتابك تستأذن في هند: فإِن تكُ قوّة فأهلُك الأولون أَحقّ بك وبها، وإِن يكُ بك ضَعف،
فأهلُك الأَولون أعذر لك ولكن الفَزَاريّ والسلام. يريد بذلك قول الشاعر:
إِن الفزاريَّ لا ينفكُّ مغتلماً = من النُواكَة تهداراً بتهدار
وأما الثانية فإِن رجلاً من أَهل أَمَج هجاه ابن عم له فقال:
حُمَيدُ الذي أَمَجٌ دارُه = أَخو الخمر ذو الشيبَة الأصلعِ
فقدم حميد بعد ذلك على عمر ولم يعرفه عمر فقال له: مَن أنت؟ فقال: أَنا حُمَيد فقال:
حُمَيدُ الذي أَمَجٌ دارُه؟ فقال: والله ما شربتُها منذ عشرين سنة فقال: صدقت وإِنما أَردت أن أبسطك وجعل يعتذر إِليه.
وسأل رجل الشَّعبي عن المسح على اللحية فقال: خلّلها بأصابعك فقال: أَخاف أَلاّ تَبُلّها
قال الشعبي: إِن خفت فانقعها من أَوَّل الليل.
وسأله أخر: هل يجوز للمحرم أَن يَحُكّ بدنه؟ قال: نعم قال: مقدار كَم؟ قال: حتى يبدوَ العظم.

وروى في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: تَسَحَّروُا وَلَو بأَن يَضَعَ أَحَدُكُم اصبعه عَلَى
التُّراب ثُمَّ يَضَعَهَا فيِ فِيِه، فقال رجل: أَيّ الأصابع؟ فتناول الشعبي إِبهام رجله وقال: هذه.
وسئل عن أَكل لحم الشيطان فقال: نحن نرضى منه بالكفاف.وقال له رجل: ما اسم امرأَة
إِبليس؟ فقال: ذاك نكاحٌ ما شهدناه.
وروي أَن خياطاً مرّ بالشعبي وهو مع امرأَة في المسجد فقال: أَيّكما الشعبي؟ فقال مشيراً
إِليها: هذه.
وعن محمد بن القاسم قال: قال الاعمش لجليس له: أَما تشتهي بناني زُرق العيون بيض
البطون سود الظهور وأَرغفة باردة لينة وخَلاَّ حاذقاً؟ قال: بلى قال: فانهض بنا قال
الرجل: فنهضتُ معه فدخل منزله وقال جُرَّتيك السلّة قال: فكشطها فإِذا فيها رغيفان
يابسان وَسُكُرَّجة كامَخ شُبَّت قال فجعل يأكل وقال: كُل فقلت: أَين السمك؟ فقال: ما
عندي سمك إِنما قلت تشتهيه؟
وحجَّ الأعمش فلما أَحرم لاحاه الجَمَّال في شيء فرفع عكازه فشجه بها فقيل له: يا أَبا
محمد وأَنت مُحرِم؟ فقال: إِن من تمام الحجّ شَجَّ الجمال.
وقال ابن عياش: رأَيت عَلَى الأعمش فروةً مقلوبةً صوفها إلى خارج، فأصابنا مطر فمررنا
على كلب فتنحى الأعمش وقال: لا يحسبنا شاةً.

ووقع بين الأعمش وامرأته وحشة فسأل بعض أصحابه ويقال: إِنه أبو حنيفة أَن يُصلح
بينهما فقال: هذا سيدُنا وشيخُنا أَبو محمد فلا يزهدنَّكِ فيه عَمشُ عَينَيه، وحُموشة
ساقَيه، وضعف ركبتَيه، وقَزَل رجليه وجعل يصف فقال الأعمش: قم عنا قّبحك الله فقد
ذكرت لها من عيوبي ما لم تكن تعرفه.

قال الربيع: دخلت عَلَى الشافعي وهو مريض فقلت: قوّى الله ضعفك فقال: لو قوّى
ضعفي قتلني قلت: والله ما أَردت إِلاَّ الخير قال: أَعلم أَنك لو شتمتني لم تُرِد إِلاّ الخير.
قلت: وقد جاء في الدُّعاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: وَقَوّ فِي رِضَاكَ ضَعفي وانما
أَراد الشافعي مباسطة الربيع وإِن كان دعاؤه صحيحاً والله أَعلم.
ولما كان الشافعي نازلا عند الزعفراني ببغداد وقد حكّه في كل ما يملك، وكان الزعفراني
يكتب كل رقعة بما يطبخ من الألوان ويسلمها إِلى الجارية، فأَخذ الشافعي الرقعة في بعض
الأيام وألحق فيها لونا آخر بخطه، فلما رأى الزعفراني ذلك اللون أَنكره وقال: ما أمرتُ بهذا فَعَرضت عليه الجارية خطَّ الشافعيّ مُلحَقاً بالرّقعة، فلما وقعت عينه عليه فرح بذلك وأَعتق الجارية سروراً باقتراح الشافعيّ عليه.

وجاء رجل إِلى أبي حنيفة فقال له: إِذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أَغتسل فإِلى القبلة
أتوجّه أم إِلى غيرها؟ فقال له: الأفضل أَن يكوم وجهُك إِلى جهة ثيابك لئلا تُسرَق.
قال عثمان الصيدلاني: شهدتُ إِبراهيم الحربي وقد أَتاه حائك في يوم عيد فقال: يا أَبا
إِسحاق ما تقول في رجل صلى صلاة اُلعيد ولم يَشتَرِ ناطفاً ما اُلذي يحب عليه؟ فتبسم
أَبراهيم ثم قال: يتصدّق بدرهمين فلما مضى قال: ما علينا أَن تفرّح المساكين من مال هذا
اُلأحمق.
وأَقَّر رجل عند القاضي شريح بشيىء ثم ذهب لينكر فقال شريح: قد شهد عليك ابن
أُخت خالتك ومرّ شريح بمجلس بهمدان فسلّم فردّوا عليه وقاموا ورحبّوا به فقال: يا
معشر همدان إِني لأعرف أَهل بيت منكم لا يَحِلّ لهم الكذب فقالوا: مَن هم يا أَبا أمية؟
فقال: ما أَنا بالذي يخبركم فجعلوا يسألونه وتبعوه ميلاً أَو قريباً منه ويقولون له: من هم؟
وهو يقول: لا أُخبركم فانصرفوا عنه يتلّهفون: ليته أخبرنا بهم.
وحكى عن أبي صالح بن حسان وكان محدثاً أَنه قال يوماً لأصحابه مازحاً: أَفقه الناس
وَضاّح اليمن في قوله:
إِذا قلتُ هاتي نَوّليني تبرَّمت = وقالت معاذَ الله من فعل ما حَرُم
فما نوَّلت حتى تضرّعتُ عندها = وأَنبأَتها ما رَخّص الله في اللَّمَم
وإِذا خرج المزح إِلى حدّ الخلاعة فهو هُجنَةٌ ومَذَمةٌ. ومما عُدّ منه ما حكي عن أبي
معاوية الضرير وكان محدثا أَنه خرج يوما إِلى أَصحابه وهو يقول:
فإِذا المِعدة جاشت = فارمِها بالمِنجَنيقِ
بثلاثِ من نبيذٍ = ليس بالحُلوِ الرَّقيق
أمَا ترى كيف طرق بخلاعته التهمة إِلى نفسه بهذا المزح بما لعله بريٌء من وبعيد عنه؟
وقد كان أبو هريرة مسترسلاً في مزحه، فحكى ابن قتيبة في المعارف أَن مروان ربما كان
يستخلفه على المدينة فيركب حمارا قد شدّ ليه بردعة فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق
قد جاء الأمير، وربما أَتى الصبيانَ وهم يلعبون لعبة الأعراب فلا يشعرون حتى يلقي نفسه
بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيتفرقون: قال الماوردي: وهذا خروج عن القدر
المستسمح به فيوشك أن يكون بهذا الفعل منه تأويل سائغ.

ومن مستحسن المزح ومستسمح الدُّعابة ما حكي عن الإمام القشيري أنه وقف علية
شيخ من الأعراب فقال له: يا أَعرابي ممن أَنت؟ فقال: من بني عَقِيل فقال: من إِي عقيل؟
قال من بني خَفَاجة فقال القشيري:
رأَيتُ شيخاً من نبي خَفَاجَه ، فقال الأَعرابي: ما شأنه؟ فقال:
له إِذا جنَّ الظلامُ حاجَه
فقال الأَعرابي: ما هي؟ قال:
كحاجة الدّيك إِلى الدَّجاجَة
فأستغرب الأَعرابي وقال: قاتلك الله ما أَعرفَك بسَرائر القوم. فانظر كيف بلغ بهذا المزج
غايته ولسانه وعرضه مصون، وهذا ما ذكرناه فيما مر هو غاية ما يتسامح به الفضلاء من
الخلاعة وإِن كان مستنكر الفحوى ، وليحذر من أن يسترسل في مزاح عدوة فيجعل له طريقا إلى إعلان المساوئ هزلا وهو
مجد، ويفسح له في التشفي مزحا وهو محق وانظر مزاح الخليفة المستعصم وقوله لوزيره
العلقمي لما خرَّب أصحاب ولده الكرخ في لعبة الحمام مع ولد الوزير:
دع الدُّنيا بلا كَرخِ فخرج مغضبا وقال: دع الدُّنيا بلا بغداد فلما سمع ذلك تلافى شأنه معه وقال: كنت أمزح فأظهر الرضى ثم سعى في إحضار التتار إلى بغداد حتى جرى ما هو مشهور في بغداد وقتل الخليفة وأصحابه ولا حول ولا قوَّة إِلاّ بالله والقصة مشهورة.

فالعاقل يربأ بنفسه عن سفساف الأمور وعن مخالطة السفلة ومزاحهم مطلقا، وكذلك عن
مزاح من هو أكبر منه لما ذكرنا من الحقد وخرق الحرمة، ولا بأس به بين الإخوان بما لا أذى فيه ولا ضرر ولا غيبة ولا شين في عرض أو دين، قاصدا به حسن العشرة والتواضع
للإِخوان والانبساط معهم ودفع الحشمة بينهم من غير استهتار أو إخلال بمروءة أو نحوه
استنقاص بأَحد منهم، فقد قيل للخليل بن أحمد إنك تمازح الناس فقال: الناس في سجن ما لم يتمازحوا، وفي الاقتداء بمن ذكر والاقتفاء بآثارهم أعظم بركة، وفي الخروج عن ذلك الحد أشد عناء وأبلغ هلكة، وخير الأمور أوساطها.
وما مزاح الرجل مع أهله وملاطفتهم بأنواع الملاطفة فمن شعار المرسلين، وأخلاق النبيين، وهو من المعاشرة بالمعروف وكان صلّى الله عليه وسلّم يقول لعائشة كنت لك كأَبي زَرع لأُم زَرع .

وقال أَنس: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أَرحم النَّاس بالنّساءِ والصِبّياَنِ قال
الغزالي: وأَعلى من ذلك أن يزيد عَلَى ما ذكر ذكَر باحتمال الأذى منهنّ، والحلم عند
طيشهن وغضبهن.

فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يمزح معهنّ، وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال
والأخلاق كما مضى بعضُ ذلك، وقد كنّ يراجعنه عليه السلام الكلام وتهجره إحداهن إلى الليل وراجعت امرأَةُ عمر عمر في الكلام فقال: أَتراجعينني يا لَكَاع؟ فقالت: إِن أَزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم يراجعنه وهو خير منك فقال عمر: خابت حَفصَةُ وخسرت، أَي إِن راجعته ثم قال لحفصة: لا تغتّري بابنة أَبي قُحَافَة (يعني عائشة) فإِنها حِبُّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخوّفها من المراجعة.
ودفعت إِحداهنَّ في صدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَزَبَرَتها أُمها فقال صلّى الله
عليه وسلّم: دَعِيهَا فَإِنَّهُنَّ يَصنَعنَ أَكثرَ مِن ذلِكِ وجرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخل أبا بكر حكما بينه وبينها، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تَكَلَّمِينَ أَنتِ أَو أَتَكَلَّم؟ فقالت: بل تكلم أَنت ولا تقل إِلاَّ حقًّا،
فلطمها أبو بكر حتى أَدمى فاها وقال: أوَ يقول غير الحقّ يا عدوّة نفسها؟ فاستجارت
برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقعدت خلف ظهره، فقال له النبي صلّى الله عليه
وسلّم: إِنَّا لَم نَدعُكَ لِهذاَ أَو لَم نُرِد منكَ هذَا.
وقالت له مرةً وقد غضبت: أَنت الذي تزعم أَنك نبي الله؟ فتبسم رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم واحتمل ذلك حلماً وكرماً، وكان يقول لها إِنّيِ لأعرِفُ إِذَا كُنتِ عَنّيِ رَاضيَةً
وَإِذَا كُنت عَلَيَّ غَضبى قالت: وكيف تعرف ذلك؟ قال: إِذا رَضيِت قُلتِ لاَ وَإِلهِ مُحَمَّدٍ
وَإِذَا غَضِبتِ قُلتِ لاَ وَإِلهِ إِبرَاهِيَم قالت: أَجَل يا رَسول اللهِ ما أهجر إِلاَّ اسمك وقد ألممت
بذلك في قولي:
قال حبيبى منك قد = عرَفتُ وقت الغضبِ
عند الرضى تحلِفُ بي = ومع سواه بأَبي
فقلت لا أَهجر إِلاَّ اس = مَك يا معِذّبي
وقلت:
وقد نُبّئَت ليلى بأني بغيرها = حلفتُ وأَني للمحبة ناكثُ
ولم تَدرِ أنِي ما هجرتُ سوى اسمها = وأَن هواها في فؤادىَ ماكثُ
وقلت:
وقد نُبّئَت أَنى حلفتُ بغيرها = وأَنى لعَقد الحبّ فيها لفاسخُ
ولم تَدرِ أنِي ما هجرتُ سوى اُسمها = وأَن هواها في فؤادىَ راسخُ
وقال صلّى الله عليه وسلّم: مَن صَبَرَ عَلَى سُوءِ خُلُق اُمرَأَتِهِ أَعطَاهُ الله مِنَ الأَجرِ مثلَ مَا
أَعطى أَيُّوبَ عَلَى بَلاَئِهِ، وَمَن صَبَرَتَ عَلَى سُوء خُلُقِ زَوجها أَعطَاهَا اللهُ مِثلَ ثَوَابِ آسِيَةَ
امرَأَةِ فِرعَونَ وفي الخبر أَنه كان صلّى الله عليه وسلّم من أَفكه الناس مع نسائه
وقالت عائشة رضي الله عنها: سمعت أَصوات أُناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبونَ في
يوم عاشوراء، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أَتُحِبّيِنَ أَن تَرَي لعبهم؟ قالت:
قلت: نعم يا رسول الله، فأَرسل إِليهم فجاؤُوا وقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين
البابين، ووضع كفَّه على الباب ومدّ يده، ووضعت ذقني على ذراعه، وجعلوا يلعبون وأَنظر
فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حَسبكُ فقلت: اُسكت مرَّتين أَو ثلاثاً، ثم قال
لي: يَا عَائِشَةُ حَسبُكِ الآنَ فقلت: نعم فأَشار إِليهم فانصرفوا.

وقال رسول الله: (أَكمَلُ اُلمؤُمِنينَ أَحسَنُهُم خُلُقاً وَأَلطَفُهُمِ بِأَهلِهِ).
وقال عليه السلام: خَيرُكُم خَيرُكُم لأَهلِهِ وَأَنَا خَيرُكُم لأَهلِى.

وقال عمر رضي الله عنه: ينبغي للرَّجل أَن يكون في أَهله مثلَ الصبّي فِإِذَا التُمِسَ ما عِنده وُجِدَ رَجلاً،
ونُقل نحوهُ عن لقمان بلفظ: ينبغي للعاقل أَن يكون في أَهله كالصبي فإِذا كان في القوم وُجد رجلاً وقال صلّى الله عليه وسلّم لجابر: فَهَلاّ بِكراً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعبكَ.
ووصفت أَعرابيةٌ زوجها بعد موته فقالت: لقد كان والله ضحوكاً إِذا وَلَج، سَكوتاً إِذا
خرج، آكلاً ما وجد، غيرَ سائلٍ إِذا فَقد.

وعن عائشة فقالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عندي في يومي امرأةً
تنشد لحسّان بن ثابت، فقام عَلَى الباب فأَخذ بِعضادَتَي الباب ثم جعلت أَنظر إِليها بين
أُذنيه فقام طويلاً، ثم قال: حَسبُ؟ فلم أقل نعم مرَّتين أَو ثلاثاً ثم انصرف. قالت عائشة
وأَراد أن يرى مكاني منه وفعله بي.

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنتُ ألعب بالبنات فكنّ صواحبي يأتينني،
فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُسرِّبِهُنُّ إِلّي
وعن محمد بن إِبراهيم بن الحارث التَّيمي أَن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على
عائشة وهي تلعب بالبنات فقال لها: ما هذا يا عائشة؟ قالت: هذا خيل سليمان فجعل
يضحك من قولها.

وعن أنس بن مالك قال: كانت صفية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر وكان
ذلك يومها فأبطأت في السير فاستقبلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي وتقول:
حملتني عَلَى جملٍ بطيء، فجعل صلّى الله عليه وسلّم يمسح عينيها ويسكتها.
ويكفي في ذلك قوله تعالى (وَمن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزوَاجاً لتَسكُنُوا إِليهَا
وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لَقومٍ يَتَفَكَّرُونَ).

وروى عبد الرحمن بن ميسرة أن رجلا أَتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول
الله الرَّجلُ يتزوج المرأَةَ لا يعرفها ولا تعرفه فلا يكون إِلاَّ ليلةٌ حتى لا يكونَ شيءٌ أَحبَّ إِليه منها وإِليها منه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تِلكَ أُلفَةُ وتلا قوله تعالى: (وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً)

وقد صنفت كتابا لطيفا آداب النكاح وما يتعين على الزوجين استعماله من كرم الأخلاق
ومحاسن الشّيم وغير ذلك، وجاء نظما في ثلاثة آلاف بيت، وسميته (أَسباب النجاح في
آداب النكاح) وهو بديع في فنه، وقد كَمُل وبُيّض بحمد الله منه.
قال الغزالي: وينبغي أن لا ينبسط في الدعابة وحسن الخُلُق والموافقة بإتباع هواهنّ إلى
حد يفسد خُلُقهم ويسقط هيبته بالكلية، بل يراعي الاعتدال في ذلك فلا يدع الهيبة
والانقباض مهما رأى منكراً، ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات البتة، بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمرؤة تنمر وامتنع. قال الحسن: والله ما أَصبح رجلٌ يطيع امرأَته فيما تهوى إِلاَّ كَبّه الله في النار وقال عمر: خالفوا النساء فإِنَّ في خلافهن البَرَكة، وقد قيل:
شاوروهنَّ وخالفوهنَّ. وقال صلّى الله عليه وسلّم تَعِسَ عَبدُ الزَّوجَةِ وذلك لأَنَّ الله تعالى
ملّكه الزَّوجة فملّكها نفسهَ، وسمىَّ الرّجالَ قوَّامين وسمىَّ الزّوجَ سيداً فقد خالف مقتضى
ذلك وبدّل نعمة الله كفراً.

وقال الغزالي: نفس المرأَة عَلَى مثال فَرَسك، إِن أَرسلت عِنَانَها قليلاً جَمَحَت بك طويلاً،
وإِن أَرخيت عذِارها فتراً جذبتك ذراعاً، وإِن كَبَحتها وشددت يدك عليها في محل الشدّة
ملكتّها قال الشافعي رضي الله عنه: ثلاثةٌ إِن أَكرمتهم أَهانوك، وإِن أَهنتهم أَكرموك: المرأَة
والخادم، والنَّبَطي، أَراد به إِن مَحَضتَ الإِكرام ولم تَمزُج غلظتك بلينك، وفظافظتك برفقك،
وكانت نساء العرب يعلمن بناتهن اختبار الأزواج تقول المرأَة لابنتها: اختبري زوجك قبل
الإِقدام والجُرأة عليه، وانزعي زُجّ رمحه فإِن سكت عَلَى ذلك فقطّعي اللحم عَلَى تُرسه،
فإِن سكت فقطّعي العظام بسيفه، فإِن صبر فاجعلي اُلإِكاف عَلَى ظهره، فامتطيه فإِنما هو
حمارك.
وعلى الجملة فبالعدل قامت السموات والأرض، فكل ما جاوز حده، أنعكس على ضده.
فينبغي أن يسلك سبيل الاقتداد في المخالفة والموافقة، ويتبع الحق في جميع ذلك ليسلم من
شرّهن وكيدهنّ. فإِن الغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل، ولا يعتدل ذلك إِلاَّ بنوع
لطف ممزوج بالسياسة. وزبر عمر امرأَته مرةً لما راجعته وقال لها: ما أَنت إِلاَّ لُعبةٌ في
جانب البيت، إِن كانت لنا إِليك حاجةٌ وإِلاّ جلستِ كما أَنت. فإذا كان فيهنَّ شرٌّ وفيهنّ ضعفٌ، فالسياسة والخشونة علاج الشر، والمطايبة والرحمة علاج الضعف، والطبيب الحاذق هو الذي يقدّر العلاج بقدر الدّاء، فيلتفطن الرجل أولاً لأخلاقها بالتجربة ثم ليعاملها بما يصلحها كما يقتضيه حالها. وقد بسط الكلام على ذلك الغزالي في الإحياء وغيره.

وهذا القدر كاف، وبما قصدناه بحمد الله تعالى واف. والحمد الله أولاً وآخراً، وظاهراً
وباطناً، كما يحبّ ربنا ويرضى وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم
تسليماً كثيراً طيباً كافياً.

قال مؤلفة: أنهاه تسويداً جامعه فقير عفو الله تعالى أبو البركات محمد بن محمد بن محمد بن
أحمد بن عبد الله العامري الشهير بابن الغزي الشافعي في أوائل شعبان سنة أَربع وأرَبعين
وتسعمائة أَحسن الله تعالى ختامها.


__________________
خَليليَّ وَلّى العمرُ مِنّا وَلَم نَتُب = وَنَنوي فعالَ الصالِحات وَلَكِنّا
أبو يوسف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس