عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 370
فقد رأيت انني اُمنع - روحياً وقلبياً - من هذه الأحوال ومن سلوك هذا الطريق. وجُعل نصب عيني أن عليّ الا أهتم - بجانب الفوز بالرضى الالهي - الا بواجب خدمة الايمان. ذلك لأن الزمن الحالي يحتاج الى اعطاء نوع من الدرس القرآني الذي لا يكون في خدمة أي غرض آخر للذين لم يتوصلوا بفطرة العبودية الموجودة في أنفسهم الى الحقائق الايمانية التي هي فوق كل شئ، والى الذين هم بحاجة الى فهم هذه الحقائق وذلك باسلوب مؤثر، بحيث يستطيع انقاذ الايمان في مثل دنيا الاضطراب هذه التي اختلطت فيها الأمور، ويستطيع اقناع حتى المعاندين وبعث الطمأنينة في نفوسهم، وبذلك يستطيع قصم ظهر الكفر المطلق والضلال المتمرد والمعاند وبذلك يهب القناعة الكاملة للجميع.
ولا تحصل مثل هذه القناعة في الظروف الحالية الاّ عندما يكون الدين بعيداً عن كونه وسيلة لأية غاية شخصية أو دنيوية أو أخروية، مادية كانت أو معنوية. واذا لم يتحقق هذا فان أي شخص يقف تجاه التيار الرهيب - المتولد من المنظمات والجمعيات السرية - ضد الدين عاجزاً مهما بلغ من المراتب المعنوية، لانه لا يستطيع ازالة كل الشكوك والشبهات. ذلك لان نفس الشخص المعاند الأمارة بالسوء الذي يرغب في الدخول الى حلقة الايمان ستقول له: "ان ذلك الشخص زين لنا هذا بدهائه وبمستواه الرفيع واستطاع بهذا اقناعنا".. يقول هذا ويبقى الشك يساوره.
فلله الشكر الوف الوف المرات ففي طيّ تهمة القيام باستغلال الدين في السياسة قام القدر الالهي - الذي هو العدل المحض - طوال ثمان وعشرين سنة بمنعي من جعل الدين دون علمي ودون ارادة مني - آلة لأي غرض شخصي، وذلك باستخدام الأيدي الظالمة للبشر في توجيه الصفعات لي وفي تذكيري وتنبيهي.. هذه الصفعات التي كانت عدلاً محضاً وتحذرني قائلة: إياك إياك! ان تجعل الحقائق الايمانية آلة لشخصك، وذلك لكي يعلم المحتاجون الى الحقائق ان الحقائق وحدها هي التي تتكلم، ولكي لا تبقى هناك أوهام النفس ودسائس الشيطان، بل لتخرس وتصمت.
هذا هو سر تأثير رسائل النور في اشعال الحماس في القلوب وفي الأرواح كالأمواج في البحار الواسعة. وهذا هو سر تأثيرها في القلوب وفي الأرواح وليس


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 371
شيئاً غيره. ومع ان هناك آلافاًً من العلماء سجلوا الحقائق التي تتحدث عنها رسائل النور في مئات الآلاف من الكتب، والتي هي أكثر بلاغة من رسائل النور، لم تستطع ايقاف الكفر البواح. فاذ كانت رسائل النور قد وفّقت الى حدّ ما في مقارعة الكفر البواح تحت هذه الظروف القاسية، فقد كان هذا هو سر هذا النجاح.. ففي هذا الموضوع لا وجود لـ "سعيد"، ولا وجود لقابلية "سعيد" وقدرته، فالحقيقة هي التي تتحدث عن نفسها..نعم.. الحقيقة الايمانية هي التي تتحدث.
وما دامت رسائل النور تؤثر في القلوب العطشى الى الايمان والى نور الحقائق، إذن لا يُفدّى بـ"سعيد" واحد بل بألف "سعيد وسعيد". وليكن كل ما قاسيته في غضون ثمانٍ وعشرين سنة من الأذى والمصائب حلالاً زلالاً. أما الذين ظلموني وجرجروني من مدينة الى اخرى، والذين أرادوا ان يوصموني بمختلف التهم والاهانات، وأفردوا لي أماكن في الزنزانات فقد غفرتُ لهم ذلك وتنازلت عن حقوقي تجاههم.
وأقول للقدر العادل:
انني كنت مستحقاً لصفعاتك العادلة لانني سلكت مثل الآخرين طريقاً - هي بذاتها مشروعة ولا ضرر منها - فكرت فيها بشخصي، ولو لم أضحي بمشاعري في الفيوضات المادية والمعنوية، لفقدت هذه القوة المعنوية الكبيرة في أثناء تأدية خدماتي من أجل الحفاظ على الايمان. لقد ضحيت بكل شئ وتحملت كل اذى، وبذلك انتشرت الحقائق الايمانية في كل مكان، ونشأ مئات الآلاف - بل ربما الملايين - من طلاب مدرسة النور ونهلوا من معارفها. وهؤلاء هم الذين سيستمرون في هذه الطريق في خدمة الايمان، ولن يحيدوا عن طريقتي في التضحية بكل شئ مادياً كان أو معنوياً، اذ سيكون سعيهم لله سبحانه وتعالى وحده دون غيره.
ان الكثيرين من طلابي قد ابتلوا بشتى انواع البلايا والمصائب، وتعرّضوا لصنوف العذاب والمتاعب، واجتازوا امتحانات عسيرة بفضل الله. انني اطلب منهم ان يتجاوزوا - مثلي - عمن اقترف تلك المظالم وهضم الحقوق، لان اولئك قد ارتكبوا تلك الامور عن جهل منهم و الذين آذونا وعذبونا، ساعدوا على نشر الحقائق الايمانية دون ان يدركوا تجليات أسرار القدر الالهي.. ووظيفتنا تجاه هؤلاء هي التمني لهم بالهداية.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 372
اوصي طلابي الاّ يحمل احدٌ منهم شيئاً من روح الانتقام في قلبه ولو بمقدار ذرة، وان يسعوا سعياً جاداً لنشر رسائل النور وليرتبطوا بها ارتباطا وثيقاً. انني مريض جداً.. لا طاقة لي لا في الكتابة ولا في الحديث.. وقد يكون هذا آخر أقوالي.. فعلى طلاب رسائل النور لمدرسة الزهراء الاّ ينسوا وصيتي هذه.
***

[رسالة الى رئيس الوزراء]
اخوتى!
لقد اخطرت على قلبى حقيقة فى غاية الاهمية، ابينها لكم، وأضعها بين ايديكم، فإن ارتأيتم ابلاغها الى رئيس الوزراء (عدنان مندرس) والنواب المتدينين فافعلوا.
مقدمة:
اننى لما كنت قد تركت الساحة السياسية الواسعة منذ اربعين سنة و قضيت اكثر ايام حياتي منزوياً عن الناس، ولم انهمك في الحياة الاجتماعية والسياسية لم استطع رؤية الخطر الداهم فى الوقت الحاضر. ولكن فى هذه الايام شعرتُ ان الوسط مهيأ لنزول ذلك الخطر الجسيم والمصيبة الكبرى بالامة الاسلامية وبهذه البلاد والحكومة الاسلامية.
فابيّن ثلاث نقاط - خطرت على قلبى معنوياً - لاولئك السياسيين الساعين لصالح الامة الاسلامية وللاحتكام بالاسلام ولضمان سلامة البلاد، ويحاولون الحفاظ على المجتمع الانسانى.
النقطة الاولى:
طرق سمعي منذ سنتين - رغم اني لا استمع الى الجرائد - الاتهام بالرجعية. فتأملت في الامر بعقلية سعيد القديم وشاهدت:
ان اعداء الاسلام المتسترين الذين يجعلون السياسة اداة للالحاد، ويجدّون لارجاع البشرية الى قانون الجاهلية الرهيبة متقنعين بقناع الدفاع عن الوطن والامة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 373
هؤلاء يتهمون اتهاماً جائراً غادراً اهل الاسلام والغيارى على الدين بالرجعية، علماً ان دافع الاسلام والغيرة على الدين يدفعهم الى جعل السياسة اداة طيعة للدين دون ان يجعلوا الاسلام اداة للسياسة. وانما يقومون بهذا العمل ليمدّوا هذه الحكومة بالقوة المعنوية للاسلام وتصبح قوية راسخة بقوّة اربعمائة مليوناً من اخوانهم الحقيقيين الظهيرين لهم، لكي ينجو اهل السياسة الحاضرة من التسول لدى ابواب ظلمة اوروبا.
فهذا الاتهام المجحف يوصم هؤلاء الغيارى بـ "الرجعية" ويظهرهم بأنهم يضرون البلاد والعباد. ألا إن هذا بهتان عظيم واتهام غادر لا حدود له.
هذا وان هناك نوعين من الرجعية، كل منهما يستند الى قانون اساس:
الاول: الرجعية الحقيقية، وهي رجعية سياسية اجتماعية، اصبح قانونها الاساس محوراً لكثير من المظالم والسيئات.
الثاني: هو اساس الرقي الحقيقي والعدالة الحقة، ولكن اطلق عليه - ظلماً - الرجعية.
النقطة الثانية:
ان الذين يشنون هجومهم على الدين يريدون ان يرجعوا بالبشرية الى عهود البداوة والجهل بقانون اساس و دستور جار لديهم متسترين باسم المدنية، والذى يفني سعادة البشرية وراحتها و عدالتها وسلامتها. فهم يريدون ان ينفذوا هذا القانون فى بلادنا المنكوبة فيزرعون بذور الشقاق والاختلاف وبلبلة الافكار بالتحزب وصولاً الى مآرب شخصية واشباعاً للحرص والعناد.
ذلك القانون هو:
يؤخذ بجريرة شخص واحد جميع افراد طائفته وجماعته وعشيرته، فكلهم مسؤولون ومدانون. فالذنب الواحد يكون بحكم هذا القانون الوف الوف الذنوب والخطايا. مما يجعل الاخوة والمحبة والمواطنة التي هي ركائز الاتفاق والاتحاد هباءً منثوراً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 374
نعم ان القوى المعارضة والمعاندة عندما يجابه بعضها بعضاً تستهلك وتضعف حتى تصبح بلا قوة. فلا تقدر بعد ذلك على العمل للامة والبلاد وفق العدالة حيث انها ضعفت وانهارت نتيجة المجابهة. لذا تضطر الى دفع نوع من الرشاوى والاتاوات لجلب الملحدين الى صفها. فتتشبث بذلك القانون الوحشي الجائر تجاه القانون العادل الحق والدستور السماوي المقدس وهو الآية الكريمة (ولا تزر وازرة وزر اخرى) (الانعام:164) الذي يحقق المحبة والاخوة الصادقة وينقذ الامة الاسلامية وهذه البلاد من المخاطر. فلا يكون احد شريكاً فى جناية ارتكبها آخر ولو كان اخوه وعشيرته وطائفته وحزبه، الاّ اذا مال الى تلك الجناية، فيكون مسؤولاً عنها فى الآخرة وليس فى الدنيا.
فما لم يؤخذ هذا الدستور قانوناً اساساً فان المجتمع البشري سيتردى برجعية وحشية الى اسفل سافلين مثل الدمار الفظيع الذى ولدّته الحربان العالميتان.
ألا ما اشقى اولئك الذين يطلقون على هذا القانون "قانون القرآن العظيم" اسم الرجعية ويرضون بقانون وحشي جاهلي وينفذّونه فى سياساتهم ويجعلونه ركيزتهم في الادارة والذي يُضحي فيه بالفرد لأجل الجماعة، ولا تؤخذ حقوق الافراد بنظر الاعتبار لأجل سلامة الوطن، ولا يكترث للمظالم الجزئية لأجل سلامة سياسة الدولة. وبناء على هذا يدمّّر مدينة كاملة ومافيها مئات الالوف من الابرياء بجريرة جانٍ واحد. ويجوّز هذا القانون اعدام الف شخص بجناية شخص واحد. ويفرض الضيق والعنت على الوف الابرياء لجرح اصاب شخصاً واحداً منهم.
وحسب هذه الحجة لا يعبأ باعدام مائتي شخص بالرصاص مثلما اُُفني ثلاثون مليوناً من الاشخاص في الحرب العالمية الاولى للسياسة الخاطئة التي ارتكبها ثلاثة الاف شخص. وقس على هذا المنوال الوف الامثلة.
ان لطلاب القرآن و خدّامه ازاء هذه المظالم الفظيعة لهذه الرجعية الوحشية مئات من قوانين القرآن الاساسية من امثال (ولاَ تزر وازرة وزر اخرى) (الانعام:164) التي تحقق العدالة الحقة والاتحاد والاخوة. فاطلاق الرجعية على اهل الايمان الذين يحققون العدل والاخوة، واتهامهم بذلك يشبه تفضيل ظلم "يزيد" الملعون على عدالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكترجيح محاكم التفتيش على عدالة القرآن الكريم العظيمة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 375
لذا يلزم لاهل السياسة الذين يسعون للحفاظ على سلامة هذه البلاد وبحكومتها الاسلامية ان يأخذوا هذه الحقيقة بنظر الاعتبار. وبخلافه فان التيارات المعارضة للحكومة واصرارها على المعارضة تنهك القوى، فلا تكفي تلك القوة الضعيفة لضمان مصالح البلاد وارساء النظام، ولا تحافظ على كيانها ولو بالاستبداد.
وما هذا الاّ فسح المجال لبذر بذور الثورة الفرنسية في هذه البلاد. و هذا مما يستحق القلق عليه.
مادامت تُعطى رشاوى من التنازلات المعنوية لاجل اقرار السياسة الاجنبية مقابل ما يقدمونه من مساعدات تافهة موقتة، بسبب ما نعانيه من الضعف الناشئ من الاختلاف، حتى غدت اللامبالاة تهيمن على اخوة اربعمائة مليوناً من المسلمين وعدم الاكتراث بمسلك مليار من الاسلاف العظام، بل رأوا انفسهم مضطرين الى دفع مبالغ ضخمة كمرتبات للموظفين لاجل عدم الاضرار بادارة الدولة ونظام البلاد من دون مراعاة لما يعانيه الناس من فقر مدقع.
ان مايعطيه ارباب السياسة الحاليون في هذه البلاد من رشاوى الى الغرب والى الاجانب ومن تنازلات سياسية و معنوية، عليهم ان يعطوا عشرة امثالها بل ينبغي لهم ان يدفعوها لاجل اقرار اخوة اربعمائة مليوناً من المسلمين والتي ستتشكل على صورة جمهوريات اسلامية متحدة. وذلك لاجل سلامة هذه البلاد والحفاظ على كيان هذه الامة، وسوف يكون ذلك هدية ضرورية وأتاوة لا ضرر فيها.
فتلك الرشوة الواجبة، الجائزة النافعة جداً بل الضرورية المقبولة هي اتخاذ الدساتير المقدسة منهجاً للعمل، تك الدساتير التي هي اساس التعاون الاسلامي وهي هدايا سماوية من القرآن الكريم توثق الرابطة بين المسلمين بل هي قانونهم المقدس الاساس وهي:
(انما المؤمنون إخوة) (الحجرات: 10)(واعتصمـــوا بحبــــــل الله جميعـــــاً) (آل عمران:103) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (الأنفال: 46).
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 376
ملاحظة: يرد في هذا الموضع من النص التركي الصفحات (20 - 25) من اشارات الاعجاز المتضمنة لإفادة المرام ومقدمة سورة الفاتحة، تراجع في موضعها. - المترجم.
***

[لِمَ تركت السياسة بعد الاندفاع فيها؟]
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الاوفياء الصادقين!
اولاً: بملء روحي ووجداني اهنئ اعيادكم المعنوية والمادية، السابقة منها واللاحقة وابارك لياليكم المباركة الطيبة، واسأل رحمة المولى القدير واتضرع اليه تعالى أن يتقبل منكم طاعاتكم ودعواتكم المخلصة.
ثانياً: لقد اضطررت الى ان اجيب عن سؤاليهم المهمّين اجابة خاصة حيث يردان من جهات كثيرة:
سؤالهم الأول:
لقد كنتَ سابقاً وفي بداية عهد الحرية منهمكاً جداً في السياسة ومندفع اليها بحرارة؛ وها قد مرت اربعون سنة وقد تركت السياسة كلياً، فلماذا؟
الجواب:
ان القانون الاساس للسياسة البشرية هو: يضحّى بالافراد من اجل سلامة الأمة. وتُفدى بالاشخاص حفاظاً على الجماعة. ويرخص كل شئ في سبيل حماية الوطن.
فجميع الجرائم البشعة التي ارتكبت في البشرية الى الآن انما ترتكب بالاستعمال السئ لهذه القاعدة ولهذا القانون الاساس، فلقد تيقنت من هذا يقيناً قاطعاً. فهذا القانون البشري الاساس ليس له حدّ معين ولا ضوابط مخصصة، لذا فـقـد مهّـد السبيل للتـلاعب باستعماله بكثرة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 377
ان الحربين العالميتين قد نشبتا من سوء استعمال هذا القانون البشري الاساس، فأبادت نهائياً ما توصلت اليه البشرية من رقي منذ الف سنة، كما سمح هذا القانون بأخذ تسعين بريئاً بجريرة عشرة من الجناة، وافتى بأبادتهم، كما سمح بتدمير قصبة كاملة لجريمة مجرم واحد، لأغراض شخصية مستترة تحت اسم المصلحة العامة.
ولما كانت"رسائل النور" قد وضحت هذه الحقيقة في كثير من اجزائها وفي "الدفاعات" احيل القارئ الكريم اليها.
وهكذا، ولقد وجدت عوضاً عن هذا القانون البشري الاساس الغادر، القانون الاساس للقرآن العظيم النازل من العرش الاعظم، وذلك في الآيتين الآتيتين:
(ولا تزر وازرة وزر اخرى) (الانعام:164) (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً) (المائدة:32) فهاتان الآيتان تعلّمان القاعدة الجليلة الآتية:
لا يؤاخذ احد بجريرة شخص آخر. ثم ان البرئ لا يُضحّى به - حتى من اجل جميع الناس - دون رضاه، ولكن لوضحى بنفسه بارادته وبرضاه فتلك مرتبة الشهادة.
هذه القاعدة الجليلة هي التي ترسي العدالة الحقة في البشرية. احيل تفاصيلها الى رسائل النور.
سؤالهم الثاني: لقد كنتَ - فيما مضى - في اثناء تجوالك بين العشائر البدوية في شرقي الاناضول - تدعوهم الى التحضر وتحثهم بلهفة وشوق على التمدن والرقي في مجالات حياتهم، فلماذا انسللت - منذ نحو أربعين سنة - من المدنية الحاضرة ووصفتها بأنها دنيّة وليست مدنية وجانبت الحياة الاجتماعية وسحبت نفسك الى العزلة والانزواء؟..
الجواب: ان المدنية الحاضرة الغربية، لسلوكها طريقاً مناقضاً لأسس دساتير السماء وقيامها بمناهضتها، فقد طفح كيلُ سيئاتها على حسناتها وثقلت كفةُ اضرارها على فوائدها. فلقد اضطرب أمنُ الناس واطمئنانهم، واُقلقوا وأَسِنت سعادتُهم الحقيقية فاختل ما هو مطلوب من المدنية ومقصود منها. حيث قد حلّت بسببها نوازع


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 378
الاسراف والسفاهة محل بوادر الاقتصاد والقناعة، واستُمرئتْ ميولُ الكسل والدعة وهجرت مراعى السعي والعمل. ولقد ألبست - هذه المدنية - البشرية المضطربة لباس الفقر المدقع وكستها أثواب الكسل والتقاعس الرهيب.
واستناداً الى ما قامت به رسائل النور من ايضاح الدستور الذي يخاطب به القرآن الكريم في ندائه العلوي:
(وكلوا واشرَبوا ولا تُسرفوا...) (الاعراف :31)
وكذلك في قوله تعالى:
(وأن ليسَ للإنسان إلاّ ما سَعى...) (النجم:39)
فقد أشارت - تلك الرسائل - مستضيئة بنور الآيتين المذكورتين - الى ان سعادة حياة البشرية منوطة بالاقتصاد وعدم الاسراف، وعلى إثارة الهمم للسعي والعمل والكدّ.. وانه بهذين الشرطين يتم التآلف والوئام بين طبقتي البشرية: الخواص والعوام. لذا سأتحدث عن مسألتين لطيفتين، نكتتين قصيرتين وهما الآتيتان:
أولاهما:
كان البشر في عهد البداوة تعوزهم ثلاثة أو أربعة اشياء، وكان اثنان من كل عشرة اشخاص يعجزان عن تدارك تلك الاشياء الثلاثة أو الاربعة. بينما في الوقت الحاضر تحت سطوة المدنية الغربية المستبدة، المتميزة بإثارة سوء الاستعمال، والدفع الى الاسراف، وتهييج الشهوات، وادخال الحاجات والمطالب غير الضرورية في حكم المطالب والحاجات الضرورية؛ فقد اصبح الانسان العصري من حيث حب التقليد والإدمان مفتقراً الى عشرين حاجة بدلاً من اربع منها ضرورية. وقد لايستطيع إلاّ شخصان من كل عشرين شخص ان يلبّوا تلك الحاجات العشرين من مصدر حلال بشكل مباح. ويبقى الآخرون الثمانية عشر محتاجين وفقراء. فهذه المدنية الحاضرة اذاً تجعل الانسان فقيراً جداً ومعوزاً دائماً، ولقد ساقت البشرية - من جهة تلك الحاجة - الى مزيد من الكسب الحرام، والى ارتكاب انواع من الظلم والغبن، وشجعت طبقة العوام المساكين على الصراع والتخاصم المستمر مع الخواص، وذلك بهجرها القانون الاساس الذي سنّه القرآن الكريم القاضي بوجوب الزكاة وتحريم الربا


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 379
والذي يُحقق بواسطتهما توقير العامة للخاصة، ويوفّر بهما شفقة الخاصة على العامة. فبهجرها ذلك القانون الاساس أرغمت البرجوازيين على ظلم الفقراء وهضم حقوقهم، وأجبرت الفقراء على العصيان والتمرد في معاملتهم معهم. فدمّرت سعادة البشرية وراحتها وأمنها واطمئنانها وجعلتها اثراً بعد عين.
النكتة الثانية:
ان ما انجزته هذه المدنية الحاضرة من خوارق - في ساحة العلم - نِعمٌ ربانية تستدعي شكراً خالصاً من الانسان على ما اُنعم عليه، وتقتضي منه كذلك استخداماً ملائماً لها لفائدة البشرية ومنفعتهم. بيد اننا نرى الآن خلاف ذلك؛ اذ تقود تلك الخوارق قسماً من الناس - الذين لهم اهمية بالغة في الحياة - وتوردهم موارد الكسل والسفاهة... اذ انها تذكّي نار الاهواء النفسانية، وتثير كوامن النزعات الشهوانية فتُقعِد الانسانَ عن الكدّ والسعي وتثنيه عن الشوق الى العمل، وتسوقه بعدم القناعة وعدم الاقتصاد الى السفاهة والاسراف والظلم وارتكاب المحرمات.
نُورد مثـالاً على ذلـك:(مثلـمـا ذكر في رسـالـة "مفتاح عـالـَم النـور").
الراديو نعمة الهية عظيمة على البشرية، فبينما تقتضي شكراً معنوياً منّا عليها وذلك باستخدامها لمصلحة البشرية كافة، نرى أربعة أخماس استعمالاتها تُصرف في إثارة الاهواء النفسانية، والى امور تافهة لا تعني الانسان في شئ، فتجتث جذور شوق الإنسان الى السعي وتُوقعه في الكسل والإخلاد الى الراحة والاستمتاع بالاستماع اليها، حتى يدع الانسانُ وظيفة حياته الحقيقية. وفي الوقت الذي يلزم توجيه قسم من الوسائط والوسائل الخارقة النافعة وصرفها في تيسير مصالح البشرية الحقيقية واستخدامها في سبيل السعي والعمل لأجل خير البشرية وتوفير حاجاتها الحقيقية وتذليل مشاقها، فقد رأيتُ بنفسي، انها لا تُصرف إلاّ الى واحد او اثنين من عشرة في تلبية تلك الحاجات الضرورية وتُساق الثمانية الباقية من العشرة الى اللهو والاسترسال في اثارة الهوى والاسترخاء والدعة والكسل وقضاء الوقت.
وهناك ألوف الامثلة على هذين المثالين الجزئيين.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس