عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #10
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 410
فتلك الاحياء الصغيرة المباركة التي اظهرت تلك المعجزات التي لا تعد ولا تحصى تردد اذن بألسنة احوالها جميعا وبعددها الكلمة الكلية: "المباركات.. لله".
ومن هنا فقد قال ثمرة خلق العالم رسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج متكلماً باسم جميع المخلوقات:
"المباركات .. لله" وقدم في الحضور الإلهي جميع "المباركات" التي لا يحصرها العد، اي:
"ان جميع هذه الحالات اللطيفة والاوضاع البديعة، والاتقان والابداع، التي تدفع كل ناظر الى ان يقول من اعجابه: "بارك الله.. ماشاء الله" .. جميعها خاصة لقدرة الله الجليلة وحدها".
وكذا عنصر "الهواء" وهو الثالث في دنيا كل أحد.. فان كل ذرة من ذرات قبضة صغيرة منه، حتى لو كانت بمقدار كلمة "هو " تحمل في طيات وظائفها - كمركز للاستلام والنقل - جميع الادعية وجميع الصلوات و جميع التضرعات وجميع العبادات والتي تعبر عنها جميعا بـ : "الصلوات". فيصبح الهواء لساناً كلياً ذاكراً بأحواله بعدد ذراته التي لا تعد ولا تحصى جميع تلك الكلمات وتقدمها الى خالقها العظيم، لذا فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "الصلوات لله" باسم جميع تلك الذرات معبراً عن ذلك المعنى الكلي، وقدّمها الى الحق سبحانه وتعالى. اي:
"ان جميع الادعية والتضرعات التي يتضرع بها المضطرون والشكر والحمد على النعم، والعبادات والصلوات كلها خاصة لخالق كل شئ، لله وحده". لانه كما ذكر في البحث المذكور آنفا:
إما ان ذرات قبضة هواء - بقدر كلمة "هو" - تتقن اللغات جميعها، وترى مواضع من يتكلمون بها، وتسمع كل ما هو قريب أو بعيد، و تجيد لفظة كل لهجة ومخارج كل حرف، مع وظائف اخرى كثيرة، من دون اختلاط ولا تشوش. بمعنى انها تكون مالكة لقدرة مطلقة وارداة مطلقة!. وهذا محال في محال بعدد ذرات الهواء!
او ان كل ذرة من تلك الذرات تدل على الصانع الحكيم يقينا و تشهد على جميع صفاته الجليلة بلا ريب، بل كأنها تسع - بمقياس مصغر - جميع شهادات


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 411
العالم على الصانع الجليل. اي ان الصلوات التي قدمت بعدد الذرات، والتي تعبر عنها بـ "الصلوات لله" قد قدمها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بهذا المعنى الكلي الى الله سبحانه وتعالى.
وكذا عندما تقال الكلمة الطيبة: "الطيبات" تصبح النار والنور، اي عنصر النور المادي والمعنوي - بحرارة او بدونها - لسانا كليا ذاكرا يردد: "الطيبات لله" يرددها بما لايحد من ألسنة احواله، اي:
"ان جميع الكلمات الطيبة، والمعاني الزكية، وبدائع الحسن والجمال، وتجليات الاسماء الحسنى الازلية المتلمعة على خد الكائنات وجميع سنا الجمال الزاهي المشاهد على المخلوقات والكائنات بايمانالمؤمنين وفي طليعتهم الانبياء عليهم السلام والاولياء الصالحون والاصفياء العاملون.. وجميع الاقوال الطيبة الجميلة النابعة من ايمان المؤمنين وتحميداتهم و تشكراتهم وتهليلاتهم وتسبيحاتهم و تكبيراتهم المتعالية صاعدة الى العرش الاعظم بدلالة الآية الكريمة: (اليه يصـعد الكلم الطيـب) (فاطر: 10).. فجميع هذه الكلمات الطيبات المتوجهة الى العرش الاعظم، مع جميع اشكال الجمال والحسن والطيب التي لا تحد والناشئة من أحد أجمل الوجوه الثلاثة للدنيا، وهي وجهها المرآة المتوجهة الى الاسماء الحسنى، مع ما لا يحد من الحسنات والخيرات والثمرات المعنوية المزروعة في الوجه الثاني للدنيا وهي مزرعة الآخرة.. كل هذه "الطيبات" خاصة بكاملها لله وحده.. القدير المطلق. سلطان الازل والابد.
فهذا المعنى الكلي، وبلسان العبودية الكلية للنار والنور قدّمه سيد الكون رسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الطيبة: "الطيبات.. لله" باسم جميع المخلوقات، الى المعبود ذي الجلال سبحانه، اذ يحمل النور المادي والمعنوي من الشهادات والدلالات - الجزئية والكلية - على الله سبحانه ما لا يحصره العد.
نعم ، ان النور والنار - كما هو الحال في التراب والهواء والماء - يدلان بالبداهة دلالة قاطعة وبالضرورة وبتلك النماذج على أن الاسباب كلها ليست الا حجبا، والتأثير والايجاد كله انما هو من القدير ذي الجلال.
حيث ان النور - كالحياة والوجود تماما - ينال الوجود بصدوره مباشرة من القدرة الالهية، فلا تتوسط الاسباب الظاهرية حجابا دونه في اية جهة كانت. ومن


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 412
هنا فانه يدل على الاحدية ضمن الواحدية، اي: يشير بوظيفة جزئية صغيرة جداً الى دليل واسع كلي للاحدية - كما اثبت ذلك في (نكتة في لفظ "هو" مع هوامشها باختصار).
وسنذكر هنا مثالين اثنين فقط من بين ملايين الملايين من الامثلة:
المثال الاول:
هو ما يظهر على صورة علم في جزء من ومضة نور معنوي، في دماغ انسان يملك قوة حافظة لا تتجاوز حجم ظفر، هذا الشخص ادرج في دماغه كلمات تسعين كتابا، ويتم قراءة هذا الجزء فقط من حافظته في ثلاثة اشهر بمعدل ثلاث ساعات يوميا، ويمكنه ان يراجع ويخرج من تلك الحافظة ما يشاء و متى يشاء مما شاهده وسمعه وما تراءت امامه من صور ومعان وكلمات اعجب بها او تحير منها، او رغب فيها.. مع جميع الصور والاصوات طوال عمره الذي ناهز الثمانيين.. كل ذلك مجموعة في صحيفة تلك الحافظة. لذا يرى ان تلك الحافظة كأنها مكتبة ضخمة نسقت فيها المحفوظات منتظمة مرصوفة.
فهذه الحافظة التي لا تشغل حجم حبة من خردل تكتب فيها و تحفظ تلك الاحوال كلها، فلها اذن سعة كسعة البحر، ونور كلي، وضياء معنوي محيط بالشئ كضياء الشمس المحيط، وصحائف كبيرة واسعة سعة سطح الارض.. وما هذا الا محال في محال، بل محال بمئات الالوف من المحالات.
فلا بد اذن ولا شك ان هذه الحافظة الصغيرة جدا قد وضعها العليم المطلق العلم في دماغ الانسان بعلمه وحكمته وقدرته، وخلقها أنموذجا مصغرا ليشير ويشهد على اللوح المحفوظ الذي هو صحيفة قدره وقدرته.
المثال الثاني:
الجزئي والأنموذج المصغر جدا:
هو الكهرباء. فبعد أن خبر احدهم المصباح الكهربائي ودقق فيه النظر، رأى ان الذرات والمواد الموجودة في مئات المفاتيح الكهربائية واسلاكها ومراكزها، جامدة لا تملك شعورا، ولا حركة ذاتية. ومع هذا تمحي ظلمات كانت تشغل عشرات


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 413
الكيلومترات، بعد اقل من تماس بسيط، ويملأ مكانها نور في اقل من نصف ثانيه! فذهاب هذه الظلمات المشاهدة فجأة ومجئ نور مشاهد بقدرها بدلا منها لاشك انه ليس خيالا، فاما ان التماس الحاصل في تلك الذرات الجامدة الفاقدة للشعور يحمل قوة لا حد لها ونورا لا منتهى له بحيث تتمكن ان تمد تلك الذرات يدها الى مئات الكيلومترات، فتزيل منها الظلام وتملأه بالنور.. وهذا محال لا يمكن ان يقنع به حتى السوفسطائي ولو حاولت معه الشياطين جميعا والملحدون والماديون قاطبة.. 1 او حصل ذلك بقدرة القدير المطلق، علام الغيوب، وبحكمة العليم النافذ حكمه في الكون كله، فتستفيض الانوار من اسمه "النور" فهو "نور النور، وخالق النور، ومدبر النور".
وعلى غرار هذين المثالين هناك ما لا يحد من الامثلة والنماذج.
وهكذا فكما تقدم الكائنات جميع ما فيها من انوار، وحسن وجمال، وطيبات، وكلمات طيبة، وخيرات وكمالات الى الذات الجليلة بلسان حال عنصر النور بـ: "الطيبات لله" فان نتيجة خلق الكائنات وسبب خلق الكون صلى الله عليه وسلم قد قال ايضا بذلك المعنى الكلي في ليلة المعراج: "الطيبات لله" باسم جميع موجودات الكون التي بعث اليه.
فالرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم بعد ان قال هذه الكلمات الجميلة الاربع - بعدد ذرات الانام - بدلا من السلام في ليلة المعراج، قابله الرب الجليل سبحانه وتعالى - كما هو موضح في رسائل النور - بقوله:

_____________________
1 انه لأجل الخداع والتمويه ليس الاّ يضعون اسماً على بعض الحقائق العظيمة الجليلة، وكأن تلك الحقيقة قد عُلمت وفهمت، فيجعلونها امراً عاديا مألوفا.
فمثلا: ان قولهم : "هذا ما يسمى بقوة الكهرباء" يبدون به اظهار تلك الحقيقة العظيمة والدقيقة امراً عادياً مألوفاً، علما انه قد لا تكفي صفحات لبيان حكم تلك المعجزة البديعة للقدرة الالهية. لذا فبمجرد وضع اسم واطلاق عنوان على" تلك الحقيقة تُستر حِكَمها الكلية و تختفي ماهيتها وعظمتها، وتغدو من الامور العادية. وقد يقيمون مكان تلك الحقيقة العظيمة احد مظاهرها البسيطة، وعندها يسندون ذلك الاثر البديع الى قوة عمياء ومصادفة عشواء، وطبيعة موهومة، فيتردون في هاوية جهل اجهل من ابي جهل.
ان القوانين سنن الله الجارية في الكون والتي هي عناوين لنواميس الارادة الالهية، قد اطلق البشر على احدى تلك القوانين اسم »الكهرباء« وذلك لعجزه عن ادراك ماهيتها.
فجعل بهذا الاطلاق ما في التنوير من معجزة قدرة خارقة امرا عاديا بسيطا وكأنه شئ معلوم لدى الجميع.
وهكذا يجعلون امثال هذه المعجزات البديعة للقدرة الالهية اموراً عادية مألوفة بمجرد اطلاق اسم عليها كقوة الكهرباء.- المؤلف.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 414
"السلام عليك ايها النبي" دليلاً على رضاه وقبوله منه ما قدم من تحيات، واشارة منه سبحانه الى امته - بأمر معنوي - ان يقولوا مثله؛ السلام عليك ايها النبي.
وعند ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" جاعلا من ذلك السلام الالهي المقدس سلاما عاما شاملا لنفسه ولامته ولامثاله من الانبياء - عليهم السلام - ولجميع المخلوقات، حيث هو المبعوث اليهم جميعا.
فما تقوله امته صلى الله عليه وسلم في كل صلاة: "السلام عليك ايها النبي" ما هو الا امتثال لما في ذلك السلام الالهي المقدس من امر . وهو في الوقت نفسه بيعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، و تجديد يومي لبيعته، اي الرضى به رسولا والطاعة والانقياد لما جاء به، وهو في الوقت نفسه تهنئة و تحية لرسالته.. وشكران يقدمه العالم الاسلامي اجمع يوميا لما بشّرهم به من سعادة ابدية.
نعم، ان كل انسان يتألم من زوال وجوده، كما يتألم من خراب بيته، ويتألم أشد الالم بدمار بلده، بل يتجرع قلبه آلاما وغصصا بفراق أحبائه ووفاتهم، بل يتحرق وجدانه وروحه حتى كأنه في جهنم معنوية كلما تفكر بزوال دنياه الخاصة - وهي بكبر الدنيا - ودمارها نهائيا في الختام. لذا فكل انسان راشد - أي ما لم يكن فاقد القلب والروح والعقل - يدرك بلاشك ان ما أتى به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من بشرى عظيمة سارة، مما رآه رؤية عين وبصر في ليلة المعراج من سعادة أبدية، ومن تنعم أهل الايمان في جنة خالدة، ومن عدم فناء أحباء الانسان الذين يرتبط بهم بعلاقة، ومن لقائهم الحتمي بعضهم بعضا بعد زوالهم .. أقول: سيدرك هذا الانسان مدى ما تحمله تلك البشرى السارة والهدية البهيجة من فرح وانشراح، ويدرك أيضا سبب استقبال عالم الاسلام تلك الهدية الغالية بقولهم: "السلام عليك أيها النبي" كما يقوله كل موجود معنىً وبلسان هذه الحقيقة، اذ تتحول صحائف الكائنات الى كتابات صمدانية بتلك الهدية المعنوية، وتتظاهر القيمة الحقيقية للمخلوقات وكمالاتها برسالته. وما "السلام عليكم" الذي تتبادله الامة الاسلامية سنة نبوية وشعيرة للاسلام الا شعاع من تلك الحقيقة العظمى.
الباقي هو الباقي
سعيد النورسي
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 415
الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء
رجل على شفير القبر، جاوز الثمانين وابتلي بأمراض عديدة، شيخ غريب ضعيف، يقول: اريد ان ابين لكم حقيقتين:
اولاهما: اننا نبارك تعاونكم الوثيق مع العراق والباكستان بملء ارواحنا ووجداننا. فلقد أكسبتم بهذا التعاون الفرح والانشراح لهذه الامة 1 وسيكون بإذن الله مقدمة لإقرار الأمان والسلام بين اربعمائمة مليون مسلم، ويضمن السلام العام للبشرية قاطبة. هذا ما احسسته في روحى ورأيته لزاماً عليّ ان اكتب الىكم هذه الحقيقة، حيث وردت الى قلبي في الصلاة واذكارها.
انني كما يعلم الجميع تركت الدنيا والسياسة منذ اكثر من اربعين سنة، الاّ ان الذي دفعني الى بيان هذا الاخطار القلبي والعلاقة القوية التي شعرت بها هو: تأثير رسائل النور - التي كشفت منذ خمسين سنة عن اقصر طريق لانقاذ الايمان والمعجزة المعنوية للقرآن الكريم في هذا العصر - في البلدان العربية والباكستان اكثر من اي بلاد اخرى، حتى وردنا خبر مفاده ان طلاب النور في تلك الاماكن يزيدون ثلاثة اضعاف على ما ثبتته المحاكم هنا. لذا اضطرت روحي الى بيان ومشاهدة هذه النتيجة العظيمة وانا على عتبة القبر.
ثانيتها: لقد ظهرت اضرار النعرة القومية والعنصرية في عهد الامويين، كما فرّقت الناس شرّ فرقة في بداية عهد الحرية واعلان الدستور، حيث تأسست النوادى والتكتلات، كما استغلت اثارة النعرة القومية مجدداً للتفريق بين الاخوة العرب النجباء وبين الاتراك المجاهدين، فعّم الاضطراب وسُلبت راحة الناس.
علماً ان الاضرار بالناس باعمال سلبية هو فطرة القومية والعنصرية التي فطروا عليها. والاتراك مسلمون في انحاء العالم كافة فقوميتهم مزجت بالاسلام لا يمكن فصلهم عنه. فالتركي يعني المسلم. حتى ان غير المسلم منهم لا يكون تركياً. وكذلك العرب فان قوميتهم مزجت بالاسلام ايضا وينبغى هكذا. فقوميتهم الحقيقية هي الاسلام وهو حسبهم. ألا إن العنصرية ودعوى القومية خطر عظيم. نسأل الله أن
_____________________
1 لاشك انه بعد انقطاع دام اكثر من ربع قرن عن البلدان العربية والاسلامية يعدّ هذا الانفتاح بشرى عظيمة للمسلمين في تركيا- المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 416
يدفع تعاونكم مع العراق والباكستان أضرار هذه الدعوى الخطرة ويكسب للاتراك اربعمائة مليوناً من الاخوة بدلاً من خمسة ملايين من العنصريين. ويكسب فى الوقت نفسه صداقة ثمانمائة مليوناً من النصارى وسائر الاديان الاخرى المحتاجين الى اقرار السلام .
ثالثاً: قبل خمسة وستين عاماً اخبرنى وال من الولاة انه قرأ في الصحف بأن وزير المستعمرات البريطاني خطب وبيده نسخة من المصحف الشريف قائلاً: "اننا لا نستطيع ان نحكم المسلمين ما دام هذا الكتاب بيدهم، فلا مناص لنا من ان نزيله من الوجود او نقطع صلة المسلمين به".
وهكذا دأبت المنظمات المفسدة الرهيبة على تحقيق هاتين الخطتين: اسقاط شأن القرآن الكريم من اعين الناس، وفصلهم عنه. فسعوا في هذا المضمار سعياً حثيثاً إضراراً بهذه الامة المنكوبة البريئة المضحية.
وقد قررتُ قبل خمس وستين سنة ان اجابه هذه المؤامرات الخطرة مستمداً القوة من القرآن العظيم، فألهمني قلبى طريقاً قصيراً الى الحقيقة، وانشاء جامعة ضخمة. فمنذئذ نسعى لانقاذ آخرتنا. واحدى ثمراته في الدنيا انقاذ حياتنا الدنيوية من الاستبداد المطلق والنجاة من مهالك الضلالة وانماء علاقات الاخوة بين الاقوام الاسلامية. وقد وجدنا وسيلتين في هذه السبيل:
الوسيلة الاولى: رسائل النور التي تقوي وشائج الاخوة الايمانية بتقوية الايمان. والدليل على ذلك تأليفها في وقت الظلم والقسوة الشديدة، وتأثيرها البالغ في انحاء العالم الاسلامي وفي اوروبا وامريكا - في الوقت الحاضر - وغلبتها على المخلّين بالنظام والفلسفة الملحدة، وظهورها على المفاهيم الالحادية السارية كالفلسفة الطبيعية والمادية مع عدم جرحها من قبل اية محكمة او لجنة خبراء. وسيتبنى امثالكم بإذن الله ممن كشفوا عن مفتاح الاخوة الاسلامية، هذه الرسائل التي تمثل نوراً من انوار القرآن الكريم وينشرها في العالم الاسلامى كله.
الوسيلة الثانية: قبل خمس وستين سنة اردت الذهاب الى الجامع الازهر باعتباره مدرسة العالم الاسلامي، لأنهل فيه العلوم. ولكن لم يُكتب لي نصيب فيه، فهداني الله الى فكرة وهى:


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 417
ان الجامع الازهر مدرسة عامة في قارة افريقيا، فمن الضروري انشاء جامعة في آسيا على غراره، بل اوسع منه بنسبة سعة آسيا على افريقيا. وذلك لئلا تفسد العنصرية الاقوام في البلدان العربية والهند وايران والقفقاس وتركستان وكردستان وذلك لاجل إنماء الروح الاسلامية التي هي القومية الحقيقية الصائبة السامية الشاملة فتنال شرف الامتثال بالدستور القرآنى (إنما المؤمنون اخوة) (الحجرات: 10) وكذلك لتتصافح العلوم النابعة من الفلسفة مع الدين، وتتصالح الحضارة الاوروبية مع حقائق الاسلام مصالحة تامة. ولتتفق المدارس الحديثة وتتعاون مع المدارس الشرعية في الاناضول.
لذا بذلت جهدي كله لتأسيس هذه الجامعة في مركز الولايات الشرقية التى هي وسط بين الهند والبلاد العربية وايران والقفقاس وتركستان، وأسميتها "مدرسة الزهراء". فهي مدرسة حديثة ومدرسة شرعية في الوقت نفسه.
فمثلما بذلت جهدي في سبيل انشاء هذه الجامعة بذلته في سبيل نشر رسائل النور. هذا وان السلطان رشاد رحمه الله هو اول من قدّر اهمية انشاء هذه الجامعة، فخصص عشرين الف ليرة ذهبية لانجاز بنائها فقط. وحينما رجعت من الاسر في الحرب العالمية الاولى وافق ثلاثة وستون ومئة نائباً - من بين مائتين - في البرلمان ووقّعوا على تخصيص مائة وخمسين الف ليرة - بقيمة الليرة الثمينة آنئذٍ - للغرض نفسه. وكان مصطفى كمال من ضمنهم. وهذا يعنى انهم أولوا لانشاء هذه الجامعة اهمية اكثر من اي شئ آخر. بل حتى وقّع ذلك القرار المتغربون من النواب الذين لا يهمهم امر الدين من قريب او بعيد والذين قطعوا صلتهم بالاعراف الاسلامية سوى اثنين منهم حيث قالا: نحن بحاجة الى الحضارة الغربية اكثر من حاجتنا الى الجمع بين العلوم الدينية والحديثة.
وأنا بدورى اجبتهم بالآتي:
لنفرض فرضاً محالاً انتم لستم بحاجة الى ذلك، ولكن ظهور اكثر الانبياء في آسيا والشرق وظهور اكثر الحكماء والفلاسفة في الغرب يدل على ان الذي يدفع آسيا الى الرقي الحقيقي هو الشعور الدينى اكثر من العلوم والفلسفة. فان لم تأخذوا بهذا القانون الفطري واهملتم الاعراف الاسلامية بحجة التغرب واسستم الدولة على


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 418
الالحاد، فانتم مضطرون ايضاً الى الانحياز الى الاسلام - لصالح الوطن والامة - اقراراً للسلام في الولايات الشرقية الواقعة بين اربع دول كبرى.
وأورد لكم مثالاً واحداً من بين الوف الامثلة:
حينما كنت في مدينة "وان" قلت لاحد طلابي الاكراد الغيورين: لقد خدم الاتراك الاسلام كثيراً، فكيف تراهم؟ قال: اني افضل تركياً مسلماً على شقيقي الفاسق، بل ارتبط به اكثر من ارتباطي بوالدي، لخدمته الايمان خدمة فعلية.
ومرت الايام والسنون، ودخل ذلك الطالب - أيام أسري - المدرسة الحديثة في استانبول. ثم قابلته بعد عودتي فلمست ان عرق القومية الكردية قد تحرك فيه من جراء الدعوى العنصرية التركية لدى بعض معلميه. فقال لي: انني افضل الآن كردياً فاسقاً مجاهراً بل ملحداً على تركي صالح.. ثم جلست معه بضع جلسات فأنقذته بإذن الله، فاقتنع ان الاتراك هم جنود ابطال لهذه الامة.
فيا ايها النواب السائلون! ان في الشرق حوالي خمسة ملايين من الاكراد وحوالي مائة مليوناً من الايرانيين والهنود وسبعين مليوناً من العرب واربعين مليوناً من القفقاس، فهؤلاء جميعاً تربطهم الاخوة وحسن الجوار وحاجة بعضهم الى البعض الآخر.
فأنا اسألكم! ايمّا ضرورى اكثر: الدرس الذي يتلقاه الطالب في مدرسة "وان" الجامعة بين الشعوب والامم، ام الدرس الذي ينفّر بين تلك الشعوب ويحصر تفكيره بقومه فقط وينكر اخوة الاسلام، ويبذل جهده لتعلم العلوم الفلسفية دون اعتبار للعلوم الاسلامية، ألا تكون حاله كحالة الطالب الثانية؟
وعقب هذا السؤال قام المتغربون من النواب والمتحللون عن الاعراف الاسلامية بتوقيع القرار. ولا ارى داعياً لذكر اسمائهم.. سامحهم الله، لقد توفوا.
رابعاً: ادخل رئيس الجمهورية انشاء الجامعة في الشرق ضمن المسائل السياسية المهمة، حتى انه حاول اصدار قانون لتخصيص ستين مليوناً من الليرات لإنشائها.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 419
ان هذه الجامعة حجر الاساس لإحلال السلام في الشرق الاوسط وقلعته الحصينة وستثمر فوائد جمة لصالح هذه البلاد والعباد بإذن الله.
ان العلوم الاسلامية ستكون اساساً في هذه الجامعة، لأن القوى الخارجية المدمّرة قوى إلحادية، تمحي المعنويات، ولا تقف تجاه تلك القوى المدمرّة الاّ قوة معنوية عظيمة فيها، تنفلق على رأسها كالقنبلة الذرية.
وحيث انكم ترون انفسكم مضطرين الى استشارة امريكا واوروبا في هذه المسألة الاّ ان لي الحق ايضاً أن أدلي برأيى فيها حيث قضيت خمساً وخمسين سنة من عمري لتحقيقها. بل ننتظر ذلك منكم باسم الامة جميعاً.
سعيد النورسى
***
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس