الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #7
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

المكتوب السابع

باسمه سبحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍْ اِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ{

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً.

اخوتي الاعزاء!

لقد ابلغتم الحافظ توفيق الشامي(1) ليقول لي مسألتين هما:

اولاً: ان اهل الضلالة الحاليين، يجدون في زواج الرسول e بزينب موضع نقد واعتراض، كما كان دأب المنافقين في سالف الزمان. اذ يعدونه زواجاً مبنياً على الشهوة ودوافع نفسانية!

الجواب: حاش لله وكلا! ألف ألف مرة كلا! ان يد الشبهات السافلة احط من أن تبلغ طرفاً من ذلك المقام الرفيع السامي.

نعم! ان من كان مالكاً لذرة من الانصاف يعلم انه e من الخامسة عشرة الى الاربعين من عمره - تلك الفترة التي تغلي فيها الحرارة الغريزية وتلتهب الهوسات النفسانية - قد التزم بالعصمة التامة والعفة الكاملة، بشهادة الاعداء والاصدقاء، واكتفى بزوجة واحدة شبه عجوز، وهي خديجة الكبرى رضى الله عنها. فلابد ان كثرة زواج هذا الكريم العفيف صلى الله عليه وسلم بعد الاربعين - اي في فترة توقف الحرارة الغريزية وسكون الهوسات - ليست نفسانية بالضرورة والبداهة، وانما هي مبنية على حِكم مهمة، احداها هي:

ان اقوال الرسول e وافعاله واحواله واطواره وحركاته وسكناته، هي منبع الدين ومصدر الاحكام والشريعة.

ولقد روى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم هذه الاحكام وحملوا مهمة تبليغ ما ظهر لهم من حياته صلى الله عليه وسلم. أما أسرار الدين واحكام الشريعة النابعة من احواله المخفية عنهم، في نطاق اموره الشخصية الخاصة به، فان رواتها وحامليها هي زوجاته الطاهرات، فقد أدَّيْنَ هذه المهمة على وجهها حق الأداء. بل ان ما يقرب من نصف احكام الدين واسراره يأتي عن طريقهن.

بمعنى ان هذه الوظيفة الجليلة يلزم لها زوجات كثيرات، وذوات مشارب مختلفة كذلك.

أما زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب، فقد ذكر في الشعاع الثالث من الشعلة الاولى من الكلمة الخامسة والعشرين، فيما يخص الآية الكريمة } ما كان محمدٌ أبا أحدٍ منْ رجالِكم ولكن رسولَ الله وخاتمَ النبيين{ (الاحزاب:40)، ان الآية الواحدة تفيد معاني عديدة، بوجوه عديدة، حسب فهم طبقات الناس.

فحصة طبقة من الناس من فهم هذه الآية الكريمة:

أن زيداً رضى الله عنه الذي كان مولى رسول الله e ، ويحظى بخطابه له: يا بني! لم يجد نفسه كفواً لزوجته العزيزة النفس فطلقها لذلك، كما وردت الروايات الصحيحة، وبناء على اعترافه بنفسه. اي أن زينب رضى الله عنها، قد خُلقت على مستوى آخر من الاخلاق العالية، فشعر بها زيد بفراسته بأنها على فطرة سامية تليق ان تكون زوجة نبي. حيث وجد نفسه غير كفوءة لها فطرة، مما سبب عدم الامتزاج النفسي والانسجام الروحي بينهما، فطلقها، وتزوجها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأمر إلهي.

فالآية الكريمة } زوجناكها{ (الاحزاب: 37) تدل باشارتها على أن ذلك النكاح قد عقد بعقد سماوي، فهو عقد خارق للعادة، وفوق العرف والمعاملات الظاهرية، اذ هو عقدٌ عُقد بحكم القدر الإلهي المحض، حتى انقاد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لذلك الحكم مضطراً وما كان ذلك برغبة من نفسه.

وهذا الحكم القدري يتضمن حكماً شرعياً مهماً وحكمة عامة ومصلحة شاملة.

فبأشارة الآية الكريمة } لكي لا يكون على المؤمنين حَرجٌ في أزواجِ أدعيائهم{ (الاحزاب:37). ان خطاب الكبار للصغار بـ : يا بني! ليس حراماً، اذ لا يغير الاحكام كقول المظاهر لزوجته (اي قوله أنت عليّ كظهر أمي).

وكذا فان الانبياء والكبار لدى خطابهم لأمتهم ولرعاياهم، ولدى نظرهم اليهم، نظر الابوة، انما هو باعتبار مهمة الرسالة وليست باعتبار الشخصية الانسانية حتى يحرم الزواج منهم.

وطبقة ثانية من الناس يفهمون هكذا:

ان سيداً عظيماً وآمراً حاكماً ينظر الى رعاياه نظر الابوة. اي يشفق عليهم شفقة الوالد. فان كان ذلك الآمر سلطاناً روحانياً، ظاهراً وباطناً، فرحمته تزداد حينئذ عن شفقة الاب أضعافاً مضاعفة. والافراد بدورهم ينظرون اليه نظر الوالد، كأنهم أولاد حقيقيون له، وحيث أن نظر الأبوة من الصعوبة انقلابه الى نظر الزوج، ونظر البنت ايضاً لا يتحول بسهولة الى نظر الزوجة، لذلك وجد العامة حرجاً في تزوج النبي e ببنات المؤمنين، والقرآن الكريم يصحح مفاهيمهم قائلاً:

ان النبي يشفق عليكم ويعاملكم معاملة الاب، وينظر اليكم باسم الرحمة الإلهية، فانتم كالابناء بالنسبة للرسالة التي يحملها. ولكن ليس هو اباكم باعتبار الشخصية الانسانية، لكي يقع الحرج في الأمر، أمر الزواج. وحتى لو خاطبكم بيا أبنائي وأولادي فانتم لستم اولاده وفق الاحكام الشرعية، فلا تكونون اولاده فعلاً.



الباقي هو الباقي





سعيد النورسي
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس