عرض مشاركة واحدة
قديم 02-26-2009
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين

قال القارىء سَدَّدَهُ اللَّهُ تعالى:

يقول العبد الفقير إلى مولاه، الراجي عفوه ورحماه، منصور، الشَّريفٌ لأُمِّه، بن محمد؛ عُرِفَ بسوس الأَربسي، قارىءُ البخاري بجامع الزّيتونة من تُونس المحروسة.

أنا قائمٌ ليلة السبت الخامسَ لشعبان عام أحد وثمانين وثمان مئة ثُلث اللّيل الآخِر، فكأنّي داخلٌ للجامع، وبيدي تأليفُ الشّيخ الفقيه المعتقد الصّالح أبي عبد الله محمد الرصّاع أبقى الله بركته المسمّى بــــ «تذكرة المحبيّن في أَسماءِ سيّد المُرسلين» أريد قراءته عند التّوابين، فبينما أنا بالقُرب من باب البَهْو أَحدِ أبواب البيت أُريد الدّخول فإذا برجلٍ جَذبني من خَلقي وقال لي: أَين تريد؟
فقلت: له: أُريد أَن أَقرأ هذا الكتاب
فقال لي: أَتقرؤه والنّبي ــــ صلى الله عليه وسلم جالسٌ هناك؟
وأشار إليه فالتفتُّ،. فإِذا النّبيُّ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في صَدر المجنبة الشّرقية، حيثُ يُقْرأ كتاب التَّرغيب والترهيب، والصّحابةُ رضي الله عنهم مُحْدْقونَ به صلى الله عليه وسلم، وعَليهم ثيابٌ بيضٌ وعلى رأسه عمامة بالنّقاب، مرتدٍ بإِحرام، طرفُه على رأسِه، وطرفه الآخر على كتفِه الأَيمن.
فأتيت وأنا خَجِلٌ فأشارَ لي بيدهِ المُباركة أَن اجلس؛ فجلستُ بين يديه، فلمّا جلستُ قال صلى الله عليه وسلم: ها هنا ــــ إن شاء الله ــــ المنزل، فنظرتُ (4أ) فإذا إِبهام رجلهِ اليُمنى ظاهِرَةٌ فطأطأتُ عليها وقَبَلْتُها وتقهقرت، فلما جلست قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اِقرأ.
فقلت له: يا رسول الله ما أقرأ؟
قال: إِقرأ القرآن.
قال لي: اقرأ:
حُوْرٌ مَقْصُورَاتٌ في الخِيَام، فَبِأَيّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرّحمن: 74-75 )
فقرأُتها وسَكَتّ.
فقال لي: اقرأ: فقلت: وما إِقرأ؟
قال: اقرأ: {..وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهمْ مِنْ كُلّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد: 23-24)
فقرأتها وسَكتّ.
فقلت له: يا رسول الله ما مَعِنى هذه الآيات؟
قال لي: أَمّا الآيتان الأُولَياننِ فَمعناهما ظاهر؛
وأَمّا الثّالثة: فَمعناها أَنّهم نعصَرُوا اللّهَ سُبْحَانَهُ وتَعالى.
فقلت له: يا رسول الله كيفَ تكونُ نُصرتهم للَّه؟ فقال: نُصرتهم لدينه، والذَّبّ عن شَريعته قولاً، وفِعْلاً، ولساناً وحُساماً؛ وهذا من نصرِ دين اللَّهِ؛ وأَشار بيدِه المُباركة إلى الكتاب المذكُور وهو في يدي، فلمّا سمعتُ منه ذلك سكت.
قال لي: اقرأ.
فشرعتُ في طالعة الكتاب، فأشار لي رجلٌ من الحاضرين: أَن استقبل القِبلة، فتأَدَّبت مع الرَّسُول عليه السّلام لئلا أُعطيه بجنبي، فانْحرَفت قليلاً، فقال صلى الله عليه وسلم؛ قال اللَّه تعالى: {...واجْعَلُوا بُيوتكمْ قِبْلَةً، وأَقِيمُوا الصَّلاةِ، وبَشِرِّ المُؤْمِنِيْنَ} (يونس: 87)
ثم قرأت طالعة الكتاب.
فقلت: يقول العبدُ الفقيرُ إلى ربّه المُعترف بتقصيره، وذنبه الخائف المُشتق من لومه وعتبه، محمّد بن قاسِم الرصّاع؛ ولم أذكر نسبته؛ فقال لي صلى الله عليه وسلم: أَين النِّسبة؟.
فقلت له: يا رسول الله ليستْ مكتوبةً هُنا.
قال: لا بُدّ من ذِكرها، وكَتْبِها.
فقرأتُ بين يديه طالعةَ الكتاب وخُطبته، فلما انتهيت إلى قول المؤلف «وسَمَّيْتُه بِتَذكرة المُحِبّين في أسماءِ سَيّد المُرْسَلين، وقرأتُ الدُّعاءَ الّذي بَعْدَهُ، فأشارَ لي الرجلُ المذكورُ بيده؛ أَن اسْكُتْ فسَكتّ.
فقام النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما قام سألتُ رجلاً من الجُلوس، مَن الّذي يُشير بيده؟.
قال: هو الزُّبير (4ب) بن العَوّام، وقال لي: هل تعرفُ الرَّجُلِ الّذي رَدَّكَ عن دُخول البيت؟
قلت: لا؛
قال لي: ذلك الشيّخ أَبُو محمّد المَرْجانِي.
وانتبهت وأَنا أبكي، وشعلتُ القِنديل فِي الحين والوَقت، ونظرتُ نسبة المؤلّف هل هي مكتوبة أَم لا، فلم أَجِدْها مكتوبةً، وباللّه ما عرفتُ قبل ذلك هي مكتوبةٌ أَم لا، وألحقتُها بَعْدَ ذلك في الكتاب.

ورؤبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صِفته المعلومة حقّ، وكلامُه صِدق. وقد قال ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ: مَن رآني فَقَدْ رآني حَقّاً، فإِنَّ الشَّيطانَ لا يَتمثَّلُ بصُورتي».

ونرجُو من اللّه سبحانه بذلك إن شاءَ اللَّهُ القَبُول، وبلوغ المَأمول وكذلكَ نرجُو لِمُحِبّهِ مولانا الإمام الملك الهُمام المُرْتَضى لإِيالةِ الإِسلام؛ كان الله له ومعه على مَرّ الَّيالي والأَيّام، وغفَر لنا وسامَحنا، ولطفَ بنا وبعبادهِ المُؤمنين بحرمة سَيّد المِرسلين " اهـ.

فوائد


"الأُولى: سِرُّ تعدّد أَسمائه عليه الصلاة والسلام تعظيمُ منزلته، وبيان قدره عند رَبّه؛ لأن العَرب إذا عَظّمَتْ أَمراً في نُفوسها كَثَّرتْ من أَسمائه، ولا أَعظم عند اللَّه تَعالى من حبيبه المُصطفى، وصفيّه المجتبى؛ فَحَلَّده الله سُبحانه بصفات الكمال تعظيماً له في النُّفوس، و(تنبيهاً) للخلائق على مكانته عند المَلِك القُدُّوس. فصارت تلك الأوصاف، لكثرة إطلاقها على نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم أَسماءً وألقاباً. وادّخر المولى ــــ جلّ جلاله ــــ لتاليها، وحافِظها في الجَنّة {عُرُباً أَتْرَاباً} (الواقعة - 37)
.
فادّخِرْ أيُّها المُحْبُّ عند الله سبحانه محبّته، ومتّعْ نَظرك ذاكراً أسماء وصِفَته، وتأدّبْ عند ذكر أَسماءِ حبيببِ اللّه بما أدّب سُبحانه به العِبَاد، وكنْ مستغرقَ القَلب، سابِحاً في بحارَ ما دَلّ عليه كُلُّ اسممٍ من كمال فضلِه عند ربّه، فليسَ لِكَرمهِ عند اللّه نَفادِ.

وصِلْ كُلّ اسمٍ بالصِلاَّةِ عَليه، سائلاً له من اللَّه الشَّرف، والوسيلةَ والدرّجة الرفيعة تَنلْ شفاعَته يومَ المَعاد." اهـ.


الفائدة الثانية:

"ينبغي لذاكرِ أسمائهِ عليه أفضلُ الصّلاة والسلام، أن يكون على أفضل حال ونظام، لأنّ الرحمةَ (5أ) نازلةٌ عند ذكره عليه السَّلام. فإنَّ الصّالحين إِذا ذُكرت أسماؤهم نزلت الرّحمةُ على الذّاكرين، ورُفع ذِكرهم في رياض الجنّة للمُحْبّين.

وسيّدُنا ومولانا محمّد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ هو رأسُ الصّالحين، وتاجُ العارفين، فلا تغْفَل عن الدُّعاء إذا ذُكِرَ اسْمُه، وصَلٌ عليه فإنّها ساعةُ إجابة، سيّما إن كان من ذاكرِه وقارٌ وسكينةٌ وخضوعٌ إلى اللّه وإنابة.

وتذكّر قول الشيخ ولي الله تعالى أَبي سُلَيْمان الدّاراني رحمه الله، ونفَع به: إذا كانت لك حاجةٌ فابدأ فيها بالصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ادْعُ بما شئت، ثم اختم بالصّلاة عَليه صلى الله عليه وسلم، فإنّ الله سبحانه وتعالى بكرمه يَقْبَلُ الصّلاتين. وهو أكرم من أن يدَع ما بينهما. وقد وقفتُ عليهِ حَدِيثاً كذلك.

ولعل الشيخ رحمه الله، أشار إلى أن العبد مفتقرٌ دائماً إلى مولاه، لا يخلُو من حاجةٍ إلى المفتقر إليه، إذ لا يجدُ ناصراً سواه. قال عزّ من قائل : {يا أَيُّها النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إلى اللَّهِ} (فاطر 15)
.
فإذا كان العبدُ كذلك، فإنّه حَرِيٌّ بأنْ يكونَ في جميع أحواله ذاكراً لربّه مُصَلّياً على نبيّه، داعياً إلى اللَّهِ سُبحانه بين صلواتِه، راغباً إليه فيما يسألْه من حاجاته، بتذلّلٍ وخْضوعٍ وإنابةٍ مُوقناً في ذلك بالإجابة، واقفاً بباب الجواد الكريم، متوسلاً إليه بالشّفيع العظيم، سائلاً من فضلهِ العَمِيم، فلعلّ أرحمَ الرّاحمين، أن يَمُنّ علَينا بِحُسن القَبُول، وبلوغ المأمول.

ولذا جاءَ رضي الله عنه بــــ (إذا) الشَّرطية مكانَ (إنْ) لأنَّ الحاجة إلى الله تعالى مُحَقّقة لكلّ حادثٍ في جَمِيع الأَزْمان، والافتقار إليه هو سِمَةُ العالَم فَضْلاً عن شخص الإِنسان.

ونَزّهْ أَيُّها المحبّ أَسماءَهُ صلى الله عليه وسلم، أَنْ تحلُّ في الإِمكنة الخبيثة، وأَن تَرِدَ على القُلوب القَاسية الذّميمة، فإنّ من أَسمائه: الطَّيّب، الطّاهر؛ تنبيهاً للغافلين، وتذكيراً للعالَمِين أَن يبجّلوه، ويذكروه بمكان (5ب) طاهرٍ، ولسان صادق وقلب تقيّ حاضر.

وبالجُملة فعلى قدر المحَبّة في المَحْبُوب، يكونُ تبجيلُه وتوقيرُه والخُضوع له عند ذِكره كما لو كان حيّاً، وهو بينَ يديه حَياءً وهيبة وإجلالاً لِقَدْره، عالماً له أَنَّ حُرمته بعد مماتِه، كَحُرمته في مُدّةِ حَياته.

وربّما بلغت المَحبّةُ من المُحِب إلى أنْ صار ينزّه ذكره عن لسان الذّاكر تنزيهاً للاسم الشّريفِ عن حُلولهِ في لسانِه، وتعظيماً له أَن يكونَ هذا المحلّ من مكانه.

وربّما غَلب الحبُّ فيه ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ والتعظيم والإجلال له، ورسَخت هيبَتُهُ في القلب منشأ عنها للمحبّ أحوال.

كان عبد الله بن مَسعود ــــ رضي الله عنه، وأَرضاه ــــ من أشدّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ــــ تَعظيماً له.

قال حُذَيفَةُ رضي الله عنه: هو أقْرَبُ النّاس هدياً وسِمَةً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديدَ الخوف من اللّه تعالى، كثيرَ التّعظيم لرسوله، ولاسم رَسُوله الكريم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

قال بعضُهم: إنّي حضرتُ عنده سنةٌ فَما سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَعاً منه وحَياءً ومَهابةً لِهذا النبي الشريف، إلاّ أَنّه حَدّت ذات يوم بحديث، فجَرى على لسانه «قال رسول الله»، فَعلَده الكَرْبُ، حتّى رأَيتُ العَرَق يتحدّرُ من جبهته.

فيا أخي أين أيماننا من إيمان هؤلاء السادة العظام، وأين محبَّتُنا من مَحبّة هؤلاء الأَحبّةِ الكرام. لأمرٍ مّا قال فيهم سَيّد الأولين والآخِرين، وقائدُ الغُرّ المُحّجِلين، وأَبْلَغَ، وأَسْمَعَ، وقَطع أَوهام من يتوهّم، الوصول إلى بعض فَضائلهم بكلام تامّ أَجْمَع، وصارتْ عقيدةُ أَهل السِنّة بِذلكَ، مِلَّةً حنيفةً نظيفة: «لو أَنْفَق أحدهم مثلَ أُحُدٍ ما بلَغ مُدَّ أَحدهم ولا نَصِيْفَه»." اهـ.


يتبع إن شاء الله تعالى مع الفائدة الثالثة...
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس