عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

واتهم أهل السنة مفكري المعتزلة بالزيغ والضلال، واتهمهم المعتزلة بالجمود وانعكس هذا على قواعد استنباط الأحكام واصول الفقه، فمن تأثروا بالنظر العقلي اعتمدوا على الرأي في الاستنباط، وتمسك آخرون بالنصوص، وحدها، ولم يعدلوا عنها الى الرأي إن لم يجدوا الحكم في النصوص كما صنع أهل الرأي ودعاة إعمال العقل، بل آثروا الصمت. ومن أهل السنة من أخذ بظاهر النص وحده، ومنهم من تأول النص ليستنبط الحكم إن لم يسعفه الظاهر.

وانتقلت كل هذه الأفكار بصراعاتها على أمواج الزمن من جيل الى جيل. حتى أتيح لأهل السنة مفكر كان من قبل من كبار مفكري المعتزلة ثم هجرهم، مستخدما أدواتهم في التفكير والاستنباط، اعتمد على البراهين العقلية في مناصرة آراء أهل السنة والنصوص.

حدث هذا في القرن الرابع الهجري.

وهذا الفقيه هو الاشعري الذي ألف الكتب على مذاهب أهل السنة ورد على المعتزلة في كل مقولات علم الكلام «حتى دخلوا في أقماع السمسم».

وكان المعتزلة قد ذهبوا الى أن العقل هو أساس الحكم بالقبح واحسن، وتبين الحلال والحرام، وذهبوا في تفسير الآية الكريمة (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). الى أن الرسول ليس هو النبي الذي يرسله الله، ولكنه العقل.

واتهمهم أهل السنة بالكفر، ورفضوا أن يتكلموا في العقائد بالأدلة العقلية، وهاجموا المنطق والفلسفة، حتى جاء الأشعري، فاستعان بالمنطق والفلسفة في الكلام عن العقائد، ودافع عن السنة بأدلة المعتزلة. لم يعتمد على النصوص وحدها في كلامه عن العقائد، وإنما أعمل العقل، ليناور المعتزلة بأسلحتهم.

وقد أعجب العز بهذا كله، واعتنق عقيدة الأشعري، كما أعتنقها من قبل أكثر المستنيرين من أهل السنة والرأي مهما تختلف مذاهبهم الفقهية.

أعجب العز عز الدين بمحاولات المعتزلة والأشاعرة وتوفر على دراستها في مكتبة الجامع الأموي.

ولقد عجبته بصفة خاصة مناظرة بين الأشعري والجبائي أحد أئمة المعتزلة، «عن ثلاثة أخوة ماتوا: الأكبر منهم مؤمن بر تقي، الأوسط كافر فاسق شقي، والأصغر مات على الصغر لم يبلغ الحلم.

قال الجبائي: أما الزاهد ففي الدرجات،وأما الكافر ففي الدركات ـ بناء على أن ثواب المطيع وعقاب العاصي واجب على الله تعالى عن المعتزلة ـ وأما الصغير فمن أهل السلامة لا يثاب ولا يعاقب.

فقال الأشعري: فإن طلب الصغير درجات أخيه الأكبر في الجنة؟

الجبائي: يقول الله تعالى الدرجات ثمرة الطاعات.

الأشعري: إن قال الصغير ليس مني النقص والتقصير. فإنك إن أبقيتني الى أن أكبر لأطعتك ودخلت الجنة.

الجبائي: يقول الباري تعالى قد كنت أعلم منك أنك لو بقيت لعصيت ودخلت في درجات الجحيم. فإن الأصلح لك أن تموت صغيرا.

الاشعري: فإن قال العاصي المقيم في العذاب الأليم مناديا من بين دركات النار واطباق الجحيم: يا إله العالمين! يا أرحم الراحمين! لم راعيت مصلحة أخي دوني وأنت تعلم أن الأصلح لي أن أموت صغيرا ولا أصير في السعي أسيرا؟ فما يقول الرب؟

فبهت الجبائي في الحال وانقطع عن الجدال».

وعن دور الأشعري في الفكر الديني، كتب المغفور له الإمام الشيخ مصطفى عبد الرزاق: «أخذت الفلسفة توجه أهل الفرق الى الاعتماد على العقل. فلما أخذ الأشعري في مناضلة المبتدعة بالعقل حفاظا للسنة، جاء أنصار مذهبه من بعده يبتون عقائدهم بالعقل تدعيما لها ومنعا لإثارة الشبهة حولها. ووضعوا الأدلة العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار».

وإذن فمذهب الأشعري مقرر لمذاهب السلف ولكنه يناضل عنها بالأدلة العقلية لا بالنصوص وحدها. وهو رأي وسط بين مذهب المعتزلة الذين نفوا التجسيم عن الله تعالى ومذهب غلاة الحنابلة الذين آمنوا بالتجسيم كما يدل ظاهر النص.

ولقد شاعت عقيدة الأشعري فاجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنيفية وفضلاء الحنابلة... كما قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيما بعد.

وكان صلاح الدين قد اعتنق المذهب الشافعي وعقيدة الأشعري فألزم بهما الناس." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس